{ حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِنْ عِندِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } (1)
كيف نستفيد من ليلة القدر المباركة ونحن نعيش ساعاتها المحدودة والمعدودة؟
أقول: ان العمر كله محدود، والمناسبات فيه محدودة أيضاً، وحري بنا أن نستفيد منها بصورة نتمكن بها مقاومة الوساوس الشيطانية التي تؤثر علينا وتبعدنا عنها، كمناسباتٍ وفرصٍ، ما هي في الحقيقة إلا نفحات رحمانية، من الضروري جداً أن نتعرض لها.
ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر! إنها ليلة عظيمة جداً، لاتصالها المباشر بمصير كل إنسان على وجه الأرض. فقد يدخل الإنسان هذه الليلة وقد كتب شقياً؛ أي إنه مثبَّتٌ إسمه في ديوان الله سبحانه وتعالى في قائمة الأشقياء والمحرومين من ثواب الله ورحمته. ولكن بعض الناس يدخلون هذه الليلة ويخرجون منها وهم سعداء مكتوب اسمهم في أسماء أهل الجنة والرضوان والطاعة، وفي قائمة المرحومين برحمة الله.
وأنا وأنت مسؤولون عن إستغلال هذه الليلة بكل ما أوتينا من قوة..
وقد تعلّل تكاسلك في إستغلال هذه الليلة بوجود ليالي قدر أخرى -كأن تكون هذه الليلة ليلة التاسع عشر من شهر رمضان- وأنه من الممكن الاستفادة منها.
وأقول لك مذكراً: كم من إنسان تمنى أن يعيش ليلة القدر، ولكنه لم يوفق لذلك بدواع متنوعة، كأن يكون مريضاً، أو كان يعاني ظروفاً إجتماعية ونفسية خاصة، فلا يستطيع مجرد الدعاء.
فدعنا نستغل كل ما له تأثير في حياتي وحياتك، وليس أعظم التأثير من ليلة القدر على مصيري ومصيرك..
فلنفكر ثم نصمم ماذا نريد لأنفسنا، ولنتعرف على كيفية صياغة حياتنا من جديد، ولنضع لأنفسنا مثلاً أعلى ثم نحاول الوصول إلى هذا المثل الأعلى. ولنثق بأن الله سيأخذ بأيدينا، لأنه أرحم الراحمين، ولأن موازينه ومحاسباته لها قواعدها الخاصة، دونما هو متعارف بين الناس، وخير نموذج لذلك، أن العبد العائد التائب إذا إقترب منه شبراً إقترب الله إليه ميلا، بل أميالا..
فهل تريد من الله التوبة أو الذرية والحياة الطيبة، أو الثروة والإمكانات، أو البرزخ الهادئ، أو الجنة والرضوان؟ أكتب رغباتك وتمنياتك على الله سبحانه وتعالى، واسأله الحصول عليها، واستعد نفسياً وروحياً وأخلاقياً لكي تعايش ليالي القدر الأخرى بالروحية نفسها أو أرقى منها.
ليلة القدر وسيلة الرحمة
{ إِنَّآ انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلآَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر } ِ (2)
جعل الله ليلة القدر المباركة خيرا من ألف شهر، وألف شهر يعادل عمر الإنسان، وهو ثلاث وثمانون سنة؛ أي ان ليلة القدر لوحدها خير من عمر الإنسان كله.. ترى كيف صار ذلك؟!
أقول: ان من رحمة الله تبارك وتعالى بعباده وفضله عليهم أنه سخر لهم وسائل الوصول إليه. فقد تكون الوسيلة ليلة، وقد تكون منطقة، وقد تكون شخصا.
فالكعبة جعلها البارئ عز وجل مثابة للناس وأمنا ووسيلة إلى رحمته، وصحراء عرفات وسيلة من وسائل رحمته، والأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام وكذلك الائمة الأطهار وسائل رحمته؛ فمن أراد الله بدأ بهم.
ومن تلكم الليالي ليلة الجمعة، وليلة العيد، وليلة النصف من شعبان، وغيرها.وان من المؤكد أن أفضل الليالي هي ليلة القدر، وهي وسيلة عظيمة جعلها الله في شهر رمضان المبارك وسيلة إلى رحمته المعنوية. فمن أراد الله سبحانه وتعالى دخل من باب هذه الليلة، ووصل إلى الرحمة الربانية المطلقة..
ففي هذه الليلة تتنزل رحمة الله، وتتنزل الملائكة بالبركة والإذن بإستجابة الدعاء، بل والدعاء لعباد الله الصالحين والتأمين على دعائهم.
