مهدی السلفیة التکفیریة

مع بزوغ غرة محرم الحرام من العام 1400 هـ الموافق 20 نوفمبر 1979م دخل المدعو جــهیمان العتیبی مــع ما یقارب المئة من أصحابه الى المسجد الحرام فی مکة المکرمة لأداء صــلاة الفــجر، وکانــوا یحمــلون نعوشـاً، وأوهموا حراس
Wednesday, October 23, 2013
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
مهدی السلفیة التکفیریة
 مهدی السلفیة التکفیریة

 





 

مع بزوغ غرة محرم الحرام من العام 1400 هـ الموافق 20 نوفمبر 1979م دخل المدعو جــهیمان العتیبی مــع ما یقارب المئة من أصحابه الى المسجد الحرام فی مکة المکرمة لأداء صــلاة الفــجر، وکانــوا یحمــلون نعوشـاً، وأوهموا حراس المسجد الحرام إنها نعوشاً لموتى، وسیصلّون علیها صلاة المیت بعد صلاة الفجر، وفی الحقیقة أن هذه النعوش لم تکن إلاّ مخازن للأسلحة الرشاشة وذخائرها.
وما أن انفضت صلاة الفجر حتّى قام جهیمان وصهره المدعو محمّد بن عبد الله القحطانی أمام المصلین فی المسجد الحرام لیعلنوا للناس نبأ المهدی المنتظر وفراره من أعداء الله واعتصامه فی المسجد الحرام، وقد قدّم جهیمان صهره القحطانی بأنه المهدی المنتظر مجدد هذا الدین فی ذلک الیوم من بدایة القرن الهجری الجدید!
ثم قام جهیمان وأتباعه بمبایعة (المهدی المنتظر) بین الرکن والمقام، وطلب من جموع المصلین مبایعته، وأوصد أبواب المسجد الحرام، ووجد المصلّون أنفسهم محاصرین داخل المسجد بما فیهم النساء والأطفال.
وفی الوقت نفسه کانت هناک مجامیع أخرى من أتباعه یقومون بتوزیع منشورات ورسائل وکتیبات کان جهیمان قد أعدّها مسبقاً فی السعودیة وبعض الدول.
وبعد ثلاثة أیام أُخلی سبیل النساء والأطفال، وبقی کمّ لا بأس به من المحتجزین فی داخل المسجد.
حاولت الحکومة السعودیة منذ اللحظات الأولى حلّ هذه المشکلة ودیاً مع جهیمان بالاستسلام والخروج من الحرم وإطلاق سراح الرهائن المحتجزین، إلاّ أنه رفض.
عطّلت الصلاة والمناسک فی البیت الحرام، وتبادل الطرفان اطلاق النیران الکثیفة، وأصاب المسجد ضرر بالغ جراء هذه الأحداث، وعندما نفد صبر الحکومة السعودیة، تدافعت قواتها معزّزة بقوات الکوماندوز فی هجوم شامل على الحرم استخدمت فیه تقنیات عسکریة جدیدة وخبرات أجنبیة لم یعهدها جهیمان وأتباعه، فسقط منهم الکثیر، وکان ممن سقط قتیلاً صهره محمّد بن عبد الله القحطانی الذی کانوا یدّعون أنه المهدی المنتظر، وبسقوطه قتیلاً صدم أتباع جهیمان صدمة کبیرة، فهم کانوا یعتقدون أنه لا یموت، فبدأوا بالانهیار والاستسلام تباعاً، وسلَّم جهیمان نفسه ومن بقی من أتباعه.
بعد فترة وجیزة صدر حکم المحکمة بإعدام 61 شخصاً من أفراد الجماعة، وکان جهیمان من ضمن قائمة المحکومین بالاعدام، لتنتهی بذلک قصة أول حادث للتطرف الدینی یسجّل فی السعودیة.
عمل جهیمان بن محمّد بن سیف العتیبی موظفاً فی الحرس الوطنی السعودی لمدة ثمانیة عشر عاماً، درس الفلسفة الدینیة فی جامعة مکة المکرمة الاسلامیة، وانتقل بعدها الى الجامعة الاسلامیة فی المدینة المنورة، وفی المدینة المنورة التقى جهیمان بشخص یدعى (محمّد بن عبد الله القحطانی) وهو أحد تلامذة الشیخ عبد العزیز بن باز.
توطّدت العلاقة بین الرجلین، خاصة أنهما إلتقیا فکریاً فی العدید من الرؤى الایدلوجیة المتطرفة، من حیث تکفیر الدولة، بل وتکفیر المجتمع بأکمله، والتزمّت الشدید مما أدى الى اعتزالهما المجتمع ورفض معالمه المدنیة من رادیو وتلفزیون وصحافة... وغیرها. ومما زاد فی تقاربهما زواج القحطانی بشقیقة جهیمان العتیبی.
بدأ جهیمان وصهره بنشر أفکارهما المنشودة التی تعدّ کل ما هو جدید من البدعة والخروج عن الدین، بشکل سری وعلى نطاق ضیق فی بعض المساجد الصغیرة فی المدینة المنورة، ومن ثم فقد لقیت هذه الأفکار صدىً إیجابیاً عند البعض، وأخذت الجماعة التی أسّسها جهیمان تکبر، حتّى وصل عدد أفرادها إلى الآلاف.
