الإمبراطوریة البیزنطیة

الإمبراطوریة البیزنطیة أو بیزنطة - وکانوا یعتبرون أنفسهم الروم وسمتهم کذلک أیضا الشعوب المحیطة - کانت الإمبراطوریة الرومانیة الشرقیة امتدادًا من العصور القدیمة المتأخرة وحتى العصور الوسطى وتمرکزت فی العاصمة القسطنطینیة.
Friday, November 1, 2013
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
الإمبراطوریة البیزنطیة
الإمبراطوریة البیزنطیة

 





 

الإمبراطوریة البیزنطیة أو بیزنطة - وکانوا یعتبرون أنفسهم الروم وسمتهم کذلک أیضا الشعوب المحیطة - کانت الإمبراطوریة الرومانیة الشرقیة امتدادًا من العصور القدیمة المتأخرة وحتى العصور الوسطى وتمرکزت فی العاصمة القسطنطینیة. عرفها سکانها وجیرانها باسم الإمبراطوریة الرومانیة وکانت استمرارًا مباشرًا للدولة الرومانیة القدیمة وحافظت على تقالید الدولة الرومانیة. یجری التمییز الیوم بین بیزنطة وروما القدیمة من حیث توجه الأولى نحو الثقافة الیونانیة وتمیزها بالمسیحیة بدلًا من الوثنیة الرومانیة وکان سکانها فی الغالب یتحدثون اللغة الیونانیة بدلًا من اللاتینیة.
الإمبراطوریة البیزنطیة

الإمبراطوریة فی أقصى اتساعها فی عهد جستنیان عام 550

بما أن التمییز بین الإمبراطوریة الرومانیة والإمبراطوریة البیزنطیة حدیث إلى حد کبیر، فلیس من الممکن تحدید تاریخ الفصل بینهما، ولکن النقطة المهمة کانت نقل الإمبراطور قسطنطین الأول العاصمة فی 324 من نیقومیدیا (فی الأناضول) إلى بیزنطة على البوسفور والتی أصبحت القسطنطینیة أی "مدینة قسنطین" (أو "روما الجدیدة" أحیانًا). قسمت الإمبراطوریة الرومانیة أخیرًا فی 395 م بعد وفاة الإمبراطور ثیودوسیوس الأول (حکم 379-395)، وبالتالی هذا التاریخ مهم جدًا حیث یعتبر بدایة الإمبراطوریة البیزنطیة (أو الإمبراطوریة الرومانیة الشرقیة) وفصلها تمامًا عن الغربیة. یبدأ الانتقال إلى التاریخ البیزنطی الخاص أخیرًا فی عهد الإمبراطور هرقل (حکم 610-641)، حیث أسس هرقل على نحو فعال دولة جدیدة بعد إصلاح الجیش والإدارة من خلال إنشاء الثیمات وبتغییر اللغة الرسمیة للإمبراطوریة من اللاتینیة إلى الیونانیة.
عاشت الإمبراطوریة البیزنطیة لأکثر من ألف سنة، منذ القرن الرابع وحتى 1453. خلال الجزء الأکبر من وجودها، کانت واحدة من أقوى القوى الاقتصادیة والثقافیة والعسکریة فی أوروبا على الرغم من النکسات وفقدان الأراضی وخصوصًا خلال الحروب الرومانیة الفارسیة والبیزنطیة العربیة. تعافت الإمبراطوریة تحت حکم السلالة المقدونیة وصعدت مرة أخرى لتصبح قوة بارزة فی شرق البحر الأبیض المتوسط بحلول أواخر القرن العاشر لتنافس الخلافة الفاطمیة.
بعد 1071، بدأت الإمبراطوریة تفقد کثیرًا من آسیا الصغرى معقل الإمبراطوریة لصالح السلاجقة الأتراک. استعاد الکومنینیون بعض الأرض وفرضوا هیمنتهم لفترة وجیزة فی القرن الثانی عشر ولکن بعد وفاة الإمبراطور أندرونیکوس الأول کومنینوس (حکم 1183-1185) ونهایة سلالة الکومنینیین فی أواخر القرن الثانی عشر تراجعت الإمبراطوریة مرة أخرى. تلقت الإمبراطوریة ضربة قاصمة عام 1204 خلال الحملة الصلیبیة الرابعة عندما حلت وانقسمت إلى کیانین متنافسین بیزنطی یونانی ولاتینی.
على الرغم من استعادة القسطنطینیة فی نهایة المطاف، وإعادة إرساء الإمبراطوریة فی 1261 تحت حکم الأباطرة البالیولوج، ظلت بیزنطة واحدة فقط من بین عدة دول متنافسة فی المنطقة على مدى السنوات المائتین الأخیرة من وجودها. ومع ذلک، کانت هذه الفترة الزمنیة الأکثر إنتاجًا ثقافیًا فی تاریخ الإمبراطوریة.
أدت الحروب الأهلیة المتعاقبة فی القرن الرابع عشر إلى استنزاف المزید من قوة الإمبراطوریة، وفقدت معظم أراضیها المتبقیة فی الحروب البیزنطیة العثمانیة، والتی بلغت ذروتها فی سقوط القسطنطینیة والاستیلاء على الأراضی المتبقیة من قبل الدولة العثمانیة فی القرن الخامس عشر.

