کان واقع المسلمین یعیش حالة من الاستقرار الفکری والحرکی قبل ظهور الفرقة الوهابیة حیث کانت تسوده الفرق التقلیدیة المعتدلة من المالکیة والأحناف والشافعیة والأشاعرة والماتریدیة، ولم یکن لفرقة الحنابلة وجود یذکر.
غیر أن ظهور الفرقة الوهابیة أحیا الفرقة الحنبلیة وفرقة ابن تیمیة فی آن واحد.
من هنا وجد المسلمون أنفسهم فی مواجهة ثلاث فرق خطرة متطرفة زرعت بذور الشقاق والتخلّف بینهم.
إن المتتبع لحالة الفرقة والتعددیة والخلاف والشقاق والتطرف السائد فی واقع أهل السنة یجد أنها نبعت من الفرقة الوهابیة أو تأثرت بها ولا یستثنى من ذلک إلاّ الفرق الصوفیة وفرقة الأزاهرة على ما سوف نبین.
والفرق التی سوف نعرض فی هذا الباب هی الفرق الکبرى البارزة فی واقع أهل السنة الیوم، والتی ارتبطت بالواقع والأحداث وسلطت علیها الأضواء مستثنین الفرق الصغیرة التی تولدت منها، والتی یصعب حصرها لقلة أهمیتها وتأثیرها.
والسؤال الذی یفرض نفسه هنا هو:
کیف استطاعت الفرقة الوهابیة أن تلعب هذا الدور المفسد فی واقع المسلمین، وتبذر بذورها فی کل مکان من أنحاء العالم الإسلامی وتوجد هذه الفرق التی شوهت الإسلام وعانى منها المسلمون؟
والإجابة أن الفرقة الوهابیة ظلت محصورة فی محیط الجزیرة العربیة لا تستطیع أن تتجاوزها حتى تفجر النفط وکثر المال فیها عندئذ توافرت الإمکانیات التی استطاعت الوهابیة من خلالها أن تخترق المؤسسات الإسلامیة وتستقطب رموز المسلمین فی شتى بقاع العالم الإسلامی.
ولولا النفط لما استطاعت الوهابیة أن تلعب هذا الدور، ولکان من الممکن أن تکون فی ذمة التاریخ.
من خلال الفرقة الوهابیة برزت فرقة أنصار السنة وفرقة الجهاد وفرقة القطبیون والجماعة الإسلامیة فی مصر.
وفرقة أهل الحدیث وجند الصحابة والتبلیغ والدعوة فی الهند وباکستان وفرقة طالبان فی أفغانستان.
والفرق السلفیة التی انتشرت فی کل مکان من بقاع العالم الإسلامی.
والفرق الجهادیة التی تهدد أمن وسلامة المسلمین فی کل مکان.
ومن أشهر رموز الوهابیة المعاصرین ابن باز وابن عثیمین وابن سبیل وابن فوزان وأبو بکر الجزائری وغیرهم.
وهذه الرموز جمیعها من الجزیرة العربیة، وقد أصدرت الکثیر من الکتابات والفتاوى التی تخدم الفرقة الوهابیة.
الوهابیة:
برزت الفرقة الوهابیة فی الجزیرة العربیة على ید محمد بن عبد الوهاب فی النصف الثانی من القرن الثانی عشر الهجری.وقد واجهت فرقته مقاومة شدیدة من الأمراء والفقهاء والأشراف فی جزیرة العرب بسبب الأفکار والمعتقدات الشاذة التی تبنتها ونادت بها إلاّ ان تحالف ابن سعود مع ابن عبد الوهاب ودعمه له مکنه من نشر دعوته وفرضها على المسلمین فی جزیرة العرب بقوة السیف.
ولم یأت ابن عبد الوهاب بشیء جدید سوى أنه قام بإحیاء أفکار ابن تیمیة وبعثها من رقادها وفرضها بنصیر هو ابن سعود تلک الفرصة التی لم تتح لابن تیمیة الذی لم یجد دعماً ولا نصیراً.
وتتلخّص أفکار محمد بن عبد الوهاب فیما یلی:
ـ إنکار القبور والأضرحة ورفض زیارتها والتوسل بأشخاصها والبناء علیها وکسوتها وإنارتها وشد الرحال إلیها.
ـ إنکار البدع کالاحتفال بالمناسبات الإسلامیة مثل الاحتفال بالمولد النبوی والتذکیر قبل الآذان والصلاة على الرسول بعد الآذان والتلفظ بالنیة.
ـ توحید الأسماء والصفات، أی إثبات أسماء الله وصفاته من غیر تمثیل ولا تکییف.
ـ انکار الفرق الصوفیة ومحاربتها.
ـ توحید العبودیة، أی نبذ النذور والحلف والنحر والاستغاثة حول القبور باعتبارها صورة من صور الشرک فی منظوره.
وهذه الأفکار ورثتها الکثیر من الفرق التی ظهرت بعد الفرقة الوهابیة تحت تأثیر البقعة المبارکة أرض الرسول(صلى الله علیه وآله وسلم)، وتأثیر المد النفطی کما ذکرنا، وورثت عنها أیضاً هذه الفرق التطرف والغلو والتعصب واستباحة المخالفین من المسلمین.
فرقة الإخوان:
عندما اتجه عبد العزیز آل سعود نحو تحدیث الدولة والحکم اصطدمت به مجموعات من القبائل الوهابیة أطلق علیها قبائل الإخوان.وکان الإخوان شدیدی التعصب لنهج سلفهم من الوهابیین، واعتبروا حرکة عبد العزیز نحو التحدیث من عمل الشیطان فرفضوا استخدام الهواتف والسیارات.
ومما زاد الطین بلة فی نظر هذه الفرقة هو إرسال عبد العزیز ولده سعود لیدرس فی بلاد الشرک (مصر)، أی بلاد الأضرحة والقبور التی تعدّ أوثاناً فی نظر الوهابیین، وکان أن أعلنت هذه الفرقة انشقاقها عن الفرقة الوهابیة الأم الخاضعة للحکم ودخلت فی مواجهة مع آل سعود انتهت بالقضاء علیها لیعلن عبد العزیز آل سعود قیام الدولة السعودیة الثانیة عام 1932م(الدولة السعودیة الأولى هی التی أسقطها محمد علی حین غزا الحجاز لضرب الوهابیین بتوجیه من الخلیفة العثمانی، ویذکر أن عبدالعزیز آل سعود تخلّص من الإخوان بدعم من البریطانیین. انظر تاریخ آل سعود لناصر السعید. وانظر لنا فقهاء النفط والخطر الوهابی. وانظر تاریخ الوهابیین أیوب صبری).
وتترکز أفکار هذه الفرقة فیما یلی:
ـ الالتزام بنهج السلف من الحنابلة وابن تیمیة وابن عبد الوهاب.
ـ تحریم التصویر والصحف ووسائل العصر والسفر إلى بلاد المشرکین.
ـ قمع المبتدعین الضالین من الفرق الأخرى.
ولم تبرز من خلال هذه الفرقة نتاجات عقائدیة أو فکریة، کما لم تفرز رموزاً فی میدان الفقه والعقیدة تناطح بها الرموز الوهابیة الأخرى.
أهل الحدیث:
وتعدّ هذه الفرقة من أقدم الفرق السلفیة التی ظهرت فی شبه القارة الهندیة، وکان أول بروز لها فی عام 1906م حیث تم تشکیل الفرقة برئاسة عبد الله الغازیفوری ومعه الشیخ أبی الوفاثناء الله.وتقوم عقیدة هذه الفرقة على ما یلی:
ـ التوحید.
ـ الاتباع.
ـ تقدیم النقل على العقل.
ـ التزکیة الشرعیة.
ـ التحذیر من البدع والأحادیث الضعیفة والموضوعة.
ـ الجهاد فی سبیل الله.
ـ تطبیق النظام الشرعی.
ـ محاربة الفرق الضالة المنحرفة.
وتترکز هذه الفرقة فی شبه القارة الهندیة فی الهند وباکستان وبنغلادش ونیبال وکشمیر وسیرلانکا وجزر فیجی وفی انجلترا.
وتتلخص دعوة هذه الفرقة فی العمل على تصفیة الإسلام من البدع والانحرافات ودعوة الناس إلى اتباع منهج السلف والالتزام بطریقة الفقهاء والمحدثین فی المسائل الفقهیة من اتباع الدلیل ونبذ التعصب المذهبی.
