عدالة الاقتصاد الاسلامي

من القيم المثلى في الحياة العدالة. وان العدالة -كما هو واضح- تتجلى في أبعاد مختلفة من حياة الإنسان؛ ومن أبرز تلك الأبعاد، بعد العدل الاقتصادي، المسمى في لغة الفقه باقتصاد المعيشة، أو بتدبير المعيشة.
Thursday, May 24, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
عدالة الاقتصاد الاسلامي
عدالة الاقتصاد الاسلامي

( وَءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً ) (1)
من القيم المثلى في الحياة العدالة. وان العدالة -كما هو واضح- تتجلى في أبعاد مختلفة من حياة الإنسان؛ ومن أبرز تلك الأبعاد، بعد العدل الاقتصادي، المسمى في لغة الفقه باقتصاد المعيشة، أو بتدبير المعيشة.
واذ كنا في شهر رمضان المبارك نراجع أنفسنا ونعيد حساباتنا ضمن مشروع التوبة النصوح إلى الله عز وجل، فلابد أن ننظر أيضا إلى وضعنا الاقتصادي وكيف نعيش؟
ومن الملاحظ إن ابن آدم يعيش في بعض الأحيان، يعيش إفراطاً أو تفريطاً أو كلاهما معا. بمعنى أنه في بعض الأمور التي لا ينبغي أن يصرف المال والثروة لها تراه يبذر فيها، وفي الأمور الأخرى التي يجب الاهتمام بها تراه يقبض يده ويقتر، وهذا لعمري من أسوأ ما يمكن ان يبتلى به الإنسان.
إن من يرغب في التخطيط لاقتصاده، لابد له أن يحسب حسابات عقلية لا إجتماعية. فمن الخطأ الفظيع أن يحجم الإنسان عن الصرف على تعليم أولاده وتربيتهم، بينما تراه في الوقت نفسه لا يبخل على توافه الأمور وكماليتها، وليس ذلك إلا لجلب الانتباه إليه. ومن الخطأ الفظيع أيضا أن نرى البعض يبخل على صحته وسلامته، في حين أنه يبسط يده كل البسط في نيل شهواته العاجلة..
وعلى هذه القاعدة، ينبغي لمن يريد النجاح الاقتصادي في حياته ان يحرز التوازن في صرفه وفيما يريد أن يملك، كما عليه أن يضع لنفسه أولويات وفق ما يمليه عليه عقله، ثم يقسم موارده المالية على هذه الأولويات حسب التسلسل، ثم يرى الذي فضل لديه من الثروة فيصرف منه في أمور أو مشاريع الخير.
لقد قال ربنا تبارك وتعالى في هذا الإطار: ( وَءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) . فكل قريب لك له حق عليك، لأن هذا مصداق لصلة الرحم الواجبة.
ثم قال عز وجل: ( وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ) أي انه في نفس الوقت الذي تشعر بمقربة المسكين وعوز إبن السبيل فتمد لهم يد المعونة وتتضامن معهم إقتصادياً، تضامناً تحرز بواسطته شيئاً من إنسانيتك، عليك في الوقت نفسه أن لا تغفل عن المستقبل، لأن ثمة إلتزامات أخرى بإنتظار العمل بها من جانبك، ولعل صيغة الإطلاق التي استفادت منها الآية الشريفة تشير مؤكدة إلى أن غفلة المستقبل عمل شيطاني، ولا ينتهي عمل الشيطان إلى غير الكفر بالله وبنعمه.
المساواة في شهر العدالة
( لِلْفُقَرَآءِ الَّذِينَ اُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لا يَسْاَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) (2)
جاء في المأثور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه خطب في جموع المسلمين في آخر جمعة من شهر شعبان المعظم قال فيها " اتّقوا الله ولو بشقِّ تمرة".
فكيف نتقي الله، وما هي التقوى قبل كل شيء؟ وما هو دور شق التمرة -كعيّنةٍ صغيرة جداً- في مجمل حركة التقوى لدى الإنسان المسلم؟
إن التقوى هي أن تصونَ نفسك عن نار جهنم؛ النار المحيطة بذنوبنا وأخطائنا والفواحش التي نقترفها.
والنبي عليه الصلاة والسلام يأمرنا بأن نتّقِ الله في شهر رمضان عبر الإنفاق مهما قلّ، حتى ولو بشق تمرة؛ فهذا المقدار يعطينا التقوى ويصوننا ويحفظنا من نيران جهنم اللاهبة..
