أبو ذر الغفاری

أبو ذر جندب بن جنادة الغفاری الکنانی (توفی 32 هـ/652م)، أحد أکابر أصحاب رسول الله، وهو رابع من دخل فی الإسلام وقیل الخامس، وأول من حیا رسول الله بتحیة الإسلام، وأحد الذین جهروا بالإسلام فی مکة قبل الهجرة.
Saturday, September 7, 2013
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
أبو ذر الغفاری
 أبو ذر الغفاری

 





 

أبو ذر جندب بن جنادة الغفاری الکنانی (توفی 32 هـ/652م)، أحد أکابر أصحاب رسول الله، وهو رابع من دخل فی الإسلام وقیل الخامس، وأول من حیا رسول الله بتحیة الإسلام، وأحد الذین جهروا بالإسلام فی مکة قبل الهجرة.

اسمه ونسبه

• هو: جندب بن جنادة بن سفیان بن عبید بن حرام بن غفار بن ملیل بن ضمرة بن بکر بن عبد مناة بن کنانة بن خزیمة بن مدرکة بن إلیاس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، الغفاری الکنانی.
• أمه: رملة بنت الوقیعة بن حرام بن غفار بن ملیل بن ضمرة بن بکر بن عبد مناة بن کنانة بن خزیمة بن مدرکة بن إلیاس بن مضربن نزار بن معد بن عدنان، الغفاریة الکنانیة.
واختلف فی اسمه على 3 أقوال، فقیل أن اسمه جندب، وقیل: السکن، وقیل: بریر، وجمهور النسابة على أن اسمه: جندب. کما اختلف فی اسم أبیه فقیل جنادة، وقیل عبد الله، وقیل السکن، وقیل عشرقة، والمشهور أنه: جنادة. وکذلک اختلف فی اسم جده ووالد جده على عدة أقوال مع اتفاق جمیع النسابین على أن نسبه ینتهی إلى حرام بن غفار من بنی کنانة. ویروی ابن ماجه أنّ رسول الله قال لأبی ذَر: «یا جُنَیْدِبْ» بالتصغیر.
ویقال أن أبا ذر کان أخا عمرو بن عبسة السلمی لأمه.(1)

صفاته الخلقیة

کان أبو ذر الغفاری طویلًا أسمر اللون نحیفًا. قال رجل من بنی عامر بن صعصعة: " دخلتُ مسجد منى فإذا شیخ معروق آدَم، علیه حُلّة قِطْری، فعرفت أنه أبو ذَر بالنعت."(2)
وقال الأحنف بن قیس التمیمی: " رأیتُ أبا ذرّ رجلًا طویلًا آدم أبیض الرأس واللحیة ".(3)

حاله فی الجاهلیة

کان أبو ذَرّ یَتَألّهُ فی الجاهلیّة یقول: لا إله إلاّ الله، وکان لا یعبد الأصنام.(4)
کما کان أبو ذر رجلا یصیب الطریق، وکان شجاعًا یتفرّد وحده یقطع الطریق ویُغیر على الصِّرم فی عمایة الصبح على ظهر فرسه أو على قدمیه کأنه السبع، فیطرق الحی ویأخذ ما أخذ.(5)

