في ليلة النصف من شهر رمضان عام 2 وقيل 3 من الهجرة ولد الإمام الحسن المجتبي عليه السلام بن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وقد أتت به أمه الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها السلام إلي جده رسول الله صلي الله عليه و اله في خرقة من حرير الجنة كان جبرئيل نزل بها، فسمّاه الرسول صلي الله عليه و اله حسناً وعقّ عنه كبشاً.
وكان (صلوات الله عليه) أشبه الناس بالنبي صلي الله عليه و اله خلقاً وسؤدداً.
كنيته عليه السلام: أبو محمد وأبو القاسم.
وألقابه: السيد والسبط والأمير والحجة والبر والتقي والأثير والزكي والمجتبي والسبط الأول والزاهد.
عاش عليه السلام مع جده صلي الله عليه و اله سبع سنين وأشهراً، وقيل: ثمان سنين، ومع أبيه عليه السلام ثلاثين سنة، وبعده تسع سنين وقالوا: عشر سنين.
كان عليه السلام ربع القامة، وله محاسن كثة، وأصحابه أصحاب أبيه، وبوابه قيس بن ورقاء المعروف بسفينة، ورشيد الهجري، ويقال: وميثم التمار.
بويع عليه السلام بعد أبيه يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان في سنة أربعين. وكان أمير جيشه عبيد الله بن العباس ثم قيس بن سعد بن عبادة. كان عمره لما بويع سبعاً وثلاثين سنة، فبقي في خلافته أربعة أشهر وثلاثة أيام، ووقع الصلح بينه وبين معاوية في سنة إحدي وأربعين.
أولاده علي ما ورد ثلاثة عشر ذكراً وابنة واحدة وقيل أكثر: عبد الله وعمر والقاسم أمهم أم ولد، والحسين الأثرم والحسن أمهما خوله بنت منظور الفزارية، وعقيل والحسن أمهما أم بشير بنت أبي مسعود الخزرجية، وزيد وعمر من الثقفية، وعبد الرحمن من أم ولد، وطلحة وأبو بكر أمهما أم إسحاق بنت طلحة التميمي، وأحمد وإسماعيل والحسن الأصغر، ابنته أم الحسن فقط عند عبد الله، ويقال: وأم الحسين وكانتا من أم بشير الخزاعية، وفاطمة من أم إسحاق بنت طلحة، وأم عبد الله وأم سلمة ورقية لأمهات أولاد.
قتل من أولاده مع الحسين عليه السلام يوم عاشوراء: عبد الله والقاسم وأبو بكر. والمعقبون من أولاده اثنان: زيد بن الحسن، والحسن بن الحسن.
وكان معاوية قد بذل لزوجة الإمام وهي جعدة بنت محمد بن الأشعث الكندي، وهي ابنة أم فروة أخت أبي بكر بن أبي قحافة عشرة آلاف دينار، وإقطاع عشرة ضياع من سقي سوراء، وسواد الكوفة علي أن تسم زوجها الإمام الحسن عليه السلام، فسمته وقبض عليه السلام مسموماً شهيداً بالمدينة بعد مضي عشر سنين من ملك معاوية، فكان في سني إمامته أول ملك معاوية، فمرض أربعين يوماً، ومضي لليلتين بقيتا من صفر سنة خمسين من الهجرة، وقيل: سنة تسع وأربعين. وعمره سبع وأربعون سنة وأشهر، وقيل: ثمان وأربعون، وقيل: في سنة خمسين من الهجرة.
تولي الإمام الحسين عليه السلام تغسيله وتكفينه ودفنه، وقبره الشريف بالبقيع عند جدته فاطمة بنت أسد عليها السلام وقد قام الوهابيون بهدم هذه الأضرحة المباركة، ويلزم علي المسلمين السعي لإعادة بنائها.
رسول الحسين عليه السلام إلي الكوفة
في اليوم الخامس عشر من شهر رمضان عام 60 ه أرسل الإمام الحسين عليه السلام رسوله وسفيره وثقته: مسلم بن عقيل عليه السلام إلي الكوفة، وكتب له كتاباً جاء فيه: وإني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل(1).
وكان مسلم بن عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، من ذوي الرأي والعلم والشجاعة. أمه أم ولد يقال لها حيلة، وكان عقيل اشتراها من الشام. كان مقيماً بمكة. تزوج رقية بنت أمير المؤمنين عليه السلام فولدت له عبد الله قتل بالطف وعلياً ومحمداً.
لمسلم جلالة وعظمة، فقد ذكره رسول الله صلي الله عليه و اله قبل ولادته، فعن ابن عباس قال: قال علي عليه السلام لرسول الله صلي الله عليه و اله: يا رسول الله، إنك لتحب عقيلاً؟.
قال: إي والله، إني لأحبه حبين، حباً له وحباً لحب أبي طالب له، وإن ولده مقتول في محبة ولدك فتدمع عليه عيون المؤمنين، وتصلي عليه الملائكة المقربون.
