التوحيد في الصفات

الأوّل: عينيّة الصفات مع الذات، وهذا ما تبنّاه أئمّة أهل البيت عليهم السلام واختاره الحكماء الإلهيون وعليه جمهور المتكلّمين من الإماميّة والمعتزلة وغيرهما.
Tuesday, May 8, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
التوحيد في الصفات
التوحيد في الصفات

اختلف الإلهيون في كيفية إجراء صفات الله الذاتية عليه سبحانه على قولين:
الأوّل: عينيّة الصفات مع الذات، وهذا ما تبنّاه أئمّة أهل البيت عليهم السلام واختاره الحكماء الإلهيون وعليه جمهور المتكلّمين من الإماميّة والمعتزلة وغيرهما.
والثاني: زيادتها على الذّات وهو مختار المشبِّهة من أصحاب الحديث والأشاعرة.
إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّ الصحيح هو القول بالعينيّة، فإنّ القول بالزيادة يستلزم افتقاره سبحانه في العلم بالأشياء وخلقه إيّاها إلى أُمور خارجة عن ذاته، فهو يعلم بعلم هو سوى ذاته، ويخلق بقدرة هي خارجة عن حقيقته وهكذا، والواجب بالذّات منزّه عن الاحتياج إلى غير ذاته، والأشاعرة وإن كانوا قائلين بأزليّة الصفات مع زيادتها على الذّات، لكنّ الأزلية لا ترفع الفقر والحاجة عنه، لأنّ الملازمة غير العينية، قال الإمام علي عليه السلام: "وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد جهله" .
وقال الإمام الصادق عليه السلام: "لم يزل الله جلّ وعزّ ربُّنا والعلم ذاته ولا معلوم، والسمع ذاته ولا مسموع، والبصر ذاته ولا مبصر، والقدرة ذاته ولا مقدور" .
إشكال وردّ
استشكل أنّه: لا شكّ أنّ لله تعالى صفات وأسماء مختلفة أُنهيت في الحديث النبوي المعروف إلى تسع وتسعين، فكيف يجتمع ذلك مع القول بالعينيّة ووحدة الذات والصفات؟
الجواب: كثرة الأسماء والصفات راجعة إلى عالم المفهوم، مع أنّ العينية ناظرة إلى مقام الواقع العيني، ولا يمتنع كون الشيء على درجة من الكمال يكون فيها كلّه علماً وقدرة وحياة ومع ذلك فينتزع منه باعتبارات مختلفة صفات متعدّدة متكثّرة، وهذا كما أنّ الإنسان الخارجي مثلاً بتمام وجوده مخلوق لله سبحانه، ومعلوم له ومقدور له، من دون أن يخصّ جزء منه بكونه معلوماً وجزء آخر بكونه مخلوقاً أو مقدوراً، بل كلّه معلوم وكلّه مخلوق، وكلّه مقدور.
التوحيد في الخالقية
دلّت البراهين العقليّة على أنّه ليس في الكون خالق أصيل إلّا الله سبحانه، وأنّ الموجودات الإمكانية مخلوقة لله تعالى وما يتبعها من الأفعال والآثار، حتى الإنسان وما يصدر منه، مستندة إليه سبحانه بلا مجاز وشائبة عناية، غاية الأمر أنّ ما في الكون مخلوق له إمّا بالمباشرة أو بالتسبيب.
وذلك لما عرفت من أنّه سبحانه هو الواجب الغني، وغيره ممكن بالذّات، ولا يعقل أن يكون الممكن غنيّاً في ذاته وفعله عن الواجب، فكما أنّ ذاته قائمة بالله سبحانه، فهكذا فعله، وهذا ما يعبّر عنه بالتوحيد في الخالقية. ومن عرف الممكن
حقّ المعرفة وأنّه الفقير الفاقد لكلّ شيء في حدّ ذاته، يعد المسألة بديهيّة.
هذا ما لدى العقل، وأمّا النقل فقد تضافرت النصوص القرآنية على أنّ الله سبحانه هو الخالق، ولا خالق سواه. وإليك نماذج من الآيات الواردة في هذا المجال:
﴿قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ .
﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ .
إلى غير ذلك من الآيات القرآنية الدالّة على ذلك.
