"اللهم إنما يكتفي المكتفون بفضل قوتك، فصل على محمد وآله واكفنا، إنما يعطي المعطون من فضل جدتك فصل على محمد وآله وأعطنا1.. اللهم إني أعوذ بك من هيجان الحرص وقلة القناعة2 اللهم.. وأعذني من سوء الرغبة وهلع أهل الحرص، وصوّر في قلبي مثال ما ادخرت لي من ثوابك، وأعددت لخصمي من جزائك وعقابك واجعل ذلك سبباً لقناعتي بما قضيت"3.
أ- في رحاب الدعاء:
القناعة عز وعفاف، وأطيب العيش، وعنوان الرضا، وسيف لا ينبو، وغنى عما في أيدي الناس، وكنز لا يفنى، وعون على صلاح النفس، وصحة الجسم وعلامة الأتقياء وشعار الأولياء وسبيل الصلحاء.
فمن الطبيعي جداً أن تكون محل اهتمام مولانا زين العابدين عليه السلام في دعواته التي نتربّى عليها كنهج أخلاقي فريد وكذلك يجدر بالمؤمن أن يستعيذ باللَّه من قلة القناعة وشدة الحرص لأنه لن يهنأ بالعيش أو يرتاح في الحياة ما دام مصاباً بداء الحرص وعدم القناعة حيث لا تكتب السعادة معهما، فإنه لما سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن قوله تعالى: "فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً" قال: هي القناعة4 وتعني الاكتفاء بقدر الحاجة والضرورة من المال وغيره من أمور الدنيا وهي من أعظم الوسائل للوصول إلى السعادة الأبدية والقنوع مرتاح البال متفرغ إلى الاشتغال بأمر الدين وسلوك الآخرة.
فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير المؤمنين القانع، وشرّهم الطامع"5.
وفي صفة الأنبياء عليهم السلام: "ولكن اللَّه سبحانه جعل رسله أولي قوة في عزائمهم، وضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم، مع قناعة تملأ القلوب والعيون غنى وخصاصة تملأ الأبصار والأسماع أذى"6.
ومما قاله أحد الشعراء في القناعة:
ولقد طلبت رضا البرية جاهداً - فإذا رضاهم غاية لا تُدركُ
وأرى القناعة للفتى كنزاً له - والبرّ أفضل ما به يتمسكُ
ب- كيف السبيل إلى القناعة؟
إن كثيراً من الشمائل يتشوق الواحد منّا إليها غير أن ما يحيط به لا يساعده على الاتصاف بها ويجهل السبيل إليها، فهل يا ترى ثمة ما يعاونه على ذلك؟ وإلى ماذا يمكن إرشاده لتتحقق الدوافع الحقيقية والشروط اللازمة فترتفع الموانع والظروف التي تحول بينه وبين القناعة ويتسنى له أن ينعم بهذا العزّ والشرف؟ تعال معي إلى مدرسة أهل البيت عليهم السلام لنهتدي بنورها الذي لا يخبو إلى الأبد فمن جملة ما جاء عن الصادق عليه السلام انظر إلى من هو دونك في المقدرة ولا تنظر إلى من هو فوقك في المقدرة، فإن ذلك أقنع لك بما قسم لك7 يدلنا عليه السلام إلى الطريقة الصحيحة في النظر إلى مقدرات الناس وإمكانياتهم المادية، التي تؤدي إلى مساعدة الإنسان على إمساك زمام نفسه وعدم تماديها وذلك أن يكون الرضا سيّد الموقف عندما ينظر إلى من هم دونه في الإمكانيات المالية فيشكر اللَّه سبحانه أنه أعطاه وحباه وحاله أفضل من حال غيره وما هو متاح له ليس متاحاً لمن هم دونه وهذا ما يوجب قناعته ورضاه بما قسمه اللَّه عزّ وجلّ وأما إذا نظر إلى من هم فوقه فإنه لن يقنع بما هو عليه ولن تشبعه خزائن الدنيا فهو فقير وإن ملك الكثير والقانع غني وإن ملك اليسير.
بينما في الجوانب المعنوية يكون مأموراً بالنظر إلى من هم فوقه من أهل الطاعات والكرامات وراغباً في التقدم متهماً نفسه دائماً بالتقصير يسعى لتهذيب نفسه وتأديبها وترويضها ومن عرف نفسه لزم القناعة يقول مولى المتقين عليه السلام: "ينبغي لمن عرف نفسه أن يلزم القناعة والعفّة"8.
