بناء الانسان في رمضان

البناية التي تفقد القواعد الثابتة، والأسس الرصينة في جوف الأرض، تكون مهددة بالانهيار والتحطم، ولا يطمئن الإنسان بالجلوس داخلها أو حولها.
Sunday, May 20, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
بناء الانسان في رمضان
 بناء الانسان في رمضان

البناية التي تفقد القواعد الثابتة، والأسس الرصينة في جوف الأرض، تكون مهددة بالانهيار والتحطم، ولا يطمئن الإنسان بالجلوس داخلها أو حولها.
وبنفس المعادلة: المبدأ أو القانون الذي لا يمتلك قواعد وأسس ثابتة في النفوس يكون معرضا دائما للمخالفة والانحراف.. وتكون ثقة الناس فيه مهزوزة..
والله سبحانه وتعالى حينما شرع الإسلام وأراد من الناس الإلزام به والمواظبة على تطبيقه جعل له أصولا راسخة وقواعد متينة تشد الناس إلى تنفيذه وعدم الاختلاف عليه والانحراف عنه.
وتلك الأصول والقواعد هي: الأفكار والعقائد الإسلامية
" أصول الدين". فإن أول ما يهتم به الإسلام هو اعتناق الإنسان لهذه العقائد لتكون الأرضية الخصبة لتقبل الفرائض والأحكام الشرعية (فروع الدين).
والآيات الكثيرة- في القرآن الحكيم- التي تحث على العمل الصالح أو تشيد بالقائمين به إنما تذكرة كمرحلة ثانية للعقيدة. يقول القرآن الحكيم وهو يصنف الناس في الحياة إلى فاشلين وناجحين: (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات.. ) العصر- ا-3 ومن مفهوم الآية أن من يعمل الصالحات مع فقدانه للإيمان يكون في قائمة الخاسرين.
وفي آية أخرى يقرر أن العمل الصالح لا يمكن أن يؤدي عطاءه إلا بالإيمان: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة) (1)
والنبي- صلى الله عليه وآله- حينما يعرف الدين يقول: " إقرار بالجنان وتصديق باللسان وعمل بالأركان" فالإقرار بالجنان الذي هو العقيدة هو جواز المرور إلى ساحة الدين الإسلامي.
***و تفسير هذا الاهتمام الكبير بالعقيدة لأن فيها علاج جميع المشاكل والتساؤلات التي قد يثيرها الإنسان حول الأحكام والتشريعات بالإضافة إلى أنها هي التي تحفز الإنسان للقيام بالتكاليف الشرعية وتخلق لديه الرقابة الداخلية على التطبيق والالتزام.
والذي يتشبث بفروع الدين و جزئياته دون أصوله وقواعده فإنه غير مضمون الاستقامة والالتزام حيث يفقد الضمير الديني والذي تخلقها لعقيدة، وتزدحم لديه علامات الاستفهام حول اكثر الأحكام والفرائض.
وهذه هي المشكلة التي تجعل أكثر شبابنا يقف موقفا سلبيا تجاه كثير من القضايا الشرعية لأنه تلقاها منفصلة عن جذور العقيدة وأصول المبدأ. فالدين الذي عنده كالعمارة التي تفقد القواعد الصلبة والجسور القوية من الطبيعي أن تنهار.
فحينما تخاطب الشاب عن الصلاة: لماذا لا تصلى؟ فانه يجابهك : بل لماذا أصلي؟ !!
وفي مثل هذا الموقف إذا لم يكن للشاب ثروة عقيدية فمن الصعب جدا أن تقنعه بضرورة الصلاة من خلال سرد فوائدها الصحية أو عطائها الاجتماعي.
وتبدو عوارض هذه المشكلة جلية في مثل هذه الأيام حيث يطل علينا شهر رمضان المبارك بأجوائه الروحية وأحكامه الخاصة وذكرياته الخالدة، وحيث نلتقي بالكثير من الأفراد- المسلمين بالهوية- الذين لا يصومون أو لا يقتنعون بالصوم.
وهؤلاء إذا كانوا معتنقين لأفكار الإسلام فمن السهل إقناعهم، حيث أن من أوليات العقائد الإسلامية الاعتقاد بعدالة الله تعالى وحكمته، وذلك يفرض علينا أن لا نتهمه تعالى بالظلم أو بالعبث في التشريع، وإذا كان الصوم من التشريعات الإلهية فلا بد أن يكون صالحا ومهما للحياة، بالإضافة إلى ما نلاحظه من منافع وفوائد يقدمها الصوم للمجتمع.
أما إذا كان الطرف المقابل يفقد النضج العقائدي فعلينا أن نبدأ معه من جديد في ألف باء الإسلام..ولعل من فوائد شهر رمضان المبارك أنه يثير في المجتمع موجة من التساؤل والالتفات والتفكير نحو الدين فعلينا أن نستغل أجواء هذا الموسم الرسالي لنعيد للناس ثقتهم بعقيدتهم ومبدئهم ونلفتهم إلى مواقع القوة والاستفادة في تشريعاته العظيمة التي يحتل الصوم منها جانبا كبيرا. حتى يكسب رمضان أصدقاء جدد في المستقبل.
