إن كل إنسان معرض للخطأ ولا ينجو من الوقوع فيه إلا من عصم اللَّه يقول تعالى: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) والتوفيق هو أن يتنبه الإنسان لنفسه أنه يسير على خطأ ما، أو أنه لم يتوفق بعد للوصول إلى كمال من الكمالات السامية، وهذه هي بداية التوفيق الإلهي حيث هي نقطة التحول نحو الهداية. يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون )) ( 1).
وهنا يحتاج الإنسان أن يقوم بمكاشفة صريحة مع نفسه من أجل تصحيح الخطأ، ويتساءل كيف أتمكن من الإقلاع عن ذنوبي وكيف أستطيع أن أغير أخطائي ونواقصي.وتزداد أهمية المكاشفة، وضخامة المهمة كلما كان الخطأ قد تحول إلى عادة ذلك لأن (( العادة طبع ثان ))، (( وللعادة على كل إنسان سلطان ))، وبذلك تتحول العادة إلى خصم غالب على الإنسان (( العادات قاهرات )) كما في تعابير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
والاستغفار تصميم على تغيير السلوكيات الخاطئه وان تحولت إلى عادة ألفها الإنسان فترة طويلة.
ولعل في الأمر شيئاً من الصعوبة، ولكن ما أعطاه اللَّه للإنسان من إرادة وعزم، وعقل وقدرة على الاختيار، كل ذلك يتيح للإنسان التغلب على نواقصه وأخطائه.
صحيح أن التوفيق الإلهي لا بد من حصوله حتى يتمكن الإنسان من التغيير، ولكن التوفيق تابع لإرادة الإنسان واختياره، فالذين يختارون الصلاح بإرادتهم أولاً يوفقهم اللَّه للصلاح.
(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ)
أما الذين لم يختاروا الهداية فإن اللَّه لا يهديهم (أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ)
إن هداية اللَّه للإنسان تعقب اختيار الإنسان لها.. كما لا يصح للإنسان أن يحتج بتحكم عادته منه، لأن بإمكانه أن يستخدم سلاح الإرادة ضد عادته.
لقد استخدم المسلمون الأوائل إرداتهم وتخلصوا من الشرك واعتنقوا الإسلام، رغم أن عادات الشرك كانت قد تحكمت فيهم، وأصبحت جزءاً لا ينفك من حياتهم.
وهؤلاء الذين يدخلون الإسلام حديثاً كيف يستطيعون أن يتخلصوا من عاداتهم المشابهة؟!
وقد نقلت جريدة الشرق الأوسط قبل أيام تقريراً عن خواطر بعض المسلمين الذين أسلموا حديثاً، وكان من بينهم السفير الألماني السابق الدكتور (( مراد هوفمان )) ذكر فيه:أنه كان مولعاً بشرب الخمر وكان خبيراً بأنواعه المختلفة، وكان يتصور ان من الصعب عليه جداً أن يترك الخمر وأنه لن يستطيع أن ينام جيداً دون جرعة من الخمر!! ولكنه حينما اقتنع بالإسلام والتزم بأوامره، تسلح بالإرادة وتغلب على تلك العادة الخاطئة المتأصلة في حياته.
إن أهمية استحضار هذا المعنى الكبير للاستغفار في شهر رمضان خصوصاً، وفي هذه الليالي الأواخر منه تحديداً لأن الفرصة الآن لا تزال مؤاتية لاستمطار بركات اللَّه والحصول على عونه في تحقيق الأغراض والأهداف الحقيقة للإنسان خلال هذا الشهر الكريم.
قوة الدعاء:
والأدعية التي يقرأها المؤمن في هذا الشهر الكريم ليست هي بذاتها -كما يظن البعض- العلة التامة لحصول المغفرة، بل إنها وسيلة لتذكير الإنسان، وصرخة لدفعه، وأرضية روحية تهيؤه للتغيير والتحول، فإن كان ثمة خطأ يحتاج إلى التغيير فليكن قرارك الآن بتغييره.
فمثلاً: كيف تتعامل مع أداء الصلاة؟ هل تؤديها لوقتها أم تتساهل فيها؟
وهل تواظب على صلاة الجماعة أم لا؟
وإذا كنت مستطيعاً للحج فكيف يجب أن تصل إلى قرار بالحج؟!
وماذا عن أداء الحقوق الشرعية كالخمس والزكاة؟ إذا كنت لم تحاسب نفسك لأداء الخمس فلتتخذ قرارك هذه الليالي، لتكون أموالك طاهرة، وأكلك وشربك حلالاً، وبيتك الذي تصلى فيه وثياب صلاتك لتكن مباحة فذلك شرط لصحة الصلاة، ولا يتم كل ذلك إذا لم تؤد الحقوق الشرعية.
وفي الجانب السلوكي كيف هو تعاملك مع عائلتك؟ هل أنت قائم بواجباتك تجاه والديك وزوجتك وأولادك؟ وأين هو مجال التقصير والنقص؟
وفي العلاقات الاجتماعية هل لديك عداء مع أحد؟ ولماذا تستمر في العداء مع آخرين من أبناء مجتمعك؟
وحتى في العادات الشخصية كالتدخين والعادات غير المناسبة صحياً أو اقتصادياً، عليك أن تتحلى بالشجاعة لاتخاذ قرارات التغيير والتحول تجاهها.