التفسير الصحيح للتوحيد في الخالقية
إنّ المقصود من حصر الخالقية بالله تعالى هو الخالقية على سبيل الاستقلال وبالذات، وأمّا الخالقية المأذونة من جانبه تعالى فهي لا تنافي التوحيد في الخالقية. كما أنّ المراد من السببية الإمكانية (أعمّ من الطبيعيّة وغيرها) ليست في عرض السببية الإلهية، بل المقصود أنّ هناك نظاماً ثابتاً في عالم الكون تجري عليه الآثار الطبيعية والأفعال البشرية، فلكلّ شيء أثر تكويني خاصّ، كما أنّ لكلّ أثر وفعل مبدأً فاعلياً خاصّاً، فليس كلّ فاعل مبدأً لكلّ فعل، كما ليس كلّ فعل وأثر صادراً من كلّ مبدأ فاعلي، كلّ ذلك بإذن منه سبحانه، فهو الّذي أعطى السببيّة للنّار كما أعطى لها الوجود، فهي تؤثّر بإذن وتقدير منه سبحانه، هذا هو قانون العلّية العامّ الجاري في النظام الكوني الّذي يؤيّده الحسّ والتجربة وتبتني عليه حياة الإنسان في ناحية العلم والعمل.
وبهذا البيان يرتفع التنافي البدوي بين طائفتين من الآيات القرآنية، الطائفة الدالّة على حصر الخالقية بالله تعالى، والطائفة الدالّة على صحّة قانون العلّية والمعلولية واستناد الآثار إلى مبادئها القريبة، والشاهد على صحّة هذا الجمع، لفيف من الآيات وهي التي تسند الآثار إلى أسباب كونية خاصّة وفي عين الوقت
تسندها إلى الله سبحانه، وكذلك تسند بعض الأفعال إلى الإنسان أو غيره من ذوي العلم والشعور، وفي الوقت نفسه تسند نفس تلك الأفعال إلى مشيَّته سبحانه، وإليك فيما يلي نماذج من هذه الطائفة:
1- إنّ القرآن الكريم أسند حركة السحاب إلى الرياح وقال: ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا﴾ .
كما أسندها إلى الله تعالى وقال: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا﴾ .
2- إنّه تعالى نسب توفّي الموتى إلى الملائكة تارة وإلى نفسه أُخرى فقال: ﴿حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ .
وقال: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ .
3- إنّ القرآن يشير إلى كلتا النسبتين (أي نسبة الفعل إلى الله سبحانه وإلى الإنسان) في جملة ويقول: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى﴾ .
فهو يصف النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بأنّه قد رمى وينسبه إليه حقيقة ويقول: ﴿إِذْ رَمَيْتَ﴾ ومع ذلك يسلبه عنه ويرى أنّه سبحانه الرامي الحقيقي.
هذه المجموعة من الآيات وغيرها تُرشدك إلى النظرية الحقّة في تفسير التوحيد في الخالقية وهو كما تقدّم, أنّ الخالقية بالأصالة وبالذات وعلى وجه الاستقلال منحصرة فيه سبحانه، وغيره من الأسباب الكونيّة والفواعل الشاعرة إنّما تكون
مؤثِّرات وفواعل بإذنه تعالى ومشيَّته، وليست سببيّتها وفاعليّتها في عرض فاعليّته تعالى، بل في طولها.
الإجابة عن شبهات
قد عرفت أنّ خالقيّته تعالى عامّة لجميع الأشياء والحوادث، وكلّ ما في صفحة الوجود يستند إليه سبحانه، وعندئذٍ تطرح إشكالات أو شبهات يجب على المتكلّم الإجابة عنها، ونشير إلى اثنتين منها: 1 ـ شبهة الثنوية في خلق الشرور 2 ـ شبهة إسناد القبائح إلى الله تعالى.
الشبهة الأولى: الثنوية وشبهة الشرور:
نسب إلى الثنوية القول بتعدّد الخالق، واستدلّوا عليه بما يشاهد في عالم المادّة من الشرور والبلايا، قالوا: إنّ الشر يقابل الخير، فلا يصحّ استنادهما إلى مبدأ واحد، فزعموا أنّ هناك مبدأين: أحدهما: مبدأ الخيرات، وثانيهما: مبدأ الشرور.
الجواب: الشرّ أمر قياسي:
إِنَّ الشر أمر قياسي ليس له وجود نفسي وإِّنما يتجلّى عند النفس إذا قيس بعض الحوادث إلى بعض آخر، وإليك بيانه: إِنَّ القائلين بالثَّنوية يقولون إِنَّ الله سبحانه خير محض، فكيف خلق العقارب السّامة والحيَّات القاتلة والحيوانات المفترسة والسباع الضواري.