أصل التسمیة

ظهرت تسمیة الإمبراطوریة بالبیزنطیة فی أوروبا الغربیة فی 1557 عندما نشر المؤرخ الألمانی هیرونیموس فولف کتابه کوربوس هستوریا بیزنتیا وهو مجموعة من المصادر التاریخیة. یأتی المصطلح یأتی من بیزنتیوم وهو اسم القسطنطینیة قبل أن تصبح عاصمة قسطنطین الأول. نادرًا ما استخدم هذا الاسم من تلک النقطة فصاعدًا إلا فی السیاقات التاریخیة أو الشعریة. أشاع نشر بیزنتین دو لوفر (کوربوس سکریبتوروم هستوریا بیزنتیا) عام 1648 ونشر شارل دو کانج لکتابه هستوریا بیزنتینا استخدام مفردة بیزنطی بین المؤلفین الفرنسیین مثل مونتسکیو. اختفى المصطلح حتى القرن التاسع عشر عندما استخدم على نطاق واسع فی العالم الغربی. قبل هذا الوقت، کانت تستخدم تسمیة الیونانیة للدلالة على الإمبراطوریة وأحفادها فی إطار الدولة العثمانیة.
عرفت الإمبراطوریة البیزنطیة لسکانها الإمبراطوریة الرومانیة أو إمبراطوریة الرومان (باللاتینیة: Imperium Romanum أو Imperium Romanorum) أو رومانیا أو الجمهوریة الرومانیة وأیضًا رومایس على الرغم من الطابع متعدد الأعراق للإمبراطوریة البیزنطیة خلال معظم تاریخها، فإنها حافظت على التقالید الرومانیة الهیلینستیة، وعرفها معاصروها الغربیون والشمالیون بعنصرها الیونانی السائد. استخدم أحیانًا لقب إمبراطوریة الیونان فی الغرب للإشارة إلى الإمبراطوریة الرومانیة الشرقیة وسمی الإمبراطور البیزنطی إمبراطور الیونان وذلک لتمییزها عن هیبة الإمبراطوریة الرومانیة فی الممالک الغربیة الجدیدة. خضعت سلطة الإمبراطور البیزنطی کوریث شرعی للإمبراطور الرومانی للتحدی عندما توج شارلمان من قبل البابا لیون الثالث فی العام 800 م. حیث أن البابا لیون الثالث احتاج دعم شارلمان فی نزاعه ضد أعدائه فی روما فاستغل لیون غیاب وریث ذکر لعرش روما حینها لیعلن شغوره وبالتالی أنه یمکنه تتویج إمبراطور جدید بنفسه.
لم یوجد مثل هذا التمییز فی العوالم الإسلامیة والفارسیة والسلافیة، حیث اعتبرت الإمبراطوریة استمرارًا للإمبراطوریة الرومانیة. فی العالم الإسلامی أطلق علیهم اسم الروم.
فی الأعمال التاریخیة الحدیثة، عادة ما تسمى الإمبراطوریة بالإمبراطوریة الرومانیة الشرقیة فی سیاق الفترة 395-610، أی قبل عهد الإمبراطور هرقل الذی غیر اللغة الرسمیة من اللاتینیة إلى اللغة الیونانیة (وهی لغة أغلبیة السکان). فی السیاقات بعد 610، یستخدم مصطلح الإمبراطوریة البیزنطیة بصورة أکبر.

التاریخ

التاریخ المبکر للإمبراطوریة الرومانیة

نجح الجیش الرومانی فی السیطرة على أراض واسعة تمتد على اتساع المتوسط وجزء کبیر من أوروبا الغربیة. ضمت هذه الأراضی العدید من المجموعات الثقافیة المختلفة، متراوحة بین البدائیة إلى المتطورة. بصفة عامة، کانت مقاطعات شرق البحر الأبیض المتوسط أکثر تحضرًا وتطورًا اجتماعیًا، حیث سبق لها أن خضعت للإمبراطوریة المقدونیة وخضعا للثقافة الهلنستیة. فی المقابل، کانت المناطق الغربیة لا تزال فی معظمها غیر موحدة تحت سلطة واحدة ثقافیة أو سیاسیة، وکانت لا تزال إلى حد کبیر ریفیة وأقل نموًا. استمر هذا التمییز بین الشرق الهیلنستی والغرب اللاتینی الیافع وأصبح ذا أهمیة متزایدة فی القرون اللاحقة.

تقسیم الإمبراطوریة الرومانیة

خلق دقلدیانوس نظامًا إداریًا جدیدًا فی عام 293 عرف باسم الحکم الرباعی. حیث یوجد إلى جانب الإمبراطور مساعد أو أغسطس. کما استعان کل أغسطس بزمیل یافع منح لقب قیصر لیشارکه فی الحکم ویخلفه فی نهایة الأمر. بعد تنازل دقلدیانوس وماکسیمیان انهار الحکم الرباعی واستبدله قسطنطین الأول بمبدأ الخلافة الوراثیة.
الإمبراطوریة البیزنطیة

اتساع أراضی الإمبراطوریة.

نقل قسطنطین مقر الإمبراطوریة وأدخل تغییرات هامة فی دستورها المدنی والدینی. فی 330، أسس القسطنطینیة باعتبارها روما الثانیة على موقع بیزنطة والتی کانت فی مرکز جید على مفترق طرق التجارة بین الشرق والغرب.
بنى قسطنطین على الإصلاحات الإداریة التی أدخلها دقلدیانوس. استقرت العملة وأجرى تغییرات على بنیة الجیش. تعافت الإمبراطوریة تحت حکم قسطنطین واستعادت الکثیر من قوتها العسکریة وتمتعت بفترة من الاستقرار والازدهار.
الإمبراطوریة البیزنطیة
تعمید قسطنطین بریشة تلامیذ رفائیل (1520–1524 الفاتیکان فی القصر الرسولی). ذکر یوسابیوس القیصری أن عادة الملوک معتنقی المسیحیة حینها کانت أن یؤخروا تعمیدهم حتى وقت قصیر من وفاتهم.
لم تکن المسیحیة الدیانة الحصریة للدولة تحت حکم قسطنطین، ولکنها تمتعت بالأفضلیة الإمبراطوریة، وذلک لأن الإمبراطور دعمها بامتیازات سخیة. أسس قسطنطین مبدأ أن الأباطرة لا ینبغی لهم تسویة مسائل العقیدة، ولکن یجب استدعاء المجالس الکنسیة العامة لهذا الغرض. عقد قسطنطین مجمع آرل المسکونی والمجلس الأول فی نیقیا حیث عرض دعواه أن یکون رأس الکنیسة.
یمکن وصف حالة الإمبراطوریة فی 395 أنها نتیجة أعمال قسطنطین. اعتمد مبدأ التوریث بقوة حتى أنه عند وفاة الإمبراطور ثیودوسیوس الأول فی ذلک العام، انتقلت المملکة إلى أبناءه: أرکادیوس فی الشرق وهونوریوس فی الغرب. کان الإمبراطور ثیودوسیوس آخر من حکم الإمبراطوریة غیر مقسمة.
نجت الإمبراطوریة الشرقیة إلى حد کبیر من الصعوبات التی واجهتها الغربیة فی القرنین الثالث والرابع، ویرجع ذلک فی جزء منه إلى ثقافة حضریة أکثر رسوخًا، والمزید من الموارد المالیة التی جذبت الغزاة مع مرتزقتهم. بینما حصن ثیودوسیوس الثانی القسطنطینیة بالأسوار المنیعة ضد معظم الهجمات. لم تخرق تلک الجدران حتى 1204. دفع ثیودوسیوس لرد الهون جزیة (نحو 300 کغ من الذهب).
الإمبراطوریة البیزنطیة

الإمبراطوریة الرومانیة الشرقیة عام 500.