صعوبة القرار:إن تلاوة القرآن وقراءة الأدعية المأثورة، والوعي بقيمة الزمن المبارك كليلة القدر، كل ذلك يحفز إرادة الإنسان، ويستنهض شجاعته، ويستثير ثقته بنفسه، ليتخذ القرارات الصعبة التي يغيّر بها، الخطأ من عاداته وممارساته.
كما أن للأجواء المحيطة بالإنسان أن كانت صالحة أثراً كبيراً في مساعدته على التحّول إلى الخير والصلاح. وعلى العكس من ذلك لو كان ضمن أجواء سلبية فاسدة، فليكن قراره الأول هو مغادرتها والتخلص منها.
نرجو أن يوفق اللَّه الجميع لاغتنام فرصة هذه الليالي المباركة لاتخاذ القرارات التغييرية نحو الأفضل، ولو اتخذ كل إنسان منا ولو قراراً واحداً صالحاً، والتزم به طوال السنة لأدركنا خيراً كثيراً.
إن البعض قد يقرر ولكنه يضعف ويتراجع عند التنفيذ، والبعض يلتزم بقراره لفترة ثم يتساهل ويميّع قراره، وهذا يكشف أنه لا يحترم نفسه ولا يقدّر التزاماته تجاهها.
يقول الإمام الصادق عليه السلام: (( من عمل عملاً من أعمال الخير فليدم عليه سنة ولا يقطعه دونها )) ( 2).
في عيد المحبة والصفاء
لا للخصومات
تعكّر الخصومات صفو حياة الأفراد، وتزوّر من اهتمامات المجتمع، وتزّيف من توجهاته.
حيث تستهلك الخصومة جانباً كبيراً من اهتمام الإنسان، وتستنزف الكثير من طاقته، فيصرف فيها جهداً، ويبذل من أجل تسجيل الانتصار فيها فكراً وعصباً، كان الأجدر به أن يوجهه للبناء والتنمية والرقي نحو الخير..وكلما تخلصت المجتمعات من سطوة الخصومات وأزمة النزاعات استطاعت أن تركز جهودها من أجل تحقيق المصلحة الإيجابية العامة والهدف الأكبر النبيل.
أرضية الخصومة:
والخصومة قد يكون سببها الاعتداء على الحقوق أو وهم الاعتداء..إن تلاوة القرآن وقراءة الأدعية المأثورة، والوعي بقيمة الزمن المبارك كليلة القدر، كل ذلك يحفز إرادة الإنسان، ويستنهض شجاعته، ويستثير ثقته بنفسه، ليتخذ القرارات الصعبة التي يغيّر بها، الخطأ من عاداته وممارساته.
كما أن للأجواء المحيطة بالإنسان أن كانت صالحة أثراً كبيراً في مساعدته على التحّول إلى الخير والصلاح. وعلى العكس من ذلك لو كان ضمن أجواء سلبية فاسدة، فليكن قراره الأول هو مغادرتها والتخلص منها.
نرجو أن يوفق اللَّه الجميع لاغتنام فرصة هذه الليالي المباركة لاتخاذ القرارات التغييرية نحو الأفضل، ولو اتخذ كل إنسان منا ولو قراراً واحداً صالحاً، والتزم به طوال السنة لأدركنا خيراً كثيراً.
إن البعض قد يقرر ولكنه يضعف ويتراجع عند التنفيذ، والبعض يلتزم بقراره لفترة ثم يتساهل ويميّع قراره، وهذا يكشف أنه لا يحترم نفسه ولا يقدّر التزاماته تجاهها.
يقول الإمام الصادق عليه السلام: (( من عمل عملاً من أعمال الخير فليدم عليه سنة ولا يقطعه دونها ))
في عيد المحبة والصفاء
لا للخصومات
تعكّر الخصومات صفو حياة الأفراد، وتزوّر من اهتمامات المجتمع، وتزّيف من توجهاته.
حيث تستهلك الخصومة جانباً كبيراً من اهتمام الإنسان، وتستنزف الكثير من طاقته، فيصرف فيها جهداً، ويبذل من أجل تسجيل الانتصار فيها فكراً وعصباً، كان الأجدر به أن يوجهه للبناء والتنمية والرقي نحو الخير..وكلما تخلصت المجتمعات من سطوة الخصومات وأزمة النزاعات استطاعت أن تركز جهودها من أجل تحقيق المصلحة الإيجابية العامة والهدف الأكبر النبيل.
أرضية الخصومة:
والخصومة قد يكون سببها الاعتداء على الحقوق أو وهم الاعتداء..{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ.لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ}
{وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}
ثانياً: أن الخيار الوحيد المتاح للإنسان من أجل إقناع الغير بما يعتقد به هو ويراه صحيحاً هو الحوار والمجادلة، أما العداوة والمخاصمة فإنها ليست عاجزة عن إقناع الطرف الآخر فحسب، بل ومن شأنها أن تحوله الى عدو لدود، وعندما تنعكس المعادلة تنعكس النتيجة {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}
ويؤكد القرآن الكريم على أن الجدال والنقاش مع أهل الكتاب إما أن يكون بالتي هي أحسن، أو لا يكون أصلاً {وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}ويقول تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}
ثالثاً: إذا كان يجوز لك أن تعادي الناس وتخاصمهم لأنهم تمسكوا بقناعاتهم دون قناعتك، فإن ذلك يعني أن لهم نفس الحق في التعامل معك بنفس الأسلوب، والحال انك لا تقبل بذلك، وتود لو أن الناس يحترمون عقيدتك وقناعاتك، وما دمت كذلك فـ (( عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به )).
