تهذيب اليد

روي عن الإمام السجّاد زين العابدين عليه السلام: "... وأمّا حقّ يدك، فأن لا تبسطها إلى ما لا يحلّ لك بما تبسطها إليه من العقوبة في الآجل، ومن الناس بلسان اللائمة في العاجل، ولا تقبضها ممّا افترض الله عليها،
Tuesday, May 22, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
تهذيب اليد
تهذيب اليد

روي عن الإمام السجّاد زين العابدين عليه السلام: "... وأمّا حقّ يدك، فأن لا تبسطها إلى ما لا يحلّ لك بما تبسطها إليه من العقوبة في الآجل، ومن الناس بلسان اللائمة في العاجل، ولا تقبضها ممّا افترض الله عليها، ولكن توقّرها بقبضها عن كثير ممّا لا يحلّ لها، وتبسطها إلى كثير ممّا ليس عليها، فإذا هي قد عقلت وشرفت في العاجل، وجب لها حسن الثواب من الله في الآجل"1.
إنّ اليد كغيرها من الجوارح خلقها الله تعالى لما فيه فائدة الإنسان، فباليد يسعى الإنسان للعمل، وبها يجاهد في سبيل الله ويحمي نفسه وأرضه وعرضه، وباليد يتناول الأشياء... إلى الكثير من الفوائد الأخرى.
إلّا أنّ اليد كما يمكن الاستفادة منها في الأمور الّتي تصبّ في صالح الإنسان، فإنّه يمكن أن تكون سبباً لدخوله في حلقة العاصين المتعرّضين لسخط الملك الجبّار، من هنا فلا بدّ من الالتفات إلى اليد وتهذيبها حتّى تكون بكلّ أعمالها وحركاتها وسكناتها لله ربّ العالمين.
عن ماذا ننزّه اليد؟
لقد حرّم الشارع المقدّس على يد الإنسان أموراً وأوعد عليها النار، لما لهذه الأمور من أثر سلبيّ في النفس وفي المحيط والمجتمع، ومن هذه الأمور الّتي حرّمها الشارع:
1- السرقة: وقد أشار الإمام الرضا عليه السلام إلى سبب تحريمها حيث قال: "حرّم الله السرقة لما من فساد الأموال وقتل النفس لو كانت مباحة، ولما يأتي في التغاصب من القتل والتنازع والتحاسد، وما يدعو إلى ترك التجارات والصناعات في المكاسب، واقتناء الأموال إذا كان الشي‏ء المقتنى لا يكون أحد أحقّ به من أحد"2.
والسرقة لا تتوقّف عند مدّ اليد إلى المال الموجود عند الآخرين وأخذه بل يشمل كلّ حقّ في مال الإنسان لا يُخرجه، ومن هذه الحقوق ما أشارت إليه الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "السرّاق ثلاثة: مانع الزكاة، ومستحلّ مهور النساء، وكذلك من استدان ولم ينوِ قضاءه"3.
2- الاعتداء على الغير: لم يترك الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وأهل البيت مناسبة إلّا وتحدّثوا فيها عن العلاقات الطيّبة بين الأخوة في الدين لكيلا يتحوّل المجتمع الإسلاميّ الأخلاقيّ المنسجم المترابط إلى حلبة للمصارعة والتضارب بين كلّ غاصب أو ذي قوّة متسلّط يستعرض بين الناس قوّته وبطشه، ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "... ألا ومن لطم خدّ امرئ مسلم أو وجهه بدّد الله عظامه يوم القيامة، وحُشر مغلولاً حتّى يدخل جهنّم إلّا أن يتوب"4.
3- الإضرار بالآخرين: عن الإمام الرضا عليه السلام عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه واله: "ليس منّا من غشّ مسلماً أو ضرّه أو ماكره"5.
4- اللمس المحرّم: أي لمس الأجنبيّة بالمصافحة أو غيرها، وقد ورد في الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "من صافح امرأة تحرم عليه، باء بسخط من الله"6.
اليد طريق للآخرة
بعد أن تحدّثنا عن بعض الأمور الّتي ينبغي تهذيب النفس عنها، نشير إلى الأمور الّتي يربح فيها المؤمن في آخرته من خلال يده، ومن هذه الأمور:
1- الجهاد في سبيل الله: يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾7حيث إنّ الله علّق حصول الفلاح على الجهاد.
وكذلك أكّدت روايات المعصومين عليهم الصلاة والسلام على أهميّته ففي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه الله لخاصّة أوليائه، وهو درع الله الحصينة وجنّته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذلّ وشمله البلاء"8.
2- الصدقة: والصدقة من المستحبّات الأكيدة، ولها أجر كبير عند الله تعالى إذا كانت بإخلاص له عزَّ وجلَّ، ومن آثار الصدقة أنّها:
أ- تظلّ المؤمن من حرّ يوم القيامة، ففي الحديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "أرض القيامة نار، ما خلا ظلّ المؤمن فإنّ صدقته تظلّه"9.
ب- تدفع البلاء: ففي الحديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "الصدقة تدفع البلاء، وهي أنجح دواء، وتدفع القضاء وقد أبرم إبراماً، ولا يذهب بالأدواء إلّا الدعاء والصدقة"10.
ج- تخلف البركة: ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "الصدقة تقضي الدين وتخلف بالبركة"11.
يبقى أن نشير إلى أنّ أفضل الصدقات هي ما تستبطن الإيثار، ومثلنا الأعلى في ذلك أئمّتنا الأطهار عليهم السلام، فقد أنزل الله تعالى في مدحهم سورة الدهر حيث قال عزَّ من قائل: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا *إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا﴾12.
وفي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ صاحب الكثير يهون عليه ذلك، وقد مدح الله عزَّ وجلَّ صاحب القليل فقال: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾"13.
الرجاء والغرور
من مواعظ الإمام الخمينيّ قدس سره في كتاب "الأربعون حديثاً":
ولكن أيّها العزيز، كن على حذر، لئلّا تخلط بين الرجاء والغرور. فقد تكون مغتراً وتحسب نفسك من أهل الرجاء. إنّ من السهل التمييز بين الحالين في مباديهما، أنظر إلى هذه الحال الّتي فيك والّتي تظنّ نفسك بها بأنّك من أهل الرجاء، فهي إمّا أن تكون ناشئة من التهاون في أوامر الحقّ - سبحانه - والتقليل منها، وإمّا أن تكون ناجمة عن الاعتقاد بسعة رحمة الله وعظمة ذاته المقدّسة.
وإذا عسر عليك التمييز بينهما أيضاً، أمكنك التمييز من خلال الآثار فإذا كان الإحساس بعظمة الله في القلب وكان قلب المؤمن محاطاً برحمة ذاته المقدّسة وعطاياه، لقام القلب بواجب العبوديّة والطاعة, لأنّ تعظيم العظيم المُنعم وعبادته من الأمور الفطريّة الّتي لا خلاف فيها.
وإذا لم تكن في أداء واجبات العبوديّة، وفي بذل الجُهد والجدّ في الطاعة والعبادة معتمداً على أعمالك، ولم تحسب لها حساباً، وكنت آملاً رحمة الله وفضله وعطاءه، ووجدت نفسك مستحقّاً للّوم والذمّ والسخط والغضب بسبب أعمالك ولم تعتمد إلاّ على رحمة الجواد المطلق فأنت من أهل الرجاء فاشكر الله تبارك وتعالى، واطلب من ذاته المقدّسة أن يثبّت ذلك في قلبك، ويمنحك أعلى منه مقاماً.
أمّا إذا كنت - لا سمح الله - متهاوناً في أوامر الحقّ تعالى ومستحقراً ومستهيناً بتعاليمه، فاعلم أنّه الغرور الحاصل في قلبك وأنّه من مكائد الشيطان، ومن نفسك الأمّارة بالسوء فلو آمنت بسعة الله ورحمته وعظمته لظهر أثر ذلك
فيك. إنّ المدّعي الّذي يخالف عمله دعواه يكذّب نفسه بنفسه والشواهد على هذا في الأحاديث المعتبرة كثيرة.
ففي الكافي بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِالله قالَ: "قُلْتُ لَهُ: قَوْمٌ يَعْمَلُونَ بِالمَعَاصِي وَيَقولُونَ نَرْجُو فَلاَ يَزَالونَ كَذلِكَ حَتّى يَأْتِيَهُمُ المَوْتُ. فقَالَ: هؤُلاَء قَوْمٌ يَتَرَجَّحُونَ فِي الأَمَانِيّ. كَذَّبُوا لَيْسُوا بِرَاجِينَ، إِنّ‏َ مَنْ رَجَا شَيْئاً طَلَبَهُ وَمَنْ خَافَ مِنْ شَيْ‏ءٍ هَرَبَ مِنْهُ".
المصادر :
1- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج11، ص156.
2- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1298.
3- م.ن، ج2، ص1299.
4- مكاتيب الرسول، الأحمدي الميانجي، ج2، ص149.
5- مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي، ج6، ص457.
6- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص515.
7- المائدة:35.
8- نهج البلاغة، ج1، الخطبة27.
9- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1594.
10- م. ن، ج2، ص1595.
11- م. ن، ج2، ص1597.
12- الدهر/ الإنسان:8-9.
13- الحشر:9.

 
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.