
ولدت فی "المانیا الغربیّة" بمدینة هامبورغ فی أسرة کان انتماؤها الظاهری هو مذهب الپروتستانت ; لأنّها لم تکن فی الواقع العملی ملتزمة بدینها.
البحث عن الطمأنینة والسکینة:
تقول "اینغرید": فی فترة طفولتی لم یکن أبی وأمّی یذهبان إلى الکنیسة ، ولم تکن لی فرصة للذهاب إلى الکنیسة إلاّ مع طلاّب مدرستنا ، وکنت أهوى الکنیسة; لأنّها کانت تمنحنی الطمأنینة والراحة النفسیّة التی کنت أتصوّر أننی أستمدّها من ربّنا الرؤوف الذی یعیش فی السماء والذی یعیننا إذا توجّهنا إلیه.ولمّا بلغت الحادیة عشر من العمر شارکت فی بعض الدروس الدینیّة التی کانت تقام فی مدرستنا، ولم یکن ذلک منّی إلاّ مماشاة مع باقی الطلبة ، لأنّنی کنت أرى بأنّ هذه الصفوف تضعف اتّصالی بالله، وتعقّد صلتی بربّی ، لانّها کانت تثیر الشکوک والشبهات أکثر من تقویة علاقتی بربّی فلهذا کنت لا أشعر برغبة نفسیّة اتّجاهها.
إمعان النظر فی الدیانة المسیحیّة:
وبالتدریج موازاتاً مع زیادة عمری ارتفع مستوای العلمیّ فی تحلیل ودراسة الأمور ، فأمعنت النظر فی الدیانة المسیحیّة التی کنت علیها ، فرأیتها لا تصلح لأن تکون سبیلاً للتقرّب إلى ربّی ; لأنّ فیها الکثیر من الأمور الفلسفیّة المعقّدة ، وفیها بعض الأمور المنافیة للطبع الإنسانی السلیم ، من جملتها اعتبار الخمر الذی نتناوله فی الکنیسة أنّه دم المسیح فی حین أنّ جمیع الأطبّاء الإخصائیّین یقرّون بأضرار الخمر وآثاره السلبیّة على الحیاة الفردیّة والاجتماعیّة.وکنت حینما أوجّه أسئلتی إلى بعض الأساتذة أو رجال الدین لا أجد أحداً یجیبنی بجواب مقنع ، وهذا ما دفعنی للابتعاد عن الدین.
ولکنّنی مع ذلک کنت أؤمن فی قرارة نفسی بوجود الله واؤمن بالمعاد ، ولکنّنی کنت أجهل السبیل الذی یرشدنی إلى ربّی.
الحیرة والضیاع:
بقیت فی الحیرة فترة من الزمن حتّى ضعف إیمانی نتیجة فقدانی السبیل الذی یربطنی به، فلمّا فشلت محاولاتی کلّها فی البحث عن الرابط بینی وبین ربّی ، التجأت إلى تخدیر نفسی باللهو واللعب ، لئلاّ أشعر بتأنیب الضمیر الذی کان یحثّنی على الاجتهاد والمثابرة ، فقرّرت بعدها أن التجىء إلى الطرب والموسیقى، وکان هدفی هو أن أصبح قائدة للأرکسترا! فاشتریت بعض الأجهزة الموسیقیّة ، بدأت بالعزف علیها ، وکنت أحاول أن لا أشغل بالی بأمر یعیقنی عن الوصول إلى هدفی.ولکن فجأة برزت فکرة الموت أمام عینی ، فاقشعرّ لها جلدی ، وقلت فی نفسی: إنّ الموت یسلب منّی کلّ ممتلکاتی ، وما قیمة عمل نلتذّ به ، ولکنّنا نجهل الآثار المترتّبة علیه ، کما قلت فی نفسی: لماذا لا ألتجىء إلى سبیل یمنحنی الطمأنینة فی الحیاة.
فقرّرت أن لا أیأس فی البحث عن الحقّ، وعن السبیل الذی اختاره الله لعباده لیتقرّبوا به إلیه.