ولم یدّخر جهیمان وجماعته جهداً فی معاداة الأنظمة الحاکمة لأنها لا تحکم بشرع الله، وکان هذا جلیاً فی الرسائل التی کتبها بنفسه أو من قبل أتباعه، کما یؤمن بهجر المجتمع ووسائله المدنیة والانعزال عنه، نظراً لتفشی الفساد والرذیلة فی المجتمع وبُعده عن الصراط المستقیم، هذا من جانب، ومن الجانب الآخر یرى جهیمان وأتباعه ضرورة عدم موالاة الأنظمة التی لا تحکم بشرع الله ولا تنتهی بنواهیه.
یروی الشیخ فلاح إسماعیل مندکار بعض سیرة القحطانی وهو ممّن التقى به:
(کنت أعرف محمّد بن عبد الله القحطانی معرفة شخصیة، وقد زارنی فی منزلی فی الکویت عدة مرات، وکان حافظاً للقرآن، وکان رجلاً زاهداً وبکّاء، لا یستطیع أن یمسک نفسه من البکاء إذا قرأ القرآن، وکان حافظاً للبخاری ومسلم، وکان شیخاً صاحب علم، ولکنه افتتن بالرؤیا حیث کان یأتیه الناس من المشرق ومن المغرب ویقولون إنک أنت المهدی المنتظر، وکان هذا الموضوع یضایقه ، ودخل علیه الشیطان من هذا الطریق نسأل الله السلامة والعافیة، وعندما سألت شیخی الشیخ حماد الأنصاری فی وقتها حول هذا الموضوع ومدى صحته، ردّ رداً قویاً وقال لی: منذ متى ونحن نأخذ الشریعة من الأحلام والرؤیا، نحن نأخذ شریعتنا من کتاب الله وسنة رسوله صلى الله علیه وآله وسلم .... أما جهیمان فهو کان من طلبة الشیخ ابن باز، وکان الشیخ ابن باز له منزل فی المدینة أیام کان رئیساً للجامعة الاسلامیة أعطته إیاه الحکومة لکی ینشر العلم فیه، وکان هذا المنزل ینافس الجامعة الإسلامیة من حیث نشر العلم، فکان العلماء الکبار یقیمون فیه الدروس أمثال الشیخ ابن باز والشیخ الألبانی والشیخ الشنقیطی، ـ والحدیث لا زال للشیخ فلاح ـ وکان الشیخ ابن باز یقوم بابتعاث الطلبة الذین یحضرون الدروس فی هذا المنزل کل عطلة نهایة الاسبوع إلى القرى المجاورة لنشر العلم للعوام، وکان من الذین یبعثهم جهیمان العتیبی الذی أعطاه الشیخ ابن باز المنزل بما فیه مع زملائه الطلبة لکی یستلموا مهمة نشر العلم فی هذا المنزل، وبدأت الفتنة عندما أتى جهیمان ثلاثة أشخاص من إحدى دول شمال افریقیا وهم یحملون فکر التکفیر، وکان جهیمان مستاءً من بعض الأمور التی بالدولة ویقال أنّ أحدها دخول التلفزیون على السعودیة، فاستطاعوا أن یُلقوا الشبه فی قلب جهیمان.
وعندما علم جهیمان بخبر القحطانی رتّب کل شیء من الرجال والأسلحة والطلبة لکی یبایعه فی مکّة وأمام الناس، وکان هذا الأخیر متردداً، ولکن وهو فی الطریق الى مکة ذهب الى قریة لکی یستریح هو بها ومن معه وهو ذاهب الى البئر لکی یأتی لأصحابه بالماء، فإذا بامرأة عجوز واقفة تنظر إلیه نظرة التفحص، وقالت له: أأنت محمّد بن عبد الله؟ قال: نعم یا أماه، هل من حاجة؟؟ قالت: والله إنی رأیتک فی المنام أنک أنت الذی فی مکة تحرر الناس وأنت المهدی المنتظر!
ففکر القحطانی فی نفسه قائلاً: منطقة أول مرة آتها وامرأة عجوز لم أرها فی حیاتی تعرفنی وتعرف اسمی وتقول لی أنت المهدی المنتظر؟؟ والله أعلم أن هذه المرأة شیطان یلبس علیه الأمر.
وقال لی ـ والحدیث لا یزال للشیخ فلاح ـ بعض الأشخاص الذین کانوا فی الفتنة أنه حصل خلاف بین محمّد بن عبد الله القحطانی وجماعته فی الیوم السادس بعد احتلال الحرم، حیث علم محمّد أن هذه فتنة وأنه لیس المهدی المنتظر، وقال: یجب أن نسلّم أنفسنا للسلطة، ورفض أحد الأفغان الذین کانوا معه، وقُتل فی وقتها، لأن القوات لما دخلت الحرم وجدت جثة القحطانی متعفنة وهو مقتول من أول أحداث الفتنة والله أعلم... والشاهد عندما ألقی القبض على جهیمان أو سلّم نفسه لا أعلم... حاولت وزارة الداخلیة أن تأخذ منه أی معلومة فلم یتکلّم بأی کلام، حتّى أتوه ببعض مشایخ المدینة وعلى رأسهم الشیخ الشنقیطی ، وعندما رآهم جهیمان احتضن الشیخ وقام یبکی بکاء شدیداً، وقال له الشیخ: یا جهیمان أنا لدی أسئلة من وزارة الداخلیة أوصونی بها، ولکن أرید أن أسئلک: لماذا فعلت هذا؟ فردّ علیه قائلاً: یا شیخ ان هذه فتنة وقعنا بها، واحمدوا الله أنه أنجاکم منها، وادعوا لنا الله عسى أن یغفر لنا ویتوب علینا، ثم سکت وبعد یومین اقتص منه.
