![تلاوة القرآن في رمضان تلاوة القرآن في رمضان](https://rasekhoon.net/_files/thumb_images700/article_ar/%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%88%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86%20%D9%81%D9%8A%20%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9%86.jpg)
هناك حديث جميل عن الإمام الصادق (عليه السلام) عتاب لمن يحفظ شيئا من القرآن ثم ينساه، تماما مثل الصديق الذي يعاتبك عندما تنسى اسمه بعد أن عشت معه أياما وشهورا طويلة، يقول الإمام الصادق (عليه السلام)" من نسي سورة من القرآن مثلت له في صورة حسنة ودرجة رفيعة في الجنة، فإذا رآها قال: ما أنت؟ فما أحسنك؟ ليتك لي. فتقول: أما تعرفني؟ أنا سورة كذا وكذا، ولو لم تنسني لرفعتك إلى هذا المكان " ).
الجانب الثالث في القرآن هو التدبر، فليس مفيدا كثيرا أن يقرأ الإنسان القرآن فقط دون أن يتأمل معانيه ففي الحديث عن الإمام علي (عليه السلام):* إلا أتخير في قراءة لشي فيها تدبر..
والله سبحانه إنما أنزل القرآن للتدبر، قبل كل شيء قال تعالى: ( كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدئروا آياته، وليتذكر أولوا ا لألباب )
والرسول (صلى الله عليه وآله) سأل عن قول الله تعالى: ( ورتل القرآن...) قال: بينه تبيانا، ولاتنزه نثر الرمل ولا تهذّه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكون همّ أحدكم آخر السورة،، .يزعم فريق من المسلمين أن التدبر في القرآن، غير مسموح به إلا للذي أوتي نصيبا كبيرا من العلم ويستندون- في زعمهم هذا- ببعض الروايات المأثورة التي نهت عن تفسير القرآن بالرأي.
ولكن هذا الزعم غير منطقي أبدا، إذ أن الله كان أعلم بكتابه، وبخلقه حيث أمرهم بالتدبر في آيات القرآن، بل حيث خاطب بالقرآن كل إنسان وفي كل أرض وفي كل عصر.
يقول الله سبحانه عن كتابه:
( هذا بيان للناس، وهدى وموعظة للمتقين ) وهل يمكن إن يبعث الله بيانا للناس جميعا، ثم ينهاهم عن التفهم له، أو التدبر فيه إذا ما فائدة البيان؟
إن خطابات القرآن- تهتف بالناس كافة وتقول: يا أيها الناس- أو بالمؤمنين جميعا. وتقول: يا أيها الذين آمنوا، وهذا يعني أن الله يريدهم إن يسمعوا كلامه. ويتفهموا. فهل نستطيع أن نزعم أنه لا يجوز التدبر فيه؟
ولا يمكن أن نقول أن الروايات تنهى عن التدبر الذي أمر به الله. بل الأكثر منطقية القول أن الروايات نهت عن شيء والآية أمرت بشيء آخر، أو أن الروايات بينت حدود التدبر التي لا يجوز التحاوز عنه،، .
هناك عادة حسنة في مجتمعاتنا وهي عادة قراءة القرآن في شهر رمضان. ففي اغلب البيوت يجتمع نفر من الناس بعد الإفطار، ويقوم أحدهم بتلاوة القرآن الكريم، والكل يسمعه وينصت إليه. في كل ليلة يختمون جزءا أو أكثر.
إن شبابنا مدعوون للالتزام بهذه العادة الحسنة، ومن المفضل أن يمون معهم خص !ن من التدبر في القرآن، وشرح لعض معانيه.
فقد جاء في الحديث عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم فيمن عنده " .
