تقسيمات الصفات الإلهية
ذكروا لصفات الله تعالى تقسيمات عديدة منها:
1- الصفات الجمالية والجلالية:
إذا كانت الصفة مثبتة لجمال ومشيرة إلى واقعية في ذاته تعالى سمّيت "ثبوتية" أو "جمالية" وإذا كانت الصفة هادفة إلى نفي نقص وحاجة عنه سبحانه سمّيت "سلبية" أو "جلالية".
فالعلم والقدرة والحياة من الصفات الثبوتية المشيرة إلى وجود كمال وواقعية في الذات الإلهية ولكن نفي الجسمانية والتحيّز والحركة والتغيّـر من الصفات السلبية الهادفة إلى سلب ما هو نقص عن ساحته سبحانه.
قال صدر المتألّهين: "إنّ هذين الإصطلاحين (الجمالية) و(الجلالية) قريبان ممّا ورد في الكتاب العزيز، قال سبحانه: ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ .
فصفة الجلال ما جلّت ذاته عن مشابهة الغير، وصفة الإكرام ما تكرّمت ذاته بها وتجمّلت، فيوصف بالكمال وينزّه بالجلال" .
2- الصفات الخبريّة:
والمراد منها ما ورد توصيفه تعالى بها في الخبر الإلهي من الكتاب والسنّة من العلو وكونه ذا وجه، ويدين، وأعين، إلى غير ذلك من الألفاظ الواردة في القرآن أو الحديث التي لو أُجريت على الله سبحانه بمعانيها المتبادرة عند العرف لزم التجسيم والتشبيه.
3- صفات الذات وصفات الفعل:
من جملة التقسيمات التي ذكرها المتكلّمون للصفات الإلهية تقسيم صفاته سبحانه إلى صفة الذات وصفة الفعل، والأوّل: ما يكفي في وصف الذات به، فرض نفس الذات فحسب، كالقدرة والحياة والعلم.
والثاني: ما يتوقف توصيف الذات به على فرض الغير وراء الذات وهو فعله سبحانه.
فصفات الفعل هي المنتزعة من مقام الفعل، بمعنى أنّ الذات توصف بهذه الصفات عند ملاحظتها مع الفعل، وذلك كالخلق والرزق ونظائرهما من الصفات الفعلية الزائدة على الذات بحكم انتزاعها من مقام الفعل ومعنى انتزاعها، أنّنا إذ نلاحظ النعم التي يتنعّم بها الناس، وننسبها إلى الله سبحانه، نسمّيها رزقاً رزقه الله سبحانه، فهو رزّاق، ومثل ذلك الرَّحمة والمغفرة فهما يطلقان عليه على الوجه الذي بيّنّاه.
ولنشرع بالحديث عن أولى صفات الذّات وهو "العلم".
علمه تعالى
1- ما هو العلم؟
عُرّف العلم بأنّه صورة حاصلة من الشيء في الذهن، وهذا التعريف لا يشمل إلاّ العلم الحصولي، مع أنّ هناك قسماً آخر للعلم وهو العلم الحضوري، والفرق بين
القسمين أنّ في العلم الحصولي ما هو حاضر عند العالم وحاصل له هي الصورة المنتزعة من الشيء بأدوات الإحساس، وهذه الصورة الذهنية وسيلة وحيدة لدرك الخارج وإحساسه ولأجل ذلك أصبح الشيء الخارجي معلوماً بالعرض والصورة الذهنية معلومة بالذات، وأمّا العلم الحضوري فهو عبارة عن حضور المدرَك لدى المدرِك من دون توسّط أيّ شيء وذلك كعلم الإنسان بنفسه.
على ضوء ما ذكرنا من تقسيم العلم إلى الحصولي والحضوري يصحّ أن يُقال: "إنّ العلم على وجه الإطلاق عبارة عن حضور المعلوم لدى العالم".