وعندما سُئل الشیخ ابن باز عن جهیمان کان یترحم علیه ویقول: إن جهیمان لیس بصاحب أفکار ومعتقدات الخوارج ولکنه افتتن بهذه الحادثة، ونسأل الله أن یرحمه).(1)

الجذور الفکریة للحرکة:

من الواضح من خلال السرد التأریخی الذی قدمه لنا بعض المعاصرین لحادث اقتحام الحرم المقدس أنّ الدور الذی قام به القحطانی هو دور شخص بسیط لا یمتلک من القواعد الفکریة الرصینة أو الشخصیة القویة ذات الأبعاد الفکریة الواضحة شیئاً، وإنما کان مجرد أداة استخدمها جهیمان لتنفیذ أغراض سیاسیة، متحصناً خلف روایة سنیة ضعیفة تصف قدوم المهدی المنتظر وأنه من آل بیت الرسول صلى الله علیه وآله وسلم واسمه محمّد واسم أبیه عبد الله، یلوذ بالمسجد الحرام هرباً من أعداء الله.(2)
وقد اکتملت أطراف المعادلة فی ذهن جهیمان باقتراب حلول القرن الهجری الجدید وبصهر یسمى محمّد بن عبد الله رأى فی منامه إنه هو المهدی المنتظر وانه سوف یحرر الجزیرة العربیة والعالم کله من الظالمین، ولم یکن ینقص المعادلة الا بیت الله الحرام لیلوذ الیه المهدی وهذا ما تمّ فیما بعد کما سبق.
وهکذا کان دور المهدی فی هذه المعادلة دوراً ثانویاً تکمیلیاً، اذ لم یکن یمتلک زمام المبادرة والقیادة أولاً، ولم یکن متسلحاً بعقیدة راسخة بالقضیة المهدویة حیث ان الأمر لا یعدو الرؤیا، ولذلک کان متردداً بین الاقدام والتراجع فی حین کان بعض اسلافه من الأدعیاء نجحوا بفضل إقدامهم وجرأتهم على تأسیس دول وانشاء حکومات دامت قروناً من الزمان، ومن ثم فقد تراجع لدى أول تهدید بالخطر مما أدى إلى قتله سریعاً. وبذلک انهارت عقیدة المعتقدین بمهدویته من الاتباع وانتهى کل شیء فی ساعات معدودة.
أما جهیمان ففی الواقع إنه اضطلع بدور رئیس فی هذه الحرکة من الناحیتین الفکریة والسیاسیة، فلم تکن حرکته مجرد فکرة طارئة على الساحة الدینیة کما هو حال الجماعات الاسلامیة الیوم، وإنما کانت امتداداً لتیار الإخوان القدیم الذی قامت على أکتافه دولة آل سعود الثانیة(3) حیث تبنى جهیمان طرح الإخوان المعادی للواقع وکلّ ما هو حدیث، فرفض التصویر وجهاز التلفزیون والإذاعة والصحف وکتب المعاصرین، واعتبرها جمیعاً من البدع، وأجاز تقصیر الثیاب وإطالة اللحى والصلاة بالنعال فی المساجد،(4) والشیء الوحید الذی میّز جهیمان عن الإخوان هو تبنّی جهیمان فکرة المهدی وإعلان ظهوره من بین أفراد الجماعة، ورغم أنّ رسائله التی تحدد فکر الجماعة ومنطلقاتها تکشف لنا عن موقفٍ معادٍ للحکم السعودی وللفقهاء المتحالفین معه، الاّ ان هذا الموقف لا یعکس بُعداً سیاسیاً فی حرکة الجماعة، فهی بعیدة کل البعد عن هذا الجانب.
وکل ما فی الأمر أن هذه الجماعة انشقّت عن الخط السلفی الوهّابی السائد وتبنّت أطروحة أکثر تشدداً وانغلاقاً فی مواجهة الواقع، مما أدى إلى وقوع تناقضات واضحة فی فکر الجماعة وأهدافهم المتمثلة بالمجتمع الذی یعمل بما أنزل الله وبین اعتـــزال الجماعة للمجتمع المراد تغییره، ومن جهة أخرى فقد تبنّت هذه الجماعة القول بعلامات وفتن آخر الزمان وظهور المهدی ونزول عیسى من السماء بالاضافة إلى موقف الرفض تجاه آل سعود، وکل ذلک إنّما یؤکد حالة التناقض الداخلی الفکری، ولم یکن هناک حل أو مخرج لهذا التناقض سوى تبنّی فکرةظهور المهدی التی تحوّلت من مجرد تصوّر إلى واقع حین اکتشفت الجماعة أن العلامات الخاصة بالمهدی والصفات المتعلقة بشخصه تنطبق نوعاً ما على أحد أفراد الجماعة، فبایعوه على الخروج لتتحقّق على یدیه النبؤات التی أشارت إلیها الأحادیث النبویة.