ويقول الإمام علي عليه السلام: (( اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك أحبب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها )).وتأسيساً على هذه الحقائق فان الإسلام لم يشرع الجهاد والحرب مع الكفار إلا في حالة الدفاع، إذا ما قاموا بالاعتداء على المسلمين، أو في حالة صدهم وتعويقهم لنشر الإسلام والدعوة إليه. وفي غير ذلك فإن الإسلام يدعو إلى حسن التعامل مع الآخرين يقول تعالى: {لاَ يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}
في الدائرة الإسلامية:
وإذا كانت الخصومة مع أصحاب الديانات الأخرى مرفوضة، فهي مع أصحاب المذاهب الأخرى في الدين الواحد أولى بالرفض..
حيث ينطبق عنوان الإسلام على جميع المسلمين و (( كل المسلم على المسلم حرام ماله ودمه وعرضه )).
بل المطلوب من أصحاب كل مذهب أن ينفتحوا على المذاهب الأخرى، وقد أدب أئمة أهل البيت عليهم السلام تلامذتهم على ذلك.
عن معاوية بن وهب قلت للإمام جعفر الصادق عليه السلام: (( كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممن ليسوا على أمرنا؟ قال: تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون فواللَّه إنهم ليعودون مرضاهم ويشهدون جنائزهم ويقيمون الشهادة لهم وعليهم ويؤدون الأمانة إليهم ))
والدائرة الأضيق ضمن الدائرة الإسلامية هي الدائرة المذهبية، حيث قد تتعدد المدارس والتوجهات ضمن المذهب الواحد، ففي المذهب الجعفري مثلاً هناك التمايز بين الأخباريين والأصوليين في مناهج الاستنباط، وهناك الاختلاف بين الشيخية وغيرهم في بعض الآراء المرتبطة بمقام أهل البيت عليهم السلام. ثم هناك الانتماءات السياسية والاجتماعية وتعدد مراجع التقليد.
لكن هذا الاختلاف والتمايز لا يصح أبداً أن يكون مبرراً للخصومة والعداء بين أبناء المذهب الواحد والدين الواحد.إن المجتمع حينما يكون ملتزماً بالآداب الإسلامية ومدركاً لضرر الخصومة عليه، وحينما يكون ناضجاً في تعامله مع تكاليفه الشرعية، فإنه سوف يحوّل كل مسألة مختلف عليها علميا إلى نقطة قوة تضاف الى رصيده، لا عنصر تفجير وأزمة.
وأمامنا نموذج الاختلاف في إثبات الهلال، وهي مسألة أضحت هذه الأيام مثار اهتمام الشعوب المسلمة كلها، حيث من الممكن جداً أن تعلن العيد بعض الدول الإسلامية في يوم والدول الإسلامية الأخرى في يوم آخر..
وحتى داخل المذهب الواحد يمكن أن يختلف الرأي حول ثبوت الهلال أو عدم ثبوته.
فهل يصح أن يكون مثل هذا الاختلاف سبباً لخصومة أو نزاع داخل المجتمع؟
نظرة فقهية:
ولكي نعالج الموضوع من زاويته الفقهية، لا بد لنا من ذكر مقدمة..
وهي أن المكلف أمامه خطاب تكليفي واضح بالصوم في حالة عدم ثبوت هلال شوال، والإفطار في حالة ثبوته، وما لم يحصل له الاطمئنان بثبوت الهلال فلا يجوز له الإفطار بل عليه إكمال عدة الشهر ثلاثين يوماً.
أما الاطمئنان فإنه يحصل بأحد الطرق الشرعية -المذكورة في الكتب الفقهية، وهي أن يرى الهلال بنفسه أو يشهد عادلان أو يحصل شياع وتواتر.
وبما أن الحكم دائر مدار الاطمئنان عبر أحد الطرق المزبورة، فمن أيها حصل وجب على المكلف ترتيب الأثر عليه.
وحيث إن أكثرية المكلفين لا يرون الهلال غالباً، كما أنه ليس من الميسور لكل أحد أن يستمع إلى شهادة عادلين برؤيته، وقد لا يحصل الشياع في حالات كثيرة، لكل ذلك اعتاد الناس على الركون إلى رأي العلماء المتصدين لهذه القضية، والذين هم موضع ثقتهم واطمئنانهم، وإذا ما أثبته عالم يُطمئن بالتزامه بالضوابط اللازمة، فإن الناس الواثقين به يرتبون الأثر العملي على كلامه..
