مسجد الکوفة المعظّم من المساجد التّاریخیة الإسلامیّة العریقة، یقع فی العراق بیت الأنبیاء ومقام أولیاء الله ومهد الحضارة والمدنیة الاولی وقد ضم هذا المسجد التاریخی العریق مراقد المع الشخصیات التاریخیة واهم الاثار الفریدة من نوعها فی العالم عبر التاریخ.
وهو أفضل البقاع بعد المسجد الحرام والمسجد النّبویّ والمسجد الأقصى، وعنه قال أمیر المؤمنین علیه السّلام:(إنّ مسجد الکوفة رابع أربعة )
تأسیس مسجد الکوفة
إثر الفتوحات فی العراق وانهزام السّاسانیین، تحوّل المسلمون بقیادة سعد بن أبی وقاص إلى موضع الکوفة بعدما أشار علیه بعض الصّحابة (سلمان الفارسیّ وحذیفة) باختیاره، وکان أفضل من المناطق التّی حاولوا الاستقرار فیها، فأمرهم عمر بن الخطّاب بتمصیرها، وبنوا فیها المسجد الجامع، ووافق مکان بنائه، دون علمهم، موضعاً تداولت الرّوایات بعظمته، فهو مهبط الملائکة، وفیه مرّ آدم وخطّ مکاناً للعبادة، وموضع صناعة سفینة نوح علیه السّلام. وکان ابن أبی وقّاص قد استعان بأبی الهیّاج الأسدیّ، أحد رواة أمیر المؤمنین علیه السّلام وعمّار بن یاسر، لتخطیط الکوفة، وکان مهندساً قدیراً له باع طویل فی الفنّ المعماریّ. ثمّ اختطّوا المسجد، وبنوا لسعد بیتاً وهو قصر الکوفة أو دار الإمارة وکتب عمر بن الخطاّب إلى سعد أن اختط موضع المسجد الجامع على عدّة مقاتلیکم فخطّ على أربعین ألف إنسان.
المسجد فی عهد أمیر المؤمنین
وکان للمسجد قبّة، وکان بیت أمیر المؤمنین من عضادة المسجد الیمنى إلى ساحته والملاصق لمحراب الإمام علیه السّلام.
وعندما تولّى زیاد بن أبیه الکوفة، بادر بترمیم المسجد وتوسیعه، فأتى ببنّائین مهرة أتوا بأساطینه من جبال الأهواز لشهرة حجارتها،
فارتفعت أعمدته ثلاثین ذراعاً وسُقف بعد ذلک، وزید فی مساحته عشرین ذراعاً حتى أضحت أکثر من اثنی عشر ألف ونصف من الأمتار المربّعة وهی تناسب العدد الکبیر من المقاتلین فی الکوفة. وشیّدت أبوابه وأسواره، وکُسیت أرضه بالحصى، وزیّنت جدرانه
بالنّقوش والزّخارف، وکان الکوفیون یتفنّون بزخرفة المساجد حتّى قال ابن مسعود عندما رأى بعض مساجد الکوفة منقّشة:
من بنى هذا أنفق مال الله فی معصیته.
وبعده کان الولاة الأمویّون، بین فترة وأخرى، یصلحون ما یتهدّم من جدرانه.
السّفاح سنة 132هـ/749م، فجعله مقرّه ومرکز حکمه قبل أن ینتقل إلى مدینته الهاشمیّة.
وظلّ مسجد الکوفة موضع إکبار وإجلال فی ذلک العصر، وعندما اشتّدت شوکة القرامطة عاثوا فساداً فی الأرض، ونشروا الرّعب فی أوساط النّاس، ونقلوا الحجر الأسود من مکّة المکرّمة إلى مسجد الکوفة، وبقی هناک اثنین وعشرین عاماً. وفی العصر العباسیّ الثّانی (334-656هـ/945-1258م) عنی آل بویه (320-446هـ/932-1055م) بالعتبات المقدّسة واهتمّوا بعمارتها وإرسال الهدایا لها ومنها مسجد الکوفة. ولما قام عضد الدّولة البویهیّ اهتمّ بترمیم المرقد العلویّ والحائر الحسینیّ وتوسیعهما، وعندما انتهى من عمارة مسجد الکوفة دعا العلماء والأشراف والشّعراء إلى حضور افتتاحه والجامع فی الوقت الحاضر مربع الشکل وتبلغ أضلاعه (110) متراً
و (109) متراً و (116) متراً و (116) متراً ویبلغ ارتفاع جدران السور حوالی (20) متراً. ویدعم السور (28) برجاً نصف دائری،
ویقع مدخل المسجد الرئیسی فی طرف جدار المؤخرة الشمالی الشرقی ویتألف من إطار مستطیل یتوسطه عقد مدبب عند الوسط
وحوله زخارف آجریة محفورة حفراً مخملیاً جمیلاً وهذه الزخرفة تعود للقرن السادس الهجری.أما صحن المسجد فهو مکشوف توجه فیه مجموعة من المحاریب ویتوسطه موضع (السفینة) التی ربما کانت أرضیتها أرض المسجد الأول، وقد حدد هذا المکان بشکل مثمن،
ینزل إلیه بسلم یؤدی إلى بناء مکشوف وفیه حجرة صغیرة داخلها محراب، وهناک أسطورة تقول أن میاه الطوفان التی غمرت العالم کله فی عهد النبی نوح (علیه السلام)، محراب أمیر المؤمنین (علیه السلام) وموضع استشهاده لقد أنشأ حدیثاً بناء فخم کبیر یضم موضع مصلى ومحراب أمیر المؤمنین علی (علیه السلام)، وهو موضع استشهاده سنة (40) هجریة، وروعی فی بنائه وتزیینه أحدث الأسالیب
العصریة والفنون المعماریة وکسیت جدرانه والمحراب بأنفس أنواع المرمر المستخرج من قیعان البحار وکذلک من الألمنیوم المذهب وبنی المنبر من الرخام الإیطالی المعرّق الفاخر وذلک تخلیداً لذکرى سید البلغاء والمتکلمین الإمام علی (علیه السلام)
والذی صرح فوق ذلک المنبر بأروع الخطب البلاغیة التی أصبحت مدرسة فی فن البلاغة والبیان. قد تدفقت فی هذا المکان بالذات.
مقام إبراهیم علیه السّلام
عند الأسطوانة الرّابعة الواقعة إلى جانب باب الأنماط بحذاء الخامسة، ویقع إزاء المحرابعن یمین مستقبل القبلة. (ویقال عند الأسطوانة الخامسة).
مقام النّبیّ محمّد صلّى الله علیه وآله.
مقام أمیر المؤمنین علیه السّلام، وفیه المحراب. مساحته 797 م2، وعدد أعمدته 48 عاموداً، وعدد أبوابه 11باباً ، وهو فی غرفة واسعة، وفیه کان یصلّی الإمام علیه السّلام وفیه استشهد ومن هنا سمّی المکان بالمقام لأنّه علیه السّلام کان یقیم صلاته فیه. وکان بجنب المحراب باب یمرّ إلى قصر الإمارة التّی لا تزال أطلاله ماثلة الیوم وینتهی إلى بیت الإمام علیه السّلام، وهو قریب من دار الإمارة على بعد 85 متراً ولا یزال البیت موجوداً وعلیه قبّة خضراء. وهذا المحراب یتعاهده المؤمنون بالتّبرک، وقد قام سلطان البهرة عام 1974م بنصب شبّاک من الفضّة والذّهب علیه. وهناک خلاف فی تعیین المحراب الّذی ضرب فیه أمیر المؤمنین علیه السلام هل هو المحراب المعروف أم المحراب المتروک، وغایة الاحتیاط أن تؤدّی الأعمال فی کلا الموضعین أو أن تؤدّی فی المعروف تارة وفی المتروک أخرى.مقام آدم علیه السّلام عند الأسطوانة السّابِعة، وهی مقام وفّق الله تعالى فیه آدم للتّوبة، وکان أمیر المؤمنین علیه السلامیصلّی إلى الأسطوانة السّابعة وبینه وبین السّابعة ممرّ عنز، وفی روایة معتبرة أنّه ینزل فی کلّ لیلة ستّون ألف ملک فیصلّون عند الأسطوانة السّابعة، والروایات فی فضلها جمّة.
مقام الخضر علیه السّلام
مقام جبرائیل علیه السّلام، وهو عند الأسطوانة الخامسة.
مقام الإمام زین العابدین علیه السّلام، ویقع عند الأسطوانة الثّالِثَة، ویُحاذی هذا المقام من ناحیة القبلة دکّة باب أمیر المؤمنینعلیه السّلام ومن الغرب باب کندة وهو مسدود الآن، وقیل ینبغی أن یتأخّر الـمُصلّی قدر خمسة أذرع عن الأسطوانة لأنّ الدّکة إنّما کانت هُنالک.
مقام نوح علیه السّلام، وهو المقام الملاصق للمنبر.
مقام الصّادق علیه السّلام، وهو قریب من مسلم بن عقیل علیه السّلام.ویظهر من الرّوایات أنّ أشرف المقامات فی الجامع یقععند الأسطوانة السّابعة والأسطوانة الخامسة، وکان الحسن علیه السلام یصلّی عند الأسطوانة الخامسة. وفی وسط المسجد تقع دکّة المعراج. وفی کلّ هذه المواضع صلوات وأذکار وردت فی کتب الأدعیة والزّیارات.
عدد الأبواب فی المسجد خمسة أبواب هی:
- باب الحجّة عجّل الله فرجه
- باب الثّعبان
- باب الرّحمة
- باب مسلم بن عقیل علیه السّلام، وهو الباب الذی یفضی إلى صحن مسلم ، وهو یمثّل الباب الثانی من أبواب جامع الکوفة القدیمة
- باب هانی بن عروة رضی الله عنه
وقال الإمام الرّضا علیه السّلام:مسجد الکوفة بیت نوح، لو دخله الرّجل مئة مرّة لکتب الله له مئة مغفرة، لأنّ فیه دعوة نوح حیث قال:﴿رَبِّ اغْفِرْ لِی وَلِوَالدّیَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَیْتِیَ مُؤْمِنًا﴾( سورة نوح: 28.)
المصدر : تحقیق راسخون 2013
/ج
