
لقد وضع رواد الفضاء أثناء رحلتهم إلى القمر عام 1969 مرایا زجاجیة على سطح القمر، وبواسطة هذه المرایا یرسل العلماء من الأرض شعاعاً لیزریاً لینعکس علیها ویعود إلى الأرض، وبعملیة حساب بسیطة یمکنهم أن یعرفوا المسافة الدقیقة التی تفصلنا عن القمر.
إن الذی یراقب القمر من خارج المجموعة الشمسیة یرى بأن القمر یدور دورة کاملة حول الأرض کل 27.3 یوماً، ولکن بسبب دوران الأرض حول نفسها نرى القمر یتم دورة کاملة کل 29.5 یوماً.
یدور القمر حول الأرض بالنسبة لنا کل شهر دورة کاملة، ولکن بسبب دوران الأرض وبنفس الاتجاه أیضاً فإن الشهر یظهر لنا بطول 29.5 یوماً، بینما الحقیقة أن القمر یستغرق فقط 27.3 یوماً. والسؤال: ما هی المسافة التی یقطعها القمر أثناء رحلته حول الأرض فی ألف سنة؟
إن الفکرة التی طرحها أحد العلماء المسلمین هی أن الآیة الکریمة تشیر إلى زمنین متساویین، وهذا نوع من أنواع النسبیة، یقول تعالى: (وَإِنَّ یَوْمًا عِنْدَ رَبِّکَ کَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)(1). إذاً لدینا یوم ولدینا ألف سنة، فکیف یمکن أن نساوی بینهما؟ وما هو العامل المشترک؟
یعتبر العلماء أن سرعة الضوء هی سرعة کونیة ممیزة لا یمکن لأی جسم أن یصل إلیها عملیاً، وکلما زادت سرعة الجسم تباطأ الزمن بالنسبة له، ومتى وصل أی جسم إلى هذه السرعة (أی سرعة الضوء) توقف الزمن بالنسبة له، وهذا ملخص النظریة النسبیة.
صورة تظهر المسافة والحجم الحقیقی للأرض والقمر، وأثناء دوران القمر حول الأرض یدور بمدار غیر دائری (مفلطح) فیبلغ بعده عن الأرض 384 ألف کم وسطیاً. ویدور القمر حول الأرض بسرعة وسطیة تبلغ 1 کیلو متر فی الثانیة.
إن سرعة الضوء فی الفراغ حسب المقاییس العالمیة هی 299792 کیلو متر فی الثانیة، لنحفظ هذا الرقم لأننا سنجده فی الآیة بعد قلیل.
إذا سمینا الیوم الذی ذکرته الآیة بالیوم الکونی (تمییزاً له عن الیوم العادی بالنسبة لنا) یمکن أن نکتب المعادلة التالیة وفقاً للآیة الکریمة (وَإِنَّ یَوْمًا عِنْدَ رَبِّکَ کَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ):
الیوم الکونی = ألف سنة عادیة
إذاً لدینا علاقة خفیة بین طول الیوم وطول الألف سنة، فما هی هذه العلاقة الخفیة التی أرادها القرآن؟
1- حساب طول الألف سنة:
بما أن حساب الأشهر والسنین عادة یکون تبعاً لحرکة القمر فإن الشهر بالنسبة لنا هو دورة کاملة للقمر حول الأرض. فکما هو معلوم فإن القمر یدور حول الأرض دورة کل شهر وبعد 12 دورة یتم السنة، وهکذا فی نظام بدیع ومحکم حتى یرث الله الأرض ومن علیها، فالله تعالى یقول: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا)(2).
بعملیة حساب بسیطة على أساس الشهر الحقیقی نجد أن القمر یقطع مسافة تقدر بـ 2152612.27 کیلو متر حول الأرض فی دورة حقیقیة کاملة. وهذه المسافة تمثل طول المدار الذی یسیر فیه القمر خلال دورة کاملة أی خلال شهر.
وإذا أردنا حساب ما یقطعه القمر فی سنة نضرب هذا المدار فی 12 (عدد أشهر السنة):
2152612.27 × 12 = 25831347 کیلو متر. تقریبا (بعد حذف الکسور )
وإذا أردنا أن نعرف ما یقطعه القمر فی ألف سنة نضرب الرقم الأخیر بألف:
25831347 × 1000 = 25831347000 کیلو متر
2- طول الیوم الواحد:
الیوم هو 24 ساعة تقریباً أما قیمة هذا الیوم بالثوانی فتبلغ حسب المقاییس العالمیة 86164 ثانیة.