ومن هنا كان المؤمنون مدعوين إلى التوبة والاستغفار؛ التوبة التي تعني الندم وإصلاح الذات وإعادة الحسابات، فليحاسب المؤمنون أنفسهم وتاريخهم، إذ لا يتسنى لأحد أن يبرئ نفسه وينسب الكمال إليها.
فتعالوا في هذه الليلة المباركة -ليلة القدر- لنراجع حساباتنا، وندعو الله سبحانه من خلال عدة ساعات، ولو للحظة واحدة حيث تتصل قلوبنا بنور الرب العظيم. وإذ ذاك ستكفينا هذه اللحظة الواحدة، لأنها أحدثت في ذواتنا التحول المطلوب، وأسقطت كل الحجب التي تقف بيننا وبين ربنا.
فلنحاول ثم نحاول، ولنجتهد ثم نجتهد للإمساك بهذه اللحظة، حيث يتم اللقاء الأبدي بين قلوبنا وبين نور الرب.
ليلة القدر وسيلة الرحمة
{ إِنَّآ انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلآَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر } ِ (3)
جعل الله ليلة القدر المباركة خيرا من ألف شهر، وألف شهر يعادل عمر الإنسان، وهو ثلاث وثمانون سنة؛ أي ان ليلة القدر لوحدها خير من عمر الإنسان كله.. ترى كيف صار ذلك؟!
أقول: ان من رحمة الله تبارك وتعالى بعباده وفضله عليهم أنه سخر لهم وسائل الوصول إليه. فقد تكون الوسيلة ليلة، وقد تكون منطقة، وقد تكون شخصا.
فالكعبة جعلها البارئ عز وجل مثابة للناس وأمنا ووسيلة إلى رحمته، وصحراء عرفات وسيلة من وسائل رحمته، والأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام وكذلك الائمة الأطهار وسائل رحمته؛ فمن أراد الله بدأ بهم.
ومن تلكم الليالي ليلة الجمعة، وليلة العيد، وليلة النصف من شعبان، وغيرها.
وان من المؤكد أن أفضل الليالي هي ليلة القدر، وهي وسيلة عظيمة جعلها الله في شهر رمضان المبارك وسيلة إلى رحمته المعنوية. فمن أراد الله سبحانه وتعالى دخل من باب هذه الليلة، ووصل إلى الرحمة الربانية المطلقة..
ففي هذه الليلة تتنزل رحمة الله، وتتنزل الملائكة بالبركة والإذن بإستجابة الدعاء، بل والدعاء لعباد الله الصالحين والتأمين على دعائهم.
ومن هنا كان المؤمنون مدعوين إلى التوبة والاستغفار؛ التوبة التي تعني الندم وإصلاح الذات وإعادة الحسابات، فليحاسب المؤمنون أنفسهم وتاريخهم، إذ لا يتسنى لأحد أن يبرئ نفسه وينسب الكمال إليها.
فتعالوا في هذه الليلة المباركة -ليلة القدر- لنراجع حساباتنا، وندعو الله سبحانه من خلال عدة ساعات، ولو للحظة واحدة حيث تتصل قلوبنا بنور الرب العظيم. وإذ ذاك ستكفينا هذه اللحظة الواحدة، لأنها أحدثت في ذواتنا التحول المطلوب، وأسقطت كل الحجب التي تقف بيننا وبين ربنا.
فلنحاول ثم نحاول، ولنجتهد ثم نجتهد للإمساك بهذه اللحظة، حيث يتم اللقاء الأبدي بين قلوبنا وبين نور الرب.
وما أدراك ما ليلة القدر..
{ وَإِذَا سَاَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَاِنِّي قَرِيبٌ اُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِيْ وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } (4)
ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر؛ انها ليلة تقترب فيها السماء من الأرض حتى تنعدم المسافة بينهما، وفيها يقترب الإنسان من ربه، فتقترب منه رحمة ربه وفي هذه الليلة تفتح أبواب السماء.
إنها خير فرصة لتتقدم بها إلى ربك بالتوبة فتتوب بذلك توبة نصوحا. فإن من لم يتب إلى الله في هذه الليلة، أو لم تقبل توبته، فقد لا يوفق إلى إدراك التوبة إلا إذا أدرك الحج ودعا ربه عند موقف عرفة الشريف فقط.
ما أروع إن يعرف الإنسان ان الله يدعو الناس إليه في شهر رمضان دعوة خاصة، فهو يدعوهم إلى أن يدعوه. فمن تاب، تاب الله عليه، ومن تقدم خطوة نحو ربه، تقدم الرب نحو خطوات.