التعرّف على الإسلام:
صادف فی هذه الفترة أن التقیت بأحد الشبان اللبنانیّین المسلمین فی الجامعة لقاءً قصیراً، تحدّث معی فیه حول القیم والأخلاق ودور الرسل فی بناء الشخصیّة ، فاعجبت کثیراً بأفکاره ومبادئه ورؤاه ، وکان أکثر ما لفت انتباهی فیه فی هذا اللقاء القصیر ، هدوءه وطمأنینتة النفسیّة التی کان یتمتّع بها.فقرّرت بعد ذلک أن أتعرّف على الإسلام بصورة جادّة ، فتوجّهت إلى الکتب الباحثة حول الإسلام فلم أجد فیها سوى التشنیع والاستهزاء به ، ولم أجد فیها البحث الموضوعیّ المنصف، فقرّرت أن أتلقّى المعارف الإسلامیّة بصورة مباشرة ، فطلبت من أبی أن یوافق على تعلّمی للغة العربیّة ، فقبل أبی ذلک ، واستدعى لی أستاذاً فی هذا المجال.
وکان الأستاذ مسلماً ، ولکنّه لم یکن ملتزماً بدینه ، وکان لا یعرف عن الإسلام سوى بعض طقوسه الدینیّة الظاهریّة.
فاکتفیت منه بتعلّم اللغة العربیّة ، وکان الأستاذ یهدینی بعض الکتب العربیّة من أجل ممارسة قراءتها ، وکان من جملة تلک الکتب کتاباً تحت عنوان "الحیاة والرؤیة الکونیّة فی الإسلام" فلمّا قرأته بتمعّن تفتّحت آفاق رؤیتی، ووجدت بأن الدین الاسلامیّ یتلاءم مع الفطرة ، ویرفع الإنسان إلى مستوى فکریّ رفیع ; لئلا تشغله توافه الحیاة، والمظاهر الدنیویّة المزیّفة ، وعرفت أنّ الإسلام بخلاف ما شُنّع علیه، بل هو سبیل یهدی إلى الرشاد والتکامل.
عقبات بعد اعتناق الإسلام:
تقول "اینغرید" لمّا وجد الإسلام طریقه إلى قلبی اهتزّ کیانی، واقشعرّ جلدی، واعترتنی حالة من الوجد والشغف، ترکت أثراً بالغاً فی تهذیب وتزکیة نفسی، وتطهیر الأدران المتراکمة على قلبی ، ولکن کانت أوّل عقبة بعد إسلامی هو صعوبة ارتداء الحجاب، ومواصلة الصلاة الیومیّة .فقرّرت فی البدء أن لا أرهق نفسی بأمور قد یکون مردودها السلبی أکثر من ایجابیّاتها على نفسی ، فاجتهدت لتنمیة المناعة النفسیّة، وإنشاء رصید متین أتحصّن به ، فتوجّهت إلى مطالعة الکتب الدینیّة الإسلامیّة، واجتهدت لأوفّر لنفسی أجواءً تترعرع فیها الخصال الحسنة وتنمو وتزدهر فیها الفضائل فی نفسی.
الانتماء إلى المذهب الحنفیّ:
وبعد مضیّ عدّة أشهر من إسلامی تعرّفت على شاب مسلم ینتمی إلى المذهب الحنفی ، وکان نصیبی أن تمّ زواجی به فالتحقت به وانتمیت إلى مذهبه الإسلامیّ.ثمّ واصلت مطالعاتی الإسلامیة فتبیّن لی وجود فرق ومذاهب کثیرة فی الإسلام ، وکنت أجهل سبب ذلک ، وکنت استفسر من المسلمین عن سبب ذلک ، ولکن لم یقدّم لی أحد جواباً یقنعنی.
وبقیت هذه المسألة غامضة لی حتّى حضرت عام 1988 فی مؤتمر إسلامی أقیم فی المرکز الإسلامیّ فی هامبورغ ، فتعرّفت فیه على أخت تنتمی إلى مذهب التشیّع ، ورافقتها طیلة الأیّام الثلاثة التی أقیم فیه المؤتمر.
وکانت هذه الأخت تتمتّع بثقافة إسلامیّة عالیة ، فلهذا انتهزت الفرصة ، وکنت أوجّه لها الأسئلة والشبهات التی کانت فی ذهنی ، وکانت الأخت تصغی إلى أسئلتی ثمّ تجیب علیها بإجابات قویّة ومقنعة.