وكلما كانت قراءة القرآن قراءة حزينة ويلفها الخشوع كانت اقرب إلى القلب وانفذ إليه. فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إن القرآن نزل بالحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا،، .وللأمام علي (عليه السلام) خطبة يصف فيها المتقين، جاء فيها قوله: " أما الليل فصافون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن، يرتلونها ترتيلا، يحرنون به أنفسهم، ويستشيرون به تهيج أحزانهم بكاءً على ذنوبهم، ووجع كلوم جراحهم، وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا أليها مسامع قلوبهم وإبصارهم فاقشعرت منها جلودهم، ووجلت قلوبهم، فظنوا أن صهيل جهنم وزفيرها وشهيقها في أتصول آذانهم. وإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا أليها طمعا، وتطلعت أليها نفوسهم شوقا، وظنوا إنها نصب أعينهم،،
الله في الأيتام..
"الله الله في آلا يتام فلا تغبوا أفواههم، بحضرتكم . ألا لا يضيعوانحن هنا لسنا بصدد الحديث عن الحالة النفسية لليتيم، وإنما نشير إلى ضرورة رعايته اجتماعيا، لما لهذه الرعاية من فوائد اجتماعية ودينية وأخروية. إذ أن الابن الذي يفقد أباه إذا لم ينل الرعاية من قبل المجتمع فسوف يتحول إلى عنصر إجرام بسبب عدم التربية والنقص العاطفي، بينما إذا نال الرعاية فسوف تكون الحالة صحية.
وقد وردت أحاديث كثيرة تنصح بالاهتمام بالأيتام.
فعن الإمام علي (عليه السلام): ما من مؤمن ولا مؤمنة يضع يده على رأس يتيم إلا كتب الله له بكل شعره مرت يده عليها حسنة وعن الرسول (صلى الله عليه وآله): " أن في الجنة دارا يقال لها دار الفرح لا يدخلها إلا من فرخ يتامى المؤمنين .
أذن، لابد من رعاية اليتيم، ولاسيما إذا كان يتيما فاقدا لأبيه في سبيل الله، والآن في امتنا الإسلامية آلاف، بل عشرات الألوف من أبناء الإسلام، فكم من الإيهام في أفغانستان فقدوا آباءهم في سبيل الله؟ وكم من الإيهام في لبنان؟ وكم من الإيهام في بلادنا الذين استشهد آباؤهم في سبيل الله، إن هؤلاء الذين فقدوا آباءهم دفاعا عن الإسلام هم أمانة في أعناق المسلمين جميعا.إنها مسألة إسلامية، فكل الإيهام من أبناء الشهداء هم أبناء الإسلام لهم حق كبير على الأمة الإسلامية قاطبة فالذي استشهد في العراق أو في أي أرض إسلامية أخرى، إنما قتل دفاعا عن الإسلام في كل مكان وليس عن أرض دون أخرى.
إذن فالمسؤولية تقع على عاتق كل مسلم ايتما كان. وهذا شهر رمضان مناسبة ثمينة يزداد فيها الاجر فينبغي أن يوصل كل فرد دعمه ومساعدته لابناء الشهداء سواء في بلاده . أو خارج بلاده.
وشبيه بأبناء الشهداء، أبناء المعتقلين، إذ انهم يلتقون معا في نقطة ضعف واحدة، وفي فقدان الرعاية والحنان.
وفي مجتمعاتنا الآن تعيش مجموعة كبيرة من المؤمنين في زنزانات السجون الرهيبة، بتهمة ممارسة النشاط الديني، وبعضهم حكم عليه بالسجن المؤبد أو لسنوات طويلة، مما يعني حرمان أبنائهم من الرعاية الأبوية، والحنإن العائلي، فهم كأبناء الشهداء أمانة في أعناقنا جميعا.
وشهر رمضان الكريم فرصة ثمينة لرعاية عوائل المعتقلين وزيارتهم ومواساتهم، والمطلوب ليس هو الدعم المادي فقط، بل المواساة العاطفية والإنسانية، فاتصالك بهم هاتفيا أو كتابيا، أو زيارتهم ونقديم هدية رمزية لهم ترفع معنوياتهم كثيرا..
الله الله في الجهاد..
