
أبو حنیفة أو أبو حنیفة النعمان أو نعمان بن ثابت بن نعمان بن زوطا بن مرزبان المولود سنة (80 هـ/699م) بالکوفة، هناک خلاف فی تحدید منحدره الاسری ولکن الدراسات التاریخیة الأکادیمیة، تؤکد : کونه عربی الاصل من عرب الانباط من بنی یحیى بن زید بن أسد، ذکر ذلک عدد من المؤرخین، الخطیب البغدادی والکردری والبزازی من القدماء ومن المحدثین، مؤرخ العراق الدکتور مصطفى جواد وحسین علی محفوظ والدکتور ناجی معروف حیث قال (ان الامام أبو حنیفة من اعلام العراق تعود أصوله إلى عرب العراق الذین استوطنوا قبل الإسلام . والتی کانت آنذاک حاضرة من حواضر العلم، تموج بحلقات الفقه والحدیث والقراءات واللغة والعلوم، وتمتلئ مساجدها بشیوخ العلم وأئمته، وفی هذه المدینة قضى النعمان معظم حیاته متعلماً وعالماً، وتردد فی صباه الباکر بعد أن حفظ القرآن على هذه الحلقات، لکنه کان منصرفاً إلى مهنة التجارة مع أبیه، فلما رآه عامر الشعبی الفقیه الکبیر ولمح ما فیه من مخایل الذکاء ورجاحة العقل أوصاه بمجالسة العلماء والنظر فی العلم : علیک بالنظر فی العلم..و مجالسة العلماء.. فاستجاب لرغبته وانصرف بهمته إلى حلقات الدرس، فروى الحدیث ودرس اللغة والأدب، وکان من کثرة اهتمامهِ بأن لا یضیع عنه ما یتلقاه من العلم یقضی الوقت فی الطواف على المجالس حاملاً أوراقه وقلمه، واتجه إلى دراسة علم الکلام حتى برع فیه ومکّنه ذلک من مجادلة أصحاب الفرق المختلفة ومحاجّاتهم فی بعض مسائل العقیدة، ثم انصرف إلى الفقه ولزم دروس الفقه عند حماد بن أبی سلیمان. اشتهر بورعه، وکان تاجراً مشهوراً بالصدقِ والأمانة والوفاء.(1)
النشأة
فی الکوفة إحدى مدن العراق الکبرى ولد الأمام أبو حنیفة النعمان بن ثابت وسماه أبوه النعمان تیمنا بالملک النعمان بن المنذر الملقب بأبو قابوس من ملوک المناذرة العرب فی العراق، وحین انعم الله على جده المرزبان بالإسلام دخل فی بنی تیم الله بن ثعلبة کحلیف لهم، وهو من الانباط سکان العراق قبل الإسلام وهم العرب القدماء وتأثر بما سمع من الأمام علی رضی الله عنه! وکان معه, ومن أتباعه! وورث أبو حنیفة عن أبیه وجده حبا لآل البیت صادف قلبا خالیا فتمکن منه! وکان له أستاذه الإمام جعفر الصادق علیه السلام أسوة حسنه.(2)شیوخه
بلغ عدد شیوخ أبی حنیفة أربعة آلاف شیخ، فیهم سبعة من الصحابة، وثلاثة وتسعون من التابعین، والباقی من أتباعهم وأبرزهم : حماد بن أبی سلیمان جاء فی "المغنی": هو أبو إسماعیل، کوفی یُعدّ تابعیًا سمع أنسًا والنخعی وکان أعلمهم برأی النخعی، روى عنه أبو حنیفة ألفی حدیث من أحادیث الأحکام، وأکثر من ثلث أحادیث الإمام فی مسنده الذی جمعه الحَصْکَفی، هی بروایة الإمام عنه عن إبراهیم بن أبی موسى الأشعری، عن الأسود عن عائشة.من شیوخه أیضًا إبراهیم بن محمد المنتشر الکوفی، وإبراهیم بن یزید النخعی الکوفی، وأیوب السختیانی البصری، والحارث بن عبد الرحمن الهمذانی الکوفی وربیعة بن عبد الرحمن المدنی المعروف بربیعة الرأی، وسالم بن عبد الله أحد الفقهاء السبعة، وسعید بن مسروق والد سفیان الثوری، وسلیمان بن یسار الهلالی المدنی وعاصم بن کلیب بن شهاب الکوفی.
