من آفّات اللسان التي دعا الاسلام إلى اجتنابها والابتعاد عنها إضافة إلى ما سبق، الغيبة و بذاءة اللسان.
الصورة التي تقدّمها الآيات للغيبة، صورة إنسان يأكل لحم أخيه الميـِّت.
الغيبة
من الذنوب التي يقع الإنسان فيها بسبب لسانه الغيبة، وهي أن يذكر الإنسان أخاه بعيب هو فيه وهو يكره ذلك.
قال تعالى:﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ﴾1.
فهذه الآية تبيّن لنا الصورة الحقيقيّة للغيبة، وهي تتمثّل بصورة ميّت لا يتمكّن أن يدفع عن نفسه شيئاً، فيأتي إنسان آخر ليأكل لحمه.وكذلك الحال في المغتاب، فإنّه غائب لا يمكنه أن يدافع عن نفسه، وأنت تذكر عيباً هو فيه.
لماذا يقع الإنسان في الغيبة؟
إنّ لكلّ مرض خلقيّ أسبابه، وكذلك الحال في الغيبة، ومن أسبابها
1ـ الهزل، فإنّ الإنسان وبدافع إضحاك الآخرين، يتحدّث عن أحد إخوانه، بموقف مضحك وقع فيه، وهو بهذا يقع في غيبته.
2ـ المباهاة، نتيجة لما يراه الإنسان في نفسه من كِبْرٍ، فإنّه يسعى لذكر معايب غيره ليظهر محاسن نفسه.
3ـ المجاراة، كثيراً ما يقع الإنسان في الغيبة مجاراة لأصدقائه، فحيث لا يجد حديثاً يتحدّث به، يبدأ باستغابة الآخرين، ويجعلهم مادّة دسمة لأحاديثه ليقضي بذلك مجالس أُنسه وسمره.
عقاب الغيبة
1 ـ الفضيحة في الدين: عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:"يا معشر من أسلم بلسانه ولم يَخلص الإيمان إلى قلبه لا تذمّوا المسلمين، ولا تـتبّعوا عوراتهم فإنّ من تتبّع عوراتهم تتبّع الله عوراته، ومن تتبّع الله عوراته يفضحه ولو في بيته"2.
2 ـ الفضيحة في البرزخ: عن النبيّ صلى الله عليه واله وسلم:"مررت ليلة أسري بي على قوم يخمشون وجوههم بأظافيرهم
فقلت: يا جبرائيل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الّذين يغتابون الناس ويقعون في أعراضهم"3.
3 ـ الفضيحة في الآخرة: عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:"... من مشى في غيبة أخيه وكشف عورته كانت أوّل خطوة خطاها وضعها في جهنّم وكشف الله عورته على رؤوس الأشهاد"4.
4 ـ تحوّل حسانه إلى من اغتابه: عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم:"يؤتى بأحد يوم القيامة يوقف بين يدي الربّ عزّ وجلّ ويُرفع إليه كتابه فلا يرى حسناته فيه، فيقول: إلهي ليس هذا كتابي فإنّي لا أرى فيه حسناتي. فيُقال له: إنّ ربّك لا يضلّ ولا ينسى، ذهب عملك باغتياب الناس. ثمّ يؤتى بآخر ويُدفع إليه كتابه فيرى فيه طاعات كثيرة، فيقول: إلهي ما هذا كتابي فإنّي ما عملت هذه الطاعات، فيقال له: إنّ فلاناً اغتابك فدفع حسناته إليك"5.
كيف نعالج الغيبة؟
لا بدّ أوّلاً من التصميم على معالجة هذا المرض الأخلاقيّ، لا سيّما عندما يتّفق الأصدقاء والأصحاب مع بعضهم البعض على الابتعاد عن هذا المرض، فيذكّر أحدهم الآخر عند وقوعه به.كما أنّ على الإنسان أن يستحضر دائماً تلك الصورة القبيحة، التي صوّر فيها القرآن الغيبة، ويضع نفسه مكان المغتاب، فهل يرضى أن يكون كصورة ذلك الميت الذي لا يمكنه أن يدافع عن نفسه، وأخ له ينهش لحمه.وعليه ان يستحضر ذلك العذاب الذي اعده الله تعالى للمغتابين.