معرفة أسباب نشوء الفرق الإسلامیّة:
تقول "اینغرید": کان من جملة الأسئلة التی وجّهتها للأخت الشیعیّة هو سؤالی القدیم حول سبب نشوء الفرق فی الإسلام ، فاجابت أنّ الرسول أوصى أمّته بالتمسّک بالثقلین کتاب الله وعترته أهل بیته وجعل الرسول الاعتصام بهذین الرکنین عصمةً من الضلال ، ولکن البعض من أجل تحقیق مصالحهم ومآربهم رفضوا عترة الرسول(صلى الله علیه وآله وسلم) ، وکان هذا سبباً لابتعادهم عن الرؤى الإسلامیّة الصحیحة، واتّباعهم للأهواء ، وهذا ما أدى إلى نشوء التفرّق فی أوساط الأمّة الإسلامیة.اعتناق مذهب أهل البیت (علیه السلام)
تضیف "اینغرید": أخذت کلام هذه الأخت الشیعیّة بعین الاعتبار ، وتوجّهت نحو البحث فی الکتب حول هذا الموضوع ، ففعلت ذلک حتّى تبیّن لی صحّة ما قالت ، ولمّا حان موعد اقتطاف ثمرة أبحاثی اعلنت تشیّعی فاستاء زوجی لذلک ، وحاول أن یصرفنی عن السبیل الذی اخترته لنفسی ، ولکنّه لم یتمکّن من ذلک ، لأنّنی شعرت بعد تشیّعی بثقة نفسیّة کبیرة ، وکان لمفاهیم أهل البیت(علیهم السلام) دور کبیر فی تنمیة الثبات فی نفسی.مرحلة ما بعد الاستبصار:
تقول "اینغرید": أنا الآن لست کما کنت فیما سبق همج رعاع، أتّبع کلّ ناعق، وأستجیب لکلّ دعوة ، بل دلیلی الیوم هو عقلی الذی امتلأ نوراً من مصابیح الهدى واستضاء بنور علوم ومعارف أهل البیت(علیهم السلام).کما أنّنی ارتدیت بعد ذلک الحجاب الإسلامیّ ، وواظبت على الصلوات الخمس، والتزمت بشرایع دینی، ولم تأخذنی فی الله لومة لائم ، ثمّ غیّرت اسمی ، وسمّیت نفسی "سعیدة" ذلک لأنّنی شعرت بعد إکمال دینی أنّنی فی الواقع قادرة برصیدی المعنویّ الذی تلقیّته من مدرسة أهل البیت(علیهم السلام) على مواجهة کافة الأزمات والکروب، وتحمّل الصعوبات والمصائب، ومقاومة مشاعر السخط والضجر والسأم والملل والیأس.
وأنا من خلال تعدیل طریقة تفکیری وتحسین سلوکیاتی الإرادیّة قادرة على أن أکون فی معظم مراحل حیاتی نشطة ومرتاحة، وذلک بفضل ثقتی بالله واتّصالی به عبر المناهج التی قدّمها لنا أهل البیت(علیهم السلام) عن رسول اللّه(صلى الله علیه وآله وسلم).
فلذلک أنا بالفعل سعیدة; لأنّ قلبی الممتلىء بمحبّة أهل البیت(علیهم السلام) یفیض دوماً بمشاعر الرضا والثقة والأمل.
طرحت الاسئلة التالیة علی المسبصرة التی هداها الله الی الایمان فکان الجواب :
1 ـ الم تجدی من یأخذ بیدک ألى طریق الحق والصواب؟ لا بل أنت لم تحاولی أن تجدی السبیل الى ذلک فأجابت...
بقیت فی الحیرة فترة من الزمن حتى ضعف أیمانی وفشلت کل محاولاتی فی البحث عن السبیل أو الرابط ألى ربی فلتجأت الى تخدیر نفسی بالهو والعب لئلا أشعر بتأنیب الضمیر فقررت بعدها أن ألتجاء الى الطرب والموسیقى. فأشتریت بعض الأجهزة الموسیقیة وبدأت بالعزف علیها ولکن طرأ لی حادث جعلنی أفکر فی الموت فاقشعر جلدی وقلت فی نفسی أن الموت یسلب منی کل شیء وما قیمة هذه الاعمال التی نلتذ بها ظاهریاً ونجهل الأثار المترتبة علیها.فقلت فی نفسی لماذا لم ألتجاء الى سبیل یمنحنی الطمائنینة فی هذه الحیاة فقررت أن لا أیئس فی البحث عن الحق .