إن الله يحب التوابين من عباده. ولعل هذا المثل الذي ورد في الحديث الشريف يوضح لنا حب الله لمن يعود إليه: رجل ضلت عنه راحلته، وهو لا يملك غيرها، في صحراء قاحلة وليلة مظلمة، وكانت راحلته كل شيء بالنسبة له، وهو قد شارف الموت من الوحدة والتعب والضياع، فهل تتصور كم ستكون فرحة هذا الرجل فيما لو عادت إليه راحلته؟ إنها ستكون كما لو أعطي الدنيا كلها طبعا. والرب الجليل يفرح بالتائب حينما يعود إليه أكثر من ذلك الرجل حينما يجد راحلته.
إن أمام التائب رحمة لا تحدها حدود، فليطلب ما يشاء من خالقه. ومن العار على المخلوق أن ييأس من هذه الرحمة، فهل هو يشك في وعد ربه وعهده؟ أم إنه قد استسلم للشيطان، ومنح نفسه صلاحية الحكم عليها بالسقوط الأبدي؟!
فليطلب الإنسان من ربه في ليلة القدر، وهي ليلة التوبة، خير الدنيا وخير الآخرة، وليطلب السعادة لنفسه ولذويه وللآخرين، وليطلب المغفرة والهداية وعاقبة الخير.. فهو إذا مات على تعاسة وشر، كان في تعاسة وشر أبديين؛ وإذا مات على سعادة وخير، كان في سعادة وخير أبديين. فليطلب التائب ثم يطلب حتى يلتفت إليه الرب ولو لفتة من لفتات حنانه، فمن أطال قرع الباب، أوشك ان يفتح له.
في ليلة القدر؛ حري بالمؤمنين أن يدعوا لمن مضى من آبائهم وأمهاتهم واخوانهم وأصدقائهم، فهم من قصرت أيديهم وآمالهم من الدنيا، وهم لا يملكون لأنفسهم شيئا.
وأن يدعوا لأولادهم ولذرياتهم بالصلاح، وأن يحضوا الآخرين على ان يدعوا لهم، إذ أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يدعو المرء بلسان لم يذنب به؛ أي بلسان غيره. وإن تعاون وتضامن المؤمنين في أدعيتهم، لهما خير تعاون وتضامن.
ولا ينبغي للراغب في إحياء ليلة القدر إن ينسى الدعاء بالمأثور عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، هذه الأدعية التي فيها الحياة، وفيها التعبير الصادق عن حقيقة التوبة والرغبة الخالصة إلى الله وطلب القرب منه.
الإمام علي عليه السلام شهيد ليلة القدر
في مثل ليلة القدر الجليلة يفترض أن نتساءل عن العلاقة بين هذه الليلة وبين شهادة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، أو لنقل العلاقة بين القرآن ووصي المرسل بالقرآن؟
وتبدو العلاقة علاقة وطيدة ومتينة، إلى حد يعجز فيها الباحث عن ثغرة ولو بمقدار شعرة. فحقائق القرآن التي قد تجلت في المفاهيم والمبادئ والنور والعطاء والرحمة، تجلت أيضاً وهي نفسها لم تتغير في هذا الإنسان الفريد.
لقد كان الجيل الأول الذي أنزل عليه الكتاب يمتاز بأنه قد تجلت فيه وفي أفعاله وصفاته ومواقفه وحتى أفكاره، آيات الكتاب.
وكان أمير المؤمنين صنيع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وصنيع القرآن، والشهيد والشاهد بالقرآن الكريم، وكان بدوره قرآناً ناطقاً.
وإذا ما سأل أحدهم عن تطبيق هذا القرآن، وكله سمو وعظمة ومجد وخلق عظيم، وعن إمكان تحقق كل ذلك في هذا الكائن الضعيف الذي تحوم حوله الشكوك والأوهام، وتحتوشه المشاكل والمخاطر والشهوات، وهو الكائن المدعو بالإنسان؟!
أقول: بلى؛ لقد طبق أناس ما جاء في الكتاب بحذافيره، ولم تكن ثمَّ فاصلة تعزلهم عما كان يحتوي، وعلى رأس من حقق ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، هذا الإنسان الذي سئل أحد الصحابة عنه، فأجاب بقوله: كان خُلُقُه القرآن.