ولكنّهم غفلوا عن أنَّ اتصاف هذه الظواهر بالشرور اتصاف قياسي وليس باتصاف نفسي، فالعقرب بما هو ليس فيه أيّ شر، وإنما يتّصف به إذا قيس إلى الإِنسان الذي يتأذَّى من لسعته، فليس للشرّ واقعية في صفحة الوجود، بل هو أمرٌ انتزاعي تنتقل إليه النفس من حديث المقايسة، ولولاها لما كان للشرّ مفهوم وحقيقة.
وإنّ ما يستند إلى الجاعل أوّلاً وبالذّات هو وجوده النفسي، والمفروض أنّ وجود كلٍّ من المقيس والمقيس إليه، لا يتّصفان بالشرّ والبلاء، بل بالخير والكمال، وأمّا
الوجود الإضافيّ المنتزع من مقايسة أحد الظاهرتين مع الأخرى فليس أمراً واقعيّاً محتاجاً إلى مبدأ يُحقِّقها.
الشبهة الثانية: التوحيد في الخالقية وقبائح الأفعال:
ربّما يقال إنّ الالتزام بعمومية خالقيته تعالى لكلّ شيء يستلزم إسناد قبائح الأفعال إليه تعالى، وهذا ينافي تنزُّهه سبحانه من كلّ قبح وشين. بمعنى أن حصر الخالقية بالله تعالى يستلزم نسبة الأفعال القبيحة إليه لأنّها أمور مخلوقة أيضاً.
الجواب: إنّ للأفعال جهتين:
إنّ للأفعال جهتين، جهة الثبوت والوجود، وجهة استنادها إلى فواعلها بالمباشرة، فعنوان الطّاعة والمعصية ينتزع من الجهة الثانية، وما يستند إلى الله تعالى هي الجهة الأولى، والأفعال بهذا اللحاظ متّصفة بالحسن والجمال، أي الحسن التكويني.
وبعبارة أُخرى: عنوان الحسن والقبح المنطبق على الأفعال الصادرة عن فاعل شاعر مختار، هو الذي يدركه العقل العملي بلحاظ مطابقة الأفعال لأحكام العقل والشرع وعدمها، وهذا الحسن والقبح يرجع إلى الفاعل المباشر للفعل.
نعم أصل وجود الفعل ـ مع قطع النظر عن مقايسته إلى حكم العقل أو الشرع ـ يستند إلى الله تعالى وينتهي إلى إرادته سبحانه، والفعل بهذا الاعتبار لا يتّصف بالقبح، فإنّه وجود والوجود خير وحسن في حدّ ذاته.
قال سبحانه: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ . وقال تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ .
فكلّ شيء كما انّه مخلوق، فهو حسن، فالخلقة والحسن متصاحبان لا ينفكّ أحدهما عن الآخر أصلاً.
المفاهيم الرئيسة
- اختلف الإلهيّون في كيفية اتّصافه تعالى بصفات الذّات بين قائل بالعينية وقائل بالزيادة، والصحيح هو ما نادت به مدرسة أهل البيت عليهم السلام من العينيّة، وذلك لأنّ القول بالزيادة يستلزم خلو الذّات في نفسها عن هذا الكمال وافتقارها إلى غيرها.
- قد دلّ العقل والنقل على تفرّد الله تعالى بالخالقية بمعنى الاستقلالية في التأثير، وهذا مقتضى كونه تعالى واجب الوجود بالذّات وما سواه ممكن الوجود. قال تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾.
- أُثيرت العديد من الشبهات على كونه تعالى متفرّداً في الخالقية منها:
1- شبهة الثنوية في استلزام هذا التوحيد لإسناد الشرور إليه تعالى، وهو منزّه عن ذلك. والجواب: إنّ الشرّ أمر نسبي، وليس وصفاً للأشياء في نفسها، بل هي في نفسها خير.
2- الشبهة القائلة أنّ هذا التوحيد يستلزم إسناد قبائح الأفعال إليه تعالى. والجواب: إنّ اتّصاف الفعل بالقبح يرجع إلى ملاحظة الفاعل المباشر للفعل وهو غيره تعالى، وأمّا بلحاظ استناد
الفعل إليه تعالى فهو خير وحسن دائماً.
المصادر :
راسخون 2018
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.