ابن عقدة الحافظ حدثنا جعفر بن محمد بن حسین بن حازم حدثنی إبراهیم بن محمد الرمانی أبو نجیح سمعت حسن بن زیاد سمعت أبا حنیفة وسئل من أفقه من رأیت قال ما رأیت أحدا أفقه من جعفر بن محمد لما أقدمه المنصور الحیرة بعث إلی فقال یا أبا حنیفة إن الناس قد فتنوا بجعفر ابن محمد فهیىء له من مسائلک الصعاب فهیأت له أربعین مسألة ثم أتیت أبا جعفر(المنصور) وجعفر جالس عن یمینه فلما بصرت بهما دخلنی لجعفربن محمد من الهیبة ما لا یدخلنی لأبی جعفر(المنصور) فسلمت وأذن لی فجلست ثم التفت إلی جعفر فقال یا أبا عبد الله(جعفر بن محمد) تعرف هذا قال نعم هذا أبو حنیفة ثم أتبعها قد أتانا ثم قال یا أبا حنیفة هات من مسائلک نسأل أبا عبد الله فابتدأت أسأله فکان یقول فی المسألة أنتم تقولون فیها کذا وکذا وأهل المدینة یقولون کذا وکذا ونحن نقول کذا وکذا فربما تابعنا وربما تابع أهل المدینة وربما خالفنا جمیعا حتى أتیت على أربعین مسألة ما أخرم منها مسألة ثم قال أبو حنیفة ألیس قد روینا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.(3)
رئاسة حلقة الفقه
وبعد موت شیخه حماد بن أبی سلیمان آلت ریاسة حلقة الفقه إلى أبی حنیفة، وهو فی الأربعین من عمره، والتفّ حوله تلامیذه ینهلون من علمه وفقهه، وکانت له طریقة مبتکرة فی حل المسائل والقضایا التی کانت تُطرح فی حلقته؛ فلم یکن یعمد هو إلى حلها مباشرة، وإنما کان یطرحها على تلامیذه، لیدلی کل منهم برأیه، ویعضّد ما یقول بدلیل، ثم یعقّب هو على رأیهم، ویصوّب ما یراه صائبا، حتى تُقتل القضیة بحثاً، ویجتمع أبو حنیفة وتلامیذه على رأی واحد یقررونه جمیعا.وکان أبو حنیفة یتعهد تلامیذه بالرعایة، وینفق على بعضهم من مالهِ، مثلما فعل مع تلمیذه أبی یوسف حین تکفّله بالعیش لما رأى ضرورات الحیاة تصرفه عن طلب العلم، وأمده بماله حتى یفرغ تماما للدراسة، یقول أبو یوسف المتوفى سنة (182 هـ = 797م): "وکان یعولنی وعیالی عشرین سنة، وإذا قلت له: ما رأیت أجود منک، یقول: کیف لو رأیت حماداً –یقصد شیخه- ما رأیت أجمع للخصال المحمودة منه".
وکان مع اشتغاله یعمل بالتجارة، حیث کان له محل فی الکوفة لبیع الخزّ (الحریر)، یقوم علیه شریک له، فأعانه ذلک على الاستمرار فی خدمة العلم، والتفرغ للفقه.
أصول مذهبه
نشأ مذهب أبی حنیفة فی الکوفة مهد مدرسة الرأی، وتکونت أصول المذهب على یدیه، وأجملها هو فی قوله: "إنی آخذ بکتاب الله إذا وجدته، فما لم أجده فیه أخذت بسنة رسول الله صلى الله علیه وسلم، فإذا لم أجد فیها أخذت بقول أصحابه من شئت، وادع قول من شئت، ثم لا أخرج من قولهم إلى قول غیرهم، فإذا انتهى الأمر إلى إبراهیم، والشعبی والحسن وابن سیرین وسعید بن المسیب فلی أن أجتهد کما اجتهدوا".وهذا القدر من أصول التشریع لا یختلف فیه أبو حنیفة عن غیره من الأئمة، فهم یتفقون جمیعا على وجوب الرجوع إلى الکتاب والسنة لاستنباط الأحکام منهما، غیر أن أبا حنیفة تمیّز بمنهج مستقل فی الاجتهاد، وطریقة خاصة فی استنباط الأحکام التی لا تقف عند ظاهر النصوص، بل تغوص إلى المعانی التی تشیر إلیها، وتتعمق فی مقاصدها وغایاتها.