استنتاج
يقع الإنسان في الغيبة، إمّا بقصد الهزل أو المباهاة للآخرين، أو المجاراة للأصدقاء، وعلاج الغيبة يكون بالتّصميم والتعاهد بين الأصدقاء على عدم الوقوع في تلك المعصية.
بذاءة اللسان
من الذنوب اللسانيّة غير ما تقدّم، أن يرتكب الإنسان: الفحش، والسبّ والقذف.
فالفُحْش، عبارة عن الألفاظ القبيحة التي يراها الناس كذلك، كألفاظ العورة ونحو ذلك.
وأمّا السبّ، فهو الشتم، وهو عبارة عن إطلاق بعض الألفاظ كأسماء بعض الحيوانات على الغير بقصد إهانته وتحقيره.
وأمّا القذف، فهو اتّهام الغير بالزّنا أو وصفه بأنّه ابن زنا، أو ابن حرام ونحو ذلك.
الفحش هو التلفّظ بألفاظ قبيحة لدى العرف، والله عزّ وجلّ حرّم الجنـّة على الفحـّاش.
ورد عن رسول الله:"إنّ الله حَرَّمَ الجَنَّةَ على كُلِّ فَحّاشٍ بَذيءٍ، قليلِ الحياءِ، لا يُبالي ما قالَ ولا ما قيلَ لَهُ"6.
وعن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) في رجلين يتسابّان قال:"البادي مِنْهُما أَظْلَمُ، وَوِزْرَهُ وَوِزْرُ صَاحِبِهِ عَلَيْهِ، ما لَمْ يَعْتَذِرْ إِلى الْمَظْلومِ"7.
وفي الرواية أنّه كان لأبي عبد الله(عليه السلام) صديق لا يكاد يفارقه إذا ذهب مكاناً، فبينما هو يمشي معه في الحذّائين، ومعه غلام له سِنْدِيٌّ يمشي خلفهما، إذ التفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرّات فلم يرَه، فلمّا نظر في الرابعة قال: يا ابن الفاعلة أين كنت؟ قال: فرفع أبو عبد الله(عليه السلام) يده فصكَّ بها جبهة نفسه، ثمّ قال(عليه السلام):"سُبْحانَ الله تَقْذِفُ أُمَّهُ، قَدْ كُنْتُ أَرى أَنَّ لَكَ وَرَعَاً فَإِذا لَيْسَ لَكَ وَرَعٌ، فقال: جُعِلْتُ فداك إنَّ أمّه سنديّةٌ مشرِكةٌ، فقال: أَما عَلِمْتَ أَنَّ لِكُلِّ أَمّةٍ نِكاحاً؟ تَنَحَّ عَنيِّ، قال: فما رأيته يمشي معه حتّى فرَّق الموت بينهما. وفي رواية أخرى: إنّ لكلِّ أمّة نكاحاً يحتجزونَ به مَنَ الزِّنا"8.
الفحش هو التلفظ بالفاظ قبيحة لدى العرف,والله,عز وجل حرم الجنة على الفحاش.
علاج آفات اللسان
كما سبق وأشرنا فإنَّ آفات اللسان لا تُحصى، كذلك فإنَّ فضائل اللسان ومحاسنه لا حصر لها عند أهل الفضل والإيمان، الذين يخطّون نهجاً رسالياً في الحياة ونموذجاً يتأسّى به الناس، حيث كلّ كلمة تصدر منهم هي ذكر طيّب، ينشرون من خلاله الفضائل والقيم ويقيمون أحسن العلاقات بين الناس، ويتقرّبون بأخلاقهم الحسنة إلى الباري عزّ وجل، ولذلك وجب على الإنسان أن يتمتّع ببعض المواصفات التي تبعد عنه فلتات اللسان، منها الصدق في القول وقول الأحسن والتأدّب بآداب الإسلام في الحديث.
التأدب بآداب الإسلام
يجب على الإنسان المؤمن أن يتأدّب بأدب الإسلام في حديثه وكلامه حتّى لا يوقعه في المحذورات والمحرَّمات، وعليه أن يتفكَّر في الحديث قبل أن يتكلّم به؛ لأنّ"زلّةَ اللسانِ أشدُّ هلاكٍ"9 كما يقول أمير المؤمنين(عليه السلام). ومن الأمور التي ينبغي على المؤمن اتباعها في حديثه:
ـ ترك اللغو في الكلام: يقول تعالى في وصف المتّقين:﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾10.
