بلاء المؤمنین

روی عن الإمام الصادق علیه السلام: "وقد کان قبلکم قوم یقتلون ویحرقون وینشرون بالمناشیر وتضیق علیهم الأرض برحبها فما یردّهم عمّا هم علیه شیء ممّا هم فیه من غیر تِرة وتروا من فعل ذلک بهم ولا أذى،﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن یُؤْمِنُوا بِاللَّهِ
Monday, April 28, 2014
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
بلاء المؤمنین
بلاء المؤمنین

 






 

روی عن الإمام الصادق علیه السلام: "وقد کان قبلکم قوم یقتلون ویحرقون وینشرون بالمناشیر وتضیق علیهم الأرض برحبها فما یردّهم عمّا هم علیه شیء ممّا هم فیه من غیر تِرة وتروا من فعل ذلک بهم ولا أذى،﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن یُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِیزِ الْحَمِیدِ﴾، فاسألوا ربّکم درجاتهم واصبروا على نوائب دهرکم تدرکوا سعیهم"(1).
وعن الإمام أبی جعفر علیه السلام قال: "بعث الله نبیّا حبشیّا إلى قومه فقاتلهم، فقتل أصحابه وأسروا وخدّوا لهم أخدودا من نار ثمّ نادوا: من کان من أهل ملّتنا فلیعتزل، ومن کان على دین هذا النبیّ فلیقتحم النار، فجعلوا یقتحمون، وأقبلت امرأة معها صبیّ لها فهابت النار، فقال لها: اقتحمی، قال: فاقتحمت النار، وهم أصحاب الأخدود"(2)

حسن العاقبة

یقول الله سبحانه تعالى فی محکم کتابه:
﴿تِلْکَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِینَ لَا یُرِیدُونَ عُلُوًّا فِی الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ﴾(3)
من المسائل المهمّة جدّاً فی حیاتنا وسلوکنا وعلاقتنا مع الآخرین مسألةُ تقییم الأشخاص وکیفیّة التعامل معهم، هل على أساس الماضی فقط؟ أم على أساس الحاضر؟ وما هی الأسس الّتی نبنی علیها موقفنا العاطفیّ والعملیّ تجاههم؟
فإذا أردنا تقییم إنسانٍ ما، فإنّ من الجَور أن نبنی موقفنا على ماضیه فقط، بل یجب الأخذ بعین الاعتبار حاضر هذا الإنسان. أمّا الّذی یختلف ماضیه عن حاضره؛ فإنّ الإسلام یقودنا للتعاطی معه على أساس حاضره، فالمهمّ هو حاضر الإنسان الآن وواقعه الحالیّ.
وبناءً على ذلک، فإنّ المعیار الّذی یتعلّق بحسابات وموازین الآخرة فی تقییم الأشخاص هو حالهم عند رحیلهم عن هذه الدنیا؛ فعن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: "إنّ الرجل لیعمل بعمل أهل الجنّة سبعین سنة فیحیف (یظلم) فی وصیّته فیختم له بعمل أهل النار، وإنّ الرجل لیعمل بعمل أهل النار سبعین سنة فیعدل فی وصیّته فیختم له بعمل أهل الجنّة"(4).
فالروایة تشیر إلى أنّ العمل الّذی یختم به الإنسان حیاته مؤشرٌ على حاله ووزنه فی الآخرة.
حسن العاقبة: دعاءُ النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم والأئمّة علیهم السلام
إنّ الّذی یجب أن یشغل بال الإنسان حقیقةً لیس الحاضر فقط بل حاله ومآله فی المستقبل؛ مستقبل دینه وسلوکه وأخلاقه والتزامه، التزامه الفکریّ والسیاسیّ والعملیّ. فهذا الّذی ینبغی أن یشغل حیّزاً کبیراً من تفکیره؛ ولهذا نجد فی الأدعیة عن النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم وأهل بیته علیهم السلام الطلب من الله أن یختم حیاتهم بالخیر وأن یرزقهم حسن العاقبة وأن یجعل عواقب أمورهم خیراً.
وهنا، علینا أن نفکّر ماذا ینبغی أن نفعل لتکون خاتمتنا طیّبة فتحسن عاقبتنا؟ وما هی الأمور الّتی علینا أن نحذر منها ونبتعد عنها حتّى لا تسوء عاقبتنا؟