وهذه الفرقة تعد امتداداً للفرقة الوهابیة حیث تقدس رموزها بدایة بابن حنبل حتى محمد بن عبد الوهاب وابن باز.
ولهذه الفرقة دور بارز فی مقاومة الإنجلیز والسیخ فی الهند کما أن لرموزها دور بارز فی میدان التألیف فی الأحادیث والرد على الفرق المخالفة وبیان السنة وشروحاتها والدفاع عن عقیدة أهل السنة.
التبلیغ والدعوة:
وهی فرقة برزت فی الهند على ید الشیخ محمد إلیاس بهدف تبلیغ الإسلام إلى الناس وقد انتشرت فی بقاع کثیرة من العالم الإسلامی واستقطبت إلى صفوفها الکثیر من المسلمین من مختلف الطبقات والمستویات.وهذه الفرقة لیس لها عقائد محددة أو تصورات خاصة أو أهداف سیاسیة کما هو حال بعض الفرق الأخرى، ومحور تصورها یدور حول عقائد أهل السنة ونصوصهم التی تقوم بالتبلیغ بها والدعوة إلیها عن طریق الخروج إلى البلاد لوعظ وإرشاد الناس.
وقد قصرت هذه الفرقة نشاطها فی محیط عوام المسلمین، فهی لا تملک من الرصید الثقافی أو الفکری شیئاً لکونها فرقة بسیطة فی أفکارها وفی دعوتها ولا تخوض فی الأمور الجدلیة التی تحتاج إلى جهد عقلی وتؤدی إلى خلاف فکری فمن ثم هی تتجنب المثقفین وأهل الفکر ونظراً لکون هذه الفرقة لا صلة لها بالسیاسة وتدعو المسلمین إلى نبذ التیارات الفکریة والفرق الإسلامیة ذات التوجه السیاسی وتبنی أفکارهم البسیطة التی تتلخص فی الخروج والسیاحة فی الأرض من أجل دعوة الناس إلى الالتزام بالصلاة وآداب الإسلام والتطوع بالخروج فی سبیل الله على حد تعبیرها، نظراً لهذا کله فإن الحکومات أفسحت لها الطریق ولم تضیق علیها کما فعلت مع الفرق الأخرى ذات التوجه المتطرف، ولعل هذا ما دفع بالفرق الأخرى إلى إثارة الشبهات من حولها والتشکیک فی دورها وأهمیتها ویمکن تحدید أفکار هذه الفرقة ومعتقداتها التی حددها المؤسس فیما یلی:
ـ الکلمة الطیبة (الشهادتین).
ـ العلم والذکر.
ـ تصحیح النیة.
ـ الإخلاص.
ـ الخروج فی سبیل الله والدعوة إلى الله (وفق منهج الفرقة).
ـ إقامة الصلاة.
ـ إکرام المسلمین.
والطابع العام الذی یحکم هذه الفرقة هو الطابع الصوفی، وهو الطابع السائد فی بلاد الهند التی نشأت فیها هذه الفرقة وذلک الطابع الذی یبرز بوضوح من خلال مواقفها السلبیة تجاه شتى القضایا والأحداث التی تجری من حولها، فهی فرقة لا تتدخل فی السیاسة فقط، بل تنتقد وتهاجم من یتدخل فی السیاسة وتعتبر بأن السیاسة هی أن تترک السیاسة.
ولعل هذا الأمر هو السبب المباشر فی خلافها مع فرقة الجماعة الإسلامیة بقیادة المودودی والتی ترى وجوب خوض غمار السیاسة
ومقاومة أعداء الإسلام فی القارة الهندیة.
وفرقة التبلیغ لیست محل ترحاب من قبل الفرق الوهابیة خاصة فی الجزیرة العربیة، حیث یعتبروا فی منظورها من القبوریین أی عشاق الزیارات للمقامات والأضرحة وإحیاء المناسبات الخاصة بالأولیاء والصالحین، وهو ما یعتبر من البدع والضلالات والشرک حسب تصور هذه الفرق.
وهی لیست محل ترحاب أیضاً من قبل الفرق الأخرى الجهادیة والإخوانیة وحزب التحریر وغیرهم، فهی فی منظورها تعد فرقة سلبیة لا تثمر شیئاً ولا تتسلح بشیء من العلم والوعی والخبرة.
الجمعیة الشرعیة:
برزت هذه الفرقة على الساحة المصریة قبل فرقة أنصار السنة بسنوات، وقد رفعت منذ بدایة ظهورها شعاراً یقول: الجمعیة الشرعیة لتعاون العاملین بالکتاب والسنة المحمدیة.وهذه الفرقة یترکز نشاطها حول العبادات والأمور الأخلاقیة وتفر من السیاسة وأهلها، وقد قام بتأسیسها الشیخ محمود خطاب السبکی، وظل على رأسها إلى أن توفی لیخلفه ولده أمین من بعده ثم ولده یوسف إلى أن انقرضت عائلته.
وتلتزم هذه الفرقة بعقیدة أهل السنة السلفیة کما تمیل إلى فرقة الشافعیة ولا تتعاطف مع الوهابیین، فمن ثم دخلت منذ ظهورها وحتى الیوم فی صراع مع فرقة أنصار السنة بسبب بعض القضایا التى تتعلق بصفات الله سبحانه.
وتعد فرقة الجمعیة الشرعیة أکثر الفرق انتشاراً فی الأوساط الشعبیة فی مصر، کما تملک العدید من المساجد التی تفوق مساجد الحکومة فی مختلف محافظات مصر، إلاّ أنّها لم تلق تعاطفاً من الفرق الأخرى التی دخلت فی صدام مع الحکومة، کما لاقت فرقة أنصار السنة.
وکان الشیخ السبکی مؤسس هذه الفرقة قد ألف کتاباً تحت عنوان:الدین الخالص. اعتبرته الفرقة دستورها، کما أصدرت جریدة تنطق بلسانها تحـت اسم: منبر الجمعیة.
وقد انتمى إلى صفوف هذه الفرقة الکثیر من رجال الفرقة الأزهریة الذین ظلوا یعملون فی دائرة الفرقتین، وعلى رأس هؤلاء کان الشیخ أحمد عیسى عاشور صاحب مجلة الاعتصام التی ربطها بفرقة الجمعیة الشرعیة لتصبح الناطقة بلسانها حتى وفاته.
وقامت مجلة الاعتصام فی فترة السبعینیات بشن حرب شعواء على الحکومة والعلمانیین والکتاب والصحفیین والمسیحیین والفرق المخالفة حتى ضاقت بها الحکومة، فقررت مصادرتها مع قرارات التحفظ عام 1981م واعتقال القائمین علیها، ثم عادت إلى الصدور فی فترة الثمانینیات وتوقفت فی أواخرها بعد وفاة مؤسسها الشیخ عاشور.
ولقد ظلت هذه الفرقة تلعب دورها على الساحة المصریة دون أن تعترض الحکومة طریقها مما دفع ببعض الفرق الأخرى المناهضة للحکومة إلى محاولة اختراقها واستثمار مساجدها الکثیرة فی نشر أفکارها ومعتقداتها.
وعلى رأس هذه الفرقة فرقة الإخوان وفرقة الجماعة الإسلامیة التی تمکنت من السیطرة بعض الوقت على مسجد الجمعیة فی مدینة أسیوط بصعید مصر مما دفع بالحکومة إلى مصادرة المسجد وضمه إلى وزارة الأوقاف.
والفرقة الیوم قد دب فی وسطها الخلاف بین المجددین الذین یسعون إلى الخروج بها إلى معترک السیاسة والتقلیدیین الذین یرفضون الخروج عن المنهج الذی وضعه الشیخ السبکی ویرفضون أن یترأس الفرقة أی من العناصر ذات المیول السیاسیة أو المرتبطة والمتعاطفة مع الفرق الأخرى التی تنظر لها الحکومة بعین الشک.
النورسیة:
برزت هذه الفرقة فی ترکیا على ید الشیخ سعید النورسی کرد فعل للتیار العلمانی الذی هیمن على الحیاة فیها بعد سقوط الحکم العثمانی.وهی فرقة لیس لها فکر محدد یمیزها فقد حدد الشیخ النورسی أفکار فرقته من خلال کتاباته التی تعد المصدر الوحید لفکر هذه الفرقة.
وما حدده النورسی هو ما یلی:
ـ إیقاظ العقیدة الإسلامیة فی نفوس اتباعها.
