اتّفق الإلهيون على أنّ القدرة من صفاته الذاتية الكمالية كالعلم، ولأجل ذلك يعدّ القادر والقدير من أسماء الله سبحانه وتعالی.
1- تعريف القدرة:
إنّ هناك تعريفين للقدرة مشهورين:
أحدهما: أنّـها عبارة عن صحّة الفعل والترك، والمراد من الصحّة: الإمكان، فالقادر هو الّذي يصحّ أن يفعل وأن يترك.
والثاني: أنّها عبارة عن صدور الفعل بالمشيّة والاختيار، فالقادر من إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل.
2- برهان قدرته تعالى:
استدلّ على قدرته سبحانه بوجوه نكتفي بواحد منها، وهو برهان إحكام الصنع وإتقانه.
توضيحه:
أنّه قد عرفت في الأبحاث المتقدّمة أنّ الفعل كما يدلّ على وجود الفاعل، كذلك خصوصياته تدلّ على خصوصيات الفاعل، فإذا كان الفعل متَّسماً بالإحكام والإتقان، والجمال والبهاء يدلّ ذلك على علم الفاعل بتلك الجهات وقدرته على إيجاد مثل ذلك الصنع.
ولأجل ذلك نرى أنّه سبحانه عندما يصف روائع أفعاله وبدائع صنعه في آيات الذكر الحكيم، يختمها بذكر علمه تعالى وقدرته، يقول سبحانه: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ .
فالإحكام والإتقان في الفعل آيتا العلم وعلامتا القدرة، قال الإمام علي عليه السلام: "وأرانا من ملكوت قدرته وعجائب ما نطقت به آثار حكمته" .
وقال أيضاً: "وأقام من شواهد البيّنات على لطيف صنعته وعظيم قدرته" .
وقال أيضاً: "فأقام من الأشياء أودها، ونهج حدودها، ولاءم بقدرته بين متضادّها" .
3- سعة القدرة الإلهية:
إنّ الفطرة البشرية تقضي بأنّ الكمال المطلق الذي ينجذب إليه الإنسان في بعض الأحايين قادر على كلّ شيء ممكن، ولا يتبادر إلى الأذهان أبداً ـ لولا تشكيك المشكّكين ـ أنّ لقدرته حدوداً، أو أنّه قادر على شيء دون شيء، ولقد كان المسلمون في الصدر الأوّل على هذه العقيدة استلهاماً من كتاب الله العزيز الناصّ على عمومية قدرة الله سبحانه.
قال سبحانه: ﴿وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا﴾ .
وقال تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا﴾ .
كما صرّح بعمومية قدرته تعالى في الأحاديث المرويّة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام.
قال الإمام الصادق عليه السلام: "الأشياء له سواء علماً وقدرةً وسلطاناً وملكاً وإحاطةً" .
4- البرهان العقلي على عمومية قدرته تعالى:
إذا تعرّفت على قضاء الفطرة على عموميّة قدرته تعالى ونصّ القرآن والحديث على ذلك، فاعلم أنّ هناك براهين عقلية على ذلك نكتفي بتقرير واحد منها، وهو: إنّ وجوده سبحانه غير محدود ولا متناه، بمعنى أنّه وجود مطلق لا يحدّه شيء من الحدود العقلية والخارجية، وما هو غير متناه في الوجود، غير متناه في الكمال والجمال، لأنّ منبع الكمال هو الوجود، فعدم التناهي في جانب الوجود يلازم عدمه في جانب الكمال، وأيّ كمال أبهى من القدرة، فهي غير متناهية تبعاً لعدم تناهي وجوده وكماله.
5- دفع شبهات في المقام:
ثمّ إنّ هناك شبهات، أُوردت على القول بعمومية قدرته تعالى ربما يعسر دفعها على الطالب، يجب أن نذكرها ونبيّن وجه الدفع عنها:
1- هل هو سبحانه قادر على خلق مثله؟ فلو أُجيب بالإيجاب لزم افتراض الشريك له سبحانه، ولو أُجيب بالنفي ثبت ضيق قدرته وعدم عمومها.
ويدفع ذلك بأنّه ممتنع فلا يصل الكلام إلى تعلّق القدرة به أو عدمه، والوجه في امتناعه هو لزوم اجتماع النقيضين، أعني: كون شيء واحد واجباً بالذات وممكناً كذلك، فإنّ ذلك المثل بما أنّه مخلوق، يكون ممكناً، وبما أنّه مثل له تعالى، فهو واجب بالذات، وهو محال بالضرورة.