إسلامه

قدم أبو ذر على رسول الله وهو بمکّة، فأسلم ثم رجع إلى قومه فکانَ یَسْخَر بآلهتهم؛ ثم إنه قدم على رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم المدینة فلما رآه رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم وَهم فی اسمه فقال: «أَنْتَ أَبُو نَمْلَة». فقال: "أنا أبو ذر". قال: «نَعَمْ أَبُو ذَرّ».
وروی أن أبا ذر قال: "کنتُ فی الإسلام خامسًا"، وروی عنه أنه قال: "أنا رُبُع الإسلام". وقال حکّام ابن أبی الوضّاح البصریّ : "کان إسلام أبی ذرّ رابعًا أو خامسًا." (6)
یروی أبو ذر قصة إسلامه قائلا: "خرجنا من قومنا غفار وکانوا یُحِلّون الشهرَ الحرامَ، فخرجتُ أنا وأخی أُنیس وأُمّنا فانطلقنا حتى نزلنا على خالٍ لنا فأکرمنا خالُنا وأحسن إلینا، قال فحسدنا قومُه فقالوا له: إنّک إذا خرجتَ عن أهلک خالف إلیهم أُنیس. قال فجاء خالنا فنثا علینا ما قیل له فقلتُ: أما ما مضى من معروف فقد کدّرت ولا جماعَ لک فیما بعدُ. قال فقرّبنا صِرْمَتَنا فاحتملنا علیها وتغطّى خاُلنا بثوبه وجعل یبکی، فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مکة، فنافر أُنیس عن صِرْمتنا وعن مثلها فأتیا الکاهن فخبَر أُنیسًا بما هو علیه، قال فأتانا بصرمتنا ومثلها معها وقد صلّیتُ یابن أخی قبل أن ألْقى رسولَ الله صَلَّى الله علیه وسلم، ثلاث سنین، فقلتُ: لمن؟ قال: لله. فقلتُ: أین تَوَجّهُ؟ قال: أتَوَجّهُ حیث یُوَجّهُنی الله، أصلّی عشاءً حتى إذا کان من آخر السّحَرِ أُلْقیتُ کأنْی خفاءٌ حتى تعلونی الشمس. فقال أُنیس: إنّ لی حاجة بمکّة فاکْفِنی حتى آتیَک. فانطلق أُنیس فراث عَلَیَّ، یعنی أبطأ، ثمّ جاء فقلتُ: ما حبسک؟ قال: لقیتُ رجلًا بمکّة على دینک یزعم أنّ الله أرسله. قال: فما یقول الناس له؟ قال: یقولون شاعر کاهن ساحر. وکان أُنیس أحد الشعراء، فقال أُنیس: والله لقد سمعتُ قول الکهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعتُ قوله على أقراء الشّعْر فلا یلتئِمُ على لسان أحدٍ بعید أنّه شعر، والله إنّه لصادق وإنّهم لکاذبون! فقلتُ اکفنی حتى أذهب فأنظر! قال: نعم، وکُنْ من أهل مکة على حَذَرٍ فإنّهم قد شَنِفُوا له وتَجهَّمُوا له. فانطلقتُ فقدمتُ مکة فاستضعفتُ رجلُا منهم فقلتُ أین هذا الذی تَدْعونَ الصابئ؟ قال فأشار إلیّ فقال: هذا الصابئ. فمال علیّ أهلُ الوادی بکلّ مَدَرَةٍ وعَظْمٍ فخررتُ مغشیًّا علیّ فارتفعتُ حین ارتفعتُ کأنّی نَصْب أحمر، فأتیتُ زمزمَ فشربتُ من مائِها وغسلتُ عنی الدّماء فلبثتُ بها یا بن أخی ثلاثین من بین لیلةٍ ویومٍ ما لی طعام إلاّ ماء زمزم، فسَمِنْتُ حتى تکسّرتْ عُکَنُ بطنی وما وجدتُ على کبدی سَخْفَة جوعٍ. قال فبینا أهلُ مکة فی لیلةٍ قَمْراءَ إضْحِیان إذ ضرب اللهُ على أصْمِخَتِهِم فما یطوف بالبیت أحد منهم غیر امرأتین فأتتا علیّ وهما تدعوان إسافًا ونائلَةَ. قال فقلتُ أنْکِحا أحدهما الأخر، فما ثناهما ذاک عن قولهما. قال: فأتتا علیّ فقلتُ هَنًا مثلُ الخشَبَةِ غیر أنی لم أکْنِ، فانطلقتا تُوَلْوِلان وتقولان: لو کان هاهنا أحد من أنفارنا. قال فاستقبلهما رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم، وأبو بکر وهما هابطان من الجبل فقال: «ما لکما؟» قالتا: الصابئ بین الکعبة وأستارها، قال: «فما قال لکم؟» قالتا قال لنا کلمة تَمْلأ الفَمَ. فجاء رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم، وصاحبه فاستلما الحجَرَ وطافا بالبیت ثمّ صلّى فأتیتُه حین قضى صلاتَه فکنتُ أوّل من حیّاه بتحیّة الإسلام، فقال: «وعلیک رحمة الله، ممّن أنت؟» قال قلتُ: من غِفار فأهْوى بیده إلى جَبْهَته هکذا. قال قلتُ فی نفسی: "کَرِهَ أنی انتمیتُ إلی غِفار". فذهبتُ آخذ بیده فَقَدَعَنى صاحبه وکان أعلم به منی فقال: «متى کنتَ هاهنا؟» قلتُ: کنتُ هاهنا منذ ثلاثین من بین لیلةٍ ویوم، قال: «فمن کان یُطْعِمُک؟» قال قلتُ: ما کان لی طعام إلاّ ماء زمزم فسَمِنْتُ حتى تکسّرت عُکَنُ بطنی فما وجدتُ على کبدی سَخْفَةَ جوعٍ. فقال رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم: «إنّها مبارکة، إنّها طعام طُعْمٍ".». قال أبو بکر: یا رسول الله ائْذَنْ لی فی طعامه اللیلةَ، قال ففعل فانطلق النبیّ صَلَّى الله علیه وسلم، وأبو بکر وانطلقتُ معهما، ففتح أبو بکر بابًا فجعل یقبض لنا من زبیب الطائف. فقال أبو ذرّ: فذاک أوّل طعامٍ أکلتُه بها.
قال خفاف بن إیماء بن رحضة وکان سید بنی غفار الکنانیین: "إن الله قذف فی قلب أبی ذر الإسلام وسمع النبیّ صَلَّى الله علیه وسلم، وهو یومئذٍ بمکّة یدعو مختفیًا، فأقبل یسأل عنه حتى أتاه فی منزله، وقبل ذلک قد طلب مَن یوصله إلى رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم، فلم یجد أحدًا فانتهى إلى الباب فاستأذن فدخل، وعنده أبو بکر وقد أسلم قبل ذلک بیوم أو یومین، وهو یقول: " یا رسول الله والله لا نستسرّ بالإسلام وَلنُظْهِرَنّه". فلا یردّ علیه رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم، شیءًا فقال: " یا محمد إِلاَمَ تدعو؟ " قال: «إلى الله وَحْدَه لا شریک له وخَلْعِ الأوثان وتشهد أنی رسول الله». فقال: " أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّک رسول الله". ثمّ قال أبو ذرّ: "یا رسول الله إنی منصرف إلى أهلی وناظرٌ متى یُؤمَرُ بالقتال فألحَقُ بک فإنی أرى قومک علیک جمیعًا". فقال رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم: «أصبتَ فانصرف». فکان یکون بأسفل ثنیّة غَزال فکان یعترض لعِیَرات قریش فیقتطعها فیقول: " لا أردّ إلیکم منها شیئًا حتى تشهدوا ألاّ إلهَ إلاّ الله وأنّ محمدًا رسول الله "، فإن فعلوا ردّ علیهم ما أخذ منهم وإن أبوا لم یَرُدّ علیهم شیءًا. فکان على ذلک حتى هاجر رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم، ومضت غزوة بدر وغزوة أحد، ثمّ قدم فأقام بالمدینة مع النبیّ صَلَّى الله علیه وسلم".
وقال نَجیح أبو معشر قال: کان أبو ذَرّ یَتَألّهُ فی الجاهلیّة ویقول: لا إله إلاّ الله، ولا یعبد الأصنام. فمرّ علیه رجل من أهل مکّة بعدما أوحی إلى النبیّ صَلَّى الله علیه وسلم. فقال: یا أبا ذرّ إنّ رجلًا بمکّة یقول مثل ما تقول لا إله إلاّ الله، ویزعم أنّه نبیّ. قال: ممّن هو؟ قال: من قریش، قال فأخذ شیءًا من بَهْشٍ وهو المُقْلُ فتزوّده حتى قدم مکّة فرأى أبا بکر یُضیف الناس ویُطْعِمُهُم الزبیب، فجلس معهم فأکل ثمّ سأل من الغد: هل أنکرتم على أحدٍ من أهل مکّة شیءًا؟ فقال رجل من بنی هاشم: نعم ابن عمّ لی یقول لا اله إلاّ الله ویزعم أنّه نبیّ. قال: فدُلّنی علیه قال فدلّه، والنبیّ صَلَّى الله علیه وسلم، راقد على دُکّان قد سدل ثوبَه على وجهه، فنبّهه أبو ذرّ فانتبه فقال: انْعَمْ صباحًا، فقال له النبیّ: "علیک السلام"، قال له أبو ذرّ: أنْشِدْنی ما تقول، فقال: "ما أقول الشعر ولکنّه القُرآنُ، وما أنا قلتُه ولکنّ الله قاله"، قال: اقْرَأ علیّ. فقرأ علیه سورة من القرآن فقال أبو ذرّ أشهد ألاّ إله ألاّ الله وأشهد أنّ محمدًا رسوله. فسأله النبیّ صَلَّى الله علیه وسلم: «ممّن أنت؟» فقال: من بنی غفار. قال فعجب النبیّ صَلَّى الله علیه وسلم، أنّهم یقطعون الطریق، فجعل النبیّ صَلَّى الله علیه وسلم، یرفع بَصَرَه فیه ویصوّبه تعجبًا من ذلک لِما کان یعلم منهم ثمّ قال: «إن الله یَهْدی مَن یشاء"». فجاء أبو بکر وهو عند رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم، فأخبره بإسلامه فقال له أبو بکر: "ألیس ضیفی أمْسِ؟" فقال:" بلى"، قال: "فانْطلقْ معی". فذهب مع أبی بکر إلى بیته فکساه ثوبین ممشّقین.