إن الحكمة من تشريع فريضة الصيام في شهر رمضان لها صور وأشكال عديدة، ولعل من أبرزها إحساس الغني بلسعة جوع الفقير، والبحث عن طريقة مناسبة للتخفيف بنسبة أو بأخرى عن الفقير، وسدّ خلّته.
ونحن في شهر رمضان علينا أن نتحرك بوعي نحو تحقق المساواة الاجتماعية، وسدّ الفجوة الفاصلة بيننا وبين الفقراء ومن هو أضعف حالاً منّا وعلى أي مستوى كان.
لقد لفت نظري وجود بعض العادات الجميلة في هذه الدولة الإسلامية أو تلك، ومنها اجتماع الصائمين الى وجبة الإفطار في المساجد، وهذه الأرزاق تكون كلها على مائدة واحدة، حيث يأكل الجميع؛ فقيرهم وغنيهم، وضعيفهم وقويهم، دونما تعفّفٍ عن الغذاء، أو إحساس بالتفاوت، فيكون ذلك خطوة في طريق تحقق المساواة، ولابد للصائمين أن يبحثوا عن طرق أخرى في هذا الإطار كدفع الزكاة والخمس وسائر الحقوق الشرعية وما أشبه.
وعلى الضفة الأُُخرى تلزمنا محاولة إعطاء فضل أموالنا للأقرب منا، كأولي الأرحام والأصدقاء.
إن هذه المساواة، وهذا الإنفاق في سبيل الله، وصلة الرحم هذه، من شأنها جميعاً أن ترفع من مستوى الأمة، وأن تضاعف من رزقنا، وأن تزيد بركتنا، وأن تجعلنا في مستوى معقول من العيش الكريم.
فأن يملك المرء المال والثروة، فلا يعني ذلك بالضرورة امتلاكه وإحساسه بالسعادة، بل السعادة بصورتها الأجمل والأروع والأكمل تكون بإحساس الجميع بها وبالراحة والفلاح، حيث يتم القضاء على الأنانية والتفرقة والاستعلاء.
عن القرآن والدعاء
ربيع القرآن
لكل شيء موسم وربيع، فما هو موسم القرآن وربيعه؟
إنه شهر رمضان المبارك، شهر فيه ليلة القدر التي أنزل فيها القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.
فحينما يصوم الصائم في هذا الشهر الكريم، فكأنه يشحذ ذهنه لاستقبال كلمات الله؛ الله الذي إذا اقترب العبد منه شبراً اقترب هو إليه ميلاً.
وغالبا ما تخوض قلوب المؤمنين خلال شهر رمضان في عملية تطهير وتنقية وابتعاد عن شوائب الدنيا والعلاقات المادية، حيث تستقبل النور والهدى، ولذلك كانت تلاوة القرآن فيه أفضل من سائر الشهور.
ولقد رأينا من سلفنا الصالح من المؤمنين والعلماء من يختم القرآن ثلاثين أو أربعين مرة، حيث كانوا يتلون آياته في الليل والنهار، فكانوا -بذلك- يعيشون مهرجان الحب والإيمان في رحاب الرب الرؤوف الرحيم.
وأعلم أنه ليس المطلوب المؤكد ان تكون مثل أولئك العلماء، ولكن لتحرص على تلاوة كتاب الله ما استطعت في هذا الشهر الفضيل، ولتختر أفضل الساعات للتلاوة، ولاسيما في ساعات السحر والفجر، حيث يحين موعد إلتقاء ملائكة الله الكرام؛ الهابطين والصاعدين بين الأرض والسماء، ولتجهد نفسك في تذكيرها بآيات الله وجزيل ثوابه وعظيم عقابه.
القرآن محراب العبادة
رغم أننا فقدنا الأنبياء والرسل والأوصياء كأبدان، فإن القرآن الكريم ـ وهو خاتم الرسالات وكلمات الوحي ـ لا يزال بيننا. فإذا أردنا أن نكون مؤمنين وإلهيين ومحمدين وعلويين، فعلينا بقراءة القرآن والسير في آفاقه اللامحدودة. فالقرآن سياحة المؤمن وروضة قلبه، وهو معراج الإنسان الذي يحب الله ويريده. وبكلمة: هو محراب عبادة الإنسان الحقيقي، وقربان لكل من أراد العروج إلى الله سبحانه وتعالى.