رفض خلیفته مارقیان استمرار فی دفع هذا المبلغ الباهظ. ولحسن الحظ کان أتیلا قد حول انتباهه بالفعل نحو الإمبراطوریة الرومانیة الغربیة، بعد وفاته فی 453 انهارت إمبراطوریة الهون؛ استأجرت القسطنطینیة من تبقى من الهون فی کثیر من الأحیان کمرتزقة فی خدمتها.
بعد سقوط أتیلا، تمتعت الإمبراطوریة الشرقیة بفترة من السلام، بینما انهارت الإمبراطوریة الرومانیة الغربیة (التأریخ عادة 476 م عندما خلع القائد العسکری الجرمانی الرومانی أودواکر الإمبراطور الغربی الاسمی رومولوس أوغستولوس).
تفاوض الإمبراطور زینون مع القوط الشرقیین لاسترداد إیطالیا والذین کانوا قد استقروا فی مویسیا. أرسل الإمبراطور الملک القوطی ثیودوریک إلى إیطالیا بصفته ("القائد العام لإیطالیا") لإسقاط أودواکر. من خلال حثه ثیودوریک لغزو إیطالیا، خلص زینون الإمبراطوریة الشرقیة من خطرهم وحصل على الأقل على سیطرة اسمیة على إیطالیا. بعد هزیمة أودواکر فی 493، حکم ثیودوریک إیطالیا بنفسه.
اعتلى أناستاسیوس الأول عرش الإمبراطوریة فی 491 م وهو ضابط مدنی مسن من أصل رومانی، لکنه انتظر حتى عام 498 لتنظم قواته مقاومة فی إیسوریا. تمیز أنسطاسیوس بکونه إصلاحیًا نشطًا ومدیرًا قادرًا حیث حسن نظام صک العملة الذی أتى به قسطنطین الأول عندما ثبت الوزن النهائی للفولیس النحاسی وهی العملة المستخدمة فی معظم المعاملات الیومیة. کما أصلح النظام الضریبی حیث احتوت خزینة الدولة عند وفاته 145,150 کیلوغرامًا من الذهب عند وفاته فی 518.

إعادة غزو المقاطعات الغربیة

أشرف جستنیان الأول الذی تولى العرش فی 527 على فترة من إعادة السیطرة على المقاطعات السابقة. قد یکون جستنیان وهو ابن لفلاح إیلیری قد مارس نوعًا من السلطة خلال عهد عمه جستین الأول (518-527).فی 532، وفی محاولة لتأمین حدوده الشرقیة، وقع جستنیان معاهدة سلام مع کسرى الأول الفارسی ووافق على دفع جزیة سنویة کبیرة للساسانیین. فی العام نفسه، نجا جستنیان من تمرد فی القسطنطینیة (ثورة نیکا) والتی انتهت بمقتل 30-35 ألفًا من مثیری الشغب بناء على أوامره. عزز ذلک النصر من قوة جستنیان. أرسل البابا أغابیتس الأول إلى القسطنطینیة من قبل ملک القوط الشرقیین ثیوداهاد ولکنه فشل فی مهمته توقیع سلام مع جستنیان. مع ذلک، نجح فی إزالة البطریرک المونوفیزی أنتیمون الأول من القسطنطینیة على الرغم من دعم الإمبراطورة ثیودورا له.
بدأت الفتوحات الغربیة فی عام 533، عندما أرسل جستنیان القائد بیلیساریوس لاستعادة إقلیم إفریقیة السابق من الفاندال الذین کانوا قد سیطروا علیه منذ 429 وکانت عاصمته قرطاجة. نجح بیلیساریوس فی ذلک بسهولة عجیبة، لکنه لم یستطع إخضاع القبائل الکبرى المحلیة حتى 548. فی إیطالیا القوطیة الشرقیة، أدت وفاة ثیودوریک العظیم وابن أخیه ووریثه أثالاریک وابنته أمالاسونثا إلى وصول قاتلها ثیوداهاد إلى العرش على الرغم من ضعف سلطته. نجحت حملة بیزنطیة فی 535 على صقلیة بسهولة فی استعادة الجزیرة، ولکن سرعان ما شدد القوط من مقاومتهم ولم یأت النصر حتى 540 عندما استولى بیلیساریوس على رافینا بعد حصارین ناجحین على نابولی وروما.
الإمبراطوریة البیزنطیة

یظهر التوسع البیزنطی فی عهد جستنیان باللون البنفسجی.