ـ خفض الصوت: وهو الكلام بصورة هادئة دون جدال وصخب وصياح، لأنّ الصياح خصوصاً في حال النقاش والحوار، لإثبات الحجج، يقلّل من شأن المتحدّث ويسلب منه الوقار والحياء، لذلك كانت وصيّة لقمان لابنه في جملة مواعظه له: ﴿وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ﴾11. ولم يتوقّف الأمر في التوجيه عند هذا الحدّ، حيث يوجّه الله عبده في كيفية المناقشة بقوله: ﴿وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾12. ومن جملة معاني﴿الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ أن يتكلّم بصوت هادئ ومنخفض بشكل يعكس الثقة بالنفس والتمكّن من الفكرة.
ـ الإقلال من المزاح: المزاح في ذاته أمر لا بأس به بين الإخوان لما فيه من المفاكهة وإدخال السرور، ولكن كثرة المزاح لها آثار سيئة. يقول أمير المؤمنين(عليه السلام):"كَثْرَةُ المزاحِ تَذْهَبُ بِماءِ الوَجْهِ، وَكَثْرَةُ الضَّحِكِ تَمُجُّ الإيمانَ مَجّاً" 13.
أخيراً
إنّ الإنسان بعد أن علم أنّ الحساب يوم القيامة دقيق حتّى على مقدار الذرّة من القول والفعل، وحيث إنّ لديه من يحصي عليه أنفاسه وسكناته وكلامه:﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾14. يصبح من اللازم عليه أن يبادر لضبط الخلل الواقع في أقواله بناء على أمر الله تعالى:﴿فَلْيَتَّقُوا الله وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً﴾15.
الآثار السيئة لذنوب اللسان
ـ الكذب منشأ للنفاق: لأنّ الصدق يعني تطابق اللسان مع القلب، في حين أنّ الكذب يعني عدم تطابق اللسان مع القلب، وما النفاق إلا الاختلاف بين الظاهر والباطن.والآية 77 من سورة التوبة تبيّن لنا ذلك بوضوح:﴿ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ الله مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ﴾.
ـ لا انسجام بين الكذب والإيمان: وإضافة إلى الآية المباركة فثمّة أحاديث كثيرة تعكس لنا هذه الحقيقة الجليّة... فقد روي أنّ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) سُئل: يكون المؤمن جباناً؟ قال:"نعم"، قيل: ويكون بخيلاً؟ قال:"نعم"، قيل: يكون كذّاباً؟ قال:"لا". ذلك لأنّ الكذب من علائم النفاق، وهو لا يتّفق مع الإيمان.
ـ الكذب يرفع الاطمئنان: إنّ وجود الثقة والاطمئنان المتبادل من أهمّ ما يربط الناس فيما بينهم، والكذب من الأمور المؤثّرة في تفكيك هذه الرابطة لما يشيعه من خيانة وتقلّب، ولذلك كان تأكيد الإسلام على أهميّة الالتزام بالصدق وترك الكذب. ومن خلال الأحاديث الشريفة نلمس بكلّ جلاء نهي الأئمّة عن مصاحبة مجموعة معيّنة من الناس، منهم الكذّابون لعدم الثقة بهم. فعن عليّ (عليه السلام) أنّه قال:"إيّاك ومصادقة الكذّاب، فإنّه كالسراب يقرّب عليك البعيد ويُبعد عليك القريب"16.
قال أحد الشعراء في الغيبة
أَبْلِغْ أَبا وَهَبٍ إِذا ما لَقَيَتَهُ / بِأَنَّكَ شَرُّ النّاسِ غيباً لصاحِبِ
تُبدي لهُ بِشْراً إِذا ما لقيتَهُ /وَتَلْسَعُهُ بِالغَيبِ لَسْعَ عَقارِبِ
المصادر :
1- الحجرات، الآية: 12.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 354
3- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج72، ص 221.
4- جامع السعادات، النراقي، ج2، ص 232.
5- ميزان الحكمة،محمّد الريشهري، ج3، ص 2330.
6- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج60، ص 207.
7- الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 322.
8- م. ن. ج 2، ص 324.
9- عيون الحكم والمواعظ، ص 277.
10- المؤمنون: 3.
11-لقمان:19
12- النحل: 125.
13- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص664.
14- ق: 18.