وهنا يجب التأكيد على قضيتين هامتين جداً..أولاً: حينما يرتب كل مكلف الأثر الشرعي الناشئ من اطمئنانه أو عدمه فلا يجوز في حالة الاختلاف أن يعادي هذا ذاك أو العكس، لأن كلا من الطرفين قد عمل بتكليفه الشرعي، والالتزام بالحكم الشرعي في مسألة لا يجوز أن يكون سبباً للخصام، فلو استضاف إنسان شخصاً مسافراً في بيته وصلى المسافر قصراً فلا يجوز لصاحب البيت أن يعاديه لذلك!! ولو اختلف جماعة في تحديد جهة القبلة، وصلى كل منهم إلى الجهة التي يعتقد أو يظن أنها القبلة، فلا يجوز أن يكون ذلك سبباً للخصومة. نعم يمكن لكل منهم أن يبين سبب تمسكه بهذا الرأي دون ذاك، مع مراعاة أدب الحوار وفقه الاختلاف.
ثانياً: إن اعتماد الناس على آراء العلماء في إثبات الهلال أو عدمه لأنهم أقدر على تطبيق الموازين الشرعية، غير أن ذلك لا يصح أن يكون دافعاً لتحويل عملية إثبات الهلال أو نفيه إلى حالة فئوية، تذهب فيه كل فئة إلى رأي العالم الذي تميل إليه، مع غض النظر عن أقوال بقية العلماء..
وهذا لا يمكن أن يتم إلا إذا كان ذلك العالم هو الوحيد في نظرهم الذي يمكن أن يورث رأيه الاطمئنان أمّا غيره من العلماء فلا قيمة لكلامهم.
إنه لا يصح تحويل هذه المسألة الشرعية إلى قضية فئوية، فإذا ما حصل الاطمئنان للمكلف بهلال شوال من إثبات أي عالم موثوق لديه، فيجب عليه أن يرتب الأثر على ذلك، وإذا لم يحصل له الاطمئنان بثبوته فلا يرتب الأثر ولو كان من أثبته مرجع تقليده، فليس هناك ارتباط بين مرجع التقليد والمكلف في هذه القضية الموضوعية، فقد يطمئن المكلف بأحد الطرق الشرعية فيفطر بينما يكون مرجعه صائماً وبالعكس اللَّهم الأعلى مبنى نفوذ حكم الحاكم الشرعي إذا لم يعلم خطأ مستنده.
وإذا ما انطلق كل مكلف من التزامه الشرعي فإنه يجب أن يقدر التزامات الآخرين أيضاً ويحسن الظن بهم.
عيد المحبة والصفاء:إن من المفروض أن نعمل جميعاً ليكون العيد مناسبة لنشر أجواء المحبة والصفاء، وتعميق المودة والإخاء بين المؤمنين والمسلمين. لذا من المهم الالتفات إلى الأمور التالية:
1- الاهتمام بموضوع الاستهلال فهو سنّة ينبغي المواظبة عليها فكلما ازداد عدد المستهلين كانت فرص رؤية الهلال اكبر في الليلة المحتملة.
صلى الله عليه وآله وسلم- أن يدلي من رأى الهلال بشهادته عند كل العلماء المتصدين في بلده ولا يقتصر على الذهاب لبعضهم دون البعض، ليكون جميع العلماء المتصدين في جو متقارب يساعد على وحدة الموقف.
3- أن ندفع ونشجع باتجاه أن يلتقي العلماء المتصدين لإثبات الهلال مع بعضهم ويتشاوروا فيما بينهم لاتخاذ موقف موحد يريح الناس من عناء الاختلاف.
4- أن تحترم كل جهة رأي الجهة الأخرى عند الاختلاف في ثبوت الهلال فمن افطر أو صام فذلك تكليفه الشرعي بينه وبين ربه، ولا يصح اتهام النوايا، ولا إساءة الظن، ولا الاعتداء على حقوق الآخرين وتشويه سمعتهم، أو التهريج ضدهم.
5- أن ننشر ثقافة التسامح، وتعاليم الإسلام في حسن العشرة والتعامل مع الناس وإن اختلفوا في أديانهم ومذاهبهم وآرائهم وانتماءاتهم، فهناك أحاديث عديدة وردت عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام تنهى عن الخصومة في الدين، ولا أدري لماذا نتجاهل هذه الأحاديث ولا نتداولها مع حاجة الساحة إليها.؟؟
فعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (( فلا تخاصموا الناس لدينكم فإن المخاصمة ممرضة للقلب ))
وعنه أيضاً عليه السلام: (( إياكم والخصومة في الدين فإنها تشغل القلب عن ذكر اللَّه عز وجل وتورث النفاق وتكسب الضغائن )) وعن علي بن يقطين قال: قال أبو الحسن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام: (( مر أصحابك أن يكفوا من ألسنتهم ويدعوا الخصومة في الدين ويجتهدوا في عبادة اللَّه عز وجل )) ( 3).
وفي هذه الروايات إشارة إلى مضاعفات الخصومة في الدين فهي:أ - تؤذي الإنسان نفسياً (ممرضة للقلب).
ب- تسبب الأحقاد والعدوات في المجتمع (تكسب الضغائن).
جـ- تشغل الإنسان عن الاهتمامات الحقيقية (تشغل القلب عن ذكر اللَّه).
المصادر :
1- الدرّ المنثور : ج 1 ص 626 نقلاً عن أحمد في الزهد عن قتادة .