ولا یعنی اشتهار أبی حنیفة بالقول بالرأی والإکثار من القیاس أنه یهمل الأخذ بالأحادیث والآثار، أو أنه قلیل البضاعة فیها، بل کان یشترط فی قبول الحدیث شروطاً متشددة؛ مبالغة فی التحری والضبط، والتأکد من صحة نسبتها إلى رسول الله صلى الله علیه وسلم، وهذا التشدد فی قبول الحدیث هو ما حملهُ على التوسع فی تفسیر ما صح عنده منها، والإکثار من القیاس علیها حتى یواجه النوازل والمشکلات المتجددة.
ولم یقف اجتهاد أبی حنیفة عند المسائل التی تعرض علیه أو التی تحدث فقط، بل کان یفترض المسائل التی لم تقع ویقلّبها على جمیع وجوهها ثم یستنبط لها أحکاماً، وهو ما یسمى بالفقه التقدیری وفرض المسائل التی لم تقع بعد وبین أحکامها عساها إن نزلت ظهر حکمها، وهذا النوع من الفقه یقال إن أبا حنیفة هو أول من استحدثه، وقد أکثر منه لإکثاره استعمال القیاس، روی أنه وضع ستین ألف مسألة من هذا النوع.
تلامیذ أبی حنیفة
لم یؤثر عن أبی حنیفة أنه کتب کتاباً فی الفقه یجمع آراءه وفتاواه، وهذا لا ینفی أنه کان یملی ذلک على تلامیذه، ثم یراجعه بعد إتمام کتابته، لیقر منه ما یراه صالحاً أو یحذف ما دون ذلک، أو یغیّر ما یحتاج إلى تغییر، ولکن مذهبه بقی وانتشر ولم یندثر کما أندثرت مذاهب کثیرة لفقهاء سبقوه أو عاصروه، وذلک بفضل تلامیذهِ الموهوبین الذین دونوا المذهب وحفظوا کثیرا من آراء إمامهم بأقواله وکان أشهر هؤلاء:أبو یوسف یعقوب بن إبراهیم الأنصاری المتوفی عام(183 هـ/799م)، ومحمد بن الحسن الشیبانی المتوفی فی عام(189 هـ/805م)، وزفر بن الهذیل، وهم الذین قعدوا القواعد وأصلوا الأصول فی المذهب الحنفی.
ولقد قضى الإمام أبو حنیفة عمرهُ فی التعلیم والتدریس ولقد تخرج علیه الکثیر من الفقهاء والعلماء، ومنهم ولدهُ حماد ابن ابی حنیفة، وإبراهیم بن طهمان، وحمزة بن حبیب الزیات، وأبو یحیى الحمانی، وعیسى بن یونس، ووکیع، ویزید بن زریع، وأسد بن عمرو البجلی، وحکام بن یعلى بن سلم الرازی، وخارجن بن مصعب، وعبد الحمید ابن أبی داود، وعلی بن مسهر، ومحمد بن بشر العبدی، ومصعب بن مقدام، ویحیى بن یمان، وابو عصمة نوح بن أبی مریم، وأبو عبد الرحمن المقریء، وأبو نعیم وأبو عاصم، وغیرهم کثیر.
تدوین المذهب
وصلت إلینا کتب محمد بن الحسن الشیبانی کاملة، وکان منها ما أطلق علیه العلماء کتب ظاهر الروایة، وهی کتب المبسوط والزیادات، والجامع الکبیر والجامع الصغیر، والسیر الکبیر والسیر الصغیر، وسمیت بکتب ظاهر الروایة؛ لأنها رویت عن الثقات من تلامیذه، فهی ثابتة عنه إما بالتواتر أو بالشهرة.وقد جمع أبو الفضل المروزی المعروف بالحاکم الشهید المتوفى سنة (344 هـ/955م) کتب ظاهر الروایة بعد حذف المکرر منها فی کتاب أطلق علیه "الکافی"، ثم قام بشرحه شمس الأئمة السرخسی المتوفى سنة (483 هـ/1090م) فی کتابه "المبسوط"، وهو مطبوع فی ثلاثین جزءاً، ویعد من أهم کتب الحنفیة الناقلة لأقوال أئمة المذهب، بما یضمه من أصول المسائل وأدلتها وأوجه القیاس فیها.