وأولى هذه النبؤات هی: أن المهدی سوف یلوذ حین ظهوره بالحرم المکی، وعندما تحاصره جیوش الکفر عندئذٍ یخسف الله بها، وبهذا التبریر الشرعی اقتحم جهیمان ومجموعته الحرم، وبتبریر شرعی آخر دکّت القوات الفرنسیة والأردنیة والسعودیة الحرم المقدس وکان ما کان.

الدولة وفقهاؤها فی مواجهة الحرکة:

کان حصار جهیمان العتیبی ومحمد بن عبد الله القحطانی مع العدید من الأتباع السعودیین والعرب والأفغان وغیرهم فی الحرم المکی المظهر الأسطع لما کان یعتمل من توتّر فی المجتمع السعودی، کان قائد العملیة جهیمان واعظاً نشطاً غامر بأبداء آرائه حول الحاکم الاسلامی العادل والعلاقات مع القوى الکافرة والنزعة المادیة والفساد والعلاقة بین العلماء والسلطة وطالب بعزل آل سعود من الحکم، لذلک عمدت الحکومة إلى استنفار العلماء، وأصدرت إدارة البحوث العلمیة والافتاء فتوى تدعم الفئة الحاکمة وتجیز التدخل العسکری فی الحرم المقدس.
إنّ رسالة المهدویین الجدد طغى علیها إعلانهم أن زعیم الحرکة الروحی محمّد القحطانی هو (المهدی المنتظر) الذی کان مفهوماً خلافیاً فی الإسلام السنی، واستثمرت الحکومة هذا الخلاف للنیل من المتمرّدین، وشرع کبار العلماء فی إجراء مناظرة لاهوتیة حول صفات المهدی الحقیقی طامسین بذلک المعارضة السیاسیة التی کانت أساس التمرد، وخلص العلماء إلى أن القحطانی لا یمکن أن یکون المهدی المنتظر حقاً، مبررین بذلک إخماد الحرکة داخل المسجد، لکن الفئة الحاکمة ومعها طبقة الفقهاء أدرکوا أن التمرد لم یکن حول مهدی مزیف أو حقیقی، بل کان حول تطور أسفر عن نتائج اجتماعیة متناقضة وتواترات لم تکن تتوقعها حکومة رفعت لواء التحدیث دون توفیر أرضیة جدیدة للشرعیة، فلقد کان حصار المسجد جزءاً لا ینفصل من نتائج التحدیث المادی إبان السبعینات، وهو کان یقظة سیاسیة استندت إلى خطابیة دینیة أصبحت أکثر تمفصلاً برعایة مراکز العلوم الدینیة فی المملکة وفی ظل التربیة والتعلیم ومناهجهما الجدیدة.
ولذلک فقد واجهت الحکومة ـ فی طریقة تعاملها مع الحادث ـ انتقاد بعض الفقهاء، لأنها تصرّفت بالهجوم على الحرم المقدس دون استصدار فتوى شرعیة متجاهلة الموقف الشرعی الفقهی من هذا التصرف.
تذکر المصادر المعاصرة أن آل سعود جمعوا الفقهاء وأجبروهم على صیاغة فتوى یشیر نصها إلى أن وقت صدورها یسبق قیام الحکومة بالهجوم على الحرم، ولم یصدر أی شجب أو استنکار من قبل أغلب الفقهاء، فقد استسلموا وأطاعوا مخافة أن یقعوا فی محذور شرعی لو تبنّوا موقف الرفض، فالحاکم واجب الطاعة وشرّ الأعمال الخروج عن الجماعة.
والظاهر أن الأمر لم ینته عند حدّ الاستغناء عن الفقهاء فی مواجهة الحادث، بل تجاوزه إلى الاستغناء عنهم فی محاکمة المتهمین، حیث صدرت الأحکام بسرعة وبأوامر ملکیة دون أن یکون للفقهاء أی علم أو دور، مما أثار حفیظة بعضهم الذی طالب بتولی أمر محاکمة المتهمین، ولما رُفض طلبهم رفضوا بدورهم التوقیع على الأحکام الصادرة ضد جهیمان وأتباعه، الأمر الذی حدا بالحکومة إلى إعادة صیاغة فتوى ثانیة یتّضح فیها الحرص على تضمینها بعض الآیات القرآنیة والأحادیث النبویة التی تنوّه إلى ضرورة معاقبة المفسدین وبشدّة.
وقد جاء فی الفتوى الأولى التی تجاهلت رأی الفقهاء والتی أصدرها خالد بن عبد العزیز وقام بتنفیذها شقیقه نایف وزیر الداخلیة آنذاک والصادرة بتاریخ 19/ 2/ 1400هـ الموافق 7/1/1980.