فإذا أردت رسول الله فاقرأ القرآن، وإذا أردت القرآن فأنظر إلى رسول الله. ونفس رسول الله علي بن أبي طالب بشهادة القرآن، إذ قال في قصة المباهلة: { فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ }
ولذلك؛ كان إذا أردنا فهم كتاب الله، فعلينا أن نفهم رسول الله ثم علياً والأئمة من ولده سلام الله عليهم أجمعين. وإذا أردنا أن نفهمهم، فلابد من قراءة القرآن قراءة حكيمة واعية. فقد كان أحدهم انعكاسا للآخر وتجسيدا له، وإذا رغبنا باتباع القرآن فما علينا إلا دراسة حياة النبي وأهل بيته وأتباعهم، وعكس ذلك صحيح قطعا.
فالإنسان الواعي والمنصف والراغب في معرفة القرآن يجد أن كل نص فيه أو مفهومه متجسداً بأهل البيت. فإذا هو قرأ قوله سبحانه وتعالى: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا } وجد مصداقه في حمزة سيد الشهداء، حيث وجده النبي صلى الله عليه وآله متضرجاً بدمائه لما أصابه بما يزيد على سبعين جرحاً، أما ما تجسد في الإمام علي عليه السلام وفي المعركة ذاتها، قال الرسول الله صلى الله عليه وآله، إن هذا موضع شكر، تعقيبا على إرشاد الرسول له بالتحلي بالصبر. ثم إنك لتراه ولعل دموعه كانت تجري على خديه مخاطبا النبي الأكرم: لقد فاتتني الشهادة، فيبشره النبي بأنها وراءه. فبقي علي بن أبي طالب طيلة حياته ينتظر لحظته الموعودة، حتى كانت ليلة التاسع عشر من شهر رمضان، وهي من ليالي القدر، حيث كان يكثر من الدعاء إلى الله بتعجيل الشهادة واللحاق بالرسول الأكرم. فقد استشهد على يد أشقى الآخرين، حيث إستقبل الضربة الغادرة القاتلة بمقولته الشهيرة التي ان عبرت عن شيء فإنما تعبر عن التلاحم المطلق بكتاب الله: (فزت ورب الكعبة).
آفاق الدعاء في ليلة القدر
{ وَإِذَا سَاَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَاِنِّي قَرِيبٌ اُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِيْ وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } (5)
أين الله؟! لا تسأل نفسك هذا السؤال.. ولكن قل مراراً وتكراراً: أين أنا من الله؟!
إنه لا يخلو منه مكان، وهو معك يسمعك ويراك، وهو أقرب إليك من حبل الوريد.
ويروى انه سأل أحدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائلا: يا رسول الله؛ هل ربنا بعيد فنناديه -أي نرفع أصواتنا- أم قريب فنناجيه -أي نهمس إليه-؟ فنزلت هذه الآية الكريمة: { وَإِذَا سَاَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَاِنِّي قَرِيبٌ اُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاع..ِ } .
ولما كانت ليلة القدر الجليلة من شأنها أن تحملك على نسيم لحظاتها المصيرية، فتسمو وتتغير تغييراً جذرياً. وهذه الليلة هي ليلة الفصل التي من الممكن تطوي ماضيك وتنير مستقبلك.
أما الوسيلة الأكثر تعميقاً لعلاقتك بالله في هذه الليلة هي الدعاء. وقد جاء في المأثور عن أهل البيت عليهم السلام إن (الدعاء مخ العبادة).
إن الدعاء في ليلة القدر حبل يمتد بينك وبين ربك، فاجتهد بإحراز الاجتهاد والخشوع والحياء مما اقترفت من ذنوب. وليكن في حسبانك أن الله طالما أنعم عليك، فلم تشكره وأفرطت في جنبه، ولتعقد العزم على العودة إلى قابل التوب؛ الغفور الرحيم، عودة راج منيب نادم على ماضيه.
وأعلم أنك حينما تسأل ربك بعد اعلان توبتك الصادقة والنصوح، فإنما تسأل رباً كريماً جواداً غنياً؛ لا يزداد مع كثرة العطاء إلا جوداً وكرماً، فسبحانه من إله لا يبخل مهما كثرت المطالب منه.
إنك مسؤول في ليلة القدر أن تدعو لأبويك وإخوانك ولكل من يمت إليك بصلة قربى أو صداقة، كما أن من المهم جدا أن تدعو للأمة الإسلامية لينقذها الله من أزماتها ومشاكلها وأعدائها. في هذه الليلة عليك أن تطلب إلى ربك أن يلغي عن كيان الأمة حالة الحرمان والتخلف والتجزئة والهيمنة الأجنبية، وأن يخلص شعوبها من المصائب والنكبات التي تعانيها.