إسلام قومه بنی غفار بدعوته

قال فغبرتُ ما غبرتُ فلقیتُ رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم، فقال: «إنّه قد وُجّهْتُ إلى أرضٍ ذاتِ نخل ولا أحْسِبُها إلاّ یثرب، فهل أنت مبْلِغٌ عنی قومک، عسى الله أن ینفعهم بک ویأجرک فیهم؟» فانطلقتُ حتى لقیتُ أخی أنیسا فقال: " ما صنعتَ؟" قلتُ: " صنعتُ أنی قد أسلمتُ وصدّقتُ". قال أُنیس: "ما بی رغبةٌ عن دینک فإنی قد أَسلمتُ وصدّقتُ". قال فأتینا أمّنا فقالت: ما بی رغبةٌ عن دینکما فإنّی قد أسلمتُ وصدّقتُ قال فاحتملنا فأتینا قومَنا فأسلم نِصْفُهم قبل أن یقدم رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم، المدینة. وکان یؤمّهم إیماءُ بن رَحَضَةَ، وکان سیّدهم، وقال بقیّتهم: إذا قدم رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم، المدینةَ أسلمنا. فقدم رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم، فأسلم بقیّتهم وجاءت أسْلَمُ وکانوا حلفاء غفار فقالوا: یا رسول الله، إخوتنا، نُسْلِمُ على الذی أسلم إخوتُنا. فأسلموا فقال رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم: «غِفارٌ غَفَرَ الله لها وأسْلَمُ سالَمها الله».

جهره بالإسلام فی مکة

بعد أن ضیف أبو بکر الصدیق أبا ذر فی منزله أقام أیَامًا ثمّ رأى امرأة تطوف بالبیت وتدعو بأحسن دُعاء فی الأرض تقول: " أعْطنی کذا وکذا وافعلْ بی کذا وکذا"، ثمّ قالت فی آخر ذلک: "یا إساف ویا نائلة"، قال أبو ذرّ: " أنْکِحی أحدهما صاحبه". فتعلّقت به وقالت: " أنت صابئٌ". فجاء فِتْیَةٌ من قریش فضربوه، وجاء ناس من بنی بکر بن عبد مناة بن کنانة - وبنو غفار من بنی بکر - فنصروه وقالوا: " ما لصاحبنا یُضرَبُ وتترکون صُباتَکم؟ " فتحاجَزوا فیما بینهم.
فجاء إلى النبیّ صَلَّى الله علیه وسلم، فقال: " یا رسول الله أمّا قریش فلا أدعُهم حتى أثْأرَ منهم، ضربونی". فخرج حتى أقام بعسفان وکلّما أقبلت عِیرٌ لقریش یحملون الطعام یُنَفِّرُ بهم على ثنیّة غَزال فتلقى أحمالها فجمعوا الحِنَطَ، قال یقول أبو ذرّ لقومه: " لا یمسّ أحد حَبّة حتى تقولوا لا إله إلاّ الله "، فیقولون لا إله إلا الله ویأخذون الغرائر.(7)