- فما هي موقعية الصوم في الفكر الإسلامي؟
- وما هو العطاء الذي يقدمه للمجتمع؟
وكيف يمكن للأمة أن تستفيد من الصوم؟
هذه الأسئلة سنحاول الإجابة عليها في هذه الصفحات والله الموفق.
كيف نستفيد من رمضان؟
الإنسان يجب أن يكون في مسيرة تصاعدية دائمة.. ولا يصح له أبدأ أن يقف عند حد معين.. لأن وقوفه يعني وأد قدراته وبالتالي تجميد ثروات الحياة وشل حركتها..
يقول القرآن الحكيم: (يا أيها الإنسان أنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) (2)
فمسيرة العمل والكدح مستمرة إلى أن تنتهي حياة الإنسان في هذا الكون ويؤوب إلى ربه. (وان ليس للإنسان إلا ما سعى، وان سعيه سوف يرى، ثم يجزاه الجزاء الأوفى. وأن إلى ربك المنتهى ) (3)
وفي الحديث الشريف: من تساوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة..
وهكذا يحفزنا الإسلام على مواصلة طريق التقدم والتطور، ويطالبنا بالتغيير الدائم والثورة المستمرة، حتى نحقق في أنفسنا التكامل الإنساني، وفق أهداف الرسالة السماوية بيد أن هناك أمراضا عارضة، وعقبات شاقة، تعترض طريق الإنسان نحو الكمال والتقدم.. فتعرقل المسير! وتشل الحركة!
فما هي هذه الأمراض والعقبات وكيف يمكن علاجها والتغلب عليها ليتمكن الإنسان من الاستمرار في خط الثورة والتغيير نحو الأفضل؟
ا- الغرور:أول الأمراض هو مرض الغرور الذي يصور للإنسان أنه قد انتهى إلى آخر الشوط، وتسلق ذروة الكمال، وامتطى سنام المجد، فليوقف السير ويكتف بما حصل فليس بالإمكان أبدع مما كان !!
إن الغرور مرض خطير يشل طاقات الإنسان وقدراته ويبرر له الجمود والتأخر ويحجب عنه آفاق التقدم والتطور، فيجعله يعيش في الدنيا متخلفا بائسا وهو يرى نفسه في أحسن حالة وافضل من ا لآخرين..
يقول الإمام الصادق- عليه السلام- وهو يكشف لنا عن هذه الحقيقة:" المغرور في الدنيا مسكين"
ويبقى الإنسان (الفرد أو الأمة) متخلفا وهو لا يعلم أنه متخلف لفترة طويلة من الزمن تحت تأثير أفيون الغرور، الذي يخدر الإنسان ويسكره عن واقعه أكثر من إسكار الكحول والمشروبات المسكرة كما يقول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- عليه السلام-" سكر الغفلة والغرور ابعد إفاقة من سكر الخمور "
وتمتد سيقان الغرور البغيضة إلى جميع جوانب حياة الإنسان.. فقد يصاب بالغرور في الجانب العلمي فيكتفي بما توصل إليه، وينقطع عن الدراسة والبحث وحينئذ لا يرتجى له أي تقدم علمي !!
وقد يكون الغرور في الجانب الاقتصادي حيث ينخدع بما لديه من ثروة ومال فلا يفكر بعد ذلك في إبداع طرق جديدة للاستثمار والاستزادة!!
وحتى في المجال الديني لا يسلم الإنسان من الغرور، فقد يتصور فرد أو تتصور أمة انهم شعب الله المختار، وأن أفكارهم وممارساتهم الدينية هي الطريق الأسلم والأسرع لتحقيق رضا الله، وأن الجنة مضمونة لهم لا محالة، تحت شعار: "اعملوا ما شئتم فان مصيركم الجنة"!!
وحينئذ يتجمد التفكير فلا مجال للمناقشة والبحث والتساؤل، ومن اقدم على ذلك عرض نفسه لتهمة التكفير والمروق من الدين، ومن ثم تنحرف المسارات وينعدم البذل وتقل التضحية ويسود الانحراف!!واعتقد إن مجتمعاتنا الإسلامية تعاني حاليا من هذا الداء الوبيل في مختلف الجوانب فلأننا نمتلك ثروات هائلة من الذهب الأسود (البترول) تقاعسنا عن الصناعة والزراعة والعلم..
بل صرنا نترفع عن العمل، ونستزري الزراعة ونتكاسل عن الدراسة.. واستهوانا الجلوس على المقاعد الوثيرة واستنشاق هواء المكيفات !! لم نفكر كيف نستثمر هذه الثروة قبل أن تنضب وكيف نحولها إلى كفاءات ومصانع وغذاء..