انتشار المذهب
انتشر مذهب أبی حنیفة فی البلاد منذ أن مکّن له أبو یوسف بعد تولّیه منصب قاضی القضاة فی الدولة العباسیة، وکان المذهب الرسمی لها، کما کان مذهب السلاجقة والدولة الغزنویة ثم الدولة العثمانیة، وهو الآن شائع فی أکثر البقاع الإسلامیة، ویترکز وجوده فی مصر والشام والعراق وأفغانستان وباکستان والهند والصین وترکیا والسعودیة.وفاة أبی حنیفة
لقد کان لأبی حنیفة الکثیر من التلامیذ، وحسبه أن یکون من بین تلامیذه أبو یوسف، محمد بن الحسن، وزفر، والحسن بن زیاد، وأقر له معاصروه بالسبق والتقدم، ولقد قال عنه النضر بن شمیل: "کان الناس نیاماً عن الفقه حتى أیقظهم أبو حنیفة بما فتقه وبیّنه"، وبلغ من سمو منزلته فی الفقه ان قال فیهِ الإمام الشافعی : "الناس فی الفقه عیال على أبی حنیفة".کما کان ورعاً شدید الخوف والوجل من الله، وتمتلئ کتب التاریخ والتراجم بما یشهد له بذلک، ولعل من أبلغ ما قیل عنه ما وصفه به العالم الزاهد فضیل بن عیاض بقوله: "کان أبو حنیفة رجلاً فقیهاً معروفاً بالفقه، مشهورا بالورع، واسع المال، معروفا بالأفضال على کل من یطیف به، صبورا عل تعلیم العلم باللیل والنهار، حسن اللیل، کثیر الصمت، قلیل الکلام حتى ترد مسألة فی حلال أو حرام، فکان یحسن أن یدل على الحق، هاربا من مال السلطان".
وتوفی أبو حنیفة فی بغداد فی (11 من جمادى الأولى 150 هـ/14 من یونیو 767م) ویقع قبره فی مدینة بغداد بمنطقة الأعظمیة فی مقبرة الخیزران على الجانب الشرقی من نهر دجلة.
مظاهر القدوة فی شخصیة أبی حنیفة
•احترامه وتقدیره لمن علمه الفقه:
فقد ورد عن ابن سماعة، أنه قال: سمعت أبا حنیفة یقول: ما صلیت صلاة مُذ مات حماد إلا استغفرت له مع والدی، وإنی لأستغفر لمن تعلمت منه علماً، أو علمته علما.•سخاؤه فی إنفاقه على الطلاب والمحتاجین وحسن تعامله معهم، وتعاهدهم مما غرس محبته فی قلوبهم حتى نشروا أقواله وفقهه، ولک أن تتخیل ملایین الدعوات له بالرحمة عند ذکره فی دروس العلم فی کل أرض. ومن عجائب ما ورد عنه أنه کان یبعث بالبضائع إلى بغداد، یشتری بها الأمتعة، ویحملها إلى الکوفة، ویجمع الأرباح عنده من سنة إلى سنة، فیشتری بها حوائج الأشیاخ المحدثین وأقواتهم، وکسوتهم، وجمیع حوائجهم، ثم یدفع باقی الدنانیر من الأرباح إلیهم، فیقول: أنفقوا فی حوائجکم، ولا تحمدوا إلا الله؛ فإنی ما أعطیتکم من مالی شیئا، ولکن من فضل الله علیَّ فیکم، وهذه أرباح بضاعتکم؛ فإنه هو والله مما یجریه الله لکم على یدی فما فی رزق الله حول لغیره.
•سؤاله عن أحوال أصحابه وغیرهم من الناس، وحدث حجر بن عبد الجبار، قال: ما أرى الناس أکرم مجالسة من أبی حنیفة، ولا أکثر إکراماً لأصحابه. وقال حفص بن حمزة القرشی: کان أبو حنیفة ربما مر به الرجل فیجلس إلیه لغیر قصد ولا مجالسة، فإذا قام سأل عنه، فإن کانت به فاقة وصله، وإن مرض عاده.
•حرصه على هیبة العلم فی مجالسه؛ فقد ورد عن شریک قال کان أبو حنیفة طویل الصمت کثیر العقل.