15- النساء:9
16- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ـ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ـ ج8 ـ ص337 ـ 338.
الصورة التي تقدّمها الآيات للغيبة، صورة إنسان يأكل لحم أخيه الميـِّت.
الغيبة
من الذنوب التي يقع الإنسان فيها بسبب لسانه الغيبة، وهي أن يذكر الإنسان أخاه بعيب هو فيه وهو يكره ذلك.
قال تعالى:﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ﴾1.
فهذه الآية تبيّن لنا الصورة الحقيقيّة للغيبة، وهي تتمثّل بصورة ميّت لا يتمكّن أن يدفع عن نفسه شيئاً، فيأتي إنسان آخر ليأكل لحمه.وكذلك الحال في المغتاب، فإنّه غائب لا يمكنه أن يدافع عن نفسه، وأنت تذكر عيباً هو فيه.
لماذا يقع الإنسان في الغيبة؟
إنّ لكلّ مرض خلقيّ أسبابه، وكذلك الحال في الغيبة، ومن أسبابها
1ـ الهزل، فإنّ الإنسان وبدافع إضحاك الآخرين، يتحدّث عن أحد إخوانه، بموقف مضحك وقع فيه، وهو بهذا يقع في غيبته.
2ـ المباهاة، نتيجة لما يراه الإنسان في نفسه من كِبْرٍ، فإنّه يسعى لذكر معايب غيره ليظهر محاسن نفسه.
3ـ المجاراة، كثيراً ما يقع الإنسان في الغيبة مجاراة لأصدقائه، فحيث لا يجد حديثاً يتحدّث به، يبدأ باستغابة الآخرين، ويجعلهم مادّة دسمة لأحاديثه ليقضي بذلك مجالس أُنسه وسمره.
عقاب الغيبة
1 ـ الفضيحة في الدين: عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:"يا معشر من أسلم بلسانه ولم يَخلص الإيمان إلى قلبه لا تذمّوا المسلمين، ولا تـتبّعوا عوراتهم فإنّ من تتبّع عوراتهم تتبّع الله عوراته، ومن تتبّع الله عوراته يفضحه ولو في بيته"2.
2 ـ الفضيحة في البرزخ: عن النبيّ صلى الله عليه واله وسلم:"مررت ليلة أسري بي على قوم يخمشون وجوههم بأظافيرهم
فقلت: يا جبرائيل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الّذين يغتابون الناس ويقعون في أعراضهم"3.
3 ـ الفضيحة في الآخرة: عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:"... من مشى في غيبة أخيه وكشف عورته كانت أوّل خطوة خطاها وضعها في جهنّم وكشف الله عورته على رؤوس الأشهاد"4.
4 ـ تحوّل حسانه إلى من اغتابه: عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم:"يؤتى بأحد يوم القيامة يوقف بين يدي الربّ عزّ وجلّ ويُرفع إليه كتابه فلا يرى حسناته فيه، فيقول: إلهي ليس هذا كتابي فإنّي لا أرى فيه حسناتي. فيُقال له: إنّ ربّك لا يضلّ ولا ينسى، ذهب عملك باغتياب الناس. ثمّ يؤتى بآخر ويُدفع إليه كتابه فيرى فيه طاعات كثيرة، فيقول: إلهي ما هذا كتابي فإنّي ما عملت هذه الطاعات، فيقال له: إنّ فلاناً اغتابك فدفع حسناته إليك"5.
كيف نعالج الغيبة؟
لا بدّ أوّلاً من التصميم على معالجة هذا المرض الأخلاقيّ، لا سيّما عندما يتّفق الأصدقاء والأصحاب مع بعضهم البعض على الابتعاد عن هذا المرض، فيذكّر أحدهم الآخر عند وقوعه به.كما أنّ على الإنسان أن يستحضر دائماً تلك الصورة القبيحة، التي صوّر فيها القرآن الغيبة، ويضع نفسه مكان المغتاب، فهل يرضى أن يكون كصورة ذلك الميت الذي لا يمكنه أن يدافع عن نفسه، وأخ له ينهش لحمه.وعليه ان يستحضر ذلك العذاب الذي اعده الله تعالى للمغتابين.
استنتاج
يقع الإنسان في الغيبة، إمّا بقصد الهزل أو المباهاة للآخرين، أو المجاراة للأصدقاء، وعلاج الغيبة يكون بالتّصميم والتعاهد بين الأصدقاء على عدم الوقوع في تلك المعصية.