وعلى هذا الأساس، لنا ان نتساءل عن سبل التدرج عبر القرآن إلى درجات الوعي والتقوى الأخرى؟
إنما الإجابة عن ذلك تكمن في نقطتين:
الأولى؛ إن من آداب قراءة القرآن إظهار الاحترام القلبي له؛ بمعنى ضرورة معرفة من يتحدث إلينا، وهو رب العزة والعظمة. اذن فليس من الصحيح قراءة كتاب الله مالم يتحسس القارئ حالة الإقبال والخشوع والخضوع والتوجه إلى الله سبحانه في نفسه، وآنذاك ليفتح قلبه على القرآن.
ولكن البعض من الناس يسمعون آيات الله عبر المذياع -مثلاً- غير أنهم يهتمون بالإنشغال بأمور أخرى. وهذا خطأ كبير، لأن الواجب على الإنسان المسلم هو الاستماع إلى القرآن والإقبال عليه والتدبر في كلماته المباركة، وذلك لأن هذه الكلمات هي كلمات الله وليست كلمات البشر التي قد لا ينبغي التوجه إليها في أحيان معنية. وعموما فإنه ينبغي لنا احترام كتاب الله بمختلف ألوان الاحترام والاعزاز والتكريم، لأنه هدية الله التي تفضل بها علينا.
أما النقطة الثانية؛ فهي ضرورة معالجة أنفسنا بآيات ربنا. فإذا قرأنا آية منها وكان فيها إشارة إلى خلق فاضل أو خلق سيء أو إلى عمل صالح أو طالح، فلنسائل أنفسنا عن وجود هذا الخلق الصالح والعمل الرفيع أو عدم وجوده فينا، فإن كان موجوداً فرحنا، وإن لم يكن سعينا إلى تكريسه في أنفسنا.
وهكذا يكون كتاب الله ووسيلة رحمته العظيمة معراجاً لنا، إذا أردنا الاستفادة منه عبر إحترامه بشتى الوسائل وعبر معالجة أنفسنا بآياته المباركات.
لنتلوا القرآن ..
( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي اُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْانُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) (3)
كان ربيع القرآن وميلاده شهر رمضان؛ الشهر الكريم الذي يضاعف الله سبحانه وتعالى فيه عمل الإنسان أضعافاً كثيرة، ولا سيما قراءة القرآن المجيد. فما أروع أن يتحدث الله مع عبده الصائم، فيعيش هذا الأخير الأجواء الروحية الرمضانية التي مَنّ الله بها عليه ؟
فيا ترى هل يعلم الإنسان كيف يصبح جليس ربه، فيكون محدَّثه؟
عليه أن يعرف إن وسيلة ذلك هي قراءة القرآن؛ قراءةً لا يكون محورها التخلص منها والوصول الى نهايتها، وإنما ينبغي أن يقرأ الآيات القرآنية، فيكون همّه الاستماع بأذنه وبقلبه وبروحه وبعقله.. فيثار العقل وتطهر الروح ويصفو القلب وتعي الأُذن.
ولكن؛ كان ديدن الناس البحث عن كيفية تنمية أموالهم وأولادهم وسمعتهم في المجتمع، فينسون بين هذا وذاك تنمية أنفسهم، وهي العلّة الأولى التي من أجلها خُلقوا. وهذا يعني ويتضمن هجرتهم للقرآن الكريم الذي من فوائده الأساسية تنمية وتنزيه النفوس والسمو بها إلى أعلى عليين..
أقول: لقد كان لزاماً على الإنسان المسلم أن يتدبر آيات الكتاب المجيد، ويتمعّن في كلماتها، فالله قد تجلى لعبده البصير ذي العقل، والمفكر والمتذكر دون غيره..
إن شهر رمضان الذي مدحه القرآن ورفع من درجة أيامه، لأنها الأيام التي أنزله الله فيها، وهو القائل عز أسمه: ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي اُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْانُ ) ففيه الهدى لمن يعيش العمى، وفيه البينات من الهدى لمن يرغب في إحراز اليقين والبصيرة والعلم والفهم والعمق والقرب من المعنويات والشهود والحقيقة، فيكون كأنه فيها ومنها وعليها.
فإذا قرأ المرء كتاب ربه الجليل انطلاقاً من هذه البصيرة، كان له فرقاناً يميز له الحق عن الباطل، والصح عن الخطأ، والخير عن الشر، وما ينفع عن ما يضر.. فيكون بذلك فوق الآخرين، لأنه ملك الميزان، فأصبح دليلاً لغيره على الطريق الصحيح. وهذه بالذات بغية الإنسان المتطلع إلى النور دوماً.