"الله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم والسنتكم ." إن الجهاد اشرف الأعمال بعد الإسلام، وهو قوام الدين، والأجر فيه عظيم، مع العزّة والمنعة، وهو الكرة، فيه الحسنات والبثرى بالجنة بعد الشهادة. كما قال الإمام على (عليه السلام).إلا انه بسبب التخلف والجهل والخوف والجبن اصبح الجهاد عملا تقوم به فئة محدودة وقليلة من مجتمعاتنا. بينما هناك مجتمعات كالمجتمع الإيراني انعم الله عليهم، فأصبحوا يعرفون الجهاد ويرغبون فيه، فحينما يعلن عن التعبئة والتطوع إلى بهات القتال، فإن مئات الالوف يهرعون ملبين الإعلان والنداء، وكذلك هو حال المجتمع الأفغاني واللبناني، بينما في مجتمعاتنا لازال الجهاد غريبا وأصبح فريضة غائبة- كما قال اخوتنا المؤمنون في مصر-.
كما أن الفئة العاملة المجاهدة مع قلتها فهي لا تسلم من ألسنة المتقاعسين، إذ يعتبرونهم طائشين، متطرفين..
إن الإمام علي (عليه السلام) يذكرنا في شهر رمضان، وفي آخر وصية له بالجهاد وقد ربط الإمام في حديث سابق بين الجهاد والصيام وقال: " زكاة البدن الجهاد و الصيام " .
وقد تحدث في وصيته عن ثلاث ألوان من الجهاد:
1/ الجهاد بالمال: ففي مقابل الميزانيات الضخمة التي ترصدها الحكومات لأجهزتها ومشاريعها، وفي مقابل الأموال التي يصرفها الأعداء على نشاطاتهم المناوئة لأمتنا، لا يمكن للعاملين في سبيل الله أن يواصلوا ويصعّدوا عملهم الجهادي دون مساعدة المجتمع ودعم الأثرياء والمتمكنين..
وفي بلادنا هناك كثير من التجار وأصحاب المال، ولكنهم، مع الأسف، يبخلون بأموالهم، ولا ينفقون شيئا منها في سبيل الله، وإذا ما تحمس أحدهم للأنفاق فإنه يقتصر على الأعمال والمشاريع العادية والمعروفة في المجتمع، كبناء المساجد ومساعدة الفقراء. أما الأنفاق من أجل الجهاد في سبيل الله ولمقاومة أعداء الإسلام، فهذا ما لا يفكر فيه أحد من الأثرياء في بلادنا..
ولا يجهل هؤلاء المتمكنون وجود المجاهدين والثائرين، ومحنهم غافلون أو متغافلون عن مسئوليتهم الشرعية تجاه الجهاد في سبيل الله..وليتهم ينتبهون إلى أن مستقبل حياتهم، وأمواهم في خطر شديد، إن لم يقفوا في وجه الأعداء والظالمين. وأمامنا تجربة قاسية مرت بأخوتنا المسلمين في العراق حيث تقاعس الأثرياء عن دعم الحركة الإسلامية فتسلط المجرمون على الشعب، ولم يبقوا حرمة لدين أو دم أو مال..
أن الألوف من المؤمنين الذين صادر الظالمون أمواهم في العراق أبعدوهم بصورة بشعة، يتأسفون اليوم، ويتندمون حيث لا ينفع الندم، على تقصيرهم في دعم المجاهدين يوم كانت الأموال بأيديهم.
وما حكام كثير من البلاد الإسلامية الأخرى بأشفق قلبا من صدام و عصابته المجرمة.. وصدق أمير المؤمنين (عليه السلام) حينما يقول في فقرة أخرى من هذه الوصية: " لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولى عليكم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم .
2/ الجهاد بالنفس: فمعركة الإسلام مع الكفر محتدمة الآن، والأعداء يحشدون كل ما لديهم من قدرات وطاقات لتثبيت هيمنتهم على امتنا الإسلامية.. وإذا لم يتصد المؤمنون الهذه الهجمة الكافرة الشرسة، فسيقضي الكفار على كل ما تبقى من جذورنا الإسلامية، وسنبقى بعدها لقرون طويلة نجتر الهزيمة المأساة والتخلف.