اطلعنا على ما رفعتموه ـ أی نایف ـ لنا من الاعترافات التی أدلى بها المجرمون الذین اعتدوا على الحرم وأدخلوا فیه السلاح والذخیرة وأغلقوا أبوابه على المسلمین الذین أدوا فیه صلاة الفجر فی الیوم الأول من شهر محرم عام 1400 هـ، وقد روّعوا المسلمین فی الحرم الذی جعله الله للناس أمناً، وسفکوا الدماء البریئة بغیر ذنب، وأجبروا الناس فی الحرم على مبایعة أحد أفراد الفئة الضالة المفسدة زاعمین أنه المهدی، وهددوا من لم یستجب بالسلاح کما هو مسجل فی إحدى خطب هذه الفئة الظالمة التی ألقاها أحد رؤوس الفتنة صبیحة عدوانهم على الحرم، واستناداً على فتوى أصحاب الفضیلة العلماء بقتالهم مستدلّین بقوله تعالى: (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى یُقاتِلُوکُمْ فِیهِ فَإِنْ قاتَلُوکُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) ولأن هیئة کبار العلماء قد أصدروا فی دورة مجلسهم الخامسة عشرة بیاناً استنکروا فیه هذه الجریمة الخطیرة، وهذا البیان من الهیئة لواقع هؤلاء المجرمین یحتّم علینا معاقبتهم عقوبة تزجر عن الفساد ونُرضی بها ربنا سبحانه، ولأننا تلقینا الفتاوى التی تبین جزاء هؤلاء منهم ما هو مشافهة من عدد من العلماء ومنهم ما هو محرر من عدد آخر من کبار العلماء وفیها قولهم ما نصه:
نفیدکم ـ سلمکم الله ـ أن هؤلاء لهم حکم المحاربین الذین قال الله فیهم (إِنَّما جَزاءُ الَّذِینَ یُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَیَسْعَوْنَ فِی الأْرْضِ فَساداً أَنْ یُقَتَّلُوا أَوْ یُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَیْدِیهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ یُنْفَوْا مِنَ الأْرْضِ ذلِکَ لَهُمْ خِزْیٌ فِی الدُّنْیا وَلَهُمْ فِی الآْخِرَةِ عَذابٌ عَظِیمٌ) وقال العلماء فی فتواهم: وما دام الجمیع اعترفوا بجریمتهم بالقتل والفساد فی حرم الله فیجوز للإمام قتلهم.
وعلى هذا فاعتمدوا قتل الاشخاص الموضّحة أسماؤهم بالبیان المرفق إرضاء لله سبحانه وغضباً لحرمة بیته وحرمة عباده الذین یعبدونه حول البیت وشفاء لغیظ المسلمین، وهؤلاء هم الذین صدرت منهم الاقرارات المسجلة فی سجلات محکمة مکة المکرمة لدى عدد من القضاة.(5)
ومن الواضح أن هذا البیان قد تجاهل أسماء الفقهاء الذین وافقوا مشافهة أو بجواب محرر مکتوب، مما یدل على أن البیان صدر دون مشورتهم أو علمهم، لا سیما إذا علمنا بأن الحکومة السعودیة کانت تحرص دائماً على تعضید بیاناتها بأسماء وتواقیع عدد من العلماء اللامعین تأکیداً على شرعیة تلک البیانات وموافقها لأحکام الدین.
وعندما استشعرت الحکومة هذا الخلل فی الفتوى الأولى حرصت على إصدار فتوى أخرى على لسان الفقهاء، وهی تشابه إلى حد ما منطوق الفتوى الأولى بکونها صادرة عن القصر الملکی لا عن هیئة کبار العلماء.
تقــول الفتوى الثانیـــة: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبیه محمّد وعلى آله وصحبه، وبعد، ففی یوم ثلاثاء الیوم الأول من شهر المحرم عام أربعمائة وألف من الهجرة دعانا نحن الموقعون أدناه جلالة الملک خالد بن عبد العزیز آل سعود، فاجتمعنا لدى جلالته فی مکتبه، وأخبرنا أن جماعة فی فجر هذا الیوم بعد صلاة الفجر مباشرة دخلوا المسجد الحرام مسلّحین واغلقوا أبواب الحرم وجعلوا علیها حراساً مسلحین منهم وأعلنوا طلب البیعة لمن سموه المهدی وبدأوا مبایعته ومنعوا الناس من الخروج من الحرم وقاتلوا من مانعهم وأطلقوا النار على أناس داخل المسجد وأصابوا غیرهم، وانهم لا یزالون یطلقون النار على الناس خارج المسجد، واستفتانا بشأنهم وما یعمل فیهم، فأفتیناه بأن الواجب دعوتهم الى الاستسلام ووضع السلاح، فإن فعلوا قبل منهم وسجنوا حتّى ینظر فی أمرهم شرعاً، فإن امتنعوا وجب اتخاذ کافة الوسائل للقبض علیهم، حتّى لو ادى ذلک الى قتالهم وقتل من لم یحصل القبض علیه منهم الا بذلک لقوله تعالى: (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى یُقاتِلُوکُمْ فِیهِ فَإِنْ قاتَلُوکُمْ فَاقْتُلُوهُمْ کَذلِکَ جَزاءُ الْکافِرِینَ) ولقول النبی صلى الله علیه وآله وسلم : (من أتاکم وأمرکم جمیع یرید أن یفرق جماعتکم ویشقّ عصاکم فاضربوا عنقه) رواه مسلم، والآیات والأحادیث کثیرة فی هذا المعنى، ونسأل الله تعالى أن یعلی کلمته وینصر دینه وأن یخذل من أراد الإسلام والمسلمین بسوء، وأن یشغله بنفسه انه سمیع مجیب وصلى الله على نبینا محمّد وعلى آله وصحبه وسلم.(6)