اتحد القوط الشرقیون تحت قیادة الملک توتیلا وسیطروا على روما فی 17 دیسمبر 546. استدعى جستنیان بیلیساریوس إلى القسطنطینیة فی نهایة المطاف فی بدایات 549 من رافینا. بینما کان وصول الخصی الأرمنی نارسیس إلى إیطالیا (أواخر 551) على رأس جیش قوامه 35,000 رجل نقطة تحول أخرى لمملکة القوط. هزم توتیلا فی معرکة بوستا غالوروم کما هزم خلیفته تیا فی معرکة مونس لاکتاریوس (أکتوبر 552). على الرغم من استمرار مقاومة الحامیات القوطیة القلیلة المتبقیة وغزوتین لاحقتین من قبل الفرنجة والألامانیین، إلا أن الحرب فی شبه الجزیرة الإیطالیة قد وصلت النهایة. فی 551، حاول أثاناغیلد وهو نبیل قوطی غربی من هسبانیا الحصول على مساعدة جستنیان فی تمرد ضد الملک، حیث أرسل الإمبراطور قوة بقیادة لیبیریوس القائد العسکری الناجح. احتفظت الإمبراطوریة بشریحة صغیرة من ساحل شبه الجزیرة الإیبیریة حتى عهد هرقل.
أما فی الشرق فاستمرت الحروب الفارسیة الرومانیة حتى 561 عندما وقع مبعوثو جستنیان وکسرى معاهدة سلام لمدة 50 عامًا. من منتصف عقد 550 کان جستنیان قد حقق انتصارات فی معظم الحروب مع استثناء ملحوظ فی منطقة البلقان، التی خضعت لتوغلات متکررة من السلاف. فی 559، واجهت الإمبراطوریة غزوًا کبیرًا من الکوتریغوریین والسکلافینیین. استدعى جستنیان بیلیساریوس من التقاعد وهزم التهدید الهونی الجدید. تسبب تعزیز أسطول الدانوب فی تراجع الکوتریغور الهون وموافقتهم على معاهدة وفرت لهم ممرًا آمنًا لیعودوا إلى وراء الدانوب.
فی 529، قامت لجنة من عشرة أشخاص ترأسها تریبونیان بتنقیح الدستور الرومانی القدیم وقدمت الدستور الجستنیانی الجدید وهو نسخة مختصرة من النصوص القانونیة السابقة. فی 534، تم تحدیث الدستور الجستنیانی وإعادة تنظیمه فی نظام قانونی استخدم فی بقیة العصر البیزنطی. کانت هذه الإصلاحات القانونیة إلى جانب التغییرات القانونیة العدیدة الأخرى تعرف باسم کوربوس جوریس سیفیلیس.
خلال القرن السادس، کانت الثقافة التقلیدیة الیونانیة الرومانیة لا تزال مؤثرة فی الإمبراطوریة الشرقیة ومن أعلامها البارزین الفیلسوف الطبیعی یوحنا فیلوبونوس. مع ذلک، کانت الفلسفة والثقافة المسیحیة سائدة وبدأت تحل محل الثقافة القدیمة. علمت التراتیل التی کتبها رومانوس المرنم تطور القداس الدینی فی حین أن المهندسین المعماریین والبنائین عملوا لاستکمال الکنیسة الجدیدة للحکمة المقدسة، آیا صوفیا، التی صممت لتحل محل کنیسة أقدم دمرت خلال ثورة نیکا. یعتبر ذلک الصرح الیوم أحد المعالم الرئیسیة فی تاریخ الهندسة المعماریة البیزنطیة. خلال القرنین السادس والسابع، ضربت الإمبراطوریة سلسلة من الأوبئة، والتی ذهبت بأرواح الکثیرین وأدت إلى تراجع اقتصادی کبیر وإضعاف الإمبراطوریة.
توفی جستنیان فی 565 لیخلفه جستن الثانی. فی غضون ذلک، غزا اللومبارد الجرمان إیطالیا وبحلول نهایة القرن کان ثلث إیطالیا فقط فی أیدی البیزنطیین. خلف جستن تیبریوس الثانی. على الرغم من أن جنرال تیبریوس موریس قد قاد حملة فعالة على الحدود الشرقیة، إلا أن الإعانات فشلت فی کبح الآفار. سقطت قلعة سیرمیوم البلقانیة بیدهم فی 582، فی حین شق السلاف طریقهم عبر نهر الدانوب. اعتلى موریس العرش بعد وفاة تیبریوس وتدخل فی الحرب الأهلیة الفارسیة ونصب کسرى الثانی الوریث الشرعی مرة أخرى على العرش وزوجه ابنته. جلبت معاهدة موریس مع صهره الجدید سیاسة الوضع الراهن فی الشرق، حیث تضخمت الإمبراطوریة شرقًا إلى حد لم یتحقق من قبل فی تاریخها عبر القرون الستة وکانت حمایتها أقل عبئًا أیضًا وفقًا للوضع الراهن، حیث وفرت الإمبراطوریة الملایین من الصولیدوس. بعد نصره على الحدود الشرقیة، رکز موریس على منطقة البلقان، وتمکن فی 602 بعد سلسلة من الحملات الناجحة من دفع الآفار والسلاف للعودة إلى ما وراء نهر الدانوب.
انکماش الحدود
السلالة الهرقلیة
استغل کسرى مقتل موریس على ید فوکاس لاحتلال مقاطعة ما بین النهرین الرومانیة. لم یحظ فوکاس بشعبیة ووصف دائمًا بالطاغیة فی المصادر البیزنطیة وکان هدفًا لعدد من المؤامرات فی مجلس الشیوخ. أطیح به فی نهایة المطاف فی عام 610 من قبل هرقل، الذی أبحر إلى القسطنطینیة من قرطاج مع رمز علق على مقدمة سفینته.بعد استلام هرقل، تقدم الساسانیون فی عمق آسیا الصغرى، واحتلوا دمشق والقدس ونقلوا الصلیب إلى المدائن. اتخذ الهجوم المضاد الذی قام به هرقل طابع الحرب المقدسة، حیث حمل معه صورة للمسیح کرایة عسکریة. (وبالمثل، عندما نجت القسطنطینیة من حصار آفاری عام 626، عزی النصر إلى رمز العذراء الذی قاده موکب البطریرک سرجیوس حول أسوار المدینة).دمرت القوة الساسانیة الرئیسیة فی نینوى فی 627 واستعاد هرقل فی 629 الصلیب الحقیقی إلى القدس فی احتفال مهیب. استنفدت الحرب قوى الإمبراطوریتین البیزنطیة والساسانیة، وترکتهم عرضة للقوات العربیة المسلمة التی ظهرت فی السنوات التالیة. عانى الرومان من هزیمة ساحقة من قبل العرب فی معرکة الیرموک عام 636 وفیما سقطت المدائن عاصمة الإمبراطوریة الساسانیة بید العرب فی عام 634.
الإمبراطوریة البیزنطیة

الإمبراطوریة البیزنطیة 650، بحلول هذه السنة کانت قد فقدت کامل مقاطعاتها الجنوبیة عدا مقاطعة قرطاج.