بذاءة اللسان
من الذنوب اللسانيّة غير ما تقدّم، أن يرتكب الإنسان: الفحش، والسبّ والقذف.
فالفُحْش، عبارة عن الألفاظ القبيحة التي يراها الناس كذلك، كألفاظ العورة ونحو ذلك.
وأمّا السبّ، فهو الشتم، وهو عبارة عن إطلاق بعض الألفاظ كأسماء بعض الحيوانات على الغير بقصد إهانته وتحقيره.
وأمّا القذف، فهو اتّهام الغير بالزّنا أو وصفه بأنّه ابن زنا، أو ابن حرام ونحو ذلك.
الفحش هو التلفّظ بألفاظ قبيحة لدى العرف، والله عزّ وجلّ حرّم الجنـّة على الفحـّاش.
ورد عن رسول الله:"إنّ الله حَرَّمَ الجَنَّةَ على كُلِّ فَحّاشٍ بَذيءٍ، قليلِ الحياءِ، لا يُبالي ما قالَ ولا ما قيلَ لَهُ"6.
وعن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) في رجلين يتسابّان قال:"البادي مِنْهُما أَظْلَمُ، وَوِزْرَهُ وَوِزْرُ صَاحِبِهِ عَلَيْهِ، ما لَمْ يَعْتَذِرْ إِلى الْمَظْلومِ"7.
وفي الرواية أنّه كان لأبي عبد الله(عليه السلام) صديق لا يكاد يفارقه إذا ذهب مكاناً، فبينما هو يمشي معه في الحذّائين، ومعه غلام له سِنْدِيٌّ يمشي خلفهما، إذ التفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرّات فلم يرَه، فلمّا نظر في الرابعة قال: يا ابن الفاعلة أين كنت؟ قال: فرفع أبو عبد الله(عليه السلام) يده فصكَّ بها جبهة نفسه، ثمّ قال(عليه السلام):"سُبْحانَ الله تَقْذِفُ أُمَّهُ، قَدْ كُنْتُ أَرى أَنَّ لَكَ وَرَعَاً فَإِذا لَيْسَ لَكَ وَرَعٌ، فقال: جُعِلْتُ فداك إنَّ أمّه سنديّةٌ مشرِكةٌ، فقال: أَما عَلِمْتَ أَنَّ لِكُلِّ أَمّةٍ نِكاحاً؟ تَنَحَّ عَنيِّ، قال: فما رأيته يمشي معه حتّى فرَّق الموت بينهما. وفي رواية أخرى: إنّ لكلِّ أمّة نكاحاً يحتجزونَ به مَنَ الزِّنا"8.
الفحش هو التلفظ بالفاظ قبيحة لدى العرف,والله,عز وجل حرم الجنة على الفحاش.
علاج آفات اللسان
كما سبق وأشرنا فإنَّ آفات اللسان لا تُحصى، كذلك فإنَّ فضائل اللسان ومحاسنه لا حصر لها عند أهل الفضل والإيمان، الذين يخطّون نهجاً رسالياً في الحياة ونموذجاً يتأسّى به الناس، حيث كلّ كلمة تصدر منهم هي ذكر طيّب، ينشرون من خلاله الفضائل والقيم ويقيمون أحسن العلاقات بين الناس، ويتقرّبون بأخلاقهم الحسنة إلى الباري عزّ وجل، ولذلك وجب على الإنسان أن يتمتّع ببعض المواصفات التي تبعد عنه فلتات اللسان، منها الصدق في القول وقول الأحسن والتأدّب بآداب الإسلام في الحديث.
التأدب بآداب الإسلام
يجب على الإنسان المؤمن أن يتأدّب بأدب الإسلام في حديثه وكلامه حتّى لا يوقعه في المحذورات والمحرَّمات، وعليه أن يتفكَّر في الحديث قبل أن يتكلّم به؛ لأنّ"زلّةَ اللسانِ أشدُّ هلاكٍ"9 كما يقول أمير المؤمنين(عليه السلام). ومن الأمور التي ينبغي على المؤمن اتباعها في حديثه:
ـ ترك اللغو في الكلام: يقول تعالى في وصف المتّقين:﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾10.