2- دعائم الإسلام : 1/214 .
3- التوحيد : 460 / 29 ، مشكاة الأنوار : 135 / 310 ، بحارالأنوار : 84 / 262 / 61 .
وهنا يحتاج الإنسان أن يقوم بمكاشفة صريحة مع نفسه من أجل تصحيح الخطأ، ويتساءل كيف أتمكن من الإقلاع عن ذنوبي وكيف أستطيع أن أغير أخطائي ونواقصي.وتزداد أهمية المكاشفة، وضخامة المهمة كلما كان الخطأ قد تحول إلى عادة ذلك لأن (( العادة طبع ثان ))، (( وللعادة على كل إنسان سلطان ))، وبذلك تتحول العادة إلى خصم غالب على الإنسان (( العادات قاهرات )) كما في تعابير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
والاستغفار تصميم على تغيير السلوكيات الخاطئه وان تحولت إلى عادة ألفها الإنسان فترة طويلة.
ولعل في الأمر شيئاً من الصعوبة، ولكن ما أعطاه اللَّه للإنسان من إرادة وعزم، وعقل وقدرة على الاختيار، كل ذلك يتيح للإنسان التغلب على نواقصه وأخطائه.
صحيح أن التوفيق الإلهي لا بد من حصوله حتى يتمكن الإنسان من التغيير، ولكن التوفيق تابع لإرادة الإنسان واختياره، فالذين يختارون الصلاح بإرادتهم أولاً يوفقهم اللَّه للصلاح.
(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ)
أما الذين لم يختاروا الهداية فإن اللَّه لا يهديهم (أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ)
إن هداية اللَّه للإنسان تعقب اختيار الإنسان لها.. كما لا يصح للإنسان أن يحتج بتحكم عادته منه، لأن بإمكانه أن يستخدم سلاح الإرادة ضد عادته.
لقد استخدم المسلمون الأوائل إرداتهم وتخلصوا من الشرك واعتنقوا الإسلام، رغم أن عادات الشرك كانت قد تحكمت فيهم، وأصبحت جزءاً لا ينفك من حياتهم.
وهؤلاء الذين يدخلون الإسلام حديثاً كيف يستطيعون أن يتخلصوا من عاداتهم المشابهة؟!
وقد نقلت جريدة الشرق الأوسط قبل أيام تقريراً عن خواطر بعض المسلمين الذين أسلموا حديثاً، وكان من بينهم السفير الألماني السابق الدكتور (( مراد هوفمان )) ذكر فيه:أنه كان مولعاً بشرب الخمر وكان خبيراً بأنواعه المختلفة، وكان يتصور ان من الصعب عليه جداً أن يترك الخمر وأنه لن يستطيع أن ينام جيداً دون جرعة من الخمر!! ولكنه حينما اقتنع بالإسلام والتزم بأوامره، تسلح بالإرادة وتغلب على تلك العادة الخاطئة المتأصلة في حياته.
إن أهمية استحضار هذا المعنى الكبير للاستغفار في شهر رمضان خصوصاً، وفي هذه الليالي الأواخر منه تحديداً لأن الفرصة الآن لا تزال مؤاتية لاستمطار بركات اللَّه والحصول على عونه في تحقيق الأغراض والأهداف الحقيقة للإنسان خلال هذا الشهر الكريم.
قوة الدعاء:
والأدعية التي يقرأها المؤمن في هذا الشهر الكريم ليست هي بذاتها -كما يظن البعض- العلة التامة لحصول المغفرة، بل إنها وسيلة لتذكير الإنسان، وصرخة لدفعه، وأرضية روحية تهيؤه للتغيير والتحول، فإن كان ثمة خطأ يحتاج إلى التغيير فليكن قرارك الآن بتغييره.
فمثلاً: كيف تتعامل مع أداء الصلاة؟ هل تؤديها لوقتها أم تتساهل فيها؟
وهل تواظب على صلاة الجماعة أم لا؟
وإذا كنت مستطيعاً للحج فكيف يجب أن تصل إلى قرار بالحج؟!
وماذا عن أداء الحقوق الشرعية كالخمس والزكاة؟ إذا كنت لم تحاسب نفسك لأداء الخمس فلتتخذ قرارك هذه الليالي، لتكون أموالك طاهرة، وأكلك وشربك حلالاً، وبيتك الذي تصلى فيه وثياب صلاتك لتكن مباحة فذلك شرط لصحة الصلاة، ولا يتم كل ذلك إذا لم تؤد الحقوق الشرعية.
وفي الجانب السلوكي كيف هو تعاملك مع عائلتك؟ هل أنت قائم بواجباتك تجاه والديك وزوجتك وأولادك؟ وأين هو مجال التقصير والنقص؟
وفي العلاقات الاجتماعية هل لديك عداء مع أحد؟ ولماذا تستمر في العداء مع آخرين من أبناء مجتمعك؟
وحتى في العادات الشخصية كالتدخين والعادات غير المناسبة صحياً أو اقتصادياً، عليك أن تتحلى بالشجاعة لاتخاذ قرارات التغيير والتحول تجاهها.