أحکم العرب سیطرتهم على سوریا وبلاد الشام، وأرسلوا غزوات متواصلة فی عمق الأناضول، وفرضوا الحصار على القسطنطینیة نفسها بین 674-678. صد البیزنطیون أخیرًا الأسطول العربی باستخدام النار الیونانیة، ووقعت هدنة لثلاثین عامًا بین الإمبراطوریة والخلافة الأمویة. استمرت الغارات فی الأناضول بلا هوادة مما أدى إلى تراجع الثقافة الحضریة الکلاسیکیة حیث انسحب سکان العدید من المدن إلى أماکن أصغر محصنة ضمن أسوار المدینة القدیمة أو انتقلوا إلى الحصون المجاورة. کما تراجعت القسطنطینیة بشکل کبیر من نحو نصف ملیون ساکن إلى 40,000-70,000 فقط، کما فقدت المدینة شحنات الحبوب المجانیة فی 618 بعد أن فقدت مصر لصالح الإمبراطوریة الساسانیة (واستعادتها عام 629، لکنها خسرتها لصالح العرب فی 642). شغل الفراغ الذی ترکه اختفاء المؤسسات المدنیة شبه ذاتیة الحکم نظام الثیمات والذی انطوى على تقسیم الأناضول إلى "مقاطعات" تحتلها جیوش معینة تتولى السلطة المدنیة وتتبع مباشرة للإدارة الإمبراطوریة. قد یکون لهذا النظام جذوره فی بعض التدابیر التی اتخذها هرقل، ولکن على مدار القرن السابع تطور إلى نظام جدید تمامًا من الحکم الإمبراطوری.
فتح انسحاب أعداد کبیرة من الجنود من البلقان لقتال الفرس ومن ثم العرب فی الشرق الباب أمام توسع الشعوب السلافیة جنوبًا فی شبه الجزیرة، وکما هو الحال فی الأناضول، انکمشت العدید من المدن إلى مستوطنات محصنة صغیرة. فی عقد 670، تقدم البلغار إلى الجنوب من نهر الدانوب مع وصول أفواج الخزر، وأرسلت القوات البیزنطیة عام 680 لتفریق هذه المستوطنات الجدیدة لکنها هزمت. فی العام التالی، وقع قسطنطین الرابع على معاهدة مع أسباروخ الخان البلغاری وضمت الدولة البلغاریة الجدیدة السیادة على عدد من القبائل السلافیة التی کانت فی السابق على الأقل اسمیًا تعترف بالحکم البیزنطی. فی 687-688، قاد الإمبراطور جستنیان الثانی رحلة استکشافیة ضد السلاف والبلغار وحقق مکاسب کبیرة، على الرغم من أن اضطراره للقتال وشق طریقه فی تراقیا ومقدونیا یدل على مدى تراجع القوة البیزنطیة فی شمال البلقان.
حاول آخر الأباطرة الهرقلیین، جستنیان الثانی، کسر قوة الطبقة الأرستقراطیة فی المناطق الحضریة من خلال فرض الضرائب الشدیدة وتعیین "الغرباء" فی وظائف إداریة. خلع من السلطة فی عام 695، واحتمى بدایة لدى الخزر ومن ثم لدى البلغار. فی 705، عاد إلى القسطنطینیة بجیوش الخان البلغاری ترفل حیث استعاد العرش، وفرض حقبة من الإرهاب ضد أعدائه. مع الاطاحة النهائیة به فی 711، بدعم من الطبقة الأرستقراطیة انتهت السلالة الهرقلیة.

السلالة الإیساوریة حتى صعود باسیل الأول

الإمبراطوریة البیزنطیة

الإمبراطوریة البیزنطیة عند اعتلاء لیو الثالث العرش تقریبًا 717.


المنطقة المظللة تعکس الأراضی ضمن نطاق الغارات العربیة.
صد لیو الثالث الإیساوری حصار المسلمین لهم فی 717-718 وحقق النصر بمساعدة خان البلغار ترفل والذی قتل جیشه 32,000 من العرب. کما جعل مهمته إعادة تنظیم وتعزیز ثیمات آسیا الصغرى. أحرز خلفه قسطنطین الخامس عدة انتصارات فی شمال سوریا کما قوض تمامًا قوة البلغار.
استغل العرب ضعف الإمبراطوریة بعد ثورة توماس الصقلبی فی بدایات العقد الثالث من القرن التاسع واستولوا على کریت وغزو صقلیة، ولکن فی 3 سبتمبر 863، أحرز الجنرال بتروناس نصرًا کبیرًا ضد عمر بن الأکتع أمیر ملطیة. برز خطر البلغار مجددًا تحت قیادة کروم خان البلغار ولکن فی 814 أبرم أومورتاغ نجل کروم سلامًا مع الإمبراطوریة البیزنطیة.
هیمن على القرنین الثامن والتاسع أیضًا الجدل والانقسام الدینی حول صراح الأیقونات. حظر لیو وقسنطین استخدام الأیقونات مما أدى إلى ثورات المؤیدین لاستخدامها فی جمیع أنحاء الإمبراطوریة. بناء على جهود الإمبراطورة إیرین عقد مجلس نیقیة الثانی فی 787، وأکد إمکانیة تبجیل الرموز ولکنها لا تعبد. کما سعت إیرین إلى التفاوض على تزویج نفسها لشارلمان ولکن وفقًا لتیوفان المعرّف، أحبط إیتیوس من ذوی الحظوة لدیها ذلک المخطط. فی 813، أعاد الإمبراطور لیو الخامس الأرمینی سیاسة الأیقونات ولکن فی 843 استعادت الإمبراطورة ثیودورا تبجیل الرموز بمساعدة من میثودیوس البطریرک. لعب الشرخ حول الرموز دوره فی تعمیق الانقسام بین الشرق والغرب، والذی تفاقم خلال الشقاق الفوتیانی، عندما تحدى البابا نیقولا الأول صعود فوتیوس إلى البطریرکیة.
السلالة المقدونیة والصعود
بلغت الإمبراطوریة البیزنطیة إحدى مراحل أوجها تحت حکم الأباطرة المقدونیین بین أواخر القرن التاسع إلى أوائل القرن الحادی عشر، عندما سیطرت فی البحر الأدریاتیکی وجنوب إیطالیا وجمیع أراضی القیصر صموئیل. توسعت مدن الإمبراطوریة وانتشر الرخاء فی جمیع أنحاء المقاطعات بسبب تحسن الوضع الأمنی. ارتفع عدد السکان وزاد الإنتاج وحفز الطلب على زیادة التجارة. ثقافیًا کان هناک نمو کبیر فی مجال التعلیم والتعلم ("عصر النهضة المقدونیة") وجرى الحفاظ على النصوص القدیمة وإعادة نسخها. کما ازدهر الفن البیزنطی وانتشرت الفسیفساء الرائعة فی تزیین العدید من الکنائس الجدیدة. کانت الإمبراطوریة الجدیدة أصغر بکثیر مما کانت علیه خلال عهد جستنیان، إلا أنها کانت أقوى حیث کانت الأراضی الخاضعة لها متقاربة جغرافیًا وأکثر اندماجًا سیاسیًا وثقافیًا.
الحروب ضد المسلمین

الإمبراطوریة البیزنطیة

الإمبراطوریة البیزنطیة قرب 867.