2ـ وهل طالت مدة البحث عن ما کنت تریدیه؟
أجابت الأخت سعیدة أنه لحسن الحظ أن التقیت بأحد الشبان المسلمین فی الجامعة وکان لی معه لقاء قصیر وقد تحدث معی حول القیم والأخلاق ودور الرسل والأنبیاء فی بناء شخصیة الانسان فأعجبت کثیراً بأفکاره ومبادئه وکان أکثر ما أثار أنتباهی فی هذا اللقاء القصیر هدوء وطمأنینته ألنفسیة التی کان یتمتع بها .3ـ أیحق لنا أن نعتبر أن ذلک کانت البدایة فی البحث عن الحقیقة؟
نعم، حیث أننی قررت أن أتعرف على الأسلام بصورة جادة فتوجهت الى الکتب التی تبحث عن الاسلام ولکن للأسف لم أجد ألا الأستهزاء والسخریة من هذا الفکر لذا طلبت من أبی أن یوافق على تعلمی للغة العربیة فقبل أبی ذلک وأستدعى لی أستاذاً لهذا المجال وللأسف أن هذا الاستاذ کان مسلماً ظاهریاً فاکتفیت منه بتعلم اللغة العربیة ومرة أهدانی کتاب أسمه "الحیاة والرؤیة الکونیة فی الأسلام" فقرأتها بتمعن فأنفتحت آفاق رؤیتی وعرفت بأن الاسلام یتلأم مع الفطرة ویرفع الانسان الى مستوى فکری رفیع.4ـ وهل قررت أن تعتنقی الأسلام؟
أنی وجدت الأسلام قد دخل الى قلبی وهزّ کیانی وترک أثراً بالغاً فی تهذیب وتزکیة نفسی ولکن کانت لی أول عقبه هو کیف أرتدی الحجاب وکیف أواصل على الصلاة الیومیة وکذلک قد وجدت أن هناک فی الأسلام فرق ومذاهب کثیرة وعندما أستفسر من المسلمین عن سبب ذلک لم یکن أحد یقدم لی یقنعنی وبقیت على هذه المسألة الى عام 1988 حیث أقیم مؤتمر أسلامی فی المرکز الأسلامی فی هامبورغ، فتعرفت على أخت شیعیة ورافقتها طیلة أنعقاد المؤتمر ولمدة ثلاثة أیام وکان تتمتع هذه الأخت بثقافة أسلامیة عالیة وکنت أوجه لها الشبهات التی فی ذهنی فکانت تجیبنی أجابات قویة ومقنعه.5ـ وکیف أهدیتی الى مذهب أهل البیت علیهم السلام؟
أنا قد اسلمت ولکن على مذهب أبی حنیفة من قبل وعندما ألتقیت هذه الأخت الفاضلة وسألتها عن الشبهات وسؤالی القدیم الذی کان حول سبب نشوء الفرق فی الأسلام فأجابتنی أن الرسول صلى الله علیه وآله قد أوصى الأمة بالتمسک بالثقلین کتاب الله وعترته أهل بیته وجعل الاعتصام بهذین الرکنین عصمة من الضلال ولکن البعض من أجل تحقیق مصالحهم ومأربهم رفضوا عترة الرسول صلى الله علیه وآله وکان هذا سبباً لأبتعادهم عن الرؤى الأسلامیة الصحیحة لذلک نشأت الفرق فی أوساط الأمة وفکرت فی هذا الکلام کثیراً وأعتبرته أنه ثمرة أبحاثی لذلک أعلنت التشییع.6ـ وماذا وجدت فی مذهب أهل البیت علیهم السلام؟
شعرت بعد تشییعی بثقة نفسیة کبیرة وکانت مفاهیم أهل البیت علیهم السلام لها دور کبیر فی تنمیة الثبات فی نفسی وتضیف الأخت سعیدة "اینغرید" أن آلان لست کما کنت فی ما سبق همج رعاع أتبع کل ناعق، وأستجیب لکل دعوة. لا بل دلیلی هو الیوم عقلی والذی أمتلاء نوراً من مصابیح الهدى ومعارف أهل البیت علیهم السلام لذا أنا ملتزمة فی الحجاب الأسلامی وأواضب على الصلواة الخمسة وألتزمت بشرائع دینی وغیرت أسمی فأنا الیوم سعیدة وفعلاً أنا کذلک لأن قلبی أمتلاء بمحبة أهل البیت علیهم السلام والذی یفیض دوماً بمشاعر الرضا والثقة والأمل.المصدر :
تحقیق راسخون 2013
/ج