ـ تجنب السیاسة.
ـ تهذیب النفوس.
ویظهر من خلال هذه النقاط الثلاثة أن هذه الفرقة تقلیدیة أقرب فی تصورها إلى فرقة التبلیغ، غیر أن هذا الخط هو ما أملته علیها ظروف ترکیا آنذاک والصراع الشرس الذی کان قائماً بین أتاتورک وحزبه والإسلام والمسلمین.
ولقد قاومت هذه الفرقة المد العلمانی فی ساحتها ورفضت القوانین الوضعیة ومنع الکتابة بالأحرف العربیة وتغییر الآذان إلى الکلمات الترکیة وجعل یوم الأحد العطلة الأسبوعیة وإلزام الناس بالقبعات الأفرنجیة ومنع الاحتفال بالمناسبات الإسلامیة والاتجاه نحو الغرب عموماً.
ولم تحظ هذه الفرقة بانتشار کبیر فی ربوع المسلمین إذ انحصرت فی ترکیا، کما لم تتمکن من البقاء والاستمرار طویلا بعد وفاة مؤسسها فقد تفرق أتباعها بین الأحزاب ولم یبق منها سوى کتابات النورسی التی تم ترجمتها إلى عدة لغات منها اللغة العربیة.
وکانت هذه الفرقة ومؤسسها قد لفت أنظار الفرق الأخرى التی کانت ترقب ما یجری للإسلام والمسلمین فی ترکیا التی کانت مرکز الخلافة قبل أتاتورک وکتبت الکثیر من الدراسات والبحوث فی النورسی وأفکاره.
الکوثریة:
برزت هذه الفرقة على ید الکوثری فی القرن الثالث عشر الهجری، وهی تسیر على نهج الأحناف والماتریدیة.وقد دخلت هذه الفرقة فی صدام مع فرق أهل السنة الأخرى وطعنت فی عقائدها وخاصة فرقة الحنابلة وفرقة الوهابیة.
وتتمیز فرقة الکوثریة بالمیل نحو الصوفیة وتعظیم المقامات الخاصة بأهل البیت مما دفع الفرقة الوهابیة إلى الصدام بها وإعلان الحرب علیها،کان الکوثری قد هاجم أئمة ورموز فرق أهل السنة وطعن فیهم واعتبرهم من المجسمة والمشبهة وشدّد هجومه على کتب الأشاعرة والوهابیة واعتبرها کتب وثنیة تدعو إلى التجسیم والتشبیه، ومن جانب آخر فإن فرقة الوهابیة اعتبرته من الداعین إلى البدع الشرکیة والتصوف وتعظیم القبور والقول بجواز التوسل بالأموات. انظر مقالات الکوثری وتعلیقه على کتاب البیهقی.
وللکوثری الکثیر من الرسائل والتعلیقات على مصنفات فرق أهل السنة الأخرى منها تعلیقات على کتاب الأسماء والصفات للبیهقی، وعلى کتاب السیف الصقیل.
وله تأنیب الخطیب على ما ساقه فی ترجمة أبی حنیفة من الأکاذیب(1).
والاستبصار فی التحدث عن الجبر والاختیار.
وله الکثیر من المقالات جمعت فی کتاب باسم: مقالات الکوثری.
وکان محیط نشاط الکوثری القاهرة، وبرز له أتباع فی محیط الشام(على رأس أتباع الشام عبدالفتاح أبو غدة، صاحب عدة مصنفات، سار فیها على نهج أستاذه الکوثری، وأعلنت علیه الحرب من قبل الفرق الوهابیة المعاصرة. انظر براءة أهل السنة من الوقعیة فی علماء الأمة ط القاهرة.).
أنصار السنة:
قامت هذه الفرقة فی مصر على ید أحد عناصر الفرقة الأزهریة فی عام 1926م وهو الشیخ محمد حامد الفقی.وقد تبنت هذه الفرقة نهج الفرقة الوهابیة وأفکارها، وعملت على نشر هذه الأفکار من خلال المساجد التابعة لها ودخلت فی صراع مع الفرق الصوفیة والفرق الأخرى المخالفة لها.
ونظراً لالتزام هذه الفرقة بالنهج الوهابی فقد ارتبطت ارتباطاً وثیقاً بالمؤسسة الوهابیة ورموزها وقد ساعدها هذا الارتباط ووفر لها الإمکانیات التی أهلتها لتثبیت أقدامها على الساحة المصریة والانتشار فی البقاع المجاورة لها مثل السودان وارتیریا ولیبریا.
وتتلخص عقیدة هذه الفرقة فیما یلی:
ـ الدعوة إلى التوحید الخالص.
ـ مجانبة البدع ومحدثات الأمور.
ـ الدعوة إلى إقامة المجتمع المسلم.
ـ الدعوة إلى تجدید الدین على هدی السلف وأئمة السنة.
ـ مقاومة الفرق الأخرى خاصة الصوفیة وتحذیر المسلمین منها.
ـ العمل على توحید المسلمین تحت عقیدة واحدة على أساس
المنهج السلفی.
وهذه الأهداف ذات الأبعاد الحرکیة والسیاسیة هی ما دفعت الحکومة إلى تصفیتها وضمها إلى فرقة الجمعیة الشرعیة فی أواخر العصر الناصری ولم تتمکن من الانشقاق عنها إلاّ فی عصر السادات الذی فتح علاقات واسعة مع السعودیة، کما أن هذه الأهداف جذبت شباب الفرق الأخرى الذین کانوا فی طور النشأة الفکریة قبل أن یتمیزوا عنها فی فرق مستقلة تتبنى أسالیب مختلفة فی مواجهة الواقع غیر أنها تتبنى نفس عقیدة أنصار السنة التی هی امتداد للعقیدة الوهابیة.ومثلما اتخذت الفرقة الوهابیة من ابن تیمیة وابن القیم وابن عبد الوهاب رموزاً لها ومراجع یستمدون منهم الأحکام والأفکار، اتخذت أنصار السنة هؤلاء الثلاثة رموزاً لها بالإضافة إلى فقهاء الوهابیة المعاصرین أمثال ابن باز وابن عثیمین والألبانی وغیرهم.
وکانت فرقة أنصار السنة تصدر مجلة الهدی النبوی، ثم أبدلتها إلى مجلة التوحید التی لا تزال تصدر حتى الیوم وتشن حرباً شعواء على فرق الصوفیة والأضرحة والمقامات والموالد ـ أی إحیاء المناسبات الخاصة بذکرى أبناء الرسول فی مصر ـ باعتبارها من البدع والضلالات، کما تشن حرباً على العلمانیین والعلمانیة والشیعة والمتشیعین وتبارک الخط الوهابی وتؤید الحکومة فی موقفها المعادی للفرق الأخرى.
وکحال فرق أهل السنة دبّ الخلاف بین عناصرها وأدى الأمر إلى إنشقاق بعض العناصر لیکونوا لأنفسهم فرقة مستقلة تحت اسم: دعوة الحق.
وأصدرت مجلة تنطق بلسانها هی مجلة الهدی النبوی.
ولیس هناک من فروق تذکر بین الفرقتین، فکل منهما یحمل عقائد وتصورات الآخر ویسیر على درب الوهابیة.
ومن بین رموز هذه الفرقة عبد الرزاق عفیفی وهو أحد عناصر فرقة الأزهریة، وعبد الرحمن الوکیل وکان من عناصر فرقة الأزهریة أیضاً.
ومحمد علی عبد الرحیم أحد رجال التعلیم وکان له دور بارز فی تعبئة الشباب المسلم بالأفکار الوهابیة فی الجامعات فی بدایة السبعینیات وقبل بروز الفرق السلفیة والجهادیة والتکفیر.
وهذه الرموز الثلاثة تربّت فی أحضان فرقة الوهابیة بجزیرة العرب(لهذه الرموز الثلاثة إصدارات هجومیة على فر ق الصوفیة والشیعة والأزهریة والإخوان والتکفیر بالإضافة إلى مقالاتهم الدائمة فی مجلة التوحید، وعفیفی والوکیل وعبدالرحیم الثلاثة عملوا بمجال التدریس بالمعاهد الوهابیة بجزیرة العرب.).
الصوفیة:
أخذ التصوف صوراً وأشکالا مختلفة على مر تاریخ المسلمین غیر أنّه لم یترجم على هیئة فرق إلاّ فی عصور متأخرة فی حدود القرن السادس الهجری.وفرق الصوفیة أکثر من أن تحصى وهی منتشرة فی جمیع بقاع العالم الإسلامی، ولیس هناک من فروق تمیز إحداها عن الأخرى سوى فی الأوراد والأذکار التی یرددونها فی المناسبات الإسلامیة ومناسباتهم الخاصة التی ترتبط بمؤسسیها، کما أن هذه الفرق جمیعها ترتبط بعقیدة أهل السنة.
وفرق الصوفیة لم تحظ باعتراف الفرق الوهابیة التی تعتبرها خارجة عن الإسلام الصحیح وتتبنى عقائدة شرکیة.
ومن أشهر الفرق الصوفیة المنتشرة فی واقع المسلمین الیوم:
الفرقة القادریة أتباع عبد القادر الجیلانی.
الفرقة الرفاعیة أتباع أبی العباسی الرفاعی.
الفرقة الشاذلیة أتباع أبی الحسن الشاذلی.
الفرقة المولودیة أتباع جلال الدین الرومی.
الفرقة النقشبندیة أتباع محمد بهاء الدین النقشبندی.
الفرقة التیجانیة أتباع أحمد التیجانی.
الفرقة الکتانیة أتباع أبو الغیص الکتانی.
الفرقة الختمیة أتباع محمد عثمان المیرغنی.
الفرقة الدسوقیة أتباع إبراهیم الدسوقی.
الفرقة البدویة أتباع أحمد البدوی.
الفرقة الأکبریة أتباع محیی الدین بن عربی.
الفرقة السنوسیة أتباع محمد بن علی السنوسی.
الفرقة البریلویة أتباع أحمد رضا خان.
وهذه هی فرق التصوف الکبرى، أما فرق التصوف الصغرى، فلا یتسع المجال لذکرها، لکثرتها وتحتوی الساحة المصریة على عدد کبیر منها احتوته هیئة حکومیة تحمل اسم المجلس الصوفی الأعلى الذی یضم الفرق الصوفیة المعترف بها رسمیاً، ویصدر مجلة شهریة تحت اسم: التصوف الإسلامی.
الإخوان المسلمون:
برزت هذه الفرقة على ید حسن البنا عام 1928م فی مصر، ثم انتقلت إلى بقاع أخرى من العالم الإسلامی بحیث أصبحت لا تخلو بقعة من فرقة من فرقهم حتى بلدان العالم الأوروبی.وتعدّ فرقة الإخوان منبع جمیع الفرق التی تبنت نهج الصدام مع الواقع مثل فرق القطبیین والتکفیر والجهاد التی سوف نتحدث عنها فیما بعد.
وقد استحوذت فرقة الإخوان على أعداد کبیرة من المسلمین حتى أصبحت أضخم فرق أهل السنة وأکثرها انتشاراً مما مکن لها أن تؤثر فی کثیر من الإحداث داخل مصر وخارجها.
وکانت فرقة الإخوان قد ارتبطت بکثیر من حوادث العنف والاغتیالات داخل مصر وخارجها، وکان صدامها مع حکم عبد الناصر فی فترة الخمسینیات قد أدى إلى ضربها وتصفیتها وحظر نشاطها وظلت فی دائرة الحظر حتى الیوم.
إلاّ أن الحظر الذی فرض على فرقة الإخوان فی مصر وغیرها لم یحل دون نشاطها فی دائرة السریة، إذ بثت هذه الفرقة خلایاها فی جمیع مرافق المجتمع ومؤسساته الحیویة وأحزابه السیاسیة ونقاباته المهنیة وساعدها على هذا النشاط الدعم الخارجی والإمکانیات التی بحوزتها، والتی تحصّلت علیها من دول النفط أثناء فترة الحصار والمطاردة من قبل عبد الناصر لعناصرها طوال فترة الخمسینیات والستینیات.
على الرغم من کون أطروحة فرقة الإخوان تمیل إلى الاعتدال والتسامح فی مواجهة الواقع، وقد کانت الفرقة على وئام مع الحکومات ومع أهل الملل الأخرى من الیهود والمسیحیین، إلاّ أن التزامها بنهج أهل السنة دفع بها إلى عدم التسامح مع الخصوم والمخالفین من التیارات السیاسیة والفرق الإسلامیة المخالفة.
إن فرق الإخوان المنتشرة على الساحة العالمیة لم تستطع أن تتوحد فی إطار واحد رغم کونها ذات تصور واحد وتدین لإمام واحد هو حسن البنا، وقد اشتدت الخلافات بین هذه الفرق وزاد التناحر فیما بینها بعد مصرع المؤسس حسن البنا.
الجماعة الإسلامیة:
برزت هذه الفرقة على ید المودودی فی باکستان قبل استقلالها عن الهند بسنوات فی نفس فترة بروز فرقة الإخوان بمصر.والمودودی له الکثیر من المؤلفات التی ترجمت إلى اللغة العربیة، وأسهمت فی بروز الکثیر من الفرق فی مصر وغیرها حیث تأثّر بهذه المؤلفات کثیر من العناصر التی أصبح لها دورها الفاعل فی الوسط الإسلامی وعلى رأسهم سید قطب.
ومن هذه المؤلفات: الجهاد فی سبیل الله.
نظریة الإسلام السیاسیة.
منهاج الانقلاب الإسلامی.
الحضارة الإسلامیة ومبادئها.
المصطلحات الأربعة.
وقد حدد المودودی أهداف فرقته فیما یلی:
ـ دعوة أهل الأرض إلى استخلاص الحکم من الطواغیت المستبدة والفجرة الفاسدة وانتزاع الإمامة الفکریة والعلمیة من أیدیهم وتسلیمها للمؤمنین من المسلمین.
ـ تصحیح أفکار المسلمین.
ـ العمل على الاصلاح الاجتماعی.
ـ تربیة المسلمین المنتمین لفرقته التربیة الإسلامیة الصحیحة.
ـ إصلاح الحکم.
وقد ساعدت ظروف باکستان والمناخ الإسلامی الذی سادها وهیمن على الرأی العام فیها بعد انفصالها عن الهند ـ ساعدت فرقة المودودی على النمو والانتشار والتمکن على ساحة الواقع لتصبح القوة الإسلامیة الفاعلة على الساحة الباکستانیة التی یتودد لها الحکام ویتقربون إلیها.
وهناک قواسم مشترکة بین فرقة المودودی وفرقة الإخوان من حیث المبادىء والأفکار والإطار التنظیمی إلاّ أن فرقة الإخوان فشلت فی تحقیق أیة مکاسب لها على ساحة الواقع فی مصر بینما نجحت فرقة المودودى فی فرض الإسلام على الحکم فی باکستان.
وتتمیز فرقة المودودی بکونها تحمل رصیداً فکریاً وسیاسیاً کبیراً جذب إلیها قطاعات المسلمین فی کل مکان.
وقد برزت على الساحة المصریة فرقة تسمت باسم فرقة المودودی تلک الفرقة التی برزت على ساحة الجامعة المصریة فی أوائل السبعینیات على ید مجموعة من الطلاب، ثم عملت لفترة تحت لواء فرقة الإخوان، ثم انشقت علیها وانقسمت إلى ثلاث فرق:
فرقة استمرت تحت لواء الإخوان.
وفرقة انتمت إلى السلفیین.
وفرقة رفعت لواء الجهاد.
والفرقة الأخیرة التی سادت صعید مصر هی التی ارتبطت بکثیر من الأحداث التی وقعت على الساحة المصریة فی فترة الثمانینیات بدایة باغتیال السادات وحتى قتل السیاح ورجال الأمن.
إلاّ أن هذه الفرقة لم تسلک نهج المودودی ولم تکن تحمل من فرقته سوى الاسم إذ أنها ارتبطت بنهج السلف وعقائد أهل السنة دون أن تخالط الواقع وتستثمره ودون أن تتحرر من عقل الماضی مما أدى إلى اصطدامها بالواقع بقوة وفشلها فی تحقیق أهدافها واستئصالها من قبل الحکومة.
وقد حددت الفرقة المصریة هدفها من خلال منشور أصدرته یحوى تسع نقاط وهو تعبید الناس لربهم وإقامة خلافة على نهج النبوة وحددت فیه أیضاً أن عقیدتها هی عقیدة السلف الصالح جملة وتفصیلا، وأن الطریق لتحقیق هدفها هو الدعوة بالأمر بالمعروف والنهی عن المنکر والجهاد فی سبیل الله من خلال جماعة منضبطة حرکتها بالشرع الحنیف وولاؤها لله ورسوله والمؤمنین وعداؤها للظالمین.
وکانت هذه الفرقة قد اتخذت من أحد العناصر المنشقة على فرقة الأزهریین أباً روحیاً لها وهو الدکتور عمر عبد الرحمن الذی قام بتصنیف کتاب لها تحت عنوان: أحوال الحکام، وهو کتاب یصنف حکام العصر على ضوء عقائد أهل السنة ویبرر الخروج علیهم.
ومن کثرة الصدامات بین هذه الفرقة ورجال الأمن والمسیحیین وعناصر الفرق الأخرى وعلى رأسها عناصر فرقة الإخوان، أصبحت مصدر قلق وإزعاج کبیر للفرق الأخرى وللکتاب والصحفیین
والسیاسیین، وتعدّ هذه الفرقة السبب المباشر فی استمرار قانون الطوارىء الذی یطوق جمیع الفرق على الساحة المصریة حتى بعد القضاء على هذه الفرقة(2).
حزب التحریر:
قام بتأسیس هذه الفرقة الشیخ تقی الدین النبهانی بعد مصرع حسن البنا، وذلک فی مدینة القدس، وقد حاول رجال فرقة الإخوان إثناء الشیخ تقی الدین عن عزمه تأسیس فرقة جدیدة تنازع فرقة الإخوان إلاّ أنهم لم ینجحوا فی ذلک.وهذه الفرقة تلتزم بنهج فرقة الأحناف، وتقیم تصوّراتها الفقهیة على أساس مذهبها ومنذ بروزها على ساحة الواقع وهی تعلن الحرب على الفرق المخالفة وتعمل على تشویهها وتسخر منها.
ویقوم نهج هذه الفرقة وتصوراتها على ما یلی:
ـ تبنی الصدع بالفکر فی مواجهة الواقع.
ـ تثقیف عناصر الفرقة بالثقافة الإسلامیة تثقیفاً مرکزیاً.
ـ التفاعل مع المجتمع بالعمل الثقافی والسیاسی.
ـ العمل على تسلّم الحکم عن طریق الأمة بطریق الانقلاب العسکری وطلب النصرة من أصحاب السلطة والنفوذ عن طریق إقناعهم بأفکار الفرقة دون التزامهم بها، فإن المهم فی منظور هذه الفرقة هو أن یقتنع حاکم أو زعیم قبیلة أو سفیر أو زعیم حزب بأفکار الفرقة ویساعدها على تسلم الحکم.
ومنذ ظهور هذه الفرقة وحتى الیوم لم تتمکّن من تحقیق أهدافها ولا نشر أفکارها بشکل واسع بین المسلمین کما هو حال فرقة الإخوان.
وقد تلقت الضربات تلو الضربات وأصبحت من الفرق المحظورة المطاردة من قبل الحکومات مما دفع بها إلى الاتجاه لأوربا ومحاولة نشر أفکارها هناک، وقد أثارت الفرق الأخرى الکثیر من الشبهات حول فرقة حزب التحریر وارتباطها بجهات أجنبیة، ومنبع هذه الشبهات یعود إلى أفکار هذه الفرقة وتصوراتها ومواقفها وممارساتها التی تتجاوز حدود الأخلاق والآداب والثوابت الشرعیة التی هی محل إجماع الفرق الأخرى.
ومن الأمور التی أخذتها الفرق الأخرى على فرقة حزب التحریر وفتحت الباب لإثارة الشبهات من حولها:
ـ التهاون فی أمر الصلوات.
ـ القول بإباحة الدخان.
ـ إباحة تقبیل المرأة الأجنبیة.
ـ جواز تولی المرأة القضاء.
ـ رفض حدیث الآحاد.
ـ تفلت عناصرها وعدم انضباطهم بالهیئة الإسلامیة.
ومثل هذه الأمور وغیرها هی التى دفعت بکثیر من المسلمین إلى نبذ هذه الفرقة والتشکیک فیها، وهی نفس الأمور التی أدت بهذه الفرقة إلى خسارة الکثیر من القواعد فی مختلف بلدان المسلمین وحصرتها فی النهایة فی دائرة ضیقة لتصبح أقل فرق أهل السنة شأناً وحجماً.
إلاّ أن فرقة حزب التحریر التی یمتاز عناصرها بالتعصب لأفکار مؤسس الفرقة وأطروحته ـ لا تزال تدعوا إلى هذه الأفکار وتنادی بهذه الأطروحة حتى الیوم وتحلم بإقامة دولة الخلافة على یدیها وکأن هذه الأفکار وأطروحة الشیخ تقی الدین منزلة من السماء وحالهم فی هذا کحال فرقة الإخوان التی عکفت على أفکار وأطروحة البنا تدعو وتتعصب لها حتى الیوم.
القطبیون:
تنسب هذه الفرقة إلى سید قطب أحد الأدباء الذی انتمى إلى فرقة الإخوان بعد مصرع مؤسسها حسن البنا وأعاد بلورة أفکاره على ضوء أفکارها، ثم صاغ لنفسه نظریة جدیدة للحرکة الإسلامیة تخالف نظریة الإخوان طرحها من خلال کتابیه: فی ظلال القرآن ومعالم فی الطریق.وکان أن انتمى لفرقة القطبیین الجیل الجدید من عناصر الإخوان فی الخمسینیات والستینیات والذین وجدوا عدم مواءمة طرح البنا للمرحلة الجدیدة خاصة فیما یتعلق بالموقف من الحکم.
وتترکز أفکار الفرقة القطبیة فیما یلی:
ـ المجتمعات المعاصرة مجتمعات جاهلیة بما فیها المجتمعات الإسلامیة.
ـ کفر الحکومات القائمة فی بلاد المسلمین.
ـ عدم جواز المشارکة فی الحکم أو ممارسة العمل السیاسی فی ظل الحکومات الکافرة.
ـ عزلة الواقع شعوریاً.
ـ وجوب جهاد الحکومات الکافرة.
ـ رفض الدعوة العلنیة.
وقد شنت الفرق السلفیة حرباً شعواء على الفرقة القطبیة بسبب بعض الآراء التی أوردها سید قطب فی کتبه والتی اعتبرتها هذه الفرق تخالف عقائد السلف من أهل السنة.
وسارعت الفرقة القطبیة بالدفاع عن نفسها وإثبات التزامها بعقیدة أهل السنة.
ولم تنحصر أفکار سید قطب فی محیط الساحة المصریة، بل امتدت إلى بقاع أخرى کثیرة من العالم الإسلامی وأوروبا، فقد شکلت هذه الأفکار بریقاً جذاباً للمسلمین فی کل مکان، وتحوّلت بالتالی الفرقة القطبیة إلى فرقة عالمیة.
التکفیر:
خرجت هذه الفرقة من تحت عباءة الإخوان فی منتصف فترة الستینیات داخل المعتقلات التی ضمت فرقة القطبیین مع فرقة الإخوان فی مصر.وقد برزت هذه الفرقة کرد فعل للحالة السلبیة التی اتخذتها فرقة الإخوان تجاه حکم عبد الناصر وصور التعذیب التی کانوا یتعرضون لها داخل المعتقلات وکان المنبع الذی أعطى لهذه الفرقة الدفعة الأولى هو فکر سید قطب مؤسس فرقة القطبیین.
وکان الطالب الجامعی شکری مصطفى الذی اعتقل فی فترة الستینیات رفع لواء التکفیر، وتمرد على الفرقتین، وقام بوضع حجر الأساس لفرقته التی بدأت فی الانتشار على ساحة الواقع المصری فی بدایة السبعینیات عندما أخلیت المعتقلات من العناصر الإسلامیة وأصبحت تشکل خطراً کبیراً على الفرق الأخرى.
ولم یقتصر فکر الفرقة على حدود مصر وحدها بل امتد إلى بقاع أخرى کثیرة من بلدان المسلمین.
وتعدّ أفکار فرقة التکفیر امتداداً لأفکار ومعتقدات فرقة الخوارج، خاصة فرقة الأزارقة، منهم التی تعدّ أشدّ فرقهم تطرفاً.
وتتلخص أفکار ومعتقدات هذه الفرقة فیما یلی:
التوقف فی الحکم على الناس بالإسلام حتى یتم التبین.
ـ رفض التراث وتقلید الفقهاء من الماضی والحاضر.
ـ العزلة عن المجتمع.
ـ تناول الدین من الکتاب والسنة مباشرة.
ـ وجوب الهجرة.
ـ التوسمات وانتظار علامات آخر الزمان وحدوث الملحمة الکبرى بین المسلمین والکفار.
ـ مرتکب الکبیرة کافر.
ومن هذه الأفکار یتبیّن لنا أن فرقة التکفیر لا تتبنى فکرة الصدام مع الواقع الذی حکمت علیه بالکفر والجاهلیة.
والحق أن هذه الفرقة التی حاولت الهروب من التقلید باعتباره صورة من صور الکفر لتصادمه مع النصوص فی منظورها، وقعت هی أیضاً فیه بتقلیدها شکری مصطفى المؤسس واتباعها أفکاره والتزامها بمعتقداته.
وقد حوربت فرقة التکفیر من الفرق الأخرى بشدة إلاّ أن هذه الحرب لم تؤثر شیئاً إذ أن الواقع کان یخدم اتجاهها ویزکّی أفکارها.
ومن جانب آخر ساعدت فکرة الهجرة التی تبنّتها الفرقة على دعم الأنشطة الخاصة بها وتثبیت أقدامها على الساحة، إذ العنصر المهاجر کان یلتزم بدفع أکثر من نصف دخله فی الخارج لفرقته.
ولشکری مصطفى عدة مؤلفات مخطوطة لم تخرج إلى النور وهی متداولة بین عناصر الفرقة منها:
مؤلف تحت عنوان: الإصرار، ویحکم فیه بکفر المصر على المعصیة.
ومؤلف تحت عنوان: الهجرة، ویوجب من خلاله الهجرة على المسلمین.
ومؤلف تحت عنوان: الخلافة، ویعرض فیه لاستخلاف الفئة المؤمنة. الظاهرة على الحق فی آخر الزمان ویقصد بها فرقته.
وأمام الحوادث والمتغیرات لم تتمکن فرقة التکفیر من الصمود والحفاظ على وحدتها وأصابها ما أصاب فرق السنة الأخرى من التمزّق والشتات، إذ انشقت علیها مجموعة من عناصرها لتکون فرقة جدیدة أشد غلواً وتطرفاً من الفرقة الأم رافضة فکرة التوقف والتبین والهجرة والانتظار وتبنت الجهاد فی مواجهة الواقع الذی حکمت علیه بالکفر إجمالا وأباحت لنفسها استحلاله.
وقامت الفرقة الولیدة بعدة محاولات لاغتیال وزیری الداخلیة وأحد الصحفیین فی النصف الثانی من الثمانینیات مما دفع بالحکومة إلى التصدی لها والقبض على عناصرها وتصفیتها(3).
الألبانیون:
وهی فرقة تنتسب لناصر الدین الألبانی الذی عکف على دراسة الأحادیث النبویة، وتخصص فیها، وکوّن لنفسه فرقة تعصب عناصرها له، واعتبروه محدث العصر ومرجع الأمة فی الروایات.وقد بدأ الألبانی نشاطه فی الشام وذاع صیته وصنف کتابه الشهیر فی دائرة الفرق وهو کتاب سلسلة الأحادیث الصحیحة والضعیفة.
وکان الألبانی قد اصطدم بفرق أهل السنة الأخرى مثل فرقة الشافعیة وفرقة الأحناف وفرقة الجهاد وغیرها من الفرق، ونادى بالتحرر منها واتباع الکتاب والسنة دون التقید بفرقة محددة.
ولم تقف الفرق الأخرى مکتوفة الأیدی فی مواجهته، فقد أعلنت الحرب علیه وعلى فرقته وأصدرت العدید من الکتب فی الرد علیه.
وقد حدد الألبانی معتقداته وأفکاره من خلال نقاط ثلاث هی:
ـ تحکیم کتاب الله وسنة رسوله فی کل ما یطرأ على حیاة المسلم، وفهمهما على نهج السلف.
ـ توعیة المسلم من البدع والأفکار الدخیلة.
ـ دعوة المسلمین إلى العمل بتعالیم وأحکام الإسلام.
ویظهر لنا من خلال هذه النقاط الثلاثة أن فرقة الألبانی ذات طابع وهابی.
المقبلیة
برزت هذه الفرقة فی الیمن على ید أحد العناصر الوهابیة الّتی تخصّصت فی مجال الروایة، منافسة بذلک فرقة الألبانیّین، وهو مقبل بن هادی الوادعی.وقد تبنّت هذه الفرقة نهجاً أکثر تشدداً فی مجال الحدیث وفی مجال الأحکام، وأصدرت الکثیر من أحکام الکفر على حکّام العصر کما اصدرت الکثیر من الأحکام المتطرّفة على دعاة ورموز الفرق الأخرى وحکمت بضلال الفرق السنیة ذات المیول السیاسیة مثل فرقة الجهاد والإخوان وحزب التحریر.
ومؤسس هذه الفرقة له الکثیر من المؤلفات المتشدّدة والتی تتداول أغلبها سراً فی البلدان الأخرى غیر الیمن.
ومن هذه المؤلفات:
ـ المخرج من الفتنة وهو کتاب یهاجم الفرق الأخرى والرموز البارزة فی ساحتها کما یهاجم الحکومات والتیارات الثقافیة والأدبیة والسیاسیة باعتبارها تعمل على نشر البدعة والانحراف بالمسلمین عن السنة التی تترکز حولها دعوة الفرقة.ـ الصحیح المسند من فضائل أهل بیت النبوة وهو کتاب موجّه إلى
الشیعة وفرقة الصوفیة.
وله بعض الرسائل الصغیرة الموجهة ضد الشیوعیین والعلمانیین ورموز الفرق الأخرى.الجهاد:
برزت فرقة الجهاد فی الساحة المصریة فی منتصف السبعینیات متأثرة بالنهج الوهابی والنهج القطبی معاً.من النهج الوهابی استمدت العقائد السلفیة.
ومن النهج القطبی استمدت فکرة جهاد الحکام.
وکان أول بروز لفرقة الجهاد فی حادثة الکلیة الفنیة العسکریة التی سیطر علیها عدد من طلابها أعضاء الفرقة تمهیداً لاستخدام أسلحتها وذخائرها فی الاستیلاء على الحکم والإطاحة بالسادات إلاّ أن المحاولة باءت بالفشل، ثم تطورت الفرقة بعد ذلک واستقطبت الکثیر من عناصر الفرق الأخرى لتصبح فی أفضل حالاتها التنظیمیة وتتمکن من اغتیال السادات عام 1981م.
إلاّ أنه بعد قمع هذه الفرقة واستئصالها من الساحة المصریة بعد حادث اغتیال السادات انتشرت فی بقاع أخرى، وأصبحت تشکل خطراً کبیراً على حکومات العدید من دول العالم الإسلامی وغیرها من الدول.
وقد أسهمت فرقة الجهاد بدور کبیر فی ساحة أفغانستان، واستوطنت على ساحتها وتحالفت مع فرقة طالبان.
وتعتقد فرقة الجهاد بوجوب إقامة الدولة الإسلامیة بالقوة المسلحة
والخروج على الحکومات القائمة وإسقاطها وأن الأحکام التی تعلو المسلمین الیوم هی أحکام کافرة، وأن حکام هذا العصر ارتدوا عن الإسلام، وأن فکرة الإصلاح والعمل السیاسی مرفوضة، وقد بلورت هذه المعتقدات على أساس من فکر السلف من أهل السنة.
ولقد أدت حملات البطش والمطاردات والتضیق على عناصر هذه الفرقة إلى تشردهم فی بقاع العالم وتحوّلهم إلى مجاهدین تحت الطلب یشارکون فی الثورات والمواجهات التی تنشب بین المسلمین والحکام فی أی مکان، وقد شارک الکثیر منهم فی معارک البلقان ضد الصرب کما یشارکون فی معارک الشیشان ضد الروس، وانتشرت بعض فرقهم الیوم فی محیط الیمن.
جهیمان:
وهی واحدة من الفرق الوهابیة التی برزت فی جزیرة العرب فی أواخر فترة السبعینیات، وتنسب إلى جهیمان العتیبی أحد تلامذة المدارس الوهابیة الذی اصطدم بفقهاء الوهابیة وعلى رأسهم ابن باز، وتمرد على الخط التقلیدی الذی تسیر علیه الفرقة الوهابیة فی مواجهة الواقع والأحداث.ولما فشل فقهاء الوهابیة فی احتواء جهیمان واتباعه تدخلت الحکومة وطاردت جهیمان واتباعه الذین فروا إلى الصحراء.