بحلول عام 867، کانت الإمبراطوریة البیزنطیة قد أعادت ترسیخ مکانتها فی الشرق والغرب، ومکنت کفائتها العسکریة الدفاعیة الأباطرة لبدء التخطیط لاستعادة الفتوحات فی الشرق.
بدأت تلک العملیة بحظوظ مختلفة. أعقب استعادة کریت المؤقتة (843) هزیمة بیزنطیة ساحقة على مضیق البوسفور، فی حین أن الأباطرة کانوا غیر قادرین على صد الفتح الإسلامی الجاری فی صقلیة (827-902). استخدم المسلمون تونس الحالیة قاعدة للانطلاق وغزو بالیرمو 831 ومیسینا فی 842 وإنا 859 وسرقوسة 878 وکاتانیا 900 وسقطت آخر معاقل البیزنطیین فی تاورمینا فی 902.
عکست هذه الانتکاسات التقدم فی نواح أخرى مثل الحملة على دمیاط فی مصر (856) وهزیمة أمیر ملاطیة (863)، وتأکید السلطة الإمبراطوریة على دالماسیا (867) وهجمات باسیل الأول على الفرات (عقد 870). خلافًا للوضع المتدهور فی صقلیة، عالج باسیل الوضع فی جنوب إیطالیا جیدًا بما فیه الکفایة وحافظ على ما تبقى فی أیدی البیزنطیین لقرنین قادمین.
فی 904، دخل المسلمون بسالونیک المدینة الإمبراطوریة الثانیة والتی غزاها أسطول عربی بقیادة القائد البیزنطی المنشق لیو من طرابلس. رد الجیش البیزنطی بتدمیر الأسطول العربی فی 908، وغزو مدینة اللاذقیة فی سوریا بعد ذلک بعامین. على الرغم من هذا الانتقام، لم یکن البیزنطیون قادرین على توجیه ضربة حاسمة ضد المسلمین، والذین ألحقوا هزیمة ساحقة بالقوة الإمبراطوریة عندما حاولوا استعادة کریت فی 911.
استمر الوضع على الحدود مع الأراضی العربیة متذبذبًا وتحول فیه البیزنطیون بین الهجوم والدفاع. شکل الفارنجیون الذین هاجموا القسطنطینیة لأول مرة فی 860 تحدیًا جدیدًا. فی 941، وسع الإمبراطوران الجندیان نقفور الثانی فوکاس (حکم 963-969) ویوحنا الأول تزیمیسکیس (969-976) الإمبراطوریة بشکل جید فی سوریا، وهزما أمراء شمال غربی العراق وأعادا احتلال جزیرتی کریت وقبرص. فی إحدى المراحل هدد جیوش الإمبراطور یوحنا القدس فی أقصى الجنوب. أصبحت إمارة حلب وجیرانها تابعین للإمبراطوریة فی شرق البلاد، حیث شکل الفاطمیون أکبر خطر على الإمبراطوریة. بعد العدید من الحملات، رد آخر تهدید عربی لبیزنطة عندما جمع باسیل الثانی جیشًا قوامه 40,000 لحمایة ممتلکاته فی سوریا. مع وجود فائض فی الموارد بسبب الانتصارات فی حملتی البلغار وسوریا، خططت باسیل الثانی لاحتلال صقلیة من العرب. بعد وفاته فی عام 1025، انطلقت الحملة فی عقد 1040 وحققت نجاحًا أولیًا ضعیفًا.
الحروب ضد البلغار
الإمبراطور باسیل الثانی (حکم 976–1025).
استمر النزاع التقلیدی مع کرسی روما خلال العهد المقدونی، وأثارته مسألة السیادة الدینیة على دولة بلغاریا المسیحیة الجدیدة. قام التسار البلغار القوی سیمیون الأول عام 894 بغزو بیزنطة منهیًا هدنة دامت ثمانین عامًا بین الطرفین، ولکن البیزنطیین نجحوا فی صده، حیث استخدموا أسطولهم لیبحر عبر البحر الأسود لمهاجمة البلغار من الخلف، کما استعانوا بالهنغاریین. إلا أن البیزنطیین هزموا فی معرکة بولغاروفیغون (896)، وأجبروا على دفع مساعدات سنویة للبلغار. توفی لیو الحکیم فی 912 وسرعان ما تجددت العداوات حیث زحف سیمیون على القسطنطینیة على رأس جیش کبیر. رغم أن جدران المدینة کانت منیعة جدًا، کانت الإدارة البیزنطیة مشتتة ووجهت الدعوة لسیمیون لدخول المدینة حیث منح التاج الإمبراطوری لبلغاریا وزوج إحدى بناته من الإمبراطور الیافع قسطنطین السابع. عندما أدى تمرد فی القسطنطینیة إلى إیقاف مشروع السلالة التی خطط لها، غزا تراسیا مجددًا وفتح أدریانوبولی. واجهت الإمبراطوریة حینها مشکلة وجود دولة مسیحیة قویة على بعد مسیر عدة أیام من القسطنطینیة بالإضافة إلى القتال على جبهتین.
أرسلت بعثة إمبراطوریة کبیرة تحت إمرة لیو فوکاس ورومانوس الأول لیکابینوس وانتهت مجددًا بهزیمة بیزنطیة مدویة فی معرکة أکیلوس (917)، کما کان للبغار لاحقًا ذلک العام نهب شمال الیونان بحریة. نهبت أدریانوبولی مرة أخرى فی 923 وفرض الجیش البلغاری الحصار على القسطنطینیة فی العام التالی. إلا أن سیمیون توفی فجأة فی 927 وانهارت القوة البلغاریة معه. أصبحت بلغاریا محمیة بیزنطیة وتحررت یدا الإمبراطوریة للترکیز على الجبهة الشرقیة ضد المسلمین. فی 968، تعرضت بلغاریا لغزو شعب روس تحت إمرة سفیاتوسلاف الأول من کییف، ولکن بعد ثلاث سنوات نجح یوحنا الأول تزیمیسکیس فی هزیمة شعب روس وأعاد ضم شرق بلغاریا إلى الإمبراطوریة البیزنطیة.

الإمبراطوریة البیزنطیة

الإمبراطوریة تحت حکم باسیل الثانی.