والتصدي لهجمات الأعداء يتطلب استعداد أبناء الأمة للفداء والتضحية بأنفسهم في سبيل الله.. كما يفعل الآن أخواتنا في أفغانستان وإيران ولبنان..
فليبادر القادرون من أبناء مجتمعنا للإلحاق بركب الثورة والجهاد، وليصمموا على التفرغ للعمل في سبيل الله. وما أروع تشويقه وترغيبه للمؤمنين في الجهاد والتضحية، حيث يقول: ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله، فيقتلون ويقتلون، وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم ) .
3/ الجهاد باللسان: وذلك بنشر الأفكار الثورية، وبدعوة الناس إلى الجهاد، وبالدفاع عن المجاهدين الرساليين.فليدافع كل غيور عن العاملين في سبيل الله، فالسلطات والرجعيون يشيعون حولهم أتسوء الاتهامات، لمنع الناس من التفاعل والالتفاف حول المجاهدين.
إن الرساليين لا يدافعون عن أنفسهم، ولا يجاهدون من اجل مصالح شخصية.. بل يتحملون الأذى والنصب والآلام من اجل الدين، وكرامة المجتمع، فلا يصح لمؤمن أن يشارك في تشويه سمعتهم، لا بل لا يصح له السكوت عن محاولات الأعداء واتهاماتهم ضد المؤمنين المجاهدين.
فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
" من اغتاب غازيا أو إذاه أو خلفه في أهله بخلافة سوء، نصب
له يوم القيامة علم فيستفرغ بحسناته ويركس في النار" .
الا لاتقتلن الأ قاتلي..
" يا أبناء عبدا لمطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا، تقولون: قتل أمير المؤمنين ". ألا لاتقتلن بي إلا قاتلي، انظروا إن أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا تمثلوا بالرجل، فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور.إن هذا المعنى العظيم يلفتنا إلى الأوضاع السياسية التي تحبشها امتنا الإسلامية، والأوضاع التي يجب إن تكون، فالأمام على (عليه السلام) بالرغم من عظمته ومكانته عند الله سبحانه وتعالى، يرفض إن تراق الدماء بأسمه ومن أجل حياته وشخصيته.
الحاكم العادل هو الذي لا يستخدم القمع والإرهاب ضد شعبه، ولا يعمل لنفسه ولأسرته حقوقا ومميزات إضافية، ويحيط نفسه بهالة من القداسة. فيصبح مجرد انتقاده جريمة لاتغتفر، ويعرض منتقده إلى السجن والتعذيب.
والإمام على (عليه السلام) عندما قال مقولته هذه آخر حياته لم تكن كلاما وعظيا مجردا. بل كانت قبل ذلك واقعا مارسه الإمام أبان حكمه، حيث تنازل عن هيبته وفضل إن يعيش إنسانا عاديا في المجتمع، مع كونه في موقع السلطة والحكم.
وهناك قصص كثيرة نقلها لنا التاريخ عن عدالته وتواضعه وشعبيته:" روي إن امرأة جميلة في الكوفة مرت قرب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو جالس مع جماعة، فرمقها القوم بأبصارهم، فنهاهم أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ذلك قائلا: إن إبصار هذه الرجال طوامح، وإن ذلك سبب هلاكها، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلمس أهله، فإنما هي امرأة كامرأة. فقال رجل من الخوارج: قاتله الله من كافر ما افقهه. فوثب القوم إليه يريدون تأديبه. فقال (عليه السلام) ناهيا لهم: رويدا إنما هو سب بسب أو عفو عن ذنب، ثم عفى عنه وتركه وشأنه .
" وفي رواية أخرى انه كان في صلاة الصبح فقرأ ابن كوا ( وكان من المنافقين ) : ( ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك، ولتكونن من الخاسرين ) معرضا بالإمام. وانه قد أشرك بقبوله التحكيم (كما كان هكذا رأي الخوارج)، فأنصت علي (عليه السلام) لقراثة القرآن اتباعا .