المصادر :
1- الدخان1-5
2- القدر/1-5
3- القدر/1-5
4- البقرة/186
5- البقرة/186
كيف نستفيد من ليلة القدر المباركة ونحن نعيش ساعاتها المحدودة والمعدودة؟
أقول: ان العمر كله محدود، والمناسبات فيه محدودة أيضاً، وحري بنا أن نستفيد منها بصورة نتمكن بها مقاومة الوساوس الشيطانية التي تؤثر علينا وتبعدنا عنها، كمناسباتٍ وفرصٍ، ما هي في الحقيقة إلا نفحات رحمانية، من الضروري جداً أن نتعرض لها.
ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر! إنها ليلة عظيمة جداً، لاتصالها المباشر بمصير كل إنسان على وجه الأرض. فقد يدخل الإنسان هذه الليلة وقد كتب شقياً؛ أي إنه مثبَّتٌ إسمه في ديوان الله سبحانه وتعالى في قائمة الأشقياء والمحرومين من ثواب الله ورحمته. ولكن بعض الناس يدخلون هذه الليلة ويخرجون منها وهم سعداء مكتوب اسمهم في أسماء أهل الجنة والرضوان والطاعة، وفي قائمة المرحومين برحمة الله.
وأنا وأنت مسؤولون عن إستغلال هذه الليلة بكل ما أوتينا من قوة..
وقد تعلّل تكاسلك في إستغلال هذه الليلة بوجود ليالي قدر أخرى -كأن تكون هذه الليلة ليلة التاسع عشر من شهر رمضان- وأنه من الممكن الاستفادة منها.
وأقول لك مذكراً: كم من إنسان تمنى أن يعيش ليلة القدر، ولكنه لم يوفق لذلك بدواع متنوعة، كأن يكون مريضاً، أو كان يعاني ظروفاً إجتماعية ونفسية خاصة، فلا يستطيع مجرد الدعاء.
فدعنا نستغل كل ما له تأثير في حياتي وحياتك، وليس أعظم التأثير من ليلة القدر على مصيري ومصيرك..
فلنفكر ثم نصمم ماذا نريد لأنفسنا، ولنتعرف على كيفية صياغة حياتنا من جديد، ولنضع لأنفسنا مثلاً أعلى ثم نحاول الوصول إلى هذا المثل الأعلى. ولنثق بأن الله سيأخذ بأيدينا، لأنه أرحم الراحمين، ولأن موازينه ومحاسباته لها قواعدها الخاصة، دونما هو متعارف بين الناس، وخير نموذج لذلك، أن العبد العائد التائب إذا إقترب منه شبراً إقترب الله إليه ميلا، بل أميالا..
فهل تريد من الله التوبة أو الذرية والحياة الطيبة، أو الثروة والإمكانات، أو البرزخ الهادئ، أو الجنة والرضوان؟ أكتب رغباتك وتمنياتك على الله سبحانه وتعالى، واسأله الحصول عليها، واستعد نفسياً وروحياً وأخلاقياً لكي تعايش ليالي القدر الأخرى بالروحية نفسها أو أرقى منها.
ليلة القدر وسيلة الرحمة
{ إِنَّآ انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلآَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر } ِ (2)
جعل الله ليلة القدر المباركة خيرا من ألف شهر، وألف شهر يعادل عمر الإنسان، وهو ثلاث وثمانون سنة؛ أي ان ليلة القدر لوحدها خير من عمر الإنسان كله.. ترى كيف صار ذلك؟!
أقول: ان من رحمة الله تبارك وتعالى بعباده وفضله عليهم أنه سخر لهم وسائل الوصول إليه. فقد تكون الوسيلة ليلة، وقد تكون منطقة، وقد تكون شخصا.
فالكعبة جعلها البارئ عز وجل مثابة للناس وأمنا ووسيلة إلى رحمته، وصحراء عرفات وسيلة من وسائل رحمته، والأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام وكذلك الائمة الأطهار وسائل رحمته؛ فمن أراد الله بدأ بهم.
ومن تلكم الليالي ليلة الجمعة، وليلة العيد، وليلة النصف من شعبان، وغيرها.وان من المؤكد أن أفضل الليالي هي ليلة القدر، وهي وسيلة عظيمة جعلها الله في شهر رمضان المبارك وسيلة إلى رحمته المعنوية. فمن أراد الله سبحانه وتعالى دخل من باب هذه الليلة، ووصل إلى الرحمة الربانية المطلقة..
ففي هذه الليلة تتنزل رحمة الله، وتتنزل الملائكة بالبركة والإذن بإستجابة الدعاء، بل والدعاء لعباد الله الصالحين والتأمين على دعائهم.