انتعشت المقاومة البلغاریة تحت حکم سلالة کومیتوبولی، ولکن الإمبراطور باسیل الثانی جعل من إخضاع البلغار مهمته الرئیسیة. کانت الحملة الأولى ضد بلغاریا رغم ذلک هزیمة مذلة على أبواب تراجان. فی السنوات القلیلة التالیة، انشغل الإمبراطور بالتمردات الداخلیة فی الأناضول، بینما وسع البلغار حکمهم على البلقان. استمرت الحرب لعشرین عامًا. کانت الانتصارات البیزنطیة فی سبیرکایوس وسکوبیه حاسمة فی إضعاف الجیش البلغاری، وفی حملات سنویة، نجح باسیل فی إضعاف الحصون البلغاریة. فی النهایة، فی معرکة کلیدیون فی 1014 سحق البلغار: أسر الجیش، وقیل أن 99 رجلًا من کل مائة قد أفقدوا أبصارهم، بینما أبقی على الرجل المائة بعین واحدة کی یقود الآخرین إلى بلادهم. عندما رأى التسار سامویل ما تبقى من جیشه العظیم، توفی من الصدمة. بحلول 1018، استسلمت آخر معاقل البلغار، وأصبحت البلاد جزءًا من الإمبراطوریة. أعاد هذا النصر الحدود إلى نهر الدانوب، والتی لم تکن کذلک منذ عهد الإمبراطور هرقل.
العلاقات مع روس کییف
بین عامی 850 و1100، طورت الإمبراطوریة علاقة مختلطة مع دولة کییف روس الجدیدة، والتی برزت إلى الشمال عبر البحر الأسود. کان لتلک العلاقة تأثیرات طویلة الأمد على تاریخ السلاف الشرقیین، وأصبحت الإمبراطوریة بسرعة الشریک التجاری والثقافی لکییف. أطلق شعب روس أول هجماتهم على القسطنطینیة فی عام 860، ونهبوا ضواحی المدینة. فی 941، ظهروا على الساحل الآسیوی من البوسفور ولکنهم سحقوا حینها، وهی دلالة على تطور الوضع العسکری البیزنطی بعد 907، عندما کانت الدبلوماسیة وحدها قادرة على صد الغزاة. لم یستطع باسیل الثانی تجاهل قوة روس کییف الصاعدة، واتبع مثل سابقیه حیث استخدم الدین لتحقیق المکاسب السیاسیة. أصبحت العلاقات البیزنطیة الکییفیة أقرب بعد زواج آنا بروفیروجینیتا بفلادیمیر العظیم فی 988، والتنصیر التالی لروس کییف. وجهت الدعوات للکهنة والفنانین والمعماریین البیزنطیین للعمل على العدید من الکاتدرائیات والکنائس مما وسع النفوذ الثقافی البیزنطی، بینما خدم العدید من شعب روس فی الجیش البیزنطی کمرتزقة، ومن أشهرهم الحرس الفارانجی. إلا أنه وبعد تنصیر الروس، لم تکن العلاقات ودیة دائمًا. کان أکثر النزاعات جدیة بین القوتین حرب 968-971 فی بلغاریا، ولکن سجلت العدید من غارات الروس على المدن البیزنطیة على ساحل البحر الأسود والقسطنطینیة ذاتها. رغم صد العدید منها، تبعتها عادة اتفاقیات کانت فی غالبها لصالح الروس، مثل تلک التی أنهت حرب 1043، والتی أظهر فیها الروس طموحاتهم فی منافسة البیزنطیین کقوة مستقلة.
الذروة
بحلول وفاة باسیل الثانی 1025، کانت الإمبراطوریة البیزنطیة تمتد من أرمینیا شرقًا إلى کالابریا فی جنوب إیطالیا غربًا.جرى تحقیق العدید من النجاحات من غزو بلغاریا، وضم أجزاء من جورجیا وأرمینیا، وإعادة غزو کریت وقبرص وأنطاکیة. لم تکن تلک مکاسب تکتیکیة مؤقتة وإنما فتوحات ذات مدى بعید.
أنجز لیو السادس نقل کامل القانون البیزنطی إلى الإغریقیة. أصبح هذا الإنجاز الباهر من 60 مجلدًا أساس القانون البیزنطی التالی ولا یزال یدرس حتى الآن. کما أعاد لیو تشکیل الإدارة فی الإمبراطوری، حیث أعاد رسم حدود الإدارات (الثیمات) ورتب نظام المراتب والأفضلیات، کما نظم أنشطة غرف التجارة المتعددة فی القسطنطینیة. ساهمت إصلاحات لیو جدًا فی تقلیل تشتت الإمبراطوری، والتی کان فیها مرکز قوة وحید حینها هو القسطنطینیة. إلا أن النجاح العسکری المستمر للإمبراطوریة أثری وقوى النبلاء فی المقاطعات مقارنة بالقرویین الذین تحولوا إلى نوع من القنانة.
تحت حکم الأباطرة المقدونیین، ازدهرت مدینة القسطنطینیة لتصبح أکبر وأغنى مدن أوروبا حیث تجاوز تعداد سکانها 400,000 شخص فی القرنین التاسع والعاشر. خلال تلک الفترة، وظفت الإمبراطوریة البیزنطیة خدمة مدنیة قویة یعمل بها أرستقراط کفؤین یشرفون على جمع الضرائب والإدارة المحلیة والسیاسة الخارجیة. کما عزز الأباطرة المقدونیون من ثراء الإمبراطوریة بروابط تجاریة مع أوروبا الغربیة وبالأخص عبر مبیعات الحریر والصناعات المعدنیة.
کما شمل العهد المقدونی أحداثًا ذات أهمیة دینیة. کان تنصیر البلغار والصرب والروس إلى المسیحیة الأرثوذکسیة بصفة دائمة قد غیر الخریطة الدینیة لأوروبا ولا یزال صداه حتى یومنا هذا. قام کیرلس ومیثودیوس وهما أخوان یونانیان بیزنطیان من ثیسالونیکی قد ساهما بشکل کبیر جدًا فی تنصیر السلافیین والعملیة التی طورت الأبجدیة الغلاغولیتیة، والتی هی سابقة کیریلیة. وصلت العلاقات بین التقالید الغربیة والشرقیة ضمن الکنیسة المسیحیة فی 1054 أزمة نهائیة، وعرفت باسم الانشقاق العظیم. رغم وجود إعلان رسمی بالفصل المؤسساتی، إلا أنه وفی 16 یولیو، عندما دخل ثلاثة مفوضین بابویین حاجیا صوفیا خلال طقس القربان المقدس الإلهی بعد ظهر یوم سبت ووضعوا ثور الحرمان على المذبح، کان الانشقاق العظیم نتیجة عقود من الانفصال التدریجی.