وهذا التعريف يشمل العلم بكلا قسميه، غير أنّ الحاضر في الأوّل هو الصورة الذهنية دون الواقعية الخارجية، وفي الثاني نفس واقعية المعلوم من دون وسيط بينها وبين العالم.
إذا وقفت على حقيقة العلم، فاعلم أنّ الإلهيين أجمعوا على أنّ العلم من صفات الله الذاتية الكمالية، وأنّ العالم من أسمائه الحسنى، وهذا لم يختلف فيه اثنان على إجماله، ولكن مع ذلك اختلفوا في حدود علمه تعالى وكيفيته على أقوال، يلزمنا البحث عنها لتحقيق الحال في هذا المجال، فنقول:
2- علمه سبحانه بذاته:
قد ذكروا لإثبات علمه تعالى بذاته وجوهاً من البراهين نكتفي بذكر وجهين منها:
الأول: مفيض الكمال ليس فاقداً له:
إنّه سبحانه خلق الإنسان العالم بذاته علماً حضورياً، فمعطي هذا الكمال يجب أن يكون واجداً له على الوجه الأتم والأكمل، لأن فاقد الكمال لا يعطيه، ونحن وإن لم نُحط ولن نُحيط بخصوصية حضور ذاته لدى ذاته، غير إنّا نرمز إلى هذا العلم بـ "حضور ذاته لدى ذاته وعلمه بها من دون وساطة شيء في البين".
الثاني: التجرّد عن المادّة ملاك الحضور:
إنّ ملاك الحضور والشهود العلمي ليس إلا تجرّد الوجود عن المادة، فإنّ الموجود المادّي بما أنّه موجود كمّي ذو أبعاض وأجزاء ليس له وجود جمعي، ويغيب بعض أجزائه عن البعض الآخر، مضافاً إلى أنّه في تحوّل وتغيّر دائمي، فلا يصحّ للموجود المادّي من حيث إنّه مادّي أن يعلم بذاته، لعدم تحقّق ملاك العلم الذي هو حضور شيء لدى آخر. فإذا كان الموجود منزّهاً من المادّة والجزئية والتبعُّض، كانت ذاته حاضرة لديها حضوراً كاملاً، وبذلك نشاهد حضور ذواتنا عند ذواتنا، فلو فرضنا موجوداً على مستوى عال من التجرد والبساطة عارياً عن كلّ عوامل الغيبة التي هي من خصائص الكائن المادّي، كانت ذاته حاضرة لديه، وهذا معنى علمه سبحانه بذاته أي حضور ذاته لدى ذاته بأتمّ وجه لتنزّهه عن المادّية والتركُّب والتفرّق.
3- علمه سبحانه بالأشياء قبل إيجادها:
إنّ علمه سبحانه بالأشياء على قسمين: علم قبل الإيجاد وعلم بعد الإيجاد. ونستدلّ على القسم الأوّل بوجهين:
الأوّل: العلم بالسّبب علم بالمسبَّب:
إنّ العلم بالسبب والعلّة بما هو سبب وعلّة، علم بالمسبّب، والمراد من العلم بالسّبب والعلّة، العلم بالحيثية التي صارت مبدأ لوجود المعلول وحدوثه، ولتوضيح هذه القاعدة نُمثِّل بمثالين:
أ- إنّ المنجّم العارف بالقوانين الفلكيّة والمحاسبات الكونيّة يقف على أنّ الخسوف والكسوف أو ما شاكل ذلك يتحقّق في وقت أو وضع خاص، وليس علمه بهذه الطوارئ، إلّا من جهة علمه بالعلّة من حيث هي علّة لكذا وكذا.
ب- إنّ الطبيب العارف بحالات النبض وأنواعه وأحوال القلب وأوضاعه يقدر على التنبّؤ بما سيصيب المريض في مستقبل أيّامه وليس هذا العلم إلّا من جهة علمه بالعلّة من حيث هي علّة.