الآن أصبح لدینا قیمة الألف سنة هی 25831347000 کیلو متر وهی تمثل "المسافة". ولدینا طول الیوم وهو 86164 ثانیة وهذا الرقم یمثل "الزمن".
ولکی ندرک العلاقة الخفیة بین المسافة والزمن، نلجأ إلى القانون المعروف الذی یقول:
السرعة = المسافة ÷ الزمن
لدینا المسافة معلومة، والزمن معلوم:
مدار القمر فی ألف سنة (المسافة) = 25831347000 کیلو متر.
طول الیوم الواحد (الزمن) = 86164 ثانیة.
بقی لدینا المجهول الوحید فی هذه المعادلة وهو السرعة، نقوم بتطبیق هذه الأرقام حسب هذه المعادلة لنجد المفاجأة:
السرعة الکونیة = 25831347000 ÷ 86164 = 299792 کیلو متر فی الثانیة، وهی سرعة الضوء بالتمام والکمال!
إذاً الآیة تشیر إشارة خفیة إلى سرعة الضوء من خلال ربطها بین الیوم والألف سنة، وهذا سبق علمی للقرآن لا یمکن أن یکون قد جاء بالمصادفة أبداً!
تساؤلات
هناک بعض التساؤلات التی یمکن أن تصادف الإخوة القراء بعد قراءة هذا البحث ویمکن أن نلخصها فی نقاط:
1- لماذا اعتبرنا أن هذه الآیة تشیر إلى سرعة الضوء؟
2- لماذا لم یتحدث القرآن صراحة عن سرعة الضوء؟
3- هل یعنی هذا البحث أن الأمر الإلهی یسیر بسرعة الضوء؟
والحقیقة أن القرآن یحوی إشارات خفیة لا یمکن لأحد أن یراها مباشرة، بل تبقى مئات السنین حتى یأتی العصر المناسب لتنکشف المعجزة وتکون دلیلاً على صدق هذا القرآن وأنه الرسالة الخالدة المناسبة لکل زمان ومکان.
إن الآیة ربطت بین "یوم" و "ألف سنة" وکما لاحظنا فإن العلاقة بین الیوم الکونی والألف سنة العادیة (مما نعد) هی رقم قیمته 299792 وهذا العدد یمثل سرعة الضوء بدقة شبه تامة، فکیف نفسر وجود هذا العدد فی القرآن؟
أسرع من الضوء
یقول تعالى: (یُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ یَعْرُجُ إِلَیْهِ فِی یَوْمٍ کَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)(3). وقد طرح المشککون سؤالاً: هل یسیر الأمر الإلهی بسرعة الضوء؟ ونقول إن الآیة الکریمة تشیر إشارة خفیة إلى سرعة الضوء، أما قوله تعالى: (ثُمَّ یَعْرُجُ إِلَیْهِ فِی یَوْمٍ کَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) فهذا یعنی أن الأمر الإلهی یعرج إلى السماء السابعة فی یوم واحد، أو ألف سنة مما نعد، ولکن ماذا یعنی ذلک؟
إنه یعنی إشارة خفیة إلى وجود سرعة أکبر بکثیر من سرعة الضوء! فنحن نعلم أن أبعد مجرة مکتشفة بحدود عشرین ألف ملیون سنة ضوئیة، أی أن الضوء یحتاج إلى عشرین ألف ملیون سنة، وهذه المجرة هی دون السماء الدنیا، لأن کل ما نراه من مجرات هی زینة للسماء الدنیا لأن الله یقول: (وَزَیَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْیَا بِمَصَابِیحَ)(4).
إن الضوء یقطع فی یوم واحد مسافة مقدارها: 25831347000 کیلو متر، وهذه المسافة ضمن حدود المجموعة الشمسیة، ولذلک فإن سرعة الضوء غیر کافیة لعبور السماء الدنیا فی یوم واحد ولابد من وجود سرعة أعلى من سرعة الضوء بکثیر، وهذا ما یعتقده بعض العلماء الیوم!
فقد بدأ العلماء یلاحظون بعض الظواهر الکونیة مثل ظاهرة المادة المظلمة، وبدأ الاعتقاد لدیهم ینمو بأن الضوء لیس هو الأسرع فی الکون بل هناک سرعة کونیة أعلى بکثیر! وقد طرحت الفکرة لأول مرة من قبل عالمین فی بریطانیا وأمریکا فی أواخر القرن العشرین، هکذا یقول العلماء.
