
العين أعظم جهاز خلقه الله عزَّ وجلَّ في هذا الإنسان، فهو طريقه ليتعرّف إلى العالم المحيط به، والإنسان بهذه العين يرى عجائب الكون التي هي آيات تدلّ على الله عزَّ وجلَّ، ولكن قد يسيء الاستفادة من هذه العين فتعود بالسوء عليه وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"كم من نظرة جلبت حسرة"1.
لا تتحقّق تزكية النفس في ظلِّ عدم غضّ البصر.
1 ـ لماذا الحثّ على غضِّ البصر؟
قد يسأل أحدهم وما المشكلة في نظرة عابرة إذا لم تؤدِ إلى الوقوع في الحرام؟ فهي نظرة تنتهي بانتهاء المشهد العابر.
ولكنّ الجواب: إنّ هذه العين هي جهاز يتولّى وظيفة نقل الصور، ولكنّ هذه الصور سوف تنطبع في القلب، فترسخ في عقل الإنسان، وتترك آثارها على روحه، ولذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله:"العيون طلائع القلوب"2. وفي الآية الكريمة نقرأ:﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾3.
إنّ هذه النظرة العابرة تتحوّل باباً لمعصية الله عزَّ وجلَّ، لأنّها تعمي القلب عن الإبصار الحقيقي ففي الرواية عن عليّ (عليه السلام):"إذا أبصرت العين الشهوة عمي القلب عن العاقبة"4. فيتعطّل تفكير هذا الإنسان ويسلّم أمره إلى شهوته التي تسير به حيث تشاء.
ولكن تظهر حسرة الإنسان في يوم القيامة على هذه النظرة؛ وذلك لأنّه في ذلك اليوم سوف تنكشف له عاقبة هذه النظرة التي وقع فيها.
2 ـ فوائد غض البصر
لو أمسك الإنسان بقوَّة إرادته هذه العين من أن تسير به نحو المعاصي فإنّه سوف يحصد ثماراً مهمّة في تربية نفسه والسلوك بها نحو طاعة الله عزَّ وجلَّ، وفوائد ذلك:
1 ـ حلاوة العبادة: إنّ العبادة التي تُقرِّب هذا الإنسان من الله عزَّ وجلَّ هي تلك العبادة التي يلتذُّ بها الإنسان، لأنّه يؤدِّيها وهو مُقبِلٌ بقلبه إلى الله عزَّ وجلَّ، ومتى ارتكب الإنسان المعاصي، وشغلته عينه عن التفكير في العبادة، وأخذت به للتفكير ناحية المشهد الذي انطبع في عقله بسبب ما رأته هذه العين فلن يذوق حلاوة العبادة.
وفي الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):"ما من مسلم ينظر امرأة أوّل رمقة، ثمّ يغضُّ بصره إلّا أحدث الله تعالى له عبادة يجد حلاوتها في قلبه"5.
2 ـ الحصانة: إذا كانت النظرة باباً من أبواب الذنوب؛ فإنّ غضَّ النظر هو باب من أبواب تحصين هذه النفس من ارتكاب الذنوب. ففي الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام):"ما اعتصم أحدٌ بمثل ما اعتصم بغضّ البصر، فإنّ البصر لا يغضّ عن محارم الله إلّا وقد سبق إلى قلبه مشاهدة العظمة والجلال"6.
3 ـ كيف نغض بصرنا؟
إنَّ أبرز الوسائل المساعدة على غضِّ البصر هي التفكير بعاقبة النظرة المحرَّمة، وما قد تؤدِّي إليه من الوقوع في معصية الله.
إذا كنت شخصاً تعتبر نفسك في عداد عباد الله المؤمنين فعليك أن تعلم أنّ النظر إلى ما يحرم النظر إليه ليس من صفات المؤمنين. فالشخص الذي يتجاوز بنظره عمّا سمح الله به يستحي منه ومن صحبته المؤمنون.
تهذيب السمع
قال تعالى:﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾7.تتحدَّث الآية بوضوح عن مسؤوليَّة الإنسان تجاه حاسَّة السمع، وهذه المسؤولية تنبع من الاختيار الإنسانيّ، فالأذن تسمع كلَّ شيء، ولكنَّ إرادة الإنسان هي التي تتحكَّم بهذه الأذن، فتستفيد منها في طاعة الله لا في معصية الله.
اجتنب من الاستماع للأغاني
ورد النهي الشديد في الآيات وفي الروايات عن الاستماع لما يكون موجباً لغضب الله عزَّ وجلَّ ومن ذلك الغناء. قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ 8. وقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال:"الغناء ممّا وعد الله عليه النار"9. ثمَّ تلا هذه الآية.إنَّ الغناء هو ترجيع الصوت المناسب لمجالس اللهو، فهو باب من الأبواب التي تدعو الإنسان للوقوع في المعاصي. واجتناب هذه المجالس يحصّن الإنسان من الوقوع في المعاصي.
ولذا لم يقتصر التحذير من الاستماع إلى الأغاني، بل ورد التحذير من الحضور في مجالس الغناء؛ لأنَّ ذلك يتنافى مع شخصيّة الإنسان المؤمن، بل يؤدِّي ذلك إلى التشجيع على ارتكاب هذه الفاحشة.إنّ الاستماع إلى الغناء يؤثِّر في القلب، كما هو الحال في النظرة المحرَّمة، وشيئاً فشيئاً يزداد تأثيره إلى أن يتحوَّل الإنسان من الإيمان إلى النفاق؛ قال الرسول (صلى الله عليه واله وسلم):"إيَّاكم واستماع المعازف والغناء، فإنَّهما يُنبِتَان النفاقَ في القلب كما يُنبِتُ الماءُ البقلَ"10.
ألا قُل لِسكّانِ ذاك الحِمى هنيئاً لَكم في الجنانِ الخلودُ
أفيضوا علينا مِنَ الماءِ فَيضاً فنحنُ عُطاشٌ وأنتم ورودُ
فأجابه السيّد بحر العلوم بالأبيات التالية:
ألا قُل لمولىً يرى مِن بعيدِ / جمالَ الحبيب بعينِ الشهودِ
لكَ الفضلُ مِن غائبٍ شاهدِ /على شاهدٍ غائبٍ بالصدودِ
فنحن على الماءِ نشكو الظما / وأنتم على بُعدِكم بالورودِ
ويعبّر العلامة الطباطبائي صاحب (تفسير الميزان) عن هذين العالمين وعن السيّد ابن طاووس وابن فهد الحلّي بالرجال (الكُمّل).فحقّاً إنّهم رجال قد أكملوا نفوسهم بكمال الأخلاق، وقمّة مكارمها في التواضع والتوادد والتعاون وتبادل الآراء وتلاقح الأفكار، فيا ليتنا نكون بعضاً منهم.والحاجة لأن نكون مثل هؤلاء الرجال (الكُمّل) يفرضها الواقع الاجتماعيّ المؤسف الذي يتألّم منه المخلصون الواعون اليوم أكثر من الأمس!
فقد قال بعض العباد:خرجت يوماً إلى المقابر، فرأيت بهلول، فقلت:ما تصنع ها هنا؟
قال: أجالس قوماً لا يؤذونني، وإن غفلتُ عن الآخرة يذكّرونني، وإن غبتُ عنهم لم يغتابوني!11
المصادر :
1- تحف العقول، الحرّاني، ص90.
2-ميزان الحكمة، الريشهري، ج4، ص3288.
3- النور:30.
4- ميزان الحكمة، محمّدن الريشهري، ج4 ص 3288.
5- ميزان الحكمة، الريشهري، ج4، ص3292.
6-م.ن، ج4، ص3293.
7- الإسراء: 36.
8- لقمان: 6.
9- الكافي، الكليني، ج6، ص431.
10-ميزان الحكمة، محمّد الرشيهري، ج3، ص2312.
11-قصص وخواطر، عبد العظيم المهتدي البحراني، ص148 (بتصرّف).
لا تتحقّق تزكية النفس في ظلِّ عدم غضّ البصر.
1 ـ لماذا الحثّ على غضِّ البصر؟
قد يسأل أحدهم وما المشكلة في نظرة عابرة إذا لم تؤدِ إلى الوقوع في الحرام؟ فهي نظرة تنتهي بانتهاء المشهد العابر.
ولكنّ الجواب: إنّ هذه العين هي جهاز يتولّى وظيفة نقل الصور، ولكنّ هذه الصور سوف تنطبع في القلب، فترسخ في عقل الإنسان، وتترك آثارها على روحه، ولذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله:"العيون طلائع القلوب"2. وفي الآية الكريمة نقرأ:﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾3.
إنّ هذه النظرة العابرة تتحوّل باباً لمعصية الله عزَّ وجلَّ، لأنّها تعمي القلب عن الإبصار الحقيقي ففي الرواية عن عليّ (عليه السلام):"إذا أبصرت العين الشهوة عمي القلب عن العاقبة"4. فيتعطّل تفكير هذا الإنسان ويسلّم أمره إلى شهوته التي تسير به حيث تشاء.
ولكن تظهر حسرة الإنسان في يوم القيامة على هذه النظرة؛ وذلك لأنّه في ذلك اليوم سوف تنكشف له عاقبة هذه النظرة التي وقع فيها.
2 ـ فوائد غض البصر
لو أمسك الإنسان بقوَّة إرادته هذه العين من أن تسير به نحو المعاصي فإنّه سوف يحصد ثماراً مهمّة في تربية نفسه والسلوك بها نحو طاعة الله عزَّ وجلَّ، وفوائد ذلك:
1 ـ حلاوة العبادة: إنّ العبادة التي تُقرِّب هذا الإنسان من الله عزَّ وجلَّ هي تلك العبادة التي يلتذُّ بها الإنسان، لأنّه يؤدِّيها وهو مُقبِلٌ بقلبه إلى الله عزَّ وجلَّ، ومتى ارتكب الإنسان المعاصي، وشغلته عينه عن التفكير في العبادة، وأخذت به للتفكير ناحية المشهد الذي انطبع في عقله بسبب ما رأته هذه العين فلن يذوق حلاوة العبادة.
وفي الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):"ما من مسلم ينظر امرأة أوّل رمقة، ثمّ يغضُّ بصره إلّا أحدث الله تعالى له عبادة يجد حلاوتها في قلبه"5.
2 ـ الحصانة: إذا كانت النظرة باباً من أبواب الذنوب؛ فإنّ غضَّ النظر هو باب من أبواب تحصين هذه النفس من ارتكاب الذنوب. ففي الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام):"ما اعتصم أحدٌ بمثل ما اعتصم بغضّ البصر، فإنّ البصر لا يغضّ عن محارم الله إلّا وقد سبق إلى قلبه مشاهدة العظمة والجلال"6.
3 ـ كيف نغض بصرنا؟
إنَّ أبرز الوسائل المساعدة على غضِّ البصر هي التفكير بعاقبة النظرة المحرَّمة، وما قد تؤدِّي إليه من الوقوع في معصية الله.
إذا كنت شخصاً تعتبر نفسك في عداد عباد الله المؤمنين فعليك أن تعلم أنّ النظر إلى ما يحرم النظر إليه ليس من صفات المؤمنين. فالشخص الذي يتجاوز بنظره عمّا سمح الله به يستحي منه ومن صحبته المؤمنون.
تهذيب السمع
قال تعالى:﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾7.تتحدَّث الآية بوضوح عن مسؤوليَّة الإنسان تجاه حاسَّة السمع، وهذه المسؤولية تنبع من الاختيار الإنسانيّ، فالأذن تسمع كلَّ شيء، ولكنَّ إرادة الإنسان هي التي تتحكَّم بهذه الأذن، فتستفيد منها في طاعة الله لا في معصية الله.