ومن هنا كان المؤمنون مدعوين إلى التوبة والاستغفار؛ التوبة التي تعني الندم وإصلاح الذات وإعادة الحسابات، فليحاسب المؤمنون أنفسهم وتاريخهم، إذ لا يتسنى لأحد أن يبرئ نفسه وينسب الكمال إليها.
فتعالوا في هذه الليلة المباركة -ليلة القدر- لنراجع حساباتنا، وندعو الله سبحانه من خلال عدة ساعات، ولو للحظة واحدة حيث تتصل قلوبنا بنور الرب العظيم. وإذ ذاك ستكفينا هذه اللحظة الواحدة، لأنها أحدثت في ذواتنا التحول المطلوب، وأسقطت كل الحجب التي تقف بيننا وبين ربنا.
فلنحاول ثم نحاول، ولنجتهد ثم نجتهد للإمساك بهذه اللحظة، حيث يتم اللقاء الأبدي بين قلوبنا وبين نور الرب.
ليلة القدر وسيلة الرحمة
{ إِنَّآ انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلآَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر } ِ (3)
جعل الله ليلة القدر المباركة خيرا من ألف شهر، وألف شهر يعادل عمر الإنسان، وهو ثلاث وثمانون سنة؛ أي ان ليلة القدر لوحدها خير من عمر الإنسان كله.. ترى كيف صار ذلك؟!
أقول: ان من رحمة الله تبارك وتعالى بعباده وفضله عليهم أنه سخر لهم وسائل الوصول إليه. فقد تكون الوسيلة ليلة، وقد تكون منطقة، وقد تكون شخصا.
فالكعبة جعلها البارئ عز وجل مثابة للناس وأمنا ووسيلة إلى رحمته، وصحراء عرفات وسيلة من وسائل رحمته، والأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام وكذلك الائمة الأطهار وسائل رحمته؛ فمن أراد الله بدأ بهم.
ومن تلكم الليالي ليلة الجمعة، وليلة العيد، وليلة النصف من شعبان، وغيرها.
وان من المؤكد أن أفضل الليالي هي ليلة القدر، وهي وسيلة عظيمة جعلها الله في شهر رمضان المبارك وسيلة إلى رحمته المعنوية. فمن أراد الله سبحانه وتعالى دخل من باب هذه الليلة، ووصل إلى الرحمة الربانية المطلقة..
ففي هذه الليلة تتنزل رحمة الله، وتتنزل الملائكة بالبركة والإذن بإستجابة الدعاء، بل والدعاء لعباد الله الصالحين والتأمين على دعائهم.
ومن هنا كان المؤمنون مدعوين إلى التوبة والاستغفار؛ التوبة التي تعني الندم وإصلاح الذات وإعادة الحسابات، فليحاسب المؤمنون أنفسهم وتاريخهم، إذ لا يتسنى لأحد أن يبرئ نفسه وينسب الكمال إليها.
فتعالوا في هذه الليلة المباركة -ليلة القدر- لنراجع حساباتنا، وندعو الله سبحانه من خلال عدة ساعات، ولو للحظة واحدة حيث تتصل قلوبنا بنور الرب العظيم. وإذ ذاك ستكفينا هذه اللحظة الواحدة، لأنها أحدثت في ذواتنا التحول المطلوب، وأسقطت كل الحجب التي تقف بيننا وبين ربنا.
فلنحاول ثم نحاول، ولنجتهد ثم نجتهد للإمساك بهذه اللحظة، حيث يتم اللقاء الأبدي بين قلوبنا وبين نور الرب.
وما أدراك ما ليلة القدر..
{ وَإِذَا سَاَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَاِنِّي قَرِيبٌ اُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِيْ وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } (4)
ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر؛ انها ليلة تقترب فيها السماء من الأرض حتى تنعدم المسافة بينهما، وفيها يقترب الإنسان من ربه، فتقترب منه رحمة ربه وفي هذه الليلة تفتح أبواب السماء.
إنها خير فرصة لتتقدم بها إلى ربك بالتوبة فتتوب بذلك توبة نصوحا. فإن من لم يتب إلى الله في هذه الليلة، أو لم تقبل توبته، فقد لا يوفق إلى إدراك التوبة إلا إذا أدرك الحج ودعا ربه عند موقف عرفة الشريف فقط.
ما أروع إن يعرف الإنسان ان الله يدعو الناس إليه في شهر رمضان دعوة خاصة، فهو يدعوهم إلى أن يدعوه. فمن تاب، تاب الله عليه، ومن تقدم خطوة نحو ربه، تقدم الرب نحو خطوات.