صعوبة القرار:إن تلاوة القرآن وقراءة الأدعية المأثورة، والوعي بقيمة الزمن المبارك كليلة القدر، كل ذلك يحفز إرادة الإنسان، ويستنهض شجاعته، ويستثير ثقته بنفسه، ليتخذ القرارات الصعبة التي يغيّر بها، الخطأ من عاداته وممارساته.
كما أن للأجواء المحيطة بالإنسان أن كانت صالحة أثراً كبيراً في مساعدته على التحّول إلى الخير والصلاح. وعلى العكس من ذلك لو كان ضمن أجواء سلبية فاسدة، فليكن قراره الأول هو مغادرتها والتخلص منها.
نرجو أن يوفق اللَّه الجميع لاغتنام فرصة هذه الليالي المباركة لاتخاذ القرارات التغييرية نحو الأفضل، ولو اتخذ كل إنسان منا ولو قراراً واحداً صالحاً، والتزم به طوال السنة لأدركنا خيراً كثيراً.
إن البعض قد يقرر ولكنه يضعف ويتراجع عند التنفيذ، والبعض يلتزم بقراره لفترة ثم يتساهل ويميّع قراره، وهذا يكشف أنه لا يحترم نفسه ولا يقدّر التزاماته تجاهها.
يقول الإمام الصادق عليه السلام: (( من عمل عملاً من أعمال الخير فليدم عليه سنة ولا يقطعه دونها )) ( 2).
في عيد المحبة والصفاء
لا للخصومات
تعكّر الخصومات صفو حياة الأفراد، وتزوّر من اهتمامات المجتمع، وتزّيف من توجهاته.
حيث تستهلك الخصومة جانباً كبيراً من اهتمام الإنسان، وتستنزف الكثير من طاقته، فيصرف فيها جهداً، ويبذل من أجل تسجيل الانتصار فيها فكراً وعصباً، كان الأجدر به أن يوجهه للبناء والتنمية والرقي نحو الخير..وكلما تخلصت المجتمعات من سطوة الخصومات وأزمة النزاعات استطاعت أن تركز جهودها من أجل تحقيق المصلحة الإيجابية العامة والهدف الأكبر النبيل.
أرضية الخصومة:
والخصومة قد يكون سببها الاعتداء على الحقوق أو وهم الاعتداء..إن تلاوة القرآن وقراءة الأدعية المأثورة، والوعي بقيمة الزمن المبارك كليلة القدر، كل ذلك يحفز إرادة الإنسان، ويستنهض شجاعته، ويستثير ثقته بنفسه، ليتخذ القرارات الصعبة التي يغيّر بها، الخطأ من عاداته وممارساته.
كما أن للأجواء المحيطة بالإنسان أن كانت صالحة أثراً كبيراً في مساعدته على التحّول إلى الخير والصلاح. وعلى العكس من ذلك لو كان ضمن أجواء سلبية فاسدة، فليكن قراره الأول هو مغادرتها والتخلص منها.
نرجو أن يوفق اللَّه الجميع لاغتنام فرصة هذه الليالي المباركة لاتخاذ القرارات التغييرية نحو الأفضل، ولو اتخذ كل إنسان منا ولو قراراً واحداً صالحاً، والتزم به طوال السنة لأدركنا خيراً كثيراً.
إن البعض قد يقرر ولكنه يضعف ويتراجع عند التنفيذ، والبعض يلتزم بقراره لفترة ثم يتساهل ويميّع قراره، وهذا يكشف أنه لا يحترم نفسه ولا يقدّر التزاماته تجاهها.
يقول الإمام الصادق عليه السلام: (( من عمل عملاً من أعمال الخير فليدم عليه سنة ولا يقطعه دونها ))
في عيد المحبة والصفاء
لا للخصومات
تعكّر الخصومات صفو حياة الأفراد، وتزوّر من اهتمامات المجتمع، وتزّيف من توجهاته.
حيث تستهلك الخصومة جانباً كبيراً من اهتمام الإنسان، وتستنزف الكثير من طاقته، فيصرف فيها جهداً، ويبذل من أجل تسجيل الانتصار فيها فكراً وعصباً، كان الأجدر به أن يوجهه للبناء والتنمية والرقي نحو الخير..وكلما تخلصت المجتمعات من سطوة الخصومات وأزمة النزاعات استطاعت أن تركز جهودها من أجل تحقيق المصلحة الإيجابية العامة والهدف الأكبر النبيل.
أرضية الخصومة:
والخصومة قد يكون سببها الاعتداء على الحقوق أو وهم الاعتداء..{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ.لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ}
{وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}
ثانياً: أن الخيار الوحيد المتاح للإنسان من أجل إقناع الغير بما يعتقد به هو ويراه صحيحاً هو الحوار والمجادلة، أما العداوة والمخاصمة فإنها ليست عاجزة عن إقناع الطرف الآخر فحسب، بل ومن شأنها أن تحوله الى عدو لدود، وعندما تنعكس المعادلة تنعكس النتيجة {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}
ويؤكد القرآن الكريم على أن الجدال والنقاش مع أهل الكتاب إما أن يكون بالتي هي أحسن، أو لا يكون أصلاً {وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}ويقول تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}
ثالثاً: إذا كان يجوز لك أن تعادي الناس وتخاصمهم لأنهم تمسكوا بقناعاتهم دون قناعتك، فإن ذلك يعني أن لهم نفس الحق في التعامل معك بنفس الأسلوب، والحال انك لا تقبل بذلك، وتود لو أن الناس يحترمون عقيدتك وقناعاتك، وما دمت كذلك فـ (( عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به )).