عوامل مؤثّرة فی العاقبة

إنّ العوامل والأمور المؤثّرة فی هذا المقام کثیرة، ولکنّنا سنتعرّض للمهمّ والمؤثّر منها:
الأمن من مکر الله سبحانه وتعالى:
ویکون ذلک من خلال اطمئنان الإنسان إلى عمله الماضی واعتبار نفسه متدیّناً، مجاهداً ومضحّیاً... وقد یصل به ذلک إلى الإعجاب بعمله والاغترار به.
وهذا الأمن من مکر الله سبحانه یؤدّی إلى نتائج سلبیّة على المستوى الروحیّ. ومع الوقت یجد الإنسان نفسه فی مکان آخر؛ مع العصاة والظالمین. یقول أمیر المؤمنین علیه السلام فی نهج البلاغة: "یا ابن آدم إذا رأیت ربّک سبحانه یتابع علیک نعمه وأنت تعصیه فاحذره"(5).
فانتبه أیّها الإنسان من أن تعتَبر نفسک أهلاً لهذه النّعم. لقد کان رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم یحذّر من هذا الأمر ویوصی المؤمن بأن یکون خائفاً وقلقاً من سوء العاقبة، فعنه صلى الله علیه وآله وسلم:
"لا یزال المؤمن خائفاً من سوء العاقبة، لا یتیقّن الوصول إلى رضوان الله حتّى یکون وقت نزع روحه وظهور ملک الموت له.. "(6) فقلق المؤمن وخوفه ینتهیان عند نزع الروح. فما دام التکلیف فعلیّاً علیه فهو فی حالة خوفٍ وقلقٍ من أن یختم حیاته بعملٍ سیّئ فتسوء عاقبته لا سمح الله.

الیأس من رحمة الله:

عندما یتذکّر الإنسان ماضیه السیّئ ومعاصیه وآثامه وخطایاه اّلتی قد ارتکبها قد ییأس من رحمة الله, ویعتبر أنّ باب التوبة قد أُغلق بوجهه، وهذا یجعله یغرق أکثر فی المعصیة، وبالتالی تسوء خاتمته وعاقبته.
إلا أنّ الجواب الإلهیّ على مثل هذا الیأس قوله تعالى: ﴿قُلْ یَا عِبَادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعًا﴾(7), فالآیة تقرّر أنّ باب التوبة والإنابة والرجوع إلى الله مفتوح ولا یجوز للإنسان أن ییأس من رَوح الله مهما کانت ذنوبه ومعاصیه کثیرة. إلّا أنّ هناک أمراً لا بُدّ من الالتفات إلیه، وهو أنّ هذا الاستغفار لا علاقة له بما تعلَّق فی ذمّة الإنسان من حقوق الناس، کالاعتداء علیهم أو على أموالهم وممتلکاتهم. فلا بُدّ من إرجاع الحقوق إلى أصحابها والاستحلال منهم، فإنّ ذلک شرط لقبول التوبة.
من هذین العاملین نفهم معنى أن یعیش الإنسان المؤمن بین الخوف والرجاء؛ فلا الأمن من مکر الله جائز ولا الیأس من رحمته جائز أیضاً.

الغفلة عن الله سبحانه وتعالى:

فالإنسان المؤمن بالله سبحانه یمکن أن یغفل عنه وینساه, هذه الغفلة إذا طالت فإنّها تؤدّی إلى قسوة القلب وإلى البعد عن الله، بل الله سبحانه قد ینسانا﴿نَسُواْ اللّهَ فَنَسِیَهُمْ﴾(8) ویکلنا إلى أنفسنا ویرفع عنّا عنایته وهدایته ولطفه، وبالتالی ستکون عاقبتنا وخاتمتنا سیّئة. وکذلک عندما نأتی لموضوع الغفلة عن الموت وعمّا بعد الموت فإنّ ذلک یؤدّی إلى قسوة القلب والتعلّق بالدنیا والغرق فی الشهوات والأطماع والأهواء فتسوء عندئذٍ العاقبة والخاتمة.
فالّذی یغفل عن الله ولا ینتبه إلى انغماسه فی المعاصی لا یجد ما یردعه عن تلک الأفعال والأقوال, ولکن، بالمقابل، الّذی یبقى یقظاً من خلال حضور الله سبحانه وتعالى فی وجدانه لا یغفل ولا ینسى، بل یبقى ذاکراً، وهنا الذکر لیس المراد منه الذکر اللسانیّ، بل الذکر الحقیقیّ الّذی نرى من خلاله حضور الباری عزّ وجلّ فی کلّ المواقف، فلا نعصیه خجلاً وحیاءً منه، ولا نطیعه تقرّباً وتزلّفاً للناس، بل شوقاً وحبّاً له عزّ وجلّ.
هذا التذکُّر لله سبحانه والانتباه إلى حضوره وإلى مراقبته وإلى أنّه سمیعٌ وبصیر ومحیط، یمنع الإنسان من المعصیة ویشجّعه على الطاعة. وفی حدیث للإمام الباقر علیه السلام قال: "ثلاثٌ من أشدّ ما عمل العباد: إنصاف المرء من نفسه، ومواساة المرء أخاه، وذکر الله على کلّ حال؛ وهو أن یذکر الله عزّ وجلّ عند المعصیة یهمُّ بها فیحُول ذکر الله بینه وبین تلک المعصیة، وهو قول الله عــــــزّ وجـــلّ: ﴿إِنَّ الَّذِینَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّیْطَانِ تَذَکَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾(9).
فلنتأمّل، فی هذه الأمور الثلاثة الّتی ذکرتها الروایة فإنّها من أشدّ ما فرض الله:
الأمر الأوّل: إنصاف الناس من نفسک وفی الواقع تحقیق هذا الأمر بحاجة إلى مجاهدة وإلى مرتبة عالیة من الإیمان، فأن تحکم بالعدل بین المتخاصمین أمر جیّد ومطلوب، ولکن أن تحکم بالعدل فیما لو کنت أنت نفسک أو أحد أقربائک طرفاً فی القضیّة، فهذا بحاجة إلى إخلاص وإلى مرتبة عالیة من التقوى والورع والتوفیق الإلهیّ.

الأمر الثانی: مواساتک لأخیک

أن تواسی أخاک فی مالک إذا احتاج إلیه أو وقع فی مشکلة فتعینه وتشدّ أزره. وهنا کلمة الأخ مطلقة یراد منها الأخ فی الإیمان وهی أعمّ من الأخ الرحمیّ، وإن کان الأخ المؤمن الرحمیّ صاحب حاجة فهو أولى من غیره.

الأمر الثالث: ذکر الله على کلّ حال

هذا الذکر الّذی یرغّبک فی طاعة الله ویقوّی عزیمتک ویدفعک ویحثُّک للاقتراب أکثر فی ساحة العبودیّة لله سبحانه وتعالى، کما أنّه یردعک ویمنعک من ارتکاب المعصیة.
وفی الواقع، إنّ التجربة تقودنا إلى أن لا نرکن إلى أیّة ضمانات وأن لا ندع طول الأمل یدخل ساحتنا، فلا الشباب ولا الصحّة ولا المال یمکن أن تشکّل ضمانة للإنسان لتجنّب سوء العاقبة وسوء الخاتمة.
وفی هذا السیاق نرى أنّ الکثیر من التشریعات الإسلامیّة جاءت لتحثَّ الإنسان على التذکّر والتفکّر بالعاقبة والخاتمة، ومن ذلک استحباب إعلام المؤمنین عند موت الإنسان، ومواساة أهله، واستحباب زیارة القبور.. فکلّ هذه الأمور تحیی قلب الإنسان بالموعظة وتجعله ذاکراً، لا یغفل ولا ینسى ربّه.
عن الإمام الباقر علیه السلام: "إیّاک والغفلة، ففیها تکون قساوة القلب"(10).

 

التقوى والتزکیة:
یقول تعالى مخاطباً رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَکَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَیