
ولد فی رواندا عام 1965م، ونشأ فی أوساط أسرة تعتنق المذهب الشافعی، فشبّ معتنقاً لهذا المذهب وفق ما کانت تملیه علیه الأجواء من عادات وتقالید. تشرّف بالانتماء لمذهب أهل البیت (علیهم السلام) عام 1996م فی بلاده بمدینة "تشانکو کامیبی ".(1)
اتساع المدّ الوهابی:
وقد تصدى لهذا التیار الفکری أعلام العامة ـ فضلا عن الشیعة ـ مثل الشیخ محمّد عبده، حیث قال أنّهم: " أضیق عطناً وأحرج صدراً من المقلّدین "(2)، فهم یرون وجوب الأخذ بما یفهم من اللفظ الوارد، والتقیّد به بدون التفات إلى ما تقتضیه الأصول التی قام علیها الدین.
لابد من التحصّن بالمعرفة:
یضیف الأخ حمادی: " بعد مواجهتی لبعض الشبهات رأیت من الضرورة أن التجىء إلى تحصین نفسی بالمطالعة والدراسة المتأنیة للآثار و الأخبار الواردة عن النبیّ(صلى الله علیه وآله وسلم) وعن الصحابة، لأننی کنت أعتقد بعدالة جمیع الصحابة، فإنّ التاریخ الذی درسناه رکّز هذا المفهوم فی أذهاننا بشکل ملفت للنظر.ومن ذلک الحین بدأت أقضی معظم أوقاتی فی القراءة، فتفتّحت آفاق رؤیتی وشعرت أننی بذلک أتحرّر من الأطر التقلیدیة التی تحد من انطلاقتی، ومن خلال ذلک اصطدمت بحقائق ووقائع مریرة! فوجدت نفسی مضطرّاً لمراجعة الجذور الأولى، لنشؤ الاختلاف فی أوساط الأُمة الإسلامیة، ودور الصحابة فی ذلک، وسبب تضارب الآثار المرویة عنهم، فبذلت قصارى جهدی لحل هذا المأزق.
فقلت فی نفسی: إنّ معرفة الرابط بیننا وبین النبیّ الأکرم(صلى الله علیه وآله وسلم)، سوف یدلّینی على الشریعة الحقّة التی جاء بها الرسول(صلى الله علیه وآله وسلم)
وإذا بی أجد أنّ الصحابة هم الذین قد زادوا الطین بلة!، فعند تتبعی لروایات الرسول الکریم(صلى الله علیه وآله وسلم) وجدت أنّ قسماً کبیراً منها مروی عن أبی هریرة!.
فقلت: لابد وأن یکون هذا الصحابی على إطلاع تام بحالة الرسول(صلى الله علیه وآله وسلم)، لأنّه مما لا شک فیه قد قضى شطراً طویلا من حیاته معه ولم یفارقه، ولکن بعد التتبع والبحث وجدت الأمر عکس ذلک تماماً! ".
أبو هریرة فی حجمه الحقیقی:
إنّ المتتبع لتاریخ أبی هریرة یجد أنّه لم یعاصر النبیّ(صلى الله علیه وآله وسلم) إلاّ سنة وبضعة أشهر، وأنّه رجل خامل الذکر کان یسترزق بوضعه للأحادیث!.فقد نشأ أبو هریرة فی " الیمن " وشبّ فیها حتى جاوز الثلاثین من عمره وهو من أهل الجاهلیة الذین لم یستضیئوا بنور الإسلام، ثم هاجر إلى المدینة بعد فتح خیبر فی السنة السابعة للهجرة بإتفاق أهل الأخبار، ولمّا أسلم لم یکن له مأوى یأوی إلیه فسکن الصفَّة(3)، وأخلد إلى الخمول و الکسل فکان یعتاش على ما تجود به أیدی المسلمین، کما ذکر البخاری عن أبی هریرة قوله: " کنت استقری الرجل الآیة کی ینقلب بی فیطعمنی "(4).
وکان من سمات شخصیته أنّه مزّاح وصاحب دعابة(5)، وکان یتملق الناس ویسلّیهم بکثرة مزاحه وکلامه، حتى قالت عائشة عنه: "لقد کان رجلا مهذاراً"(6)، وعن أبی رافع، قال: " کان مروان ربّما استخلف أبا هریرة على المدینة فیرکب حماراً قد شدّ علیه برذعه وفی رأسه خلبة من لیف، فیسیر فیلقى الرجل فیقول: الطریق الطریق قد جاء الأمیر! "، " وربما أتى الصبیان وهم یلعبون باللیل لعبة الغراب، فلایشعرون حتى یلقی نفسه بینهم ویضرب برجلیه فیفزع الصبیان فیفّرون! "(7)، وفی روایة: " کأنّه مجنون! یرید أن یضحکهم فیفزع الصبیان منه ویفرّون هنا وههنا یتضاحکون "(8).
أبو هریرة فی علم الرجال:
ذکرنا ملامح شخصیة أبی هریرة وسماتها البارزة، ولقد حاول البعض إحاطة هذا الرجل بهالة من القدسیة العجیبة، رغم طعن کبار الصحابة علیه، فالغریب أنّ قسماً من علماء الجرح والتعدیل لم یأخذوا ذلک بعین الاعتبار، وکانوا یکیلون بمکیالین!فقد أعرضوا عن الراوی لطعون أقلّ من تلک التی وردت فی حق أبی هریرة، فخالفوا بذلک قواعدهم وخرجوا على ضوابطهم، فلم یمسوه بجرح أو نقد أو تعریض مثل ما کانوا یفعلون بغیره، فاعتبروه عادلاً صادقاً لایستراب فیه ولافی مرویاته التی لم یسمعها من النبیّ(صلى الله علیه وآله وسلم)!!.
والأنکى من ذلک نجدهم یوثقون هذا الرجل رغم أنّ عمر وعثمان وعائشة والإمام علیّ (علیه السلام) وغیرهم قد کذّبوه(9)!.
فقد أخرج ابن عساکر من حدیث السائب بن یزید أنّه سمع عمر یقول لأبی هریرة: " لتترکن الحدیث عن رسول الله أو لألحقنک بأرض دوس "، وقد غضب علیه عمر من أجل إکثاره فی روایة الحدیث، فضربه بالدرّة زجراً له ووبخه قائلاً: " أکثرت یا أبا هریرة، وأحرى بک أن تکون کاذباً على رسول الله"(10)، وقد جاء مثل هذا النهی من عثمان وإن لم یکن بتلک الشدّة کما قابله عمر.
وکانت عائشة من أشدّ الناس إنکاراً علیه(11)، وروی عن الإمام علیّ (علیه السلام) أنّه قال: " إنّ أکذب الناس ـ أو قال ـ أکذب الأحیاء على رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم)أبو هریرة الدوسی "(12)
بل أکثر من الکذب حتى سبّب ذلک إلى زوال عدالته وفقدان اعتباره حتى عن ولایة البحرین ـ التی لم تکن من شأنه، لأنّ دیدن عمر فی استعمال الولاة کان یقوم على الصحابة غیر الکبار، وذلک لابقاء الشخصیات المرموقة التی لها شأن على العموم فی المدینة لأغراض کان یرتئیها(13).
وعاد أبو هریرة بعد عزله من منصبه إلى المدینة وأقام بها من جدید، فتلقفه کعب الأحبار الیهودی وأخذ یلقّنه إسرائیلیاته ویغذیه من خرافاته(14)!، فکرع أبو هریرة من هذا المنبع إلى الحدّ الذی قال عنه کعب الأحبار: " ما رأیت أحداً لم یقرأ التوراة أعلم بما فیها من أبی هریرة "(15).
أبو هریرة فی عهد بنی أمیّة:
بقى أبو هریرة على منواله حتى اشتهر فی عهد بنی أمیّة الذین امتطوه وجعلوه من وعّاظهم، فإنّ معاویة بن أبی سفیان وجد ضالته فیه، فقرّبه وحقق له رغباته، واشترى ضمیره لیشهد له بالخلافة، ولیضع له الأحادیث، ویدلّس له الروایات(16)، وقبل أبو هریرة هذه الصفقة فجعل یروج للأمویین وینشر لهم المناقب المفتعلة، ویطعن على مناوئیهم لاسیما أهل البیت (علیهم السلام) !، فأکثر أبو هریرة من الإشادة بمن هو لیس أهل لذلک، وشجّع الناس على إتباعهم، فباع آخرته بدنیاه!.فقد ذکر عن أبی هریرة أنّه قال: رسول الله: " أُمناء الله: أنا وجبرئیل ومعاویة! "(17)، وفی روایة: " الأمناء ثلاثة: جبرئیل وأنا ومعاویة! "(18)، فکانت أجرته أن جعله معاویة والیاً على المدینة(19).
وقد قدّر الأمویون صنیع أبی هریرة معهم، فأغدقوا علیه من أفضالهم وغمروه برفدهم ومنحوه الکثیر من العطایا، فلم یلبث أن تحوّل حاله من الضیق إلى السعة، ومن الشقاء إلى الدعة، وبعد التسکع بین الصفّة و طرقات المدینة أصبح له قصراً بالعقیق، وبعد أن کان یستر جسمه بنمرة بالیة أضحى یرتدی الخزّ والدیباج و الکتان الممشق و الساج المزرور بالدیباج(20)، بل وأکثر من ذلک حیث حاولوا أن یرفعوا من شأنه ومکانته الاجتماعیة، فزوجوه بسرة بنت غزوان أخت الأمیر عتبة بن غزوان، وکان ذلک من قبل معاویة وعلى ید مروان بن الحکم أیام ولایته على المدینة.
ورغم هذه الحقائق فقد عمد بعض المؤرخین ـ الذی یصیغون التاریخ حسب أهوائهم ـ إلى کتمانها والتغطیة علیها، لتبقى مرویات أبی هریرة مصونة من الخدش! لأن الصحاح و کثیر من کتب العامة تعج بروایاته(21)، ویعنی الإعراض عنها هدم لمعظم المبانی التی یقوم علیها فقههم وأصولهم وتاریخهم و...، فإن مرویاته تمثل حصة الأسد فی الروایات عندهم، وقد اعتمدوا على روایاته فی الأصول والفروع.
روایات أبی هریرة:
قد روت صحاح العامة کثیراً من أحادیثة الموضوعة المستهجنة التی یستقبحها العقل قبل أن یثبت التتبع کذبها ووضعها.فقد أخرج البخاری ومسلم فی صحیحیهما ـ واللفظ للأخیر ـ عنه أنّه قال: " جاء ملک الموت إلى موسى فقال له أجب ربّک! فلطم موسى عین ملک الموت ففقأها، فرجع الملک إلى الله تعالى فقال: إنّک ارسلتنی إلى عبد لایرید الموت فقأ عینی... "(22).
کما أخرج الشیخان فی صحیحیهما بالإسناد إلى أبی هریرة أنّه قال: " کان بنو إسرائیل یغتسلون عراة ینظر بعضهم إلى سوءة بعض، وکان موسى (علیه السلام) یغتسل وحده، فقالوا: والله ما یمنع موسى أن یغتسل معنا إلاّ أنّه آدَر ـ أی ذوفتق ـ قال:
فذهب مرّة یغتسل فوضع ثوبه على حجر ففرّ الحجر بثوبه، قال فجمع موسى بإثره یقول: ثوبی حجر! ثوبی حجر! حتى نظرت بنو إسرائیل إلى سوءة موسى، فقالوا والله ما بموسى من بأس، فقام الحجر بعد حتى نظر إلیه، فأخذ موسى ثوبه فطفق بالحجر ضرباً، قال أبو هریرة: فوالله إنّ بالحجر ندب ستة أو سبعة ضرب موسى بالحجر! "(23).
وأخرجا من مرویات أبی هریرة الإسرائیلیة أیضاً: " قال سلیمان بن داود لأطوفن اللیلة بمائة امرأة!! تلد کل امرأة غلاماً یقاتل فی سبیل الله، فقال له الملک: قل إن شاء الله، فلم یقل، فأطاف بهنّ، ولم تلد منهن إلاّ امرأة نصف إنسان! "(24).
کما أخرج مسلم عن أبی هریرة مرفوعاً قال: سمعت رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم)یقول: " الّلهم إنّما محمّد بشر یغضب کما یغضب البشر! وإنی قد اتخذت عندک عهداً لن تخلفنیه فأیّما مؤمن آذیته أو سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له کفارة و قربة تقربه بها إلیک یوم القیامة "(25).
الوصول إلى الحقیقة:
یقول الأخ أحمد ناجی: " لقد اعترانی الذهول عندما تتبّعت تاریخ أبی هریرة، حتى وجدت هذا الرجل الذی کنّا نعدّه من خیار الصحابة هو أحد وعّاظ السلاطین لبنی أمیة والمدافعین عنهم ولو على حساب رسول الله(صلى الله علیه وآله وسلم)والإسلام".ویضیف: " بعد بحثی وتتبعی تجلّى لی أنّ السلطات الحاکمة لعبت دوراً مؤثراً فی تراث أمتنا الإسلامیة، خصوصاً نحن أبناء العامة، فإنّ فقهنا وعقائدنا وتاریخنا کان خاضعاً لإشراف ووصایة السلاطین، فی حین أنی وجدت التراث الشیعی قد سلم ونجا من هذا الأمر، لأنه تلقى میراثه من النبیّ الأکرم(صلى الله علیه وآله وسلم)وعترته (علیهم السلام) الذین اصطفاهم الله لحفظ شریعته وصیانتها من التحریف.
ومن هذا المنطلق وجدت أنّ السبیل الوحید للنجاة والفوز بسعادة الدارین، هو سلوک نهجهم والانضواء تحت لوائهم، فأعلنت استبصاری عام 1996م بمدینة " تشانکو کامیبی " فی رواندا، ووفقنی الله تعالى للأخذ بید زوجتی للمذهب الحقّ، عملا بقوله تعالى: (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَکُمْ وَأَهْلِیکُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجارَةُ)".
المصادر :
1- رواندا: تقع فی وسط القارة الافریقیة، تحیط بها أوغندا وتنزانیا وبروندی وزائیر، یقدر عدد السکان فیها حوالی (8) ملایین نسمة، 68% منهم أتباع الدیانة المسیحیة، أمّا المسلمون فیشکلون نسبة 16% والباقی من أتباع الدیانات المحلیة، وأغلب المسلمین فی هذا البلد من أهل السنّة، ویشکل الشیعة نسبة 5% منهم.
2- الإسلام والنصرانیة لمحمّد عبده، وهامشه لمحمّد رشید رضا: 97.
3- الصفة موقع مضلل فی المسجد النبوی الشریف، وهو مقر مؤقت للمسافرین أو الفقراء حتى یجدوا سبیلا.
4- صحیح البخاری: 3 / 1359 (3505)، فتح الباری للعسقلانی: 11 / 342 (6460
5- شذرات الذهب للعکبری: 1 / 64 (حوادث سنة 57)، تذکرة الحافظ للذهبی: 1 / 33 /
6- الأحکام فی الاصول للآمدی: 2 / 121، المسألة التاسعة /الخبر الواحد.
7- المعارف لابن قتیبة: 277، سیر أعلام النبلاء: 2 / 614، الطبقات لابن سعد: 4 / 251، البدایة والنهایة لابن کثیر: 8 / 79.
8- البدایة والنهایة لابن کثیر: 8 / 79.
9- تأویل مختلف الحدیث لابن قتیبة: 27 وقد نقل عن النظام.
10- سیر أعلام النبلاء للذهبی: 2 / 600، البدایة والنهایة لابن کثیر: 8 / 75.
11- کتاب تأویل مختلف الحدیث لابن قتیبة: 41، سیر أعلام النبلاء للذهبی: 2 / 604، البدایة والنهایة لابن کثیر: 8 / 75.
12- شرح النهج لابن أبی الحدید: 4 / 68.
13- الطبقات لابن سعد: 3 / 214.
14- الطبقات لابن سعد: 4 / 247، المستدرک للحاکم: 1 / 170 (313)، تفسیر ابن کثیر: 3 / 104.
15- سیر أعلام النبلاء للذهبی: 2 / 600، تذکرة الحفاظ للذهبی: 1 / 36 (16)، الإصابة للعسقلانی: 7 / 770 (10674).
16- قال شعبة بن الحجّاج: ممن اشتهر بالتدلیس أبو هریرة.
17- تاریخ بغداد للخطیب: 3 / 399 /1524
18- البدایة والنهایة لابن کثیر: 8 / 83.
19- تاریخ الاسلام للذهبی: 2 / 334.
20- الطبقات الکبرى لابن سعد: 4 / 248، سیر أعلام النبلاء للذهبی: 2 / 628.
21- له فی البخاری وحده (446) حدیثاً، وقد أشار إلى هذا القسطلانی فی ارشاد الساری، وقال: انه روى (5374) حدیثاً، وکذا فی شذرات الذهب للعکبری: 1 / 63 أحداث سنة 71 هـ.
22- صحیح مسلم: 4 / 843 (2372)، صحیح البخاری: 14 / 116 (6224
23- صحیح مسلم: باب فضائل: 1 / 267 (339)، صحیح البخاری: 1 / 107 (274)، وأنظر: مسند أحمد بطرق کثیرة عن أبی هریرة: 2 / 315، صحیح ابن حبان: 14 / 94 /6211
24- صحیح البخاری: 3 / 2007 (4944)، صحیح مسلم: 3 / 1275 (1654)، أنظر: مسند أحمد: 2 / 229، 270.
25- وروى أبو هریرة فی روایة أخرى إنهن تسعون، وأخرى سبعون، واخرى ستون، وهذه کلها فی صحیح البخاری ومسلم.
26- ) صحیح مسلم: 4 / 2008 /2601
/م