إذن؛ فشهر رمضان فرصة ثمينة جداً في إطار التقرب من القرآن ومن منُزله؛ الله العلي القدير، فلنسعَ إلى أن نكون معه، ونأنس به، ونقرأه بحب ومعرفة وتأمل..
الانفتاح على حقيقة القرآن
( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ اِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا ءَايَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ اُوْلُواْ الأَلْبَابِ ) (4)
(لقد تجلى الله لعباده في كتابه ولكن الناس لا يبصرون) هكذا جاء في الرواية الكريمة، إذ إن كل آية من آيات الذكر الحكيم تعبير عن سنن إلهية، واسم من أسماء الله تعالى الحسنى، وعن حكمة بالغة، وبصيرة ورؤية واضحة، وعن مفتاح من مفاتيح الوصول إلى حقائق كتاب الله والتدبر في كلماته الشريفة..
هل لنا أن نتساءل عن معنى التدبر الذي أمرنا به.. هل يعني التأمل؟ أم يعني التفكير؟ أم يعني الغور في علم اللغة للتعرف على معاني الكلمات؟ أم هو التبحر في علم البلاغة للإطلاع على حقيقة تركيب الجمل؟
أتصور ان القضية أعمق من هذا بكثير..
فالتدبر في آيات القرآن الكريم يعني -أساساً- الإنفتاح على حقيقة القرآن، بعيداً عن المسبقات الذهنية والحجب والإنتماءات والإرتباطات.
وهذا يعني وجوب أن يجلس الإنسان أمام كتاب الله المجيد جلسة التلميذ أمام أستاذه؛ الأستاذ الذي يعلم ويربي ويزكي.
وإنطلاقاً من هذه البصيرة يمكن فهم معنى التدبر في القرآن وإستلهام هداه ورؤاه وسننه، كما يمكن توجيه حقائقه إلى واقع المجتمع والسياسة والاقتصاد وأنفسنا وخباياها!
لنسلط ضوء القرآن على أنفسنا حتى نعرف من نحن، وكيف ينبغي أن نفكر ونخطط ونقتنع، ونعرف الجيد في حياتنا من السيء.
وعبر التدبر في الآيات القرآنية يمكن الحصول على حكمة الحياة برمتها؛ أي إدراك السنن والقوانين التي يجري الله تعالى الحياة على أساسها.
ولا يتسنى ذلك لنا ما لم ننهض بمستوى استعدادنا الروحي والنفسي للتلقي والتتلمذ والتعلم والإستنباط. وعبر هذه المراحل نحصل -بإذن الله- على الرؤية الواضحة والمعرفة الجيدة فيما يرتبط بحياتنا.
أين نحن من هدى القرآن؟!
تُرى أين نحن من القرآن الكريم الذي نعيش ربيعه المبارك في شهر رمضان هذه الأيام؟ إن بيننا وبين كتاب ربنا سبحانه وتعالى مسافة، ولابد أن نطويها حتى نصل إليه. فما هي هذه المسافة؟ وكيف نطويها؟
إن الإجابة عن كل ذلك تتلخص ببساطة بالغة، وهي إن واقعنا هو غير الواقع الذي يدعونا القرآن إليه. فواقعنا هو واقع التجزئة والتخلف، فيما يدعونا القرآن إلى الوحدة والتقدم. وواقعنا هو واقع الفساد الإداري والاقتصادي والسياسي، بينما القرآن الكريم يدعونا إلى الصلاح والإصلاح؛ إصلاح ذات البين في المجتمع، إصلاح ما في الأرض، وبالتالي إصلاح السياسة.
إن نفوسنا -وللأسف الشديد- تختلف عما أراده القرآن، فهي مليئة، بل وطافحة بالحمية والأنانية، ولكن القرآن يدعونا إلى كلمة التقوى والهدى والحبّ، وقد قال لنا بكل صراحة: ( يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِن نِسَآءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ ) (5).
ولكن العصبيات والحميات والأحقاد والفوارق المصطنعة وسائر الجاهليات المتمكنة منّا، تحجزنا عن بعضنا، فهل هذا هو ما أراده القرآن المجيد؟
كلا؛ لقد أحاط بنا الجهل والهوى في وقت أمرنا كتاب ربنا بالسعي إلى حيازة العلم وتحصيل الهدى، ولكي نكون أناساً علميين عقلائيين، فلا نتحرك وفق الحساسيات والعواطف والشهوات.