ويقول الإمام علي عليه السلام: (( اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك أحبب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها )).وتأسيساً على هذه الحقائق فان الإسلام لم يشرع الجهاد والحرب مع الكفار إلا في حالة الدفاع، إذا ما قاموا بالاعتداء على المسلمين، أو في حالة صدهم وتعويقهم لنشر الإسلام والدعوة إليه. وفي غير ذلك فإن الإسلام يدعو إلى حسن التعامل مع الآخرين يقول تعالى: {لاَ يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}
في الدائرة الإسلامية:
وإذا كانت الخصومة مع أصحاب الديانات الأخرى مرفوضة، فهي مع أصحاب المذاهب الأخرى في الدين الواحد أولى بالرفض..
حيث ينطبق عنوان الإسلام على جميع المسلمين و (( كل المسلم على المسلم حرام ماله ودمه وعرضه )).
بل المطلوب من أصحاب كل مذهب أن ينفتحوا على المذاهب الأخرى، وقد أدب أئمة أهل البيت عليهم السلام تلامذتهم على ذلك.
عن معاوية بن وهب قلت للإمام جعفر الصادق عليه السلام: (( كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممن ليسوا على أمرنا؟ قال: تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون فواللَّه إنهم ليعودون مرضاهم ويشهدون جنائزهم ويقيمون الشهادة لهم وعليهم ويؤدون الأمانة إليهم ))
والدائرة الأضيق ضمن الدائرة الإسلامية هي الدائرة المذهبية، حيث قد تتعدد المدارس والتوجهات ضمن المذهب الواحد، ففي المذهب الجعفري مثلاً هناك التمايز بين الأخباريين والأصوليين في مناهج الاستنباط، وهناك الاختلاف بين الشيخية وغيرهم في بعض الآراء المرتبطة بمقام أهل البيت عليهم السلام. ثم هناك الانتماءات السياسية والاجتماعية وتعدد مراجع التقليد.
لكن هذا الاختلاف والتمايز لا يصح أبداً أن يكون مبرراً للخصومة والعداء بين أبناء المذهب الواحد والدين الواحد.إن المجتمع حينما يكون ملتزماً بالآداب الإسلامية ومدركاً لضرر الخصومة عليه، وحينما يكون ناضجاً في تعامله مع تكاليفه الشرعية، فإنه سوف يحوّل كل مسألة مختلف عليها علميا إلى نقطة قوة تضاف الى رصيده، لا عنصر تفجير وأزمة.
وأمامنا نموذج الاختلاف في إثبات الهلال، وهي مسألة أضحت هذه الأيام مثار اهتمام الشعوب المسلمة كلها، حيث من الممكن جداً أن تعلن العيد بعض الدول الإسلامية في يوم والدول الإسلامية الأخرى في يوم آخر..
وحتى داخل المذهب الواحد يمكن أن يختلف الرأي حول ثبوت الهلال أو عدم ثبوته.
فهل يصح أن يكون مثل هذا الاختلاف سبباً لخصومة أو نزاع داخل المجتمع؟
نظرة فقهية:
ولكي نعالج الموضوع من زاويته الفقهية، لا بد لنا من ذكر مقدمة..
وهي أن المكلف أمامه خطاب تكليفي واضح بالصوم في حالة عدم ثبوت هلال شوال، والإفطار في حالة ثبوته، وما لم يحصل له الاطمئنان بثبوت الهلال فلا يجوز له الإفطار بل عليه إكمال عدة الشهر ثلاثين يوماً.
أما الاطمئنان فإنه يحصل بأحد الطرق الشرعية -المذكورة في الكتب الفقهية، وهي أن يرى الهلال بنفسه أو يشهد عادلان أو يحصل شياع وتواتر.
وبما أن الحكم دائر مدار الاطمئنان عبر أحد الطرق المزبورة، فمن أيها حصل وجب على المكلف ترتيب الأثر عليه.
وحيث إن أكثرية المكلفين لا يرون الهلال غالباً، كما أنه ليس من الميسور لكل أحد أن يستمع إلى شهادة عادلين برؤيته، وقد لا يحصل الشياع في حالات كثيرة، لكل ذلك اعتاد الناس على الركون إلى رأي العلماء المتصدين لهذه القضية، والذين هم موضع ثقتهم واطمئنانهم، وإذا ما أثبته عالم يُطمئن بالتزامه بالضوابط اللازمة، فإن الناس الواثقين به يرتبون الأثر العملي على كلامه..