لقوله تعالى:
( وإذا قرء القرآن فاستمعوا له أنصتوا ) حتى فرغ ابن كوا من الآية، ثم عاد بن كوا في قراثتها، فأنصت الإمام ايضا، فأعاد ابن كوا المرة الثالثة، فأنصت علي (عليه السلام)، وبعد ذلك قرأ هذه الآية المباركة:
( فاصبر إن وعد الله حق ولايستخفنك الذين لا يوقنون )
ولكي ندرك عظمة نفسية الإمام وروعة موقفه نطرح التساؤل التالي:
ماذا ترى سوف يحدث لو أن مثل هذا الموقف تكرر مع حاكم من الحكام بصورة أو بأخرى، فلو أن شخصا بادر إلى كتابة الآية الكريمة:
( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة !وكذلك يفعلون ) كتبها بخط عريض على الشوارع فكيف ستتعامل معه السلطات الحاكمة؟وان التاريخ يحدثنا كيف إن أحد الخلفاء كان منزعجا من تكرار الصحابي الجليل أبى ذر الغفاري (رضوان الله عليه) لقوله تعالى: ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) إذ اعتبر قراءة تلك الآية تعريضا بشخصيته وسياسته الاقتصادية، فنفى أبا ذر إلى الرّبذة، حيث مات هناك وحيدا غريبا.
إننا اليوم بحاجة ماسة إلى دراسة منهج أمير المؤمنين علي بن أبى طالب (عليه السلام) في السياسة والحكم، لندرك مدى انحراف الحاكمين علينا باسم الإسلام، ولتتضح أمامنا صورة الحياة الاجتماعية في ظل الإسلام، وكيف يكون الحاكم؟ وكيف يتعامل مع الناس؟
" فقد روى ابن الأثير في التاريخ* الكامل ": إن عليا (عليه السلام) وجد درعه عند نصراني فأقبل إلى شريح قاضيه وجلس إلى جانبه يخاصم النصراني فخاصمه رجل من رعاياه، وقال: إنها درعي، ولم ابع ولم اهب، قال شريح للنصراني: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟ قال: النصراني: ما الدرع إلا درعي وما أمير المؤمنين بكاذب، فالتفت شريح إلى علي (عليه السلام) يسأله: يا أمي المؤمنين هل من بينة؟ فضحك علي (عليه السلام)، وقال: مالي بينة، فقضى شريح بالدرع للنصراني، فأخذها ومشى وأمير المؤمنين (عليه السلام) ينظر إليه إلا إن النصراني لم يخط خطوات حتى عاد يقول: أما أنا فاشهد إن هذه أحكام الأنبياء يدنيني إلى قاضيه، وقاضيه يقضي عليه: الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين " .
" وقد روى المؤرخون: انه لما ظهر الخوارج، واخذوا ينقضون الإمام ويكفرونه ويقولون: لا حكم الا لله (وهي كلمة حق يراد بها باطل، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام)) لم يتعرض لهم الإمام بسوء بل كان (كما في الرواية) يجري عليهم اعطياتهم من بيت المال.
وقد أراد أصحاب الإمام قتال هؤلاء باديء الأمر، ولكن الإمام أبى عليهم ذلك، وأنكره، وقال: إن سكتوا تركناهم، وان تكلموا حاججناهم، وان افسدوا قاتلناهم " .هكذا جسد الإمام علي (عليه السلام) أفكاره إلى مواقف أتعطى للمسلمين صورة عن الحاكم العادل الذي لا يسن لنفسه امتيازات وحقوق إضافية ولا يحيط نفسه بهالة من القداسة. كما انه لا يمنع الناس من حرية إبداء الرأي والمعارضة.
وفي وصية الإمام علي (عليه السلام) مجال واسع لكي يتأمل الإنسان ويتفكر وش!تلهم القيم والمباديء الحقة.
عسى الله سبحانه إن يشملنا برحمته الواسعة، في هذا الشهر الكريم، وان يمن على امتنا الإسلامية بالحرية والاستقلال.. انه سميع مجيب.
المصادر :
راسخون