حادثته مع معاویة وعثمان

قال النبیّ صَلَّى الله علیه وسلم: «یا أبا ذرّ کیف أنت إذا کانت علیک أمراء یستأثرون بالفئ؟» فقال أبو ذر: "إذًا والذی بعثک بالحقّ أضرب بسیفی حتى ألحق به". فقال: «أفلا أدُلّک على ما هو خیر من ذلک؟ اصْبِرْ حتى تلقانی».
وقال زید بن وهب : مررتُ بالرّبَذةِ فإذا أنا بأبی ذرّ، فقلتُ ما أنزلک منزلک هذا؟ قال: کنتُ بالشأم فاختلفتُ أنا ومعاویة فی هذه الآیة: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّ کَثِیرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَیَأْکُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَیَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ وَالَّذِینَ یَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا یُنْفِقُونَهَا فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِیمٍ (8).، وقال معاویة: "نَزَلَتْ فی أهل الکتاب"، قال فقلتُ "نَزَلَتْ فینا وفیهم". قال فکان بینی وبینه فی ذلک کلام فکتب یشکونی إلى عثمان، قال فکتب إلیّ عثمان أن أقدم المدینة، فقدمتُ المدینةَ وکَثُر الناسُ علی کأنّهم لم یَرَوْنی قبل ذلک. قال فذُکِرَ ذلک لعثمان فقال لی: إن شئتَ تنحّیتَ فکنتَ قریبًا. فذاک أنزلنی هذا المنزل ولو أُمّرَ علیّ حَبَشیّ لسمعتُ ولأطَعْتُ.
وقال محمّد بن سیرین أنّ رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم، قال لأبی ذرّ: «إذا بلغ البِنَاءُ سَلْعًا فاخرج منها»، ونحا بیده نحو الشام، « ولا أرى أمراءک یَدَعونَک!» قال: " یا رسول الله أفلا أقاتل مَن یحول بینی وبین أمرک؟" قال: «لا»، قال: "فما تأمرنی؟" قال: «اسْمَعْ واطِعْ ولو لعبدٍ حَبَشیّ». قال: فلمّا کان ذلک أرسل معاویة إلى عثمان: "إنّ أبا ذرّ قد أفسد الناس بالشأم"، فبعث إلیه عثمان فقدم علیه، ثمّ بعثوا أهله من بعده فوجدوا عنده کیسًا أو شیءًا فظنّوا أنّها دراهم، فقالوا: ما شاء الله! فإذا هی فلوس. فلمّا قدمَ المدینةَ قال له عثمان: "کُنْ عندی تغدو علیک وتروح اللقاح"، قال: "لا حاجة لی فی دنیاکم"، ثمّ قال: ائْذَنْ لی حتى أخرج إلى الرّبَذَة"، فأذن له فخرج إلى الربذة وقد أقیمت الصلاةُ وعلیها عبدٌ لعثمان حبشیّ فتأخّر فقال أبو ذرّ: تَقَدّمْ فصلّ فقد أُمِرْتُ أن أسْمَعَ وأطیعَ ولو لعبدٍ حَبشیّ فأنت عبد حبشیّ".
وقال عبد الله بن سیدان السّلَمیّ: "تَناجى أبو ذر وعثمان حتى ارتفعت أصواتهما، ثم انصرف أبو ذرّ متبسّمًا فقال له الناس: "ما لک ولأمیر المؤمنین؟" قال: "سامعٌ مُطیعٌ ولو أمرنی أن آتیَ صنعاء أو عدن ثمّ استطعتُ أن أفعل لفعلتُ"، وأمره عثمان أن یخرج إلى الرّبَذَة.
وقال عبد الله بن الصامت الغفاری ابن أخی أبی ذر قال: دخلتُ مع أبی ذرّ فی رَهْطٍ من غِفار على عثمان من الباب الذی لا یُدْخَلُ علیه منه، قال: وَتَخَوَّفْنَا عثمان علیه، قال فانتهى إلیه فسلّم علیه، قال: ثمّ ما بدأه بشیء إلاّ أن قال: "أحَسِبْتَنی منهم یا أمیر المؤمنین؟ والله ما أنا منهم ولا أدرکهم، لو أمرتَنی أن آخذ بِعَرْقُوَتَیْ قَتَبٍ لأخذتُ بهما حتى أمرتَ". قال ثمّ استأذنه إلى الرّبَذَةِ، فقال له عثمان: "نعم نأذن لک ونأمر لک بنَعَمٍ من نعم الصدقة فتُصیبُ من رِسْلها". فقال فنادى أبو ذرّ: "دونکم معاشر قریش دنیاکم فاعْذَمُوها لا حاجة لنا فیها". قال فما بزاه بشیء. قال فانطلق وانطلقتُ معه حتى قدمنا الرّبَذَةَ، قال: فصادفنا مولًى لعثمان غلامًا حبشیًّا یؤمّهم فنُودِیَ بالصلاة فتقدّم فلمّا رأى أبا ذرّ نکص، فأومأ إلیه أبو ذرّ: تَقَدّمْ فصلّ. فصلّى خلفه أبو ذرّ.
وقال الأحنف بن قیس التمیمی قال: أتیتُ المدینةَ ثمّ أتیتُ الشأم فَجمَّعت فإذا أنا برجل لا ینتهی إلى ساریة إلا فَرَّ أهلها، یصلّی ویُخِفّ صلاته، قال فجلستُ إلیه فقلتُ له: "یا عبد الله مَن أنت؟" قال: أنا أبو ذرّ فقال لی: "فأنتَ من أنت؟" قال قلتُ: "أنا الأحنف بن قیس". قال: " قُمْ عنی لاَ أعُرُّکَ"، فقلتُ له: "کیف تَعُرُّنِی بشرّ؟" قال: "إنّ هذا، یعنی معاویة، نادى منادیه ألاّ یجالسَنی أحد".