الثاني: إتقان الصنع يدلّ على علم الصانع:
إنّ وجود المعلول كما يدلّ على وجود العلّة، كذلك خصوصيّاته تدلّ على خصوصيّات علّته، فإنّ المصنوع من جهة الترتيب الذي في أجزائه ومن جهة موافقة جميع الأجزاء للغرض المقصود من ذلك المصنوع، يدلّ على أنّه لم يحدث عن فاعل غير عالم بتلك الخصوصيات.
فالعالَم بما أنّه مخلوق للّه سبحانه يدلّ ما فيه من بديع الخلق ودقيق التركيب على أنّ خالقه عالم بما خلق، عليم بما صنع، فالخصوصيات المكنونة في المخلوق ترشدنا إلى صفات صانعه وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الدليل بقوله: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ .
وقال الإمام عليّ عليه السلام: "وعَلِمَ ما يمضي وما مضى، مبتدع الخلائق بعلمه ومنشئهم بحكمه" .
وقال الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام: "سبحان من خلق الخلق بقدرته، أتقن ما خلق بحكمته، ووضع كلّ شيء منه موضعه بعلمه" .
وإلى هذا الدليل أشار المحقّق الطوسي في "تجريد الاعتقاد" بقوله: "والإحكام دليل العلم".
4- علمه سبحانه بالأشياء بعد إيجادها:
إنّ كل ممكن، معلول في تحققه لله سبحانه، وليس للمعلولية معنى سوى تعلُّق وجود المعلول بعلّته وقيامه بها قياماً واقعياً كقيام المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي، فكما أنّ المعني الحرفي بكلّ شؤونه قائم بالمعنى الاسمي فهكذا المعلول قائم بعلّته المفيضة لوجوده، وما هذا شأنه لا يكون خارجاً عن وجود علّته، إذ الخروج عن حيطته يلازم الاستقلال وهو لا يجتمع مع كونه ممكناً.
فلازم الوقوع في حيطته، وعدم الخروج عنها، كون الأشياء كلها حاضرة لدى ذاته والحضور هو العلم، لما عرفت من أنّ العلم عبارة عن حضور المعلوم لدى العالم. وقد اتضح بما تعرّفت أنّ علمه تعالى بأفعاله بعد إيجادها حضوري، كما أنّ علمه سبحانه بذاته وبأفعاله قبل إيجادها حضوري، فإنّ المناط في كون العلم حضورياً هو حصول نفس المعلوم وحضوره لدى العالم لا حضور صورته وماهيته، وهذا المناط متحقّق في علمه تعالى بذاته وبأفعاله مطلقاً.
المفاهيم الرئيسة
- تنقسم الصفات الإلهيّة بإحدى التقسيمات إلى صفات الجلال والجمال، أمّا صفات الجلال فتحكي عمّا جلّت ذاته عن الاتصاف به، وأما صفات الجمال فتحكي عمّا تجمّلت ذاته بالاتصاف به.
- من جملة التقسيمات التي ذكرها المتكلّمون للصفات الإلهية تقسيم صفاته سبحانه إلى صفة الذّات وصفة الفعل,
والأوّل: ما يكفي في وصف الذّات به، فرض نفس الذّات فحسب، كالقدرة والحياة والعلم.
والثاني: ما يتوقّف توصيف الذّات به على فرض الغير وراء الذّات وهو فعله سبحانه.
- أجمع الإلهيّون على أنّ العلم من صفات الله الذاتيّة الكمالية، لكن اختلفوا في كيفية علمه وحدوده.
- قد ذكروا لإثبات علمه تعالى بذاته وجوهاً من البراهين منها أنّ مفيض الكمال ليس فاقداً له، ومنها أنّ التجرّد عن المادّة ملاك الحضور.
- إنّ الله عالم بالأشياء قبل إيجادها وبعده. ومن الأدلّة على علمه بالأشياء قبل الإيجاد:
1- العلم بالسبب علم بالمسبَّب.
2- إتقان الصنع يدلّ على علم الصانع.
المصادر :
راسخون2018