أين الهدى؟ بل أين نحن من هدى القرآن؟ فإذا لم نعرف مكان الهدى، ولم نعرف موقعنا من هذا الهدى، نكون قد حكمنا على أنفسنا بالانفصال عن الفرقان.
إن شهر رمضان الكريم يعطينا الفرصة المناسبة في إطار قطع المسافة المشار إليها، بل وحذفها حذفاً كلياً، وذلك بوسيلة تلاوة الكتاب المجيد والتأمل والتدبر في آياته المباركة؛ فلا نمرّ على آية قرآنية إلاّ ونتوقف عندها، فنتدبر فيها وفيما تقول.
كيف ننهى أنفسنا عن الهوى لتكون الجنة هي المأوى؟ وما هي وسيلة الوصول الى التقوى، والوصول الى تلك الدرجة التي بلغها المسلمون الذين اُنزل فيهم قوله عزّ اسمه ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (6)؟
وهكذا يتوجّب علينا أن نقف عند كل آية تحدثنا عن المفاهيم والقوانين التي تنتهي بنا إلى سعادة الدنيا والآخرة.؛ ففي القرآن منهاج متكامل للحياة.
فتعالوا إلى الاستفادة من هذا المنهاج العظيم، وإلى عقد العزم على مواصلة الدرب إلى أن نحقق في أنفسنا وفي مجتمعنا واقتصادنا وسياستنا ذلك الأفق القرآني الذي أمرنا به.
محطة التزود بالدعاء
( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً * اُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً * قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامَاً ) (7)
نحمد الله سبحانه وتعالى أن وفقنا إلى تعلم الدعاء في شهره الكريم؛ شهر رمضان، فقرأنا دعاء السحر ودعاء أبي حمزة الثمالي، وتلونا أدعية النهار وغيرها من الأدعية الجليلة..
ولما كان الدعاء هو مخ العبادة، والحبل المتين المتصل بين الإنسان وربه، وجوهر التبتل إلى الله، ووسيلة تساقط الحجب.. لما كان ذلك كله، كان لزاماً علينا أن نستمر على عادة قراءة الأدعية حتى بعد انتهاء شهر رمضان الكريم، لأن تركها سيكون أشبه بالاستكبار على الله بعد طول إنابة ومناجاة؛ قد تكون بنيت على أساس من المخادعة والجهل، أو اللاوعي على أحسن تقدير!!
صحيح إن الشيطان والظروف الاجتماعية الضاغطة قد تدفع الإنسان إلى الابتعاد عن الدعاء وذكر الله تعالى. ولذلك فإن ربنا سبحانه ينذر أولئك الذين لا يدعونه بقوله المجيد: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) ؛ أي إن من يستكبر عن الدعاء وذكر الله بداعي الجهل أو المخادعة أو وساوس الشيطان وضغط الظروف الاجتماعية سيدخل جهنم داخراً..
أما عباد الرحمن الذين بلغوا شأناً رفيعاً من الإيمان والخلق الفاضل، فهم يدعون ربهم أبداً، طالبين إليه أن تستمر فيهم حالة التواضع إليه في أنفسهم وذرياتهم، بل وأن يكونوا أئمة للمتقين وفي خط أئمة المتقين عليهم الصلاة والسلام.
ان الواضح من سياق الآيات الكريمة الآنفة الذكر أن الله تعالى أراد تعليم الإنسان نوعاً من الدعاء، لأن الله قد قال في آخرها: ( قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ ) .
فالإنسان حينما يذنب وتحيط به خطيئته استحق العذاب من ربه، ولا يرفع هذا العذاب ـ في حال نزوله ـ سوى الإنابة والدعاء. وبالفعل فقد حدث ذلك في سيرة قوم النبي يونس عليه السلام، الذين أنابوا إلى الله في اللحظة الأخيرة، فرفع عنهم ما وعدوا من عذاب شديد.
فدعنا أن نحوّل ما تعلمناه من دعاء خلال شهر رمضان الكريم إلى سيرة طيبة لما بعد هذا الشهر وخلال السنة كلها، فإذا حلّ بنا شهر رمضان آخر اعتبرناه محطة جديدة نتزود منها لعامنا القابل. وهكذا نكون من السائرين في سلك الإيمان والتقوى الدائمين.
المصادر :
1- الاسراء/26-27
2- البقرة/273
3- البقرة/185
4- ص/29
5- الحجرات/11
6- الحشر/9
7- الفرقان/74-77
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.