إن الله يحب التوابين من عباده. ولعل هذا المثل الذي ورد في الحديث الشريف يوضح لنا حب الله لمن يعود إليه: رجل ضلت عنه راحلته، وهو لا يملك غيرها، في صحراء قاحلة وليلة مظلمة، وكانت راحلته كل شيء بالنسبة له، وهو قد شارف الموت من الوحدة والتعب والضياع، فهل تتصور كم ستكون فرحة هذا الرجل فيما لو عادت إليه راحلته؟ إنها ستكون كما لو أعطي الدنيا كلها طبعا. والرب الجليل يفرح بالتائب حينما يعود إليه أكثر من ذلك الرجل حينما يجد راحلته.
إن أمام التائب رحمة لا تحدها حدود، فليطلب ما يشاء من خالقه. ومن العار على المخلوق أن ييأس من هذه الرحمة، فهل هو يشك في وعد ربه وعهده؟ أم إنه قد استسلم للشيطان، ومنح نفسه صلاحية الحكم عليها بالسقوط الأبدي؟!
فليطلب الإنسان من ربه في ليلة القدر، وهي ليلة التوبة، خير الدنيا وخير الآخرة، وليطلب السعادة لنفسه ولذويه وللآخرين، وليطلب المغفرة والهداية وعاقبة الخير.. فهو إذا مات على تعاسة وشر، كان في تعاسة وشر أبديين؛ وإذا مات على سعادة وخير، كان في سعادة وخير أبديين. فليطلب التائب ثم يطلب حتى يلتفت إليه الرب ولو لفتة من لفتات حنانه، فمن أطال قرع الباب، أوشك ان يفتح له.
في ليلة القدر؛ حري بالمؤمنين أن يدعوا لمن مضى من آبائهم وأمهاتهم واخوانهم وأصدقائهم، فهم من قصرت أيديهم وآمالهم من الدنيا، وهم لا يملكون لأنفسهم شيئا.
وأن يدعوا لأولادهم ولذرياتهم بالصلاح، وأن يحضوا الآخرين على ان يدعوا لهم، إذ أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يدعو المرء بلسان لم يذنب به؛ أي بلسان غيره. وإن تعاون وتضامن المؤمنين في أدعيتهم، لهما خير تعاون وتضامن.
ولا ينبغي للراغب في إحياء ليلة القدر إن ينسى الدعاء بالمأثور عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، هذه الأدعية التي فيها الحياة، وفيها التعبير الصادق عن حقيقة التوبة والرغبة الخالصة إلى الله وطلب القرب منه.
الإمام علي عليه السلام شهيد ليلة القدر
في مثل ليلة القدر الجليلة يفترض أن نتساءل عن العلاقة بين هذه الليلة وبين شهادة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، أو لنقل العلاقة بين القرآن ووصي المرسل بالقرآن؟
وتبدو العلاقة علاقة وطيدة ومتينة، إلى حد يعجز فيها الباحث عن ثغرة ولو بمقدار شعرة. فحقائق القرآن التي قد تجلت في المفاهيم والمبادئ والنور والعطاء والرحمة، تجلت أيضاً وهي نفسها لم تتغير في هذا الإنسان الفريد.
لقد كان الجيل الأول الذي أنزل عليه الكتاب يمتاز بأنه قد تجلت فيه وفي أفعاله وصفاته ومواقفه وحتى أفكاره، آيات الكتاب.
وكان أمير المؤمنين صنيع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وصنيع القرآن، والشهيد والشاهد بالقرآن الكريم، وكان بدوره قرآناً ناطقاً.
وإذا ما سأل أحدهم عن تطبيق هذا القرآن، وكله سمو وعظمة ومجد وخلق عظيم، وعن إمكان تحقق كل ذلك في هذا الكائن الضعيف الذي تحوم حوله الشكوك والأوهام، وتحتوشه المشاكل والمخاطر والشهوات، وهو الكائن المدعو بالإنسان؟!
أقول: بلى؛ لقد طبق أناس ما جاء في الكتاب بحذافيره، ولم تكن ثمَّ فاصلة تعزلهم عما كان يحتوي، وعلى رأس من حقق ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، هذا الإنسان الذي سئل أحد الصحابة عنه، فأجاب بقوله: كان خُلُقُه القرآن.