وهنا يجب التأكيد على قضيتين هامتين جداً..أولاً: حينما يرتب كل مكلف الأثر الشرعي الناشئ من اطمئنانه أو عدمه فلا يجوز في حالة الاختلاف أن يعادي هذا ذاك أو العكس، لأن كلا من الطرفين قد عمل بتكليفه الشرعي، والالتزام بالحكم الشرعي في مسألة لا يجوز أن يكون سبباً للخصام، فلو استضاف إنسان شخصاً مسافراً في بيته وصلى المسافر قصراً فلا يجوز لصاحب البيت أن يعاديه لذلك!! ولو اختلف جماعة في تحديد جهة القبلة، وصلى كل منهم إلى الجهة التي يعتقد أو يظن أنها القبلة، فلا يجوز أن يكون ذلك سبباً للخصومة. نعم يمكن لكل منهم أن يبين سبب تمسكه بهذا الرأي دون ذاك، مع مراعاة أدب الحوار وفقه الاختلاف.
ثانياً: إن اعتماد الناس على آراء العلماء في إثبات الهلال أو عدمه لأنهم أقدر على تطبيق الموازين الشرعية، غير أن ذلك لا يصح أن يكون دافعاً لتحويل عملية إثبات الهلال أو نفيه إلى حالة فئوية، تذهب فيه كل فئة إلى رأي العالم الذي تميل إليه، مع غض النظر عن أقوال بقية العلماء..
وهذا لا يمكن أن يتم إلا إذا كان ذلك العالم هو الوحيد في نظرهم الذي يمكن أن يورث رأيه الاطمئنان أمّا غيره من العلماء فلا قيمة لكلامهم.
إنه لا يصح تحويل هذه المسألة الشرعية إلى قضية فئوية، فإذا ما حصل الاطمئنان للمكلف بهلال شوال من إثبات أي عالم موثوق لديه، فيجب عليه أن يرتب الأثر على ذلك، وإذا لم يحصل له الاطمئنان بثبوته فلا يرتب الأثر ولو كان من أثبته مرجع تقليده، فليس هناك ارتباط بين مرجع التقليد والمكلف في هذه القضية الموضوعية، فقد يطمئن المكلف بأحد الطرق الشرعية فيفطر بينما يكون مرجعه صائماً وبالعكس اللَّهم الأعلى مبنى نفوذ حكم الحاكم الشرعي إذا لم يعلم خطأ مستنده.
وإذا ما انطلق كل مكلف من التزامه الشرعي فإنه يجب أن يقدر التزامات الآخرين أيضاً ويحسن الظن بهم.
عيد المحبة والصفاء:إن من المفروض أن نعمل جميعاً ليكون العيد مناسبة لنشر أجواء المحبة والصفاء، وتعميق المودة والإخاء بين المؤمنين والمسلمين. لذا من المهم الالتفات إلى الأمور التالية:
1- الاهتمام بموضوع الاستهلال فهو سنّة ينبغي المواظبة عليها فكلما ازداد عدد المستهلين كانت فرص رؤية الهلال اكبر في الليلة المحتملة.
صلى الله عليه وآله وسلم- أن يدلي من رأى الهلال بشهادته عند كل العلماء المتصدين في بلده ولا يقتصر على الذهاب لبعضهم دون البعض، ليكون جميع العلماء المتصدين في جو متقارب يساعد على وحدة الموقف.
3- أن ندفع ونشجع باتجاه أن يلتقي العلماء المتصدين لإثبات الهلال مع بعضهم ويتشاوروا فيما بينهم لاتخاذ موقف موحد يريح الناس من عناء الاختلاف.
4- أن تحترم كل جهة رأي الجهة الأخرى عند الاختلاف في ثبوت الهلال فمن افطر أو صام فذلك تكليفه الشرعي بينه وبين ربه، ولا يصح اتهام النوايا، ولا إساءة الظن، ولا الاعتداء على حقوق الآخرين وتشويه سمعتهم، أو التهريج ضدهم.
5- أن ننشر ثقافة التسامح، وتعاليم الإسلام في حسن العشرة والتعامل مع الناس وإن اختلفوا في أديانهم ومذاهبهم وآرائهم وانتماءاتهم، فهناك أحاديث عديدة وردت عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام تنهى عن الخصومة في الدين، ولا أدري لماذا نتجاهل هذه الأحاديث ولا نتداولها مع حاجة الساحة إليها.؟؟
فعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (( فلا تخاصموا الناس لدينكم فإن المخاصمة ممرضة للقلب ))
وعنه أيضاً عليه السلام: (( إياكم والخصومة في الدين فإنها تشغل القلب عن ذكر اللَّه عز وجل وتورث النفاق وتكسب الضغائن )) وعن علي بن يقطين قال: قال أبو الحسن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام: (( مر أصحابك أن يكفوا من ألسنتهم ويدعوا الخصومة في الدين ويجتهدوا في عبادة اللَّه عز وجل )) ( 3).
وفي هذه الروايات إشارة إلى مضاعفات الخصومة في الدين فهي:أ - تؤذي الإنسان نفسياً (ممرضة للقلب).
ب- تسبب الأحقاد والعدوات في المجتمع (تكسب الضغائن).
جـ- تشغل الإنسان عن الاهتمامات الحقيقية (تشغل القلب عن ذكر اللَّه).
المصادر :
1- الدرّ المنثور : ج 1 ص 626 نقلاً عن أحمد في الزهد عن قتادة .
2- دعائم الإسلام : 1/214 .
3- التوحيد : 460 / 29 ، مشكاة الأنوار : 135 / 310 ، بحارالأنوار : 84 / 262 / 61 .