وتمکن جهیمان بعیداً عن عیون الحکومة من تأسیس فرقته وحدث أن اکتشف من بین عناصرها شخصاً یحمل اسم المهدی المنتظر وملامحه، فأعلن ظهور المهدی وتبعه فی هذا الادعاء الکثیر من العناصر الإسلامیة من مختلف البقاع الذین کانوا متواجدین فی الجزیرة العربیة وفی منطقة الحرم المکی التی أعلن ظهور المهدی فیها.
وسیراً مع الروایات المتعلقة بظهور المهدی وحرکته جاء جهیمان بفرقته ومعهم المهدی المزعوم إلى المسجد الحرام واستولى علیه وأعلن ظهور المهدی من خلال مکبرات الصوت الخاصة بالمسجد، وقد هیأ نفسه وفرقته للحصار والمواجهة مع القوى التی سوف تحاصره داخل الحرم کما أشارت الروایات المتعلقة بهذا الحدث والتی نصت على حصار المهدی وأتباعه داخل الحرم من قبل القوى الکافرة ووقع الصدام بین قوات الحکومة التی استعانت بقوات أجنبیة وبین فرقة جهیمان، وانتهى بمقتل المهدی المزعوم والقبض على جهیمان وإعدامه مع أکثر من ستین فرداً من أفراد فرقته.
ولم یأت جهیمان بأفکار جدیدة تمیّزه عن الفرقة الوهابیة غیر أنه أثار الشکوک فی شرعیة حکم آل سعود، وأقر جواز الصلاة بالنعال، وحرم حمل البطاقات والصحف بسبب الصور التی فیها.
ویمکن القول أن ضرب جهیمان وفرقته لم یقض على أفکارها ومعتقدتها التی انتشرت بین الشباب السلفی المعارض على مستوى الجزیرة العربیة وخارجها.
السلفیون:
وهی فرقة متولدة من الوهابیة وقد انتشرت فی بقاع کثیرة من العالم الإسلامی تحت اسماء ومسمیات مختلفة، وکانت قد برزت على الساحة المصریة فی فترة السبعینیات.وهذه الفرقة تلتزم بنهج السلف من أهل السنة وعقائدهم دون التقید بفرقة من الفرق القدیمة.
ویدور نشاطها فی المحیط العلمی التقلیدی فهی لا تتبنّى أیة توجهات سیاسیة أو حرکیة مناهضة للواقع ولا ترى فکرة الخروج على الحکام وتعتبرها مخالفة لنهج السلف، فمن ثم تنتقد بقوة الفرق الجهادیة أو التکفیریة أو الصوفیة التی تعتبر فی منظورها خارجة عن عقیدة السلف.
أما المفاهیم التی تقوم علیها فرقة السلفیین فهی:
ـ أن کل عقیدة تخالف کتاب الله وسنة رسوله عقیدة باطلة یجب حربها والقضاء علیها.
ـ أن کل زیادة أو نقص فی تشریع العبادات والسلوک یراد بها التقرب إلى الله وإصلاح النفس إنما هو بدعه مرفوضة.
ـ إن الهدى هو ما کان من الله ورسوله فقط.
ـ الجهاد إنما یکون وراء الخلیفة المسلم.
ـ الالتزام بنهج السلف عقیدة وفقهاء وسلوکاً.
ـ الاهتمام بالعلم الشرعی.
ـ مقاومة البدع والضلالات.
ولفرقة السلفیین الکثیر من المؤلفات التی تصدر عن رموزها فی مصر وغیرها، وهی تتناول قضایا تقلیدیة لا صلة لها بحیاة المسلم الیومیة، وتدور حول عذاب القبر وأهوال القیامة والجنة والنار والسحر والقبور والجنائز والتصویر وأحوال النساء والتحذیر من کتابات الفرق المخالفة التی تعتبر فی منظورها فرقاً مبتدعة وضالة کذلک أصدرت الفرقة الکثیر من الردود على المخالفین.
والفرقة السلفیة على صلة وثیقة بالمؤسسة الوهابیة فی الجزیرة العربیة تستمد منها الفتوى والدعم والإرشاد.
وقد انشقت عن التیار السلفی فی مصر مؤخراً فرقة متطرفة تبنت فکرة التکفیر على أسس سلفیة.
وکان السبب المباشر فی ظهور هذه الفرقة وانشقاقها هو الموقف من الإسلامیین الذین شارکوا فی الانتخابات التشریعیة لمجلس الشعب المصری، حیث کان موقف الفرقة الأم عدم تکفیرهم بینما رأت الفرقة المنشقة أنّهم کفار وقامت بإصدار منشور تدعم من خلاله أفکارها تحت عنوان: القول السدید فی أن دخول مجلس الشعب مناف للتوحید.
وقد کثرت الفرق السلفیة مؤخراً فی بقاع کثیرة وضاق بها فقهاء الفرق الأخرى من أهل السنة حیث أن هذه الفرق لا تستقطب إلاّ الشباب من
صغار السن الذین یتمیزون بقلة الخبرة والتهور والاندفاع فی إصدار الأحکام وعدم التأدب بأدب السلف مع المخالفین.
شریعة محمد:
وهی فرقة برزت فی باکستان على ید صوفی محمد، رافضاً اعتدال الفرق الأخرى تجاه المطالبة بتطبیق الشریعة الإسلامیة.ولیس لصوفی محمد نتاجات عقائدیة أو فکریة تضعه بین مصاف الرموز الکبرى فی الواقع الباکستانی کالمودودی مثلا، کما أنه لیس له تاریخ سیاسی سابق فی الساحة الباکستانیة.
ولا توجد لهذه الفرقة ممیزات تمیزها عن الفرق الأخرى فی باکستان سوى أنها تتبنّى نهج التطرف فی مواجهة الواقع سیراً مع النهج الوهابی، وقد برز تطرفها مؤخراً فی اندفاع زعیمها ومعه الآلاف من عناصر فرقته نحو أفغانستان للقتال إلى جوار فرقة طالبان مؤخراً(کان هذا الموقف مخالفاً لسیاسة الحکومة فی باکستان والتی اضطرت إلى القبض على صوفی محمد حین عودته إلى موطنه بعد هزیمة طالبان ومقتل الکثیر من عناصره وفقد الکثیر منهم فی أفغانستان).
ویمکن تحدید عقائد هذه الفرقة وأفکارها فی النقاط التالیة:
ـ الالتزام بنهج السلف وعقائدهم واجتهادتهم.
ـ وقف التعامل مع العصر إلاّ فی حدود هذا النهج وهذه العقائد.
ـ تبنی الأطروحة الوهابیة.
ـ مقاومة البدع والضلالات.
ـ الدعوة إلى تطبیق الشریعة.
وتعدّ هذه الفرقة من الفرق المنغلقة شدیدة التعصب فی الواقع الباکستانی.
جند الصحابة:
برزت هذه الفرقة المتطرفة فی باکستان أیضاً کرد فعل لحالة الاعتدال التی تسود الفرق الأخرى تجاه خصومهم ومخالفیهم فی الساحة الباکستانیة، فلم ترض هذه الفرقة عن مواقف الفرق الأخرى المتسامحة تجاه الآخرین خاصة الشیعة، فبرزت لتسدّ هذا الفراغ فی تصورها وتحیی سنة الجهاد ضد المسلمین المخالفین.من هنا فإن هذه الفرقة قامت بتسلیح عناصرها وتدریبهم على وسائل القتال والهجوم والکر والفر، لیقوموا بالإغارة على قرى الشیعة ومساجدهم ومراکزهم وینشروا الرعب والفزع فی وسط المسلمین الآمنین.
وهذه الفرقة وهابیة النزعة شدیدة التعصب لا تملک طرحاً فقهیاً أو نهجاً ثقافیاً، فقط تملک السلاح والمعتقد الوهابی.
وقد اعلنت عن تحالفها ومناصرتها لفرقة طالبان فی أفغانستان التی تسیر على نهجها وتعتقد بمعتقدها، وأصبحت تمثل قلقاً أمنیاً لحکومة باکستان.
ولیس لهذه الفرقة أی انتشار خارج المحیط الباکستانی، کما أنّها تعتبر من الفرق المحددة الانتشار بالقیاس إلى الفرق الأخرى السائدة فی باکستان.