ـ خفض الصوت: وهو الكلام بصورة هادئة دون جدال وصخب وصياح، لأنّ الصياح خصوصاً في حال النقاش والحوار، لإثبات الحجج، يقلّل من شأن المتحدّث ويسلب منه الوقار والحياء، لذلك كانت وصيّة لقمان لابنه في جملة مواعظه له: ﴿وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ﴾11. ولم يتوقّف الأمر في التوجيه عند هذا الحدّ، حيث يوجّه الله عبده في كيفية المناقشة بقوله: ﴿وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾12. ومن جملة معاني﴿الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ أن يتكلّم بصوت هادئ ومنخفض بشكل يعكس الثقة بالنفس والتمكّن من الفكرة.
ـ الإقلال من المزاح: المزاح في ذاته أمر لا بأس به بين الإخوان لما فيه من المفاكهة وإدخال السرور، ولكن كثرة المزاح لها آثار سيئة. يقول أمير المؤمنين(عليه السلام):"كَثْرَةُ المزاحِ تَذْهَبُ بِماءِ الوَجْهِ، وَكَثْرَةُ الضَّحِكِ تَمُجُّ الإيمانَ مَجّاً" 13.
أخيراً
إنّ الإنسان بعد أن علم أنّ الحساب يوم القيامة دقيق حتّى على مقدار الذرّة من القول والفعل، وحيث إنّ لديه من يحصي عليه أنفاسه وسكناته وكلامه:﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾14. يصبح من اللازم عليه أن يبادر لضبط الخلل الواقع في أقواله بناء على أمر الله تعالى:﴿فَلْيَتَّقُوا الله وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً﴾15.
الآثار السيئة لذنوب اللسان
ـ الكذب منشأ للنفاق: لأنّ الصدق يعني تطابق اللسان مع القلب، في حين أنّ الكذب يعني عدم تطابق اللسان مع القلب، وما النفاق إلا الاختلاف بين الظاهر والباطن.والآية 77 من سورة التوبة تبيّن لنا ذلك بوضوح:﴿ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ الله مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ﴾.
ـ لا انسجام بين الكذب والإيمان: وإضافة إلى الآية المباركة فثمّة أحاديث كثيرة تعكس لنا هذه الحقيقة الجليّة... فقد روي أنّ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) سُئل: يكون المؤمن جباناً؟ قال:"نعم"، قيل: ويكون بخيلاً؟ قال:"نعم"، قيل: يكون كذّاباً؟ قال:"لا". ذلك لأنّ الكذب من علائم النفاق، وهو لا يتّفق مع الإيمان.
ـ الكذب يرفع الاطمئنان: إنّ وجود الثقة والاطمئنان المتبادل من أهمّ ما يربط الناس فيما بينهم، والكذب من الأمور المؤثّرة في تفكيك هذه الرابطة لما يشيعه من خيانة وتقلّب، ولذلك كان تأكيد الإسلام على أهميّة الالتزام بالصدق وترك الكذب. ومن خلال الأحاديث الشريفة نلمس بكلّ جلاء نهي الأئمّة عن مصاحبة مجموعة معيّنة من الناس، منهم الكذّابون لعدم الثقة بهم. فعن عليّ (عليه السلام) أنّه قال:"إيّاك ومصادقة الكذّاب، فإنّه كالسراب يقرّب عليك البعيد ويُبعد عليك القريب"16.
قال أحد الشعراء في الغيبة
أَبْلِغْ أَبا وَهَبٍ إِذا ما لَقَيَتَهُ / بِأَنَّكَ شَرُّ النّاسِ غيباً لصاحِبِ
تُبدي لهُ بِشْراً إِذا ما لقيتَهُ /وَتَلْسَعُهُ بِالغَيبِ لَسْعَ عَقارِبِ
المصادر :
1- الحجرات، الآية: 12.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 354
3- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج72، ص 221.
4- جامع السعادات، النراقي، ج2، ص 232.
5- ميزان الحكمة،محمّد الريشهري، ج3، ص 2330.
6- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج60، ص 207.
7- الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 322.
8- م. ن. ج 2، ص 324.
9- عيون الحكم والمواعظ، ص 277.
10- المؤمنون: 3.
11-لقمان:19
12- النحل: 125.
13- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص664.
14- ق: 18.
15- النساء:9
16- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ـ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ـ ج8 ـ ص337 ـ 338.