ثم بكي رسول الله صلي الله عليه و اله حتي جرت دموعه علي صدره ثم قال: إلي الله أشكو ما تلقي عترتي من بعدي(2).
كان مسلم بصفين في ميمنة أمير المؤمنين عليه السلام مع الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر. ويعد من أصحاب الحسين عليه السلام وسفيره إلي أهل الكوفة وأول مستشهد في سبيله.
فقد كتب الإمام الحسين عليه السلام مع هاني بن هاني وسعيد بن عبد الله وكانا آخر الرسل إلي أهل الكوفة: بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلي الملا من المؤمنين والمسلمين أما بعد، فإن هانياً وسعيداً قدما عليَّ بكتبكم وكانا آخر من قدم عليَّ من رسلكم، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلكم أنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك علي الحق والهدي، وإني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل(3).
وجه به الحسين عليه السلام إلي الكوفة مع قيس بن مسهر الصيداوي وعمارة بن عبد الله السلولي وعبد الرحمن بن عبد الله الأزدي ليأخذ له البيعة علي أهلها، فخرج من مكة في منتصف شهر رمضان سنة ستين للهجرة، ودخل الكوفة في اليوم السادس من شهر شوال. فنزل دار المختار بن أبي عبيدة وأقبلت الشيعة تختلف إليه، فبايعه ثمانية عشر ألفاً، وقيل: خمس وعشرون ألفاً. فكتب مسلم إلي الحسين عليه السلام يخبره بذلك ويأمره بالقدوم. وعلي الكوفة يومئذ النعمان بن بشير من قبل يزيد. فكتب عبد الله بن مسلم الحضرمي إلي يزيد بن معاوية: أن مسلم بن عقيل قدم إلي الكوفة، فبايعته الشيعة للحسين بن علي، فإن كان لك في الكوفة حاجة، فابعث إليها رجلاً قوياً، فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف.
لما سمع مسلم بن عقيل بمجيء ابن زياد إلي الكوفة ومقالته التي قالها، خرج من دار المختار حتي انتهي إلي دار هانئ بن عروة، فأقبلت الشيعة تختلف إليه سراً ونزل شريك بن الأعور دار هانئ بن عروة. فاستطاع ابن زياد أن يكتشف مقر مسلم بمعونة جاسوس أوهم مسلم بن عوسجة أنه من شيعة أهل البيت عليهم السلام، فقبض ابن زياد علي هاني بن عروة المرادي. فاضطر مسلم إلي إعلان حركته قبل موعدها المقرر.
خرج (رضوان الله عليه) بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين، فحاصر عبيد الله بن زياد في قصر الإمارة، ولكن سرعان ما تفرق الجمع وبقي مسلم وحيداً فلجأ إلي بيت السيدة طوعة التي آوته، وحين علم ابنها بلال بذلك أخبر عبد الرحمن بن الأشعث الذي أخبر ابن زياد، فأرسل قوة هاجمت مسلماً فخاض معها معركة قاسية أسر علي أثرها، فأقبلوا به أسيراً حتي أُدخل علي عبيد الله فلم يسلم عليه.
فقال له بعض الحرس: سلم علي الأمير.
فقال: اسكت ويحك ما هو لي بأمير.
فقال عبيد الله: لا عليك، سلمت أم لم تسلم فإنك مقتول.
قال: إن قتلتني فلقد قتل من هو شر منك من هو خير مني، فإنك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة لا أحد أولي بها منك.
نظر مسلم (رضوان الله عليه) إلي عمر بن سعد، فقال: لي إليك حاجة، وبيني وبينك رحم.
قال عبيد الله: انظر إلي حاجة ابن عمك.
فتنحيا بحيث لا يراهما أحد، فقال: إن عليَّ ديناً مذ دخلت الكوفة فاقضه عني، واطلب جثتي من ابن زياد ووارها، وابعث إلي الحسين من يرده ويحذره من أهل الكوفة، فإني لا أراه إلا مقبلاً.
فأخبر عمر بن سعد، عبيد الله بن زياد بما قال.
فأمر اللعين بقتله فأصعد علي القصر. فضرب عنقه بكير بن حمران الأحمري وألقي جسده إلي الناس. وقتل معه هاني بن عروة وأمر بهما فقطع رأساهما فأرسل بهما إلي يزيد بن معاوية لعنه الله، وشدت الحبال في أرجلهما وجرا في أسواق الكوفة.
قتل (رضوان الله عليه) يوم الأربعاء لتسع خلون من ذي الحجة الحرام يوم عرفة، ودفن بالكوفة جنب المسجد، وله ضريح معروف باسمه يقصده الملايين لزيارته والدعاء والصلاة إلي الله تحت قبته.
المصادر :
1- بحار الأنوار: ج44 ص334 ب37.
2- الأمالي للصدوق: ص128-129 المجلس 27 ح3.
3- بحار الأنوار: ج44 ص334 ب37.