وطريقة تصرفنا في أموال البترول حيث التلاعب والإسراف والتبذير تؤكد غرورنا بما لدينا وعدم اهتمامنا بمستقبلنا الاقتصادي..
وعلى الصعيد العلمي ضاع عندنا الطموح، واصبح طلابنا و أبناؤنا يكتفون بالشهادة التي تحقق لهم لقمة العيش وتؤمن لهم المنصب فقط ثم يتغنون بتراثهم العلمي وتاريخهم المشرق !!
وفي الناحية الدينية يكون الأمر أكثر وضوحا، فمن قال ( لا اله إلا الله محمد رسول الله دخل الجنة) و (من صلى في المكان الفلاني كذا ركعة كتبت له براءة من النار) و (من بكى أو تباكى دخل الجنة) والآخرون هم حطب جهنم وهم فيها خالدون !!
فالجنة. محجوزة لنا فقط مع أننا لا نمتلك من الإسلام إلا الهوية والطقوس.. تماما كما كان يعتقد اليهود والنصارى حسب ما ينقل عنهم القرآن الكريم (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) ولكن القرآن يفند اعتقادهم الزائف ويضع مقياسا حقيقيا للفوز برضا الله ودخول جنته ألا وهو الخضوع الكامل لله والمعاملة الحسنة مع عباده، يقول تعالى ( تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، بلى من اسلم وجهه لله فله اجره عند ربه ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون ) (4)
2- السير المعاكس والثورة المضادة:وثاني هذه الأمراض هو السير المعاكس والثورة المضادة حيث تنعدم الرؤية السليمة، وتفقد النظرة الصحيحة، فيضل الإنسان طريق الحق والتقدم، ويسلك الطريق المضاد، باندفاع وحماس، وهو يتصور أنه إنما يشق طريق الكمال والتقدم، وهو في الواقع إنما يتراجع إلى الوراء ويبتعد أكثر عن خط التطور والكمال. وإلى هذه المشكلة تشير سيدتنا فاطمة الزهراء- عليها السلام- في خطبتها المشهورة حيث تقول:* واطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا وأحمسكم فألفاكم غضابا (أي: متحمسين ومندفعين لسلوك طريق الضلال) فوسمتم غير ابلكم و أوردتم غير شروركم (أي: اندفعتم في الاتجاه المعاكس لمصلحتكم).. ابتدارا زعمتم خوف الفتنة، إلا في الفتنة سقطوا وأن جهنم لمحيطة بالكافرين"
وقد سقطت بعض شعوبنا الإسلامية في هوة هذا الضلال الخطير، حيث استوردت مناهج باطلة وايديولوجيات منحرفة، وتحمست لتطبيقها و تنفيذها وداست على كل التقاليد والقيم تحت شعارات الثورية والتقدمية.. مع ضجيج إعلامي وصخب شعاراتي ضخم يوهمك باكتشاف طريق الخلاص والعثور على سر التطور والتقدم.
وها نحن نرى تلك الشعوب المخدوعة كيف أفاقت على نفسها بعد فشل تلك التجربة المريرة لتكتشف أنها ابتعدت أكثر عن طريق التطور وتوغلت اكثر في التأخر والتخلف.
وقد حذرنا القرآن الكريم من هذا المرض الخبيث حيث يقول: ( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعاً ) الكهف 103-104.
3- الانهزامية:وثمة مرض ثالث قد يصيب من سلم من المرضين السابقين ولا يقل خطورة عنهما.. وهو مرض الانهزام والتراجع أمام عقبات الطريق ومشاق السير نحو التكامل والأفضل. فطبيعي أن عملية التغيير المستمر والتقدم الدائم والتطور الحثيث، تصاحبها مصاعب جسيمة، وتصادفها عقبات كأداء، تفرضها طبيعة الحياة والأحياء، ومن لا يوطد نفسه على مقاومة تلك الصعاب، وتخطي تلك العقبات.. فانه لاشك سيتراجع وسيظل يعيش في أوحال التخلف والجمود. تماما كما قال الشاعر:
ومن لم يحاول صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر
... هذه هي الأمراض والعقبات الخطيرة التي تحول بين الإنسان وبين التقدم والتطور، ويمكن إيجازها بالشكل التالي:
أولا: انعدام الشعور والإحساس بالحاجة إلى التغيير والتطور. ثانيا: خطأ الطريق الصحيح وسلوك درب التخلف والانحطاط.
ثالثا: التراجع أمام عقبات السير ومشاق الطريق ولا يمكن التقدم إلا بالتغلب على هذه المشاكل وذلك بتوفير الشعور لدى الإنسان بضرورة التغيير والتقدم، وبعد ذلك هداية الإنسان إلى الطريق المستقيم لتحقيق ذلك الهدف، ثم توطين النفس على مقاومة المصاعب والصمود في وجه العقبات حتى يتحقق الهدف المطلوب..
المصادر :
1- النساء- 124.
2- الانشقاق- 6.
3- النجم 39- 42.
4- البقرة 111-112.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.