ويرشدنا الإمام الصادق عليه السلام كذلك إلى معنى آخر يساعدنا على القناعة لمّا شكى إليه رجل أنه يطلب فيصيب ولا يقنع وتنازعه نفسه إلى ما هو أكثر منه وقال: علّمني شيئاً انتفع به فقال عليه السلام: "إن كان ما يكفيك يغنيك فأدنى ما فيها يغنيك وإن كان ما يكفيك لا يغنيك فكل ما فيها لا يغنيك"9.
ومن الأمور الهامة أن لا ينظر إلى ما عند غيره من متاع الدنيا الزائلة ويتمنى زواله عنهم وصيرورته له فذلك أمر ذميم وكذلك لا يتمنى ما لا يناله حينما يسرح خياله بين الأودية والجبال ويعيش في الأحلام الخادعة التي لا طائل منها.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "اقنع بما قسم اللَّه لك ولا تنظر إلى ما عند غيرك ولا تتمنّ ما لست نائله، فإنه من قنع شبع ومن لم يقنع لم يشبع وخذ حظك من آخرتك"10.
ج- ما هي فوائد القناعة؟
للقناعة نتائج عظيمة وفوائد عديدة نذكر منها ما يلي:
1- صلاح النفس:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أعون شيء على صلاح النفس القناعة"11.
2- راحة البال والبدن:
في الحديث: "من قنع لم يغتمّ"12.
وعن الحسين عليه السلام: "القنوع راحة الأبدان"13.
3- الحساب اليسير:
عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "اقنع بما أوتيته يخفّ عليك الحساب"14.
4- الكفاية والرضا:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ثمرة القناعة الإجمال في المكتسب والعزوف عن الطلب"15.
5- العز والهناء:
في الحديث: "ثمرة القناعة العز"16 "القناعة أهنأ عيش"17.
ولقد أجاد من قال:
خيار الناس من لزم القناعهْ - ولم يكشف لمخلوق قناعهْ
أفادتنا القناعة كل عزٍ - ولا عز أعز من القناعهْ
من فقه الاسلام
س: هل يصح بيع الخمر أو لحم الخنزير أو أي محرم الأكل ممن يستحله أو إهداؤه له؟ج: لا يجوز بيع ولا إهداء ما لا يحل أكله أو شربه إذا كان لغرض الأكل والشرب، أو مع علمه بأن المشتري يريد أن يأكله أو يشربه ولو كان ممن يستحل ذلك.
س: هل يجوز بيع الدم ممن يستفيد منه؟
ج: لا مانع منه إذا كان لغرض عقلائي مشروع.
س: هل يجوز التكسب بتصليح شاحنات حمل الخمور؟
ج: إذا كانت الشاحنات معدة لنقل الخمور فلا يجوز الاشتغال بتصليحها.
س: إذا كان هناك شخص يبيع الخمر ومشروبات أخرى محللة فهل يجوز شراء المشروبات المحللة منه؟ وهل الأموال التي تؤخذ منه مما بقي من الثمن المدفوع إليه حلال أن حرام؟
ج: لا يجوز شراء شيء من محله حتى المشروبات المحللة بعدما كانت أمواله مختلطة بالحرام من أجل اكتسابه ببيع الخمر، إلا إذا أحرز أنه اشترى المشروبات المحللة بمال حلال، وكذا لا يجوز أخذ ما لديه من النقود المختلطة بالحرام.
س: هل يجوز العمل في نقل المواد الغذائية في حال وجود لحم غير مذكى ضمنها؟
ج: لا يجوز نقل غير المذكى لمن يريد الأكل، بلا فرق بين كون المشتري مستحلاً لأكله وغيره18.
قال تعالى: "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون"19.
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير العمل.. يقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها بعمل الراغبين، وإن أعطي منها لم يشبع وإن منع منها لم يقنع"20.
شكوى أهل حمص!
كتب الغزالي في "إحياء العلوم" أن شخصاً بُعث إلى "حمص" والياً عليها، وبعد مدة من الزمن شكاه أهلها، فطلبه الوالي للمثول أمام القاضي في المدينة دون أن يلاقي أحداً من الناس، فحمل الوالي أسبابه على رأسه وسار ماشياً من حمص ليصل إلى المدينة ومن ثم ليدخل مسجدها الذي هو عبارة عن دار قضائها، فقال له القاضي: شكاك أهل حمص بثلاث، وعليك أن تجيب:1- يقولون: إنك تخرج من دارك صباحاً متأخراً، لتصل إلى عملك متأخراً أيضاً.