فإذا أردت رسول الله فاقرأ القرآن، وإذا أردت القرآن فأنظر إلى رسول الله. ونفس رسول الله علي بن أبي طالب بشهادة القرآن، إذ قال في قصة المباهلة: { فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ }
ولذلك؛ كان إذا أردنا فهم كتاب الله، فعلينا أن نفهم رسول الله ثم علياً والأئمة من ولده سلام الله عليهم أجمعين. وإذا أردنا أن نفهمهم، فلابد من قراءة القرآن قراءة حكيمة واعية. فقد كان أحدهم انعكاسا للآخر وتجسيدا له، وإذا رغبنا باتباع القرآن فما علينا إلا دراسة حياة النبي وأهل بيته وأتباعهم، وعكس ذلك صحيح قطعا.
فالإنسان الواعي والمنصف والراغب في معرفة القرآن يجد أن كل نص فيه أو مفهومه متجسداً بأهل البيت. فإذا هو قرأ قوله سبحانه وتعالى: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا } وجد مصداقه في حمزة سيد الشهداء، حيث وجده النبي صلى الله عليه وآله متضرجاً بدمائه لما أصابه بما يزيد على سبعين جرحاً، أما ما تجسد في الإمام علي عليه السلام وفي المعركة ذاتها، قال الرسول الله صلى الله عليه وآله، إن هذا موضع شكر، تعقيبا على إرشاد الرسول له بالتحلي بالصبر. ثم إنك لتراه ولعل دموعه كانت تجري على خديه مخاطبا النبي الأكرم: لقد فاتتني الشهادة، فيبشره النبي بأنها وراءه. فبقي علي بن أبي طالب طيلة حياته ينتظر لحظته الموعودة، حتى كانت ليلة التاسع عشر من شهر رمضان، وهي من ليالي القدر، حيث كان يكثر من الدعاء إلى الله بتعجيل الشهادة واللحاق بالرسول الأكرم. فقد استشهد على يد أشقى الآخرين، حيث إستقبل الضربة الغادرة القاتلة بمقولته الشهيرة التي ان عبرت عن شيء فإنما تعبر عن التلاحم المطلق بكتاب الله: (فزت ورب الكعبة).
آفاق الدعاء في ليلة القدر
{ وَإِذَا سَاَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَاِنِّي قَرِيبٌ اُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِيْ وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } (5)
أين الله؟! لا تسأل نفسك هذا السؤال.. ولكن قل مراراً وتكراراً: أين أنا من الله؟!
إنه لا يخلو منه مكان، وهو معك يسمعك ويراك، وهو أقرب إليك من حبل الوريد.
ويروى انه سأل أحدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائلا: يا رسول الله؛ هل ربنا بعيد فنناديه -أي نرفع أصواتنا- أم قريب فنناجيه -أي نهمس إليه-؟ فنزلت هذه الآية الكريمة: { وَإِذَا سَاَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَاِنِّي قَرِيبٌ اُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاع..ِ } .
ولما كانت ليلة القدر الجليلة من شأنها أن تحملك على نسيم لحظاتها المصيرية، فتسمو وتتغير تغييراً جذرياً. وهذه الليلة هي ليلة الفصل التي من الممكن تطوي ماضيك وتنير مستقبلك.
أما الوسيلة الأكثر تعميقاً لعلاقتك بالله في هذه الليلة هي الدعاء. وقد جاء في المأثور عن أهل البيت عليهم السلام إن (الدعاء مخ العبادة).
إن الدعاء في ليلة القدر حبل يمتد بينك وبين ربك، فاجتهد بإحراز الاجتهاد والخشوع والحياء مما اقترفت من ذنوب. وليكن في حسبانك أن الله طالما أنعم عليك، فلم تشكره وأفرطت في جنبه، ولتعقد العزم على العودة إلى قابل التوب؛ الغفور الرحيم، عودة راج منيب نادم على ماضيه.
وأعلم أنك حينما تسأل ربك بعد اعلان توبتك الصادقة والنصوح، فإنما تسأل رباً كريماً جواداً غنياً؛ لا يزداد مع كثرة العطاء إلا جوداً وكرماً، فسبحانه من إله لا يبخل مهما كثرت المطالب منه.
إنك مسؤول في ليلة القدر أن تدعو لأبويك وإخوانك ولكل من يمت إليك بصلة قربى أو صداقة، كما أن من المهم جدا أن تدعو للأمة الإسلامية لينقذها الله من أزماتها ومشاكلها وأعدائها. في هذه الليلة عليك أن تطلب إلى ربك أن يلغي عن كيان الأمة حالة الحرمان والتخلف والتجزئة والهيمنة الأجنبية، وأن يخلص شعوبها من المصائب والنكبات التي تعانيها.
المصادر :
1- الدخان1-5
2- القدر/1-5
3- القدر/1-5
4- البقرة/186
5- البقرة/186