أهل العراق یبیایعونه

قال شیخان من بنی ثَعْلَبَة رجل وامرأته: "نَزَلْنا الرّبذة فمرّ بنا شیخ أشعث أبیض الرأس واللحیة فقالوا: هذا من أصحاب رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم. فاستأذنّاه أن نغسل رأسه فأذن لنا واستأنس بنا، فبینا نحن کذلک إذ أتاه نفر من أهل العراق، حَسِبْتُه قال من أهل الکوفة، فقالوا: "یا أبا ذرّ فعل بک هذا الرجل وفعل فهل أنت ناصبٌ لنا رایةً؟ فَنُکْمِلُکَ برجال ما شئتَ؟" فقال: "یا أهل الإسلام لا تَعْرِضوا علیّ ذاکم ولا تُذِلّوا السلطان فإنّه مَن أذلّ السلطان فلا توبة له، والله لو أنّ عثمان صلبنی على أطول خشبةٍ أو أطول جبل لَسمعتُ وأطعتُ وصبرتُ واحتسبتُ ورُئیتُ أنّ ذاک خیر لی، ولو سیّرنی ما بین الأفق إلى الأفق، أو قال ما بین المشرق والمغرب، لسمعتُ وأطَعْتُ وصبرتُ واحتسبتُ ورُئیتُ أنّ ذاک خیر لی. ولو ردّنی إلى منزلی لسمعتُ وأطعتُ وصبرتُ واحتسبتُ ورُئیتُ أنّ ذاک خیر لی".

فضله ومناقبه

کان أبو ذر رابع أربعة فی الإسلام، وقیل: خامس خمسة فی الإسلام، وهو أول من حیا رسول الله صلّى الله علیه وسلّم بتحیة الإسلام. وکان یوازی عبد الله بن مسعود فی العلم.
قال أبو ذر: " کنتُ رِدْفَ رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم، وهو على حمار وعلیه بَرْدَعَةٌ أو قطیفة".
وقال أبو الدرداء: "کان رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم یبتدئ أبا ذر إذا حضر، ویتفقده إذا غاب".
وقال عبد الله بن مسعود قال: کان لا یزال یتخلّف الرجلُ فی تَبُوک فیقولون: یا رسول الله، تخلف فلان. فیقول: «دَعُوهُ فَإِنَّ یَکُنْ فِیهِ خَیْرٌ فَسَیُلْحِقُهُ اللهُ بِکُمْ، وَإِنْ یَکُنْ غَیْر ذَلِکَ فَقَدْ أَرَاحَکُمُ اللهُ مِنْهُ». فتلوَّم أبو ذَر على بعیره فأبطأ علیه، فأخذ متاعه على ظهره، ثم خرج ماشیًا فنظر ناظرٌ من المسلمین، فقال: إن هذا الرجل یمشی على الطریق، فقال رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم: «کُنْ أَبَا ذَرٍّ». فلما تأملت القوم قالوا:" یا رسول الله، هو والله أبو ذر"؛ فقال: «یَرْحَمُ اللهُ أَبَا ذَرٍّ، یَعِیشُ وَحْدَهُ، ویموتُ وَحْدَهُ، وَیُحْشَرُ وَحْدَهُ».(9)
وقال علی بن أبی طالب: "لم یبقَ الیومَ أحد لا یبالی فی الله لومةَ لائم غیر أبی ذرّ ،ولا نفسی"، ثمّ ضرب بیده على صدره.
وسُئِلَ علی بن أبی طالب عن أبی ذرّ فقال: "وعى علمًا عجز فیه وکان شحیحًا حریصًا، شحیحًا على دینه حریصًا على العلم، وکان یُکْثرُ السّؤالَ فیُعْطى ویُمْنَعُ أما أن قد مُلِئَ له فی وِعائِه حتى امتَلأ". فلم یدروا ما یرید بقوله وعى علمًا عجز فیه، أعجز عن کَشْفِ ما عنده من العلم أم عن طَلَبِ ما طلب من العلم إلى النبیّ صَلَّى الله علیه وسلم.
وقال أبو ذر: قال لی رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم: «یا أبا ذرّ إنی أراک ضعیفًا وإنی أحبّ لک ما أحبّ لنفسی، لا تأمُرَنّ على اثنین ولا تَوَلَیَّنَ مالَ یَتیمٍ».
وقال الحارث بن یزید الحضرمیّ: سأل أبا ذرّ رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم، الإمارة فقال: «إنّک ضعیف وإنّها أمانةٌ وإنّها یومَ القیامة خَزْیٌ وندامة إلاّ مَن أخذها بحقّها وأدّى الذی علیه فیها».
وقال عراک بن مالک: قال أبو ذَر: "إنی لأقْرَبَکُم مجلسًا من رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم یوم القیامة؛ وذلک أنی سمعت رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم یقول: «أَقْرَبُکُمْ مِنِّی مَجْلِسًا یَوْمَ القِیَامَةِ مَنْ خَرَجَ مِنَ الدُّنْیَا کَهَیْئَتِهِ یَوْمَ تَرَکْتُهُ فِیهَا»"؛(10)

صفاته

صدقه

قال أبو هریرة: قال رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم: «ما أظَلّتِ الخَضْراءُ ولا أقَلّتِ الغَبْراءُ على ذی لَهْجَةٍ أصدق من أبی ذرّ، مَن سرّه أن ینظر إلى تواضع عیسى بن مریم فَلْیَنْظُرْ إلى أبی ذرّ».
وقال مالک بن دینار أنّ النبیّ صَلَّى الله علیه وسلم، قال: «أیکم یلقانی على الحال التی أفارقه علیها؟» فقال أبو ذرّ: أنا، فقال له النبیّ صَلَّى الله علیه وسلم: «صدقتَ». ثمّ قال: «ما أظَلّتِ الخَضْراءُ ولا أقَلّتِ الغَبْراءُ على ذی لَهْجَةٍ أصدق من أبی ذرّ، مَن سرّه أن ینظر إلى زُهْدِ عیسى بن مریم فَلْیَنْظُرْ إلى أبی ذرّ».
وقال عِراک بن مالک یقول: قال أبو ذرّ: إنی لأقرَبُکم مجلسًا من رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم، یوم القیامة وذلک أنی سمعتُه صَلَّى الله علیه وسلم، یقول: « أقربکم منی مجلسًا یوم القیامة مَن خرج من الدنیا کهیئة ما ترکتُه فیها»، وإنّه والله ما منکم من أحد إلاّ وقد تشبّث منها بشیء غیری"
وقال مَرْثَد أو ابن مرثد عن أبیه قال: جلستُ إلى أبی ذرّ الغفاریّ إذ وقف علیه رجل فقال: "ألم یَنْهَکَ أَمیر المؤمنین عن الفُتْیَا؟" فقال أبو ذَرّ: "والله لو وضعتم الصّمصامة على هذه، وأشار إلى حَلْقه، على أن أترک کلمةً سمعتها من رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم، لأنْفَذْتُها قَبْلَ أن یکون ذلک".
وروى مُنْذر الثّوْریّ عن أبی ذرّ أنه قال: " لقد ترکنا رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم، وما یَقلب طائرٌ جَناحَیْه فی السّماء إلا ذکرنا منه علمًا".(11)

تواضعه وزهده

قال رسول الله: «مَن سرّه أن ینظر إلى زُهْدِ عیسى بن مریم فلینظر إلى أبی ذرّ».
ولما قدم أبو موسى الأشعری لقی أبا ذرّ فجعل أبو موسى یلزمه، وکان الأشعری رجلًا خفیف اللحم قصیرًا، وکان أبو ذرّ رجلًا أسود کَثّ الشعر. فجعل الأشعریّ یلزمه ویقول أبو ذرّ: "إلیک عنی"، ویقول الأشعریّ، "مَرْحَبًا بأخی"، ویدفعه أبو ذرّ ویقول: "لستُ بأخیک إنّما کنتُ أخاک قبل أن تُسْتَعْمَلَ". قال ثمّ لقی أبا هریرة فالتزمه وقال: "مرحبًا بأخی"، فقال أبو ذرّ: "إلیک عنی، هل کنتَ عَمِلْتَ لهؤلاء؟" قال: "نعم"، قال: "هل تطاولتّ فی البِناء أو اتْخَذتَ زَرْعًا أو ماشیةً؟" قال: لا"، قال: "أنت أخی أنت أخی".
وقال کُلیب بن شهاب الجرْمیّ: سمعتُ أبا ذرّ یقول: " ما یُوئسنی رِقّة عَظمی ولا بیاض شَعْری أن ألقى عیسى بن مریم".
وقال یونس عن محمد: "سألتُ ابنَ أختٍ لأبی ذرّ ما ترک أبو ذرّ؟" فقال: "ترک أتانَین وعَفْوًا وأعْنُزًا ورکائب". والعَفْوُ هو الحمار الذّکَرُ.
وقال غالب بن عبد الرحمن قال: لقیتُ رجلًا قال: کنتُ أصلّی مع أبی ذرّ فی بیت المقدس فکان إذا دخل خلع خُفّیْه فإذا بزق أو تنخَّع تَنَخَّع علیهما، قال ولو جُمِعَ ما فی بیته لکان رِداء هذا الرجل أفضل من جمیع ما فی بیته. قال جعفر: فذکرت هذا الحدیث لمهران بن میمون فقال: ما أراه کان ما فی بیته یَسْوی درهمَینِ.
وحدث سعید بن عطاء بن أبی مروان عن أبیه عن أبی ذرّ أنّه رآه فی نَمِرَة مُؤتَزِرًا بها قائمًا یصلّی فقلتُ: " یا أبا ذرّ أما لک ثوب غیر هذه النمرة؟" قال:" لو کان لی لرأیتَه علیّ"، قلتُ: "فإنّی رأیتُ علیک منذ أیّام ثوبین"، فقال: "یا ابن أخی أعطیتَهما مَن هو أحوج إلیهما منی"، قلتُ: "والله إنّک لمحتاج إلیهما"، قال: "اللهمّ غفرًا، إنّک لمعظّم للدنیا، ألیس ترى علیّ هذه البُرْدة ولی أُخْرى للمسجد ولی أعْنُزٌ نحلبها ولی أحْمِرَةٌ نحتمل علیها میرتَنا وعندنا مَن یخدمنا ویکفینا مهْنَةَ طعامِنا فأیّ نعمةٍ أفضل ممّا نحن فیه؟".
وقال أبو شُعْبة: جاء رجل من قومنا أبا ذرّ یعرض علیه فأبَى أبو ذرّ أن یأخذ وقال: "لنا أحمرة نحتمل علیها وأعْنُزٌ نحلبها ومُحرَّرة تخدمنا وفضل عباءة عن کِسْوتنا وإنی لأخاف أن أحاسَبَ بالفضلِ".
وقال عیسى بن عُمیلة الفَزاریّ: أخبرنی من رأى أبا ذرّ یحلب غُنیمة له فیبدأ بجیرانه وأضیافه قبل نفسه، ولقد رأیتُه لیلةً حلب حتى ما بقی فی ضُروع غنمه شیء إلاّ مَصَرَه، وقرّب إلیهم تمرًا وهو یسیر، ثمّ تعذّر إلیهم وقال: "لو کان عندنا ما هو أفضل من هذا لجئنا به". قال وما رأیتُه ذاق تلک اللیلةَ شیءًا.
وقال خالد بن حیان: "کان أبو ذرّ وأبو الدَّرداء فی مِظَلَّتَیْنِ من شَعْر بدمشق".
وقال عبد الله بن خِراش الکعبیّ: وجدتُ أبا ذرّ فی مظَلّةِ شَعْرٍ بالرّبَذَةِ تحته امرأة سحماء فقلتُ: یا أبا ذرّ تَزَوّج سحماء! قال: "أتزوّج من تضعنی أحبّ إلیّ ممّن ترفعنی، وما زال بی الأمر بالمعروف والنهی عن المُنْکَر حتى ما ترک لی الحقّ صدیقًا".
ودخل أبو أسماء الرّحبیّ على أبی ذرّ وهو بالرّبَذة وعنده امرأة له سوداء مشنّفة لیس علیها أثر المَجاسِد ولا الخلوقِ، قال فقال: "ألا تنظرون ما تأمرنی به هذه السّویداء؟ تأمرنی أن آتی العراق فإذا أتیتُ العراق مالوا علیّ بدنیاهم، ألا وإنّ خلیلی عهد إلیّ أنّ دون جِسْر جهنّم طریقًا ذا دَحْضٍ ومَزَلّة، وإنّا أن نأتی علیه وفی أحمالنا اقتدار أحرى أن ننجو من أن نأتی علیه ونحن مواقیر".
وقال أبو عثمان النّهْدیّ: رأیتُ أبا ذرّ یمید على راحلته وهو مستقبل مَطْلِعَ الشمس فظننتُه نائمًا فدنوتُ منه فقلتُ أنائم أنت یا أبا ذرّ؟ فقال: "لا بل کنتُ أصلّی".(12)
وذکر یزید بن عبد الله أنّ أبا ذرّ تَبِعَتْه جُویریة سوداء فقیل له: یا أبا ذرّ هذه ابنتُک؟ قال: "تزعم أمّها ذاک".
وقال عون بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود: کُسِیَ أبو ذرّ بُرْدَینِ فأتَزَرَ بأحدهما وارتدی بشِمْلَةٍ وکسا أحدهما غلامَه ثمّ خرج على القوم فقالوا له: لو کنتَ لبستَهما جمیعًا کان أجمل، قال: أجل ولکنی سمعتُ رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم، یقول: «أطْعِموهم ممّا تأکلون وألبسوهم ممّا تکسون»
وقال رجل من أهل البادیة: "صحبتُ أبا ذرّ فأعجبَتْنی أخلاقُه کلّها إلاّ خُلقٌ واحد". قلتُ: "وما ذاک الخلق؟"، قال: "کان رجلًا فَطِنًا فکان إذا خرج من الخلاء انتضح".

کرمه

قال عبد الله بن الصامت عن أبی ذرّ: "أوصانی خلیلی بسبعٍ: أمرنی بحبّ المساکین والدّنُوّ منهم، وأمرنی أن أنظر إلى مَن هو دونی ولا أنظر إلى مَن هو فوقی، وأمرنی أن لا أسأل أحدًا شیئًا، وأمرنی أن أصِلَ الرّحِم وإن أَدْبَرَتْ، وأمرنی أن أقول الحقّ وإن کان مُرًّا، وأمرنی أن لا أخاف فی الله لَوْمَةَ لائم، وأمرنی أن أکْثرَ من لا حول ولا قوّة إلاّ بالله فإنّهنّ من کنز تحت العرش".
وذکر عبد الله بن الصامت أنّه کان مع أبی ذرّ فخرج عطاؤه ومعه جاریة له، قال فجعلت تقضی حوائجَه، قال ففضل معها سِلَعٌ، قال فأمرها أن تشتری به فلوسًا، قال قلتُ لو إذّخرتَه للحاجة تبوء بک أو للضیف ینزل بک، قال: "إنّ خلیلی عهدَ إلیّ أن أیّ مالٍ ذَهَبٍ أو فضّةٍ أُوکِیَ علیه فهو جَمْرٌ على صاحبه حتى یُفَرّغَه فی سبیل الله".
وقال سعید بن أبی الحسن أنّ أبا ذرّ کان عطاؤه أربعة آلاف فکان إذا أخذ عطاءه دعا خادمه فسأله عمّا یکفیه لسنةٍ فاشتراه له، ثمّ اشترى فلوسًا بما بقی وقال: "إنّه لیس من وعى ذهبًا أو فضّة یُوکی علیه إلا وهو یتلظّى على صاحبه".
وقال الأحنف بن قیس: قال لی أبو ذرّ: " خُذ العطاء ما کان مُتْعَةً فإذا کان دَیْنًا فارفضه".(13)

روایته للحدیث

روى أَبُو ذَرٍّ عن النبی صَلَّى الله علیه وسلم.
روى عنه عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله بن عمر، وأنس بن مالک، وابن عباس، وأبو إدریس الخولانی، وزید بن وهب الجهنی، والأحنف بن قیس التمیمی، وجُبیر بن نُفیر الحضرمی، وعبد الرحمن بن تمیم، وسعید بن المسیب، وخالد بن وهبان ابن خالة أبی ذر، ویقال ابن أهبان، وقیل ابن أخیه، وامرأة أبی ذر، وعبد الله بن الصامت الغفاری ابن أخی أبی ذر، وخرشة بن الحر الفزاری، وزید بن ظبیان، وأبو أسماء الرَّحَبی، وأبو عثمان النهدی، وأبو الأسود الدؤلی، والمعرور بن سُوَید الأسدی، ویزید بن شریک التیمی، وأبو مُرَاوح الغِفَاری، وعبد الرحمن بن أبی لیلى، وعبد الرحمن بن حجیرة، وعبد الرحمن بن شماسة، وعطاء بن یسار، وآخرون.(14)

وفاته

عن إبراهیم بن الأشتر النخعی، عن أبیه عن أم ذرّ زوجة أبی ذرّ، قالت: لما حضرت أبا ذر الوفاة بکیْتُ. فقال لی:" ما یبْکیک؟" فقلت: " ومَا لِی لا أَبْکی وأنت تموت بِفلَاةٍ من الأرض، ولیس عندی ثوبٌ یَسَعک کفنًا لی ولا لک؟ ولا یَدَ لی للقیام بجهازک". قال: "فابْشِری وَلَا تَبْکِی؛ فإنی سَمِعْتُ رسولَ الله صلّى الله علیه وآله وسلّم، یقولُ: «لَا یَمُوتُ بَیْنَ امْرَأَیْنِ مُسْلِمَیْنِ وَلَدَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فَیَصْبِرَانِ وَیَحْتَسِبَانِ فَیَرَیَانِ النَّارَ أَبَدًا»، وقد مات لنا ثلاثة من الولد، وإنی سمعْتُ رسولَ الله صلّى الله علیه وآله وسلّم یقول لنفَر أنا فیهم: «لَیَمُوتَنَّ رَجُلٌ مِنْکُمْ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ، تَشْهِدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ»، ولیس من أولئک النفَر أحدُ إلّا وَقد مات فی قَرْیَة وجماعة، فأنا ذلک الرّجل، والله ما کذَبت ولا کُذبت فأبْصِری الطریقَ". قلت: "وأنَّى وقد ذهب الحاجُّ، وتقطَّعَتِ الطّریق؟ "، قال: " اذهبی فتبصَّری". قالت: "فکنْتُ أشتدُّ إلى الکثیب فأنظر ثم أرجع إلیه فأمرضُه، فبینما هو وأنا کذلک، إذ أنا برجال على رِحَالهم کأنهم الرّخم تحثّ بهم رواحلهم، فأسرعوا إلیّ حتى وقفُوا علیّ"، فقالوا: "یا أمَةَ الله، ما لک؟"، قلت: "امرؤ من المسلمین یموتُ، تُکَفّنونه؟" قالوا: "ومَنْ هو؟" قلت: "أبو ذرّ". قالوا: "صاحب رسول الله صلّى الله علیه وآله وسلّم؟" قلت: " نعم". قالت: "فَفَدوْه بآبائهم وأمهاتهم، ووضعوا السیّاط فی نحورها. یستبقون إلیه حتى جاءوه"، فقال لهم: "أَبْشِروا، فإنِّی سمعْتُ رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم یقول لنَفَرٍ أنا فیهم: «لَیَمُوتَنَّ رَجُلٌ مِنْکُمْ بِفَلَاةٍ مِنَ الأَرْضِ تَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ». ولیس من أولئک النّفر أحدٌ إلّا وقد هلک فی قریة وجماعة، واللهِ ما کَذَبْت، ولا کذبت، ولو کان عندی ثوبٌ یسعُنی کفنًا لی أو لامرأتی لم أکفَّنْ إلا فی ثوب هو لی أو لها، وإنی أنشدکم لله ألا یکفننی رجل منکم کان أمیرًا أو عریفًا أو بریدًا أو نقیبًا"، ولیس من أولئک النّفر أحدٌ إلا وقد قارف بعْضَ ما قال، إلّا فتًى من الأنصار، فقال: "أنا أَکفّنک یا عم فی ردائی هذا، وفی ثوبین فی عَیْبتی من غزْل أمّی". قال: "أنت تکفننی یا بنی". قال: فکفّنه الأنصاریُّ وغسَّله فی النّفر الذین حضَرُوه، منهم حُجْر بن الأدبر ومالک الأشتر وقامُوا علیه وَدفَنُوه فی نفرٍ کلهم یَمَان.(15)
ولما نفى عثمان أبا ذرّ إلى الرّبَذَةِ وأصابه بها قدرهُ ولم یکن معه أحد إلاّ امرأتهُ وغلامه فأوصاهما أن اغسلانی وکفّنانی وضعانی على قارعة الطریق فأوّل رَکْبٍ یمرّ بکم فقولوا هذا أبو ذرّ صاحب رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم، فأعینونا على دَفْنِه. فلمّا مات فعلا ذلک، ثمّ وضعاه على قارعة الطریق، وأقبل عبد الله بن مسعود فی رَهْط من أهل العراق عُمّارًا فلم یَرُعْهم إلا بالجنازة على ظهر الطریق قد کادت الإبل تطأها، فقام إلیه الغلام فقال: هذا أبو ذرّ صاحب رسول الله صَلَّى الله علیه وسلم، فأعینونا على دفنه. فاستهلّ عبد الله یبکی ویقول: صدق رسول الله، «تمشی وحدک وتموت وحدک وتُبْعَثُ وحدک».
توفی أبو ذر فی الربذة سنة 32 هـ وقیل بآخر شهر ذی الحجة سنة 31 هـ بعد انصراف الحجیج، وصلى علیه عبد الله بن مسعود فی النفر الذین شهدوا موته، ثم حملوا عیاله إلى عثمان بن عفان بالمدینة، فضم ابنة أبی ذر إلى عیاله، وقال: "یرحم الله أبا ذر". وتقع الربذة الیوم 100 کم جنوب شرق محافظة الحناکیة و200 کم شرق المدینة المنورة.(16)
المصادر :
1- الإصابة فی تمییز الصحابة (7/125)
2- الطبقات الکبیر لابن سعد
3- الفوائد الرجالیة - السید بحر العلوم - ج ٢ - الصفحة ١٤٣
4- الطبقات الکبیر لابن سعد
5- سیر أعلام النبلاء
6- الطبقات الکبیر لابن سعد
7- الطبقات الکبرى - محمد بن سعد - ج ٤ - الصفحة ٢٢٤
8- القرآن الکریم, سورة التوبة, الآیة 34.
9- الإصابة فی تمییز الصحابة
10- کتاب الزهد - أحمد بن حنبل
11- الطبقات الکبیر
12- سیر أعلام النبلاء
13- الطبقات الکبیر - ابن سعد
14- الإصابة فی تمییز الصحابة.
15- الاستیعاب فی معرفة الأصحاب
16- الرّبذة صورة للحضارة الإسلامیة المبکرة فی المملکة العربیة السعودیة



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.