الأزمة والانقسام
سقطت الإمبراطوریة بعد ذلک فی فترة من الصعوبات، کان سببها لحد ما تقویض نظام الثیمات والإهمال العسکری. قام نقفور الثانی (حکم بین 963-969) ویوحنا تزیمیسکیس وباسیل الثانی بتغییر التقسیمات العسکریة من جیش مدنی دفاعی سریع التحرک إلى قوة محترفة جاهزة للحملات العسکریة مجهزة بالمرتزقة. إلا أن المرتزقة کانوا جنودًا مکلفین ومع تراجع تهدیدات الغزو فی القرن العاشر، تراجعت الحاجة للحفاظ على حامیات کبیرة والتحصینات المکلفة. ترک باسیل الثانی خزینة ممتلئة عند وفاته ولکنه أهمل مسألة الخلافة. لم یکن لدى أی من خلفائه المهارة العسکریة أو السیاسیة ووقع عبء إدارة الإمبراطوریة کلیًا على الخدمة المدنیة. لم ینجم عن محاولات إعادة إحیاء الاقتصاد البیزنطی سوى التضخم وفقدان العملة الذهبیة لقیمتها. أصبح الجیش عبئًا ثقیلًا غیر ضروری وخطرًا سیاسیًا. لذلک جرى صرف القوات المحلیة واستبدلت بقوات من المرتزقة فی عقود محددة.
ضم البیزنطیین للرها فی سوریا (1031) بقیادة جورج مانیاکیس، والهجوم العربی المضاد.
فی ذات الوقت، واجهت الإمبراطوریة عدوًا جدیدًا. واجهت المقاطعات فی جنوب إیطالیا النورمان الذی قدموا إلى إیطالیا فی بدایات القرن الحادی عشر. خلال فترة النزاع بین القسطنطینیة وروما التی انتهت بالانقسام بین الشرق والغرب، بدأ النورمان تقدمهم، ببطء ولکن بثبات، فی إیطالیا البیزنطیة. سقطت ریدجو عاصمة تاغما کالابریا عام 1060 بید روبرت جیسکارد وتبعتها أوترانتو فی 1068. خضعت باری وهی المعقل البیزنطی الرئیسی فی بولیا للحصار فی أغسطس 1068 وسقطت فی أبریل 1071. کما شهد البیزنطیون انهیار سیطرتهم على مدن الساحل الدلماسی لصالح بیتر کریشیمیر الرابع من کرواتیا (حکم 1058-1074/1075) فی 1069.
إلا أن أکبر الکوارث التی أصابت الإمبراطوریة جرت فی آسیا الصغرى. قام السلاجقة الأتراک بأول حملاتهم الاستکشافیة عبر الحدود البیزنطیة إلى أرمینیا فی 1065 وفی 1067. قدمت حالة الطوارئ هذه الدعم للأرستقراطیة العسکریة فی أناضولیا والتی أمنت فی 1068 انتخاب أحدها، رومانوس دیوجینیس، إمبراطورًا. فی صیف 1071، شن رومانوس حملة شرقیة ضخمة لدفع السلاجقة إلى اشتباک عام مع الجیش البیزنطی. فی ملاذکرد، لم یتلق رومانوس هزیمة مفاجئة على ید السلطان ألب أرسلان، وإنما سقط فی قبضة الأسر. عامله ألب أرسلان باحترام، ولم یفرض شروطًا ثقیلة على البیزنطیین. إلا أنه وفی القسطنطینیة، جرى انقلاب لصالح میخائیل دوقاس والذی عانى من معارضة نقفور برینیوس ونقفور بوتانیاتیس. بحلول 1081، وسع السلاجقة حکمهم عملیًا على کامل الهضبة الأناضولیة من أرمینیا شرقًا إلى بیثینیا غربًا وأسسوا عاصمتهم فی نیقیة، على بعد 90 کیلومترًا من القسطنطینیة.
السلالة الکومنینیة والصلیبیون
تعرف الفترة بین عامی 1081-1185 عادة باسم العهد الکومنینی، تیمنًا بالسلالة الکومنینیة. حکم الأباطرة الکومنینیون الخمسة (ألکسیوس الأول ویوحنا الثانی ومانویل الأول وألکسیوس الثانی وأندرونیکوس الأول) سویة 104 عامًا، مشرفین على استعادة ثابتة ولکن غیر کاملة للوضع العسکری والتوسعی والاقتصادی والسیاسی للإمبراطوریة البیزنطیة. رغم احتلال السلاجقة الأتراک للأناضول وهو قلب الإمبراطوریة، فإن أغلب الجهود العسکریة البیزنطیة قد وجهت ضد القوى الغربیة وبالأخص النورمان. لعبت الإمبراطوریة تحت حکم الکومنینیین دورًا هامًا فی الحروب الصلیبیة والتی ساهم ألکسیوس الأول فی تسهیل مهمتها، کما مارست الإمبراطوریة نفوذًا سیاسیًا وثقافیًا هائلًا على أوروبا والشرق الأدنى والأراضی المحیطة بالمتوسط فی عهدی یوحنا ومانویل. ازداد أیضًا الاتصال بین بیزنطة والغرب "اللاتینی"، بما فیها الدویلات الصلیبیة بشکل کبیر خلال العهد الکومنینی. أصبح البنادقة وغیرهم من التجار الإیطالیین من المقیمین فی القسطنطینیة والإمبراطوریة بأعداد کبیرة (قدر وجود 60,000 لاتینی فی القسطنطینیة وحدها، التی بلغ تعداد سکانها ثلاثمائة أو أربعمائة ألف شخص)، حیث ساهم وجودهم بالإضافة إلى الأعداد الکبیرة من المرتزقة اللاتین الذین وظفهم مانویل فی نشر الفن والأدب والثقافة البیزنطیة فی الغرب اللاتینی، بینما قاد أیضًا إلى تدفق الأفکار والعادات الغربیة إلى الإمبراطوریة. أما بخصوص حیاة الازدهار والثقافة، فکان العهد الکومنینی أحد الذروات البیزنطیة. ظلت القسطنطینیة فی عهدهم المدینة الرائدة فی العالم المسیحی من حیث الحجم والثراء والثقافة. کما تجدد الاهتمام بالفلسفة الإغریقیة الکلاسیکیة، بالإضافة إلى تزاید الناتج الأدبی بالیونانیة العامیة. احتل الأدب والفن البیزنطیان مکانة بارزة فی أوروبا، حیث کان التأثیر الثقافی للفن البیزنطی على الغرب خلال هذه الفترة هائلًا وذو أهمیة طویلة الأمد.
 

المصدر : تحقیق راسخون




 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.