الأزاهرة:
وهذه الفرقة تنتسب إلى المؤسسة الدینیة الحکومیة فی مصر، وهی مؤسسة الأزهر، وعناصر هذه الفرقة لهم زی خاص من بقایا العصر المملوکی العثمانی، ویضعون على رؤوسهم قلنسوة حمراء ملفوفة بعمامة بیضاء.والنهج الحنفی هو النهج السائد بین عناصر هذه الفرقة، وهو من موروثات العصر العثمانی الذی کان یدین بهذا النهج.
وقد أقام الأزاهرة الکثیر من التحالفات مع الفرق الأخرى المختلفة مثل الإخوان والوهابیین والشیعة، ثم انقلبوا على هذه الفرق وأعلنوا الحرب علیها تحت ضغط الحکومة.
وفرقة الأزاهرة لا تحکمها عقیدة ثابتة فهی مع الحکومة ورهن إشارتها لکونها ربة المؤسسة الأزهریة، وهی التی تختار رموزها وتعین مشایخها وتنفق علیهم، فمن ثم هی تتقلب بصورة مستمرة مع سیاسة الحکومة لا مع الدین.
وفی الفترة الملکیة من حکم مصر کانت هذه الفرقة تبارک الملک وتضفی المشروعیة على سیاساته ومواقفه، وفی الفترة الجمهوریة فی عهد عبد الناصر کانت تناهض الوهابیة والإخوان والکیان الصهیونی.
وفی عهد السادات تحالفت مع الوهابیة والإخوان وبارکت التقارب مع الکیان الصهیونی والاعتراف به، وأعلنت الحرب على إیران والشیعة ولا تزال على هذا الموقف لکون سیاسة الحکومة لم تتغیر تجاهه.
إن فرقة الأزاهرة قد أسهمت بدور کبیر فی تشویه الدین وجعله فی خدمة الحکام لیس فی مصر وحدها بل فی بقاع أخرى کثیرة وصلتها بعثاتهم المضللة الباحثة عن الدولار والریالات.
فرقة طالبان:
بعد اندحار القوات السوفیتیة من أفغانستان لم تستطع الفرق الأفغانیة التی ترفع لواء السنة والجهاد أن تحقق الأمن والاستقرار وتقیم الدولة الإسلامیة المنشودة بعد أن تیسر لها سبیل الاستخلاف فی الأرض، إذ اقتتلت فیما بینها ودامت الحروب بینهم سنوات طویلة راحت ضحیتها البلاد والعباد وعم الفساد الأرض.وکان أن استفز هذا الوضع مجموعات من طلاب المدارس الدینیة من الأفغان الذین یدرسون فی باکستان والذین فقدوا الأمل فی صلاح هذه الفرق واستقامتها وقدرتها على إقامة دولة، فقامت هذه المجموعات بتنظیم صفوفها وتدریب عناصرها وإعدادها فی قواعد أعدتها لهم باکستان بدعم من المخابرات الأمریکیة.
ثم دفعت باکستان بهذه المجموعات نحو أفغانستان لتغزوها وتدخل فی صدام مع الفرق المتناحرة على ساحتها وتتمکن من التغلب علیها ودحرها عن أغلب مناطق أفغانستان وإقامة دولة طالبان التی بدأت فی فرض أفکارها وعقائدها على المدن الخاضعة لنفوذها.
وتعدّ أفکار وعقائد فرقة طالبان امتداد لأفکار وعقائد الحنابلة والوهابیین المتشددین.
إلاّ أن فرقة طالبان بمجرد أن تمکنت من السلطة قامت بممارسات معوجة وتطبیقات خاطئة للدین، حیث رفعت شعار العنف فی تصفیة المخالفین لها والمعارضین لأفکارها من أبناء الشعب وقامت بإعدامهم بتهمة الخیانة وفرضت قیوداً على حریة الرأی والفکر وعزلت أفغانستان عن العالم الخارجی وقمعت أفراد الشعب ولم تنجح فی إقامة سیاسة عادلة على مستوى الداخل کما لم تنجح فی إقامة علاقات طیبة مع الدول المجاورة لها ودول العالم الأخرى، ذلک کله ما دفع الأفغان إلى النفور منها ودعم الجبهات المعارضة لها من الفرق الأخرى ووقوعها فی عزلة دولیة.
ولقد أدت مواقف وممارسات طالبان المتطرفة والتی تعکس حالة الانغلاق والعیش بعقل الماضی إلى وقوعها فی مآزق کثیرة، وعلى رأس هذه المآزق فقدانها القدرة على التعایش مع الواقع وما زاد الطین بلة احتضانها للفرق الجهادیة العربیة الفارة من مواطنها والتی جرت علیها فی النهایة المصیبة الکبرى التی تمثلت فی الغزو الأمریکی لأراضی أفغانستان.
وأصبحت طالبان وحدها فی مواجهة القوات الأمریکیة، وقد تخلت عنها باکستان تأتیها الضربات من کل مکان.
وحلت الفرق المناوئة لها بمعونة القوات الأمریکیة محلها فی کرسی الحکم الذی لم تستطع الحفاظ علیه.
ویمکن تحدید الأسس والأصول التی تمیز فرقة طالبان عن الفرق الأخرى فیما یلی:
ـ الانغلاق.
ـ انعدام الوعی والمرونة والخبرة.
ـ التعصب.
ـ عقل الماضی.
ـ اعتقاد أنهم الحق المطلق.
أما الفرق الأفغانیة الأخرى فیغلب علیها الطابع العرقی الذی جعلها تتناول الدین بصورة مختلفة وقبلیة، وهو الأساس فی خلافها مع فرقة طالبان، فإن النموذج الذی تبشر به، والتصور والمعتقدات التی تؤمن بها لا تختلف کثیراً عن فرقة طالبان، من هنا فإن الأساس فی صراعها مع طالبان هو أساس قبلی مصلحی.
وقد وجدت الفرق الأفغانیة ـ کما هو حال فرق أهل السنة الأخرى ـ فی نهج أهل السنة التأویل الوافی والتبریر الکافی لاستحلال کل منها للأخرى والقضاء علیها، فلیس من الغریب أن تجد عناصر هذه الفرق وقادتها یسلطون مدافعهم على المدن ویدمرونها على رؤوس الأبریاء ومخالفیهم من الفرق الأخرى، ثم یقیمون بعد ذلک الصلاة ویلتمسون من الله النصر والتمکین.
النتائج:
ممّا سبق عرضه من حال فرق أهل السنة یتبین لنا ما یلی:أولا: أن هذه الفرق متناحرة فیما بینها یکفّر بعضها بعضاً، والمعتدل منها ینظر إلى الأخرى بعین الشک والتربص.
ثانیاً: أن الخلافات السائدة بین هذه الفرق لا تختلف فی شیء عن الخلافات السائدة بین الفرق الأخرى خارج دائرة أهل السنة.
ثالثاً: أن طرح هذه الفرق لا یختلف فی شیء عن طرح الفرق الأخرى.
رابعاً: إن ارتباط فرق أهل السنة بالحکام هو العامل الوحید الذی أعطى لهذه الفرق القوة والانتشار.
خامساً: إن فرق الحاضر تنکرت لفرق الماضی وکفرت بها.
السلفیون کفروا بالأحناف والمالکیة والشافعیة.
والتکفیر أعلن کفره بجمیع فرق أهل السنة.
والجهاد نقض فکرة طاعة الحکام التی حافظت على أهل السنة إلى الیوم.
والوهابیون کفروا بالجمیع عدا الحنابلة وابن تیمیة.
وهذه الفرق الأربعة کفرت بفرقة الإخوان المسلمین وفرقة التبلیغ والدعوة وفرقة حزب التحریر وفرقة الجماعة الإسلامیة.
وفرقة حزب التحریر کفرت بکل هذه الفرق واعتبرتها متخلفة فی المواقف وأنماط التفکیر.
إلاّ أن جمیع هذه الفرق تدین بالولاء والتبعیة لفرقة الرواة فهی تستمد منها المشروعیة من خلال الروایات التی جاءت بها والتی تعدّ الرکیزة الإساسیة لفرق الماضی والحاضر.
المصادر :
1- کتاب تاریخ بغداد
2- کتاب الحرکة الإسلامیة فی مصر.
3- کتاب الحرکة الاسلامیة فی مصر. وقد أطلق على الفرقة الجدیدة اسم: (الناجون من النار).
/ج