اجتنب من الاستماع للأغاني
ورد النهي الشديد في الآيات وفي الروايات عن الاستماع لما يكون موجباً لغضب الله عزَّ وجلَّ ومن ذلك الغناء. قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ 8. وقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال:"الغناء ممّا وعد الله عليه النار"9. ثمَّ تلا هذه الآية.إنَّ الغناء هو ترجيع الصوت المناسب لمجالس اللهو، فهو باب من الأبواب التي تدعو الإنسان للوقوع في المعاصي. واجتناب هذه المجالس يحصّن الإنسان من الوقوع في المعاصي.
ولذا لم يقتصر التحذير من الاستماع إلى الأغاني، بل ورد التحذير من الحضور في مجالس الغناء؛ لأنَّ ذلك يتنافى مع شخصيّة الإنسان المؤمن، بل يؤدِّي ذلك إلى التشجيع على ارتكاب هذه الفاحشة.إنّ الاستماع إلى الغناء يؤثِّر في القلب، كما هو الحال في النظرة المحرَّمة، وشيئاً فشيئاً يزداد تأثيره إلى أن يتحوَّل الإنسان من الإيمان إلى النفاق؛ قال الرسول (صلى الله عليه واله وسلم):"إيَّاكم واستماع المعازف والغناء، فإنَّهما يُنبِتَان النفاقَ في القلب كما يُنبِتُ الماءُ البقلَ"10.
من أدب العلماء
ألّف العلّامة النراقي ـ المتوفّى سنة 1209هـ كتاباً في الأخلاق بعثه إلى المجتهد الكبير آية الله السيّد بحر العلوم في النجف الأشرف ليرى ملاحظاته عليه، وضمّنه أبياتاً من الشعر يخاطبه فيه:ألا قُل لِسكّانِ ذاك الحِمى هنيئاً لَكم في الجنانِ الخلودُ
أفيضوا علينا مِنَ الماءِ فَيضاً فنحنُ عُطاشٌ وأنتم ورودُ
فأجابه السيّد بحر العلوم بالأبيات التالية:
ألا قُل لمولىً يرى مِن بعيدِ / جمالَ الحبيب بعينِ الشهودِ
لكَ الفضلُ مِن غائبٍ شاهدِ /على شاهدٍ غائبٍ بالصدودِ
فنحن على الماءِ نشكو الظما / وأنتم على بُعدِكم بالورودِ
ويعبّر العلامة الطباطبائي صاحب (تفسير الميزان) عن هذين العالمين وعن السيّد ابن طاووس وابن فهد الحلّي بالرجال (الكُمّل).فحقّاً إنّهم رجال قد أكملوا نفوسهم بكمال الأخلاق، وقمّة مكارمها في التواضع والتوادد والتعاون وتبادل الآراء وتلاقح الأفكار، فيا ليتنا نكون بعضاً منهم.والحاجة لأن نكون مثل هؤلاء الرجال (الكُمّل) يفرضها الواقع الاجتماعيّ المؤسف الذي يتألّم منه المخلصون الواعون اليوم أكثر من الأمس!
فقد قال بعض العباد:خرجت يوماً إلى المقابر، فرأيت بهلول، فقلت:ما تصنع ها هنا؟
قال: أجالس قوماً لا يؤذونني، وإن غفلتُ عن الآخرة يذكّرونني، وإن غبتُ عنهم لم يغتابوني!11
المصادر :
1- تحف العقول، الحرّاني، ص90.
2-ميزان الحكمة، الريشهري، ج4، ص3288.
3- النور:30.
4- ميزان الحكمة، محمّدن الريشهري، ج4 ص 3288.
5- ميزان الحكمة، الريشهري، ج4، ص3292.
6-م.ن، ج4، ص3293.
7- الإسراء: 36.
8- لقمان: 6.
9- الكافي، الكليني، ج6، ص431.
10-ميزان الحكمة، محمّد الرشيهري، ج3، ص2312.
11-قصص وخواطر، عبد العظيم المهتدي البحراني، ص148 (بتصرّف).