فقال: صحيح ما قالوا.
2- يقولون: إنك موجود في النهار ومفقود في الليل.
فقال: صحيح ذلك.
3- أما الشكاية الثالثة، فهي أنك تغيب في أحد أيام الأسبوع نهاره وليله.
فقال: صحيح ما قالوا.
أما الإجابة على تلكم الشكاوى، فهي:
أن خروجي متأخراً صباح كل يوم يرجع في الأساس إلى أنني تقاسمت مع زوجتي أعمال المنزل، فصار الخبز من نصيبي، وبسبب ذلك أتأخر عن الخروج من الدار كيما يختمر العجين لأخبزه، وإنني أشرع بعجنة بعد صلاة الصبح، فأتأخر بعض الشيء عن الوصول إلى دار الإمارة.
أما غيابي في الليل: فقد قسمت وقتي بين الناس والباري تعالى، فأعطيت جهدي في النهار للناس، وسكن قلبي للَّه عندما تغفو العيون أملاً أن أجد علاقة مع اللَّه تعينني على قضاء حوائجي.
أما اليوم الذي لا أخرج فيه أبداً من داري والذي لا يراني الناس فيه لا نهاراً ولا ليلاً فسببه عدم إمتلاكي ملبس آخر، لذا أكون مضطراً للبقاء في الدار بعد أن تغسل
امرأتي جميع ألبستي، وبما أن الجوَّ بارد بعض الشيء في حمص، ولا تجفُّ الملابس بسرعة أبقى ملازماً لمنزلي طيلة النهار وجزءً من الليل.
وعندها منحه القاضي جائزة، وقال له: إرجع إلى عملك مؤيداً منصوراً.
فرجع الوالي إلى حمص، وقبل أن يذهب إلى داره، ذهب إلى المسجد وقال للمؤذن قل للناس: إن الوالي أصبح ثرياً، وإن الأموال لا تتعلق ببيت المال، فمن أراد أن يصيبه شيء من ذلك من الفقراء والمساكين فليأت وليأخذ سهمه.
فجاء الناس إلى المسجد ليحظوا بالأموال التي كان يوزعها الوالي دون أن يحصيها، فقد كان يدفع بها إليهم قبضات قبضات؛ وما إن فرغ من ذلك بعد أن أخذ الجميع ما طلبوا، بقي من الأموال نزر يسير حمله وسار إلى منزله، وهناك حكى لامرأته ما حصل فباركت له الأمر وقالت له: اشتر لنا بما بقي من النقود خادمة تساعدني في أمر الخبز كي لا يشكوك الناس ثانية بسبب تأخرك صباحاً، فقال: إن للنقود مكاناً آخر ولم يكن يعلم لها شيئاً ولم تمض عدة أيام حتى جاءه أحد المساكين ليعطيه ما عنده من النقود ثم يلتفت لزوجته فيقول لها: إن عملنا في الدار وتعبنا سيؤول إلى زوال، ولكن الصدقة ستبقى ثابتة وباقية لنا عند الباري تعالى، وهذا أفضل من بقاء المال الزائل في الدار ففرحت الزوجة بحديثه الصائب وباركت له حسن نيّته(جهاد النفس للأستاذ مظاهري).
المصادر :
1- الصحيفة السجادية /الدعاء5، ص36، س10.
2- الصحيفة السجادية /الدعاء5 8، ص45، س1.
3- الصحيفة السجادية /الدعاء514، ص63، س4.
4- ميزان الحكمة، حديث: 17124.
5- م.ن. 17142.
6- م.ن. 17129.
7- الكافي، ج8، ص244.
8- ميزان الحكمة، حديث: 17158.
9- الكافي، ج2، ص139.
10- الكافي، ج2، ص337.
11- ميزان الحكمة، حديث: 17161.
12- م.ن. 17164.
13- م.ن. 17163.
14- م.ن. 17168.
15- م.ن. 17159.
16- م.ن. 17160.
17- م.ن. 17174.
18- أجوبة الاستفتاءات، ج2، ص11 10 9 8 7.
19- النحل: 97.
20- ميزان الحكمة، حديث: 17127.