2- هل هو قادر على أن يجعل العالم الفسيح في البيضة من دون أن يصغر حجم العالم أو تكبر البيضة؟
والجواب عنه كسابقه، فإنّ جعل الشيء الكبير في الظرف الصغير أمر ممتنع في حدّ ذاته، إذ البداهة تحكم بأنّ الظرف يجب أن يكون مساوياً للمظروف، فجعل الشيء الكبير في الظرف الصغير يستلزم كون ذلك الظرف مساوياً للمظروف لما يقتضيه قانون مساواة الظرف والمظروف وأن يكون أصغر منه غير مساوٍ له ـ لما هو المفروض ـ وهذا محال وإنّما يبحث عن عمومية القدرة وعدمها بعد فرض كون الشيء ممكناً في ذاته، وإلى هذا أشار الإمام علي عليه السلام في الجواب عن نفس السؤال بقوله: "إنّ الله تبارك وتعالى لا يُنسَب إلى العجز، والذي سألتني لا يكون" .
حياته تعالى
اتّفق الإلهيون على أنّ الحياة من صفاته تعالى، وأنّ الحيّ من أسمائه الحسنى، ولكن إجراء هذا الاسم عليه سبحانه يتوقّف على فهم معنى الحياة وكيفية إجرائها على الله تعالى، فنقول:
1- الدرك والفعل ركنان للحياة:
إنّ الحياة المادّية في النبات والحيوان والإنسان ـ بما أنّه حيوان ـ تقوم بأمرين، هما: الفعّاليّة والدرّاكيّة، فالخصائص الأربع التي ذكرها علماء الطبيعة راجعة إلى الفعل والانفعال، والتأثير والتأثّر ونرمز لها "بالفعّاليّة"، كما نرمز إلى الحسّ والإدراك المتسالم على وجودهما في أنواع الحيوان، وقد يقال بوجودهما في النبات أيضاً، بـ"الدرّاكيّة" فالحيّ هو الدرّاك والفعّال، كما هو المصطلح عند الفلاسفة الإلهيين.
فملاك الحياة الطبيعيّة هو الفعل والدرك، وهو محفوظ في جميع المراتب لكن بتطوير وتكامل، أعني: حذف النواقص والشوائب الملازمة للمرتبة النازلة عن المرتبة العالية، فالفعل المترقب من الحياة العقلية في الإنسان لا يقاس بفعل الخلايا النباتية والحيوانية، كما أنّ درك الإنسان للمسائل الكلية أعلى وأكمل من حسّ النبات وشعور الحيوان ومع هذا البون الشاسع بين الحياتين، تجد أنّا نصف الكلّ بالحياة بمعنى واحد وليس ذاك المعنى الواحد إلاّ كون الموجود "درّاكاً" و"فعالاً".
2- ما هو معنى حياته تعالى؟
فإذا صحّ إطلاق الحياة بمعنى واحد على تلك الدرجات المتفاوتة فليصحّ على الموجودات الحيّة العلوية لكن بنحو متكامل، فاللّه سبحانه حيّ بالمعنى الذي تفيده تلك الكلمة، لكن حياة مناسبة لمقامه الأسنى، بحذف النواقص والأخذ بالزّبدة واللّب، فهو تعالى حيّ أي "فاعل" و"مدرك" وإن شئت قلت: "فعّال" و"درّاك" لا كفعاليّة الممكنات ودرّاكيتها.
3- دلائل حياته تعالى:
قد ثبت بالبرهان أنّه سبحانه عالم وقادر، وقد تقدّم البحث فيه، وقد بيّنا أنّ حقيقة الحياة في الدرجات العلوية، لا تخرج عن كون المتّصف بها درّاكاً وفعّالاً، ولا شكّ أنّ للّه تعالى أتمّ مراتب الدرك والفعل، لأنّ له أكمل مراتب العلم والقدرة، وهما عين ذاته سبحانه، فهو حيّ بحياة ذاتية.
أضف إلى ذلك أنّه سبحانه خلق موجودات حيّة، مدركة فاعلة، فمن المستحيل أن يكون معطي الكمال فاقداً له.
المفاهيم الرئيسة
- اتّفق الإلهيون على أنّ القدرة من صفات الله الذاتية الكمالية، ومن براهين قدرته تعالى: إحكام الصنع وإتقانه.
- إنّ قدرة الله تعالى عامّة واسعة، ومن أدلّة ذلك: أنّ وجوده تعالى غير محدود، وما هو غير محدود في الوجود هو غير متناه في الكمال والجمال، وأيّ كمال أبهى من القدرة.
- قد وردت شبهات على سعة قدرته تعالى، منها: هل هو قادر على خلق مثله؟
- هل هو قادر على أن يجعل العالَم الفسيح في البيضة؟
والجواب: إنّ الأمر الممتنع بذاته لا تتعلّق القدرة به أو بعدمه، وإنّما يبحث عن عموميّة القدرة بعد فرض كون الشيء ممكناً في ذاته. فالقصور في القابل لا الفاعل.
- من صفات الله تعالى الثبوتية الحياة، ومن أدلّة حياته: أنّه ثبت كونه تعالى عالماً وقادراً وهذا يعني أنّه درّاك فعّال ـ وهو معنى الحياة ـ. أضف إلى ذلك أنّه خالق للأحياء، وفاقد شيء لا يُعطيه.
المصدر :
راسخون 2018