القصص فی القرآن ثلاثة أنواع :
النوع الأول : قصص الأنبیاء ، وقد تضمن دعوتهم إلى قومهم ، والمعجزات التی أیدهم الله بها ، وموقف المعاندین منهم ، ومراحل الدعوة وتطورها وعاقبة المؤمنین والمکذبین . کقصة نوح ، وإبراهیم ، وموسى ، وهارون ، وعیسى ، ومحمد ، وغیرهم من الأنبیاء والمرسلین ، علیهم جمیعًا أفضل الصلاة والسلام .
النوع الثانی : قصص قرآنیة تتعلق بحوادث غابرة ، وأشخاص لم تثبت ثبوتهم ، کقصة الذین أخرجوا من دیارهم وهم ألوف حذر الموت . وطالوت وجالوت ، وابنی آدم ، وأهل الکهف ، وذی القرنین ، وقارون ، وأصحاب السبت ، ومریم ، وأصحاب الأخدود ، وأصحاب الفیل ونحوهم.
النوع الثالث : قصص تتعلق بالحوادث التی وقعت فی زمن رسول الله ( کغزوة بدر واُحد فی سورة آل عمران ، وغزوة حنین وتبوک فی التوبة ، وغزوة الأحزاب فی سورة الأحزاب ، والهجرة ، والإسراء ، ونحو ذلک .
فوائد قصص القرآن:
وللقصص القرآنی فوائد نجمل أهمها فیما یأتی :
1- إیضاح أسس الدعوة إلى الله ، وبیان أصول الشرائع التی یبعث بها کل نبی : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِکَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِی إِلَیْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ).(1)
2- تثبیت قلب رسول الله صلى الله علیه وسلم وقلوب الأمة المحمدیة على دین الله وتقویة ثقة المؤمنین بنصرة الحق وجندة ، وخذلان البطل وأهله: (وَکُلًّا نَّقُصُّ عَلَیْکَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَکَ وَجَاءَکَ فِی هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِکْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِینَ ) (2).
3- تصدیق الأنبیاء السابقین وإحیاء ذکراهم وتخلید آثارهم .
4- إظهار صدق محمد صلى الله علیه وسلم فی دعوته بما أخبر به عن أحوال الماضین عبر القرون والأجیال .
5- مقارعته أهل الکتاب بالحجة فیما کتموه من البینات والهدى ، وتحدیه لهم بما کان فی کتبهم قبل التحریف والتبدیل ، کقوله تعالى : (کُلُّ الطَّعَامِ کَانَ حِلًّا لِّبَنِی إِسْرَائِیلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِیلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن کُنتُمْ صَادِقِینَ )(3).
6- والقصص ضرب من ضروب الأدب ، یصغى إلیها السامع ، وترسخ عبره فی النفس : (لَقَدْ کَانَ فِی قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِی الْأَلْبَابِ مَا کَانَ حَدِیثًا یُفْتَرَىٰ وَلَٰکِن تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَتَفْصِیلَ کُلِّ شَیْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ )(4).
7-بیان حکم الله تعالى فیما تضمنته هذه القصص لقوله تعالى : (وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّنَ الْأَنبَاءِ مَا فِیهِ مُزْدَجَرٌ حِکْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ) (5)
8- بیان عدله تعالى بعقوبة المکذبین لقوله تعالى عن المکذبین : ( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰکِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِی یَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شَیْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّکَ وَمَا زَادُوهُمْ غَیْرَ تَتْبِیبٍ )(6) .
9- بیان فضله تعالى بمثوبة المؤمنین لقوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَیْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّیْنَاهُم بِسَحَرٍ )(7) .
10- تسلیة النبی صلی الله علیه وآله وسلم عما أصابه من المکذبین له لقوله تعالى : (وَإِن یُکَذِّبُوکَ فَقَدْ کَذَّبَ الَّذِینَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَیِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْکِتَابِ الْمُنِیرِ )(8) .
11- ترغیب المؤمنین فی الإیمان بالثبات علیه والازدیاد منه إذ علموا نجاة المؤمنین السابقین وانتصار من أمروا بالجهاد لقوله تعالى : (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّیْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَکَذَٰلِکَ نُنجِی الْمُؤْمِنِینَ )( 9).
12- تحذیر الکافرین من الاستمرار فی کفرهم لقوله تعالى : ( أَفَلَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَیَنظُرُوا کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ الَّذِینَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ وَلِلْکَافِرِینَ أَمْثَالُهَا) (10)
13- إثبات رسالة النبی صلی الله عیه وآله وسلم فإن أخبار الأمم السابقة لا یعلمها إلا الله عز وجل لقوله تعالى : (تِلْکَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَیْبِ نُوحِیهَا إِلَیْکَ مَا کُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُکَ مِن قَبْلِ هَٰذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِینَ) (11)
تکرار القصص وحکمته :
یشتمل القرآن الکریم على کثیر من القصص الذی تکرر فی غیر موضع ، فالقصة الواحدة قد یتعدد ذکرها فی القرآن.
ومن القصص القرآنیة مالا یأتی إلا مرة واحدة مثل قصة لقمان وأصحاب الکهف ومنها ما یأتی متکررًا حسب ما تدعو إلیه الحاجة وتقتضیه المصلحة ولا یکون هذا المتکرر على وجه واحد بل یختلف فی الطول والقصر واللین والشدة وذکر بعض جوانب القصة فی موضع دون آخر(12) .
ومن حکمة هذا:
1- بیان بلاغة القرآن فی أعلى مراتبها . فمن خصائص البلاغة إبراز المعنى الواحد فی صور مختلفة ، والقصة المتکررة ترد فی کل موضع بأسلوب یتمایز عن الآخر ، وتصاغ فی قالب غیر القالب ، ولا یمل الإنسان من تکرارها ، بل تتجدد فی نفسه معان لا تحصل له بقراءتها فی المواضع الأخرى.
2- قوة الإعجاز : فإیراد المعنى الواحد فی صور متعددة مع عجز العرب عن الإتیان بصورة منها أبلغ فی التحدی .
3- الاهتمام بشأن القصة لتمکین عبرها فی النفس ، فإن التکرار من طرق التأکید وأمارات الاهتمام . کما هو الحال فی قصة موسى مع فرعون ، لأنها تمثل الصراع بین الحق والباطل أتم تمثیل - مع أن القصة لا تکرر فی السورة الواحدة مهما کثر تکرارها .
4- اختلاف الغایة التی تساق من أجلها القصة - فتذکر بعض معانیها الوافیة بالغرض فی مقام ، وتبرز معان أخرى فی سائر المقامات حسب اختلاف مقتضیات الأحوال (13)
5- بیان أهمیة تلک القصة لأن تکرارها یدل على العنایة بها .
6- مراعاة الزمن وحال المخاطبین بها ولهذا تجد الإیجاز والشدة غالبًا فیما أتى من القصص فی السور المکیة والعکس فیما أتى فی السور المدنیة .
7- ظهور صدق القرآن وأنه من عند الله حیث تأتی هذه القصص متنوعة بدون تناقض (14).
المصادر :
1- الأنبیاء : 25
2- هود: 120
3- آل عمران: 93
4- یوسف: 111
5- القمر 4،5
6- هود 101
7- القمر 34
8- فاطر 25
9- الانبیاء 88
10- محمد 10
11- هود 49
12- أصول فی التفسیر للشیخ محمد بن صالح بن عثیمین.
13- التصویر الفنی فی القرآن للشیخ سید قطب.
14- تفسیر القرآن العظیم للحافظ ابن کثیر.
/ج