وحتى تاریخ کتابة هذا البحث لا توجد أیة قیاسات تثبت هذه النظریة، ولکن القرآن یؤکد وجود سرعة کونیة أعلى من سرعة الضوء، ولذلک یمکن أن نقول إن القرآن أشار إلى هذه النظریة قبل أربعة عشر قرناً، وهذا نوع من أنواع الإعجاز.
بقی لدینا إشارة خفیة فی الآیة إلى شکل الطریق الذی یسلکه أی جسم فی الفضاء وهو الطریق المتعرج، فجمیع المراکب الفضائیة والنیازک غیر ذلک من الأجسام تسیر فی الفضاء وفق مسار متعرج ولیس بخط مستقیم، بسبب وجود مجالات قویة من الجاذبیة تغیر مسار أی جسم فی الفضاء، وحتى الأشعة الکونیة والضوء وغیر ذلک من أنواع الطاقة فإنها تسلک طرقاً متعرجة أیضاً لأنها تتأثر بحقول الجاذبیة العنیفة فی الکون، والله أعلم.
لقد لفتت انتباهنا إحدى الأخوات الفاضلات إلى ملاحظة وهی إلى أننا اعتبرنا الیوم الکونی 24 ساعة (تقریباً) وکل ساعة 3600 ثانیة، فمن أین جئنا بهذا التقسیم؟ وأقول: إن هذا التقسیم هو اجتهاد بشری والهدف منه استخراج الإشارة القرآنیة لسرعة الضوء، ولیس بالضرورة أن یکون الیوم الکونی کذلک، وقد یکون فی هذه الآیة العظیمة إشارات أخرى لسرعات کونیة کبیرة.
فقد حدثنا الله تعالى عن سرعة الأمر الهی وقرنها بسرعة البصر فقال تعالى: (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ کَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)(5). وهناک آیة ثانیة تتحدث عن لحظة حدوث القیامة وأنها تأتی مفاجئة بلمج البصر، یقول تعالى: (وَلِلَّهِ غَیْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا کَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ)(6).
وقد تحوی هذه الآیات إشارة إلى السرعة الکونیة القصوى التی یبحث عنها العلماء ویتحدثون عنها، ولکن هذه المسألة تحتاج لمزید من البحث والتدبر.
یقول تعالى: (یُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ یَعْرُجُ إِلَیْهِ فِی یَوْمٍ کَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)(7). ویقول أیضاً: (تَعْرُجُ الْمَلَائِکَةُ وَالرُّوحُ إِلَیْهِ فِی یَوْمٍ کَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِینَ أَلْفَ سَنَةٍ)(8). لنتأمل التعبیرین فی الآیتین:
1- (فِی یَوْمٍ کَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ).
2- (فِی یَوْمٍ کَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِینَ أَلْفَ سَنَةٍ).
والسؤال الذی نود أن نختم به هذا البحث: لماذا ذکر الله فی الآیة الأولى (مِمَّا تَعُدُّونَ) بینما الآیة الثانیة لم یذکر فیها هذه العبارة؟ ماذا یعنی ذلک؟ هذا السؤال سیکون موضوع بحث قادم بإذن الله تعالى، ونرجو من جمیع الإخوة والأخوات التدبر والتفکر فی هاتین الآیتین وتزویدنا بأی فکرة تصلح لبناء بحث علمی، نسأل الله أن یتقبل من الجمیع.
* إن الذی طرح هذه الفکرة لأول مرة هو الدکتور محمد دودح فی بحث له منشور على موقع الهیئة العالمیة للإعجاز العلمی فی القرآن والسنة.
* إن سرعة الضوء بدقة هی 299792.458 متر فی الثانیة، ولکن تم اعتبار سرعة الضوء فی الفراغ 299792 متر فی الثانیة (أی عدا العدد الکسری) وذلک لتسهیل الحسابات فقط وتبسیطها، مع العلم أن سرعة الضوء أقصى ما یمکن تکون فی الفراغ، وتکون أبطأ فی الأوساط المختلفة مثل السوائل والزجاج وغیرها.
المصادر :
1- الحج: 47
2- التوبة: 36
3- السجدة: 5
4- فصلت: 12
5- القمر: 50
6- النحل: 77
7- السجدة: 5
8- [المعارج: 4]
/ج