•الاهتمام بالمظهر والهیئة؛
بما یضفی علیه المهابة، فقد جاء عن حماد بن أبی حنیفة أنه قال: کان أبی جمیلاً تعلوه سمرة حسن الهیئة، کثیر التعطر هیوباً لا یتکلم إلا جواباً ولا یخوض فیما لا یعنیه. وعن عبد الله ابن المبارک قال: ما رأیت رجلا أوقر فی مجلسه ولا أحسن سمتاً وحلماً من أبی حنیفة.•کثرة عبادته وتنسکه.
فقد قال أبو عاصم النبیل کان أبو حنیفة یسمى الوتد لکثرة صلاته، وأشتهر عنه أنه کان یحیى اللیل صلاة ودعاء وتضرعاً. وذکروا أن أبا حنیفة صلى العشاء والصبح بوضوء أربعین سنة. وروى بشر بن الولید عن القاضی أبی یوسف قال بینما أنا أمشی مع أبی حنیفة إذ سمعت رجلاً یقول لآخر هذا أبو حنیفة لا ینام اللیل فقال أبو حنفیة والله لا یتحدث عنی بما لم أفعل فکان یحیى اللیل صلاة وتضرعا ودعاء، ومثل هذه الروایات عن الأئمة موجودة بکثرة، والتشکیک فی ثبوتها له وجه، لاشتهار النهی عن إحیاء اللیل کله، وأبو حنیفة قد ملأ نهاره بالتعلیم مع معالجة تجارته، فیبعد أن یواصل اللیل کله. ولکن عبادة أبی حنیفة وطول قراءته أمر لا ینکر، بل هو مشهور عنه، فقد روی من وجهین أن أبا حنیفة قرأ القرآن کلهُ فی رکعة.•شدة خوفه من الله :
فقد روى لنا القاسم بن معن أن أبا حنیفة قام لیلة یردد قول الله فی القرآن: (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) سورة القمر، آیة 46، ویبکی ویتضرع إلى الفجر.•شدة ورعه؛
وخصوصا فی الأمور المالیة، فقد جاء عنه أنه کان شریکاً لحفص بن عبد الرحمن، وکان أبو حنیفة یُجهز إلیه الأمتعة، وهو یبیع، فبعث إلیه فی رقعة بمتاع، وأعلمه أن فی ثوب کذا وکذا عیباً، فإذا بعته، فبین. فباع حفص المتاع، ونسى أن یبین، ولم یعلم ممن باعه، فلما علم أبو حنیفة تصدق بثمن المتاع کله.تربیته لنفسه على الفضائل کالصدقة، فقد ورد عن المثنى بن رجاء أنه قال جعل أبو حنیفة على نفسه إن حلف بالله صادقا أن یتصدق بدینار وکان إذا أنفق على عیاله نفقة تصدق بمثلها.
•وکان حلیما صبورا، وله حلم عجیب مع العوام؛
لأن من تصدى للناس لا بد وأن یأتیه بعض الأذى من جاهل أو مغرر به، ومن عجیب قصصه ما حکاه الخریبی قال: کنا عند أبی حنیفة فقال رجل: إنی وضعت کتابا على خطک إلى فلان فوهب لی أربعة آلاف درهم، فقال أبو حنیفة إن کنتم تنتفعون بهذا فافعلوه. وقد شهد بحلمه من رآه، قال یزید بن هارون ما رأیت أحدا أحلم من أبی حنیفة، وکان ینظر بإیجابیة إلى المواقف التی ظاهرها السوء، فقد قال رجل لأبی حنیفة (أتق الله)، فأنتفض وأصفر وأطرق وقال: (جزاک الله خیرا ما أحوج الناس کل وقت إلى من یقول لهم مثل هذا)، وجاء إلیه رجل، فقال: (یا أبا حنیفة، قد أحتجت إلى ثوب خز)، فقال: ما لونه؟ قال: کذا، وکذا، فقال له: أصبر حتى یقع، وآخذه لک، _إن شاء الله_، فما دارت الجمعة حتى وقع، فمر به الرجل، فقال: قد وقعت حاجتک، وأخرج إلیه الثوب، فأعجبه، فقال: یا أبا حنیفة، کم ثمنه؟ قال: درهماً، فقال الرجل: یا أبا حنیفة ما کنت أظنک تهزأ، قال: ما هزأت، إنی اشتریت ثوبین بعشرین دیناراً ودرهم، وإنی بعت أحدهما بعشرین دیناراً، وبقی هذا بدرهم، وما کنت لأربح على صدیق.•الجدیة والاستمرار وتحدید الهدف:
فقد وضع نصب عینیه أن ینفع الأمة فی الفقه والاستنباط، وأن یصنع رجالا قادرین على حمل تلک الملکة.•ترک الغیبة والخوض فی الناس. فعن ابن المبارک:
قلت لسفیان الثوری، یا أبا عبد الله، ما أبعد أبا حنیفة من الغیبة، وما سمعته یغتاب عدوا له قط. قال: هو والله أعقل من أن یسلط على حسناته ما یذهب بها. بل بلغ من طهارة قلبه على المسلمین شیئا عجیبا، ففی تأریخ بغداد عن سهل بن مزاحم قال سمعت أبا حنیفة یقول: "فبشر عباد الَّذِینَ یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ " قال: کان أبو حنیفة یکثر من قول: (اللهم من ضاق بنا صدره فإن قلوبنا قد اتسعت له).•حرصه على بناء شخصیات فقهیة تحمل عنه علمه:
وقد نجح أیما نجاح. ومن طریف قصصه مع تلامیذه التی تبین لنا حرصه على تربیتهم على التواضع فی التعلم وعدم العجلة، کما فی (شذرات الذهب): لما جلس أبو یوسف للتدریس من غیر إعلام أبی حنیفة أرسل إلیه أبو حنیفة رجلا فسأله عن خمس مسائل وقال له: إن أجابک بکذا فقل له: أخطأت، وإن أجابک بضده فقل له: أخطأت فعلم أبو یوسف تقصیره فعاد إلى أبی حنیفة فقال: "تزبیت قبل أن تحصرم". أی بمعنى:(تصدرت للفتیا قبل أن تستعد لها فجعلت نفسک زبیبا وأنت لازلت حصرما).•تصحیحه لمفاهیم مخالفیه بالحوار الهادئ:
قد کان التعلیم بالحوار سمة بارزة لأبی حنیفة، وبه یقنع الخصوم والمخالفین، وروى أیضا عن عبد الرزاق قال: شهدت أبا حنیفة فی مسجد الخیف فسأله رجل عن شیء فأجابه فقال رجل: إن الحسن یقول کذا وکذا قال أبو حنیفة أخطأ الحسن قال: فجاء رجل مغطى الوجه قد عصب على وجهه فقال: أنت تقول أخطأ الحسن ثم سبه بأمه ثم مضى فما تغیر وجهه ولا تلون ثم قال: إی والله أخطأ الحسن وأصاب بن مسعود.•ومن مظاهر القدوة عدم اعتقاده أنه یملک الحقیقة المطلقة وأن غیره من العلماء على خطأ؛
فقد جاء فی ترجمته فی تأریخ بغداد عن الحسن بن زیاد اللؤلؤی یقول: سمعت أبا حنیفة یقول قولنا هذا رأی، وهو أحسن ما قدرنا علیه فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منا. ولقد بعث الإمام زید الفضلَ بن الزبیر وأبا الجارود إلى الامام أبی حنیفة النعمان، فوصلا إلیه وهو مریض، فدعیاه إلى نصرتهِ، فقال: « هو والله صاحب حق، وهو أعلم مَنْ نعرف فی هذا الزمان، فاقرئاه منی السلام وأخبراه أن مرضاً یمنعنی من الخروج معه ». نرجو وضع السند للحدیث
مؤلفاته
لم یعرف وقت الامام بکثرة التدوین واکثر علمه نقل من طلابه، وعرف للإمام بعض المؤلفات فی الفقه الإسلامی منها :
•الفقه الأکبر، بروایة حماد بن أبی حنیفة.
•الفقه الأکبر، بروایة أبی مطیع البلخی.
•العالم والمتعلم، بروایة أبی مقاتل السمرقندی.
•رسالة الإمام أبی حنیفة إلى عثمان البتی.
•الوصیة، بروایة أبی یوسف.
المصادر :
1- الدکتور ناجی معروف - عروبة الامام الاعظم / ص543
2- تاریخ بغداد، الخطیب البغدادی، تحقیق : بشار عواد معروف وعماد عبد السلام رؤوف، دار التراث العربی ،بیروت،1999، مادة أبی حنیفة.
3- الحافظ الذهبی: سیر أعلام النبلاء، الجزء السادس، جعفر بن محمد الصادق علیه السلام
/ج