ومرة أخرى أحس آل سعود بأن هذه الفتوى غیر کافیة وغیر مقنعة للرأی العام، فألحقوها بفتوى ثالثة أکثر انضباطاً ووضوحاً وأدق صیاغة من الجانب الفقهی جاء فیها:
(الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمّد وعلى آله وصحبه، نسأل الله أن ینصر دینه ویُعلی کلمته ویخذل من أراد الإسلام والمسلمین سوءاً، وأن یُعیذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن یکبت من أراد الفساد والالحاد فی حرم الله وانتهاک حرمته وسفک دماء المسلمین، وبعد.. فإن هذا العمل الشنیع الذی قامت به هذه الطائفة الظالمة التی انتهکت حرمة الله وأقدس بقعة فی أرضه وسفکت فیه الدم الحرام فی الشهر الحرام فی البلد الحرام وفی رحاب الکعبة المشرفة وروّعت المسلمین الآمنین فی أمن الله وحرمه، عملٌ مخالف لکتاب الله وسنة رسوله صلى الله علیه وآله وسلم وإجماع الأمة، ویعتبر منکراً عظیماً واجراماً شنیعاً وإلحاداً فی حرم الله الذی قال الله فیه: (وَمَنْ یُرِدْ فِیهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِیمٍ) وقال سبحانه وتعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ یُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ وَسَعى فِی خَرابِها أُولئِکَ ما کانَ لَهُمْ أَنْ یَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِینَ لَهُمْ فِی الدُّنْیا خِزْیٌ وَلَهُمْ فِی الآْخِرَةِ عَذابٌ عَظِیمٌ)، وصحّ عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم أنه قال: (ان الله حرم مکة یوم خلق السماوات والأرض، فهی حرام بحرمة الله الى یوم القیامة وإنها لم تحلّ لأحد بعدی وإنما أحلّت لی ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها الیوم کحرمتها بالأمس فلیبلّغ الشاهدُ الغائبَ، متّفق علیه.. وهذه الطائفة تجرأت على مخالفة أمر الله وأمر رسوله وإجماع الأئمة، ولذلک سأل ولاة الأمور عن الحکم لمکافحة شر هؤلاء، فصدرت الفتوى الشرعیة بأن على ولی الأمر یقضی على فتنتهم باتّخاذ کافّة الوسائل ولو أدّى ذلک إلى مقاتلتهم إن لم یندفع شرهم الاّ بذلک، لقوله تعالى: (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى یُقاتِلُوکُمْ فِیهِ فَإِنْ قاتَلُوکُمْ فَاقْتُلُوهُمْ کَذلِکَ جَزاءُ الْکافِرِینَ) وهذه الآیة وإن کانت نازلة فی الکفار فإن حکمها شامل لهم ولغیرهم ممّن فعل فعلتهم فاستحلّ القتال فی الحرم، بإجماع العلماء ولقول الرسول صلى الله علیه وآله وسلم : (من أتاکم وأمرکم جمیع على رجل واحد یرید أن یشقّ عصاکم فاضربوا عُنقه کائناً من کان).
وهذا حکم من یدّعی أنه المهدی وغیره، وهذه الطائفة أرادت شقّ عصا المسلمین وتفریق کلمتهم والخروج على إمامهم، فدخلت فی عموم الحدیث وغیره من النصوص الشرعیة الدالّة على معناه، وولاة الأمور وفّقهم الله لکل خیر مشکورین على ما قاموا به من جهد لاخماد هذه الفتنة والقضاء علیها، فنسأل الله أن یعزّ بهم الإسلام والمسلمین وأن یوفّقهم لما فیه صلاح البلاد والعباد إنه سمیع مجیب وصلى الله على سیدنا محمّد وآله وصحبه وسلم.(7)
وقد وقع على هذه الفتوى 27 عالماً على رأسهم عبد العزیز بن باز.(8)
ومن الواضح أن نصّ الفتوى الأخیرة یختلف عن الفتاوى السابقة بترکیزه على الاستشهاد بالکتاب والحدیث على إدانة المتمردین، وبذلک نلحظ طغیان الطابع الفقهی فیها على خلاف غیرها مما شابه القرارات التی تصدرها المحاکم الرسمیة.
والذی یدقق فی هذه الفتوى یجد أنها وضعت بعد انتهاء الحادث والقضاء على التمرد، فی حین أنها یجب أن تکون قد صدرت قبل تحرک القوات لسحق المعتصمین فی الحرم.
وهذه الوثائق الفتوائیة الثلاث بمختلف اللهجات التی صدرت بها تعکس مجموعة تواترات کانت تتجاذب الحکومة التی تحاول فرض سیطرتها على نوع الفتوى على وفق ما یتناسب مع سیاساتها من جهة، وطبقة الفقهاء التی تحاول بدورها أن تخلق مجتمعاً مفتهیاً یعتمد فی جمیع تصرفاته الکلیة والجزئیة الشخصیة والعامة على الفتوى من جهة أخرى، ولکن هذه الطبقة بطبیعة الحال تدرک أن مصیر الخط الوهابی الذی تعتنقه ومستقبله یرتبط بمصیر ومستقبل آل سعود فی حکم البلاد، فإن سقط آل سعود سقطت الوهابیة وسقطوا هم بالتالی من وراءها، ومن ثم فإن طبقة الفقهاء لا خیار أمامها للتصدی لإرادة الحکومة، وبالتالی فإنها لابد أن تسیر فی رکاب السلطان شأنها شأن أسلافها فی ذلک.
ونتیجة لإذعان الفقهاء الکبار المستمر للخط الحکومی حتّى أصبحت المصادقة على قرارات الملک أمراً لابد منه للحفاظ على مکانة الفقیه ومرکزه حین أصبح موظفاً فی مؤسسات الدولة. أقول: نتیجة لذلک وُلد تیار شبابی من طلبة العلوم الدینیة یناهض طریقة الکبار فی التعامل مع الدولة، ویتحدث أحد علمائهم عن هذه الظاهرة قائلاً: (.. فجماعة جهیمان فی أصلها کانت تسیر سیراً حمیداً، فهم تلامیذ لکبار علماء المملکة المشهود لهم بالسلفیة، فکانوا حفّاظاً ونساکاً ودعاة ومحل تزکیة من العلماء وولاة الأمور، هکذا کانوا فی بدایتهم إلى أن حدث اختراق لهؤلاء من قبل الجماعات التکفیریة المصریة والتی فرت من مصر فی أواسط وبدایة السبعینات المیلادیة، وکانت المملکة السعودیة فی بدایة نهضتها العمرانیة والبلاد شبه مفتوحة ولا قیود على إقامات أو غیرها، فمن هنا ظهر فی صفوف هؤلاء دعاوى التفسیق والتکفیر ومنابذة ولاة الأمور، والذی بدأ بالطعن فی العلماء الراسخین فی العلم، فزهد هؤلاء الشباب فی دروس العلماء، وبدأوا یتجهون إلى توجیه أنفسهم وهم أحداث أغرار، فکان ما کان من تأویلاتهم الباطلة بشأن المهدی المنتظر وحمل السلاح وسفک الدماء حول الکعبة فی سابقة خطیرة تعتبر أشد فتنة حدثت للأمة الإسلامیة فی العصر الحدیث).(9)
ومن الواضح أن هذا العالم لا یلقی باللوم على المنهج السلفی، وإنما یحاول أن یلقی باللائمة على فکر الاخوان المسلمین المصری الذی یعتبره دخیلاً على السلفیة السعودیة، وبالتالی یعتبره من عوامل التخریب والهدم الفکری، وقد فاته أن فکر الاخوان لم یکن لیؤثر فی عقول الشباب المتعلم والمثقف ثقافة دینیة جامعیة رصینة، لو لا أن هذه الثقافة بما تحمله من عوامل التعصب من الهشاشة والضعف بحیث لم تستطع الصمود أمام الفکر الاخوانی الدخیل الذی یمتاز عن السلفیة السعودیة بأنه یرفض الرضوخ لسیاسة الحاکم، ویسعى إلى تأسیس دولة إسلامیة یمرّر من خلال سیاستها الفکر التکفیری المقیت.

موقف الصحافة من الحرکة:

عکس موقف الصحافة السعودیة والعربیة من الحادث موقف الحکومة السعودیة، حیث حاولت الصحافة السعودیة والعربیة أن تدفع باتجاه خروج جماعة جهیمان العتیبی عن الفکر الوهابی المألوف وإلصاق ما جاؤوا به على أساس أنه مستقى من فکر الاخوان المصری تارة أو من الفکر الشیعی تارة أخرى،مع ملاحظة إجماع الاعلام المکتوب والمرئیّ والمسموع على إدانة هذا الحادث واستنکار التصرفات التی حصلت فی الحرم الشریف، ومما جاء فی هذه الصحف: قالت مجلة الاعتصام: کان أولى بهذه الطغمة المارقة ـ لو کان لها أدنى صلة بالاسلام ـ أن تتخذ لها موقعاً فی فلسطین أو فی ارتیریا أو فی أفغانستان أو الفلبین أو الیمن الجنوبیة أو تشاد أو تایلاند حیث تعلن حروب الابادة الشیوعیة والصلیبیة والبوذیة على الإسلام والمسلمین، أما أن تتخذ هذه الطغمة المارقة لنفسها موقعاً فی بیت الله الحرام الذی من دخله کان آمناً، فتروّع المسلمین وتحتبس الرهائن وتعطّل شعائر الله، فإن مثل هذا العمل لا یلیق بالصبیة العبثة المغامرین. إن النفوس المهینة التی کانت لها وما زالت مواقف فی الشماتة للنظام السعودی هی أهون لدى المسلمین الصادقین من أن یعبأ بها أو یقام لها وزن، وبیت الله الحرام بعد ذلک لیس ملکاً للسعودیة التی أدت واجبها بعقل وحکمة.
وفی مقال آخر تقول: حادثة احتلال الحرم مریبة ومشبوهة وقامت من أجل الدنیا لا من أجل الدین، القوى المعادیة للإسلام وراء اقتحام الحرم.. فی إحکام المؤامرة الخبیثة الحاقدة.. إن هذه المؤامرة لم تنته بعد.. ولکن ما زال هناک بعض الأذیال فی المنطقة یعملون على تقسیم الدولة هناک إلى منطقة نجد ومنطقة الحجاز.. ولا زال لأعداء الإسلام صنائع وعملاء، فعلى المسؤولین السعودیین أن یکونوا یقظین لهؤلاء المترصدین.(10)
وکتبت صحیفة عکاظ تقول تحت عنوان تأملات فی الحادث: (هذا الحادث جزء من المخطط العالمی للقضاء على الدعوة الإسلامیة بإضعاف المسلمین بضرب بعضهم البعض، وبالتأثیر على بعض ذوی النفوس المریضة باقناعهم بشعارات ودعوات زائفة بهدف التأثیر على الغیر. ویتساءل کاتب المقال: هل لجماعة الاخوان المسلمین ـ وقد ضُربت فی مصر والسودان والآن فی سوریا ـ علاقة بمثل هذه الجماعة التی احتلّت الحرم. بعد أن رأى القائمون علیها أن تتحول إلى جمعیات دینیة ذات طابع سری لتکون أکثر انتشاراً وتغلغلاً فی العقول البسیطة دون أن تدری.(11)
وصدرت صحیفة السیاسة الکویتیة بمانشیت عریض یقول: (المعتدون على الحرم من الاخوان المسلمین)،(12) ثم اتّهمت صحیفة الرأی العام جماعة التکفیر والهجرة بالوقوف وراء الحادث، مشیرة إلى أن الجماعة أحد فصائل الاخوان المسلمین بمصر.(13)
أما الصحف المصریة فقد اتّهمت إیران وروسیا ولیبیا والیمن الجنوبی، فذکرت صحیفة الاهرام أن هناک احتمالین: أحدهما أن تکون الجماعة من أنصار الإمام الخمینی قدس سره، والآخر أن العملیة ربما کانت بتدبیر عناصر شیعیة متعاطفة مع الخمینی.(14) واتهمت صحیفة الجمهوریة نقلاً عن مصادر أجنبیة کلاً من لیبیا وروسیا وعدن بالتخطیط للحادث،(15) وقد تبنت الصحف المصریة هذا الموقف لأن السادات کان فی حالة عداء مع السعودیة فی تلک الفترة، ومن ثم فقد وجهت اتهاماتها لخصومه المعارضین لسیاسته تجاه اسرائیل.(16)
وعلى الأرجح أن المهدی السعودی الجدید (جهیمان العتیبی) کان معارضاً سیاسیاً استخدم فکرة المهدی بهدف احتلال الحرم الشریف، وسواء کان متأثراً بغیره کالاخوان المسلمین أو لم یکن متأثراً، فهو یمثل الوجه الحقیقی لنظام وهّابی وفکر سلفی متطرّف حاول إدانة سیاسة دولته التی تذرّعت بالفقهاء فی تمشیة أمورها، هؤلاء الفقهاء الذین أفتوا دون تردد بوجوب قتل اتباعه على أنهم مفسدون فی الأرض ومنتهکون لحرمة الحرم فی الشهر الحرام وفی البلد الحرام.
 

المصادر :
1- محمود لطفی عامر، قصة جهیمان: 3ـ6.
2- تاریخ بغداد: 1/ 370.
3- أسقط محمّد علی باشا الدولة السعودیة الأولى بغزوه جزیرة العرب، وقامت الدولة السعودیة الثانیة بالتحالف بین ابن سعود وعلماء الوهابیة والاخوان الذین تخلص منهم ابن سعود بعد ذلک ثم حصر سلطة علماء الوهابیة فی مجال الفتوى والارشاد، وقبض هو على زمام الأمور وأعلنها ملکیة: ناصر السعید، تاریخ آل سعود: 1/ 143ـ 145.
4- جهیمان العتیبی، اختصار رسالة الامر بالمعروف والنهی عن المنکر لابن تیمیة: 25.
5- القحطانی، زلزال جهیمان فی مکة، طبع لندن: 48.
6- القحطانی، زلزال جهیمان فی مکة، طبع لندن: 50.
7- القحطانی، زلزال جهیمان فی مکة، طبع لندن: 59.
8- القحطانی، زلزال جهیمان فی مکة، طبع لندن: 60.
9- محمود لطفی عامر، القصة: 15.
10- مجلة الاعتصام: عدد محرم 1400 هـ/ دیسمبر 1979م.
11- صحیفة عکاظ/ العدد 26/ 11/ 1979م.
12- السیاسة الکویتیة: عدد 27/11/1979م.
13- الرای العام: عدد 27/11/ 1979م.
14- الاهرام: عدد 22/11/1979م.
15- الجمهوریة: العدد 25/12/1979 وقد ذکرت الجمهوریة فی عدد سابق بتاریخ 22/11/ أن المسلمین الذین اقتحموا البیت الحرام ینتمون إلى زمرة خارجة عن الدین الاسلامی منشقة عن طائفة الشیعة.
16- ادلى السادات فی وقتها بخطاب حول حادث الحرم هاجم فیه العائلة السعودیة وذلک بتاریخ 28/1/ 1980م وکان مما قاله فیه: (السعودیة والعائلة السعودیة فی محنة أرجو الا تنقل العائلة السعودیة محنتها إلى الخلیج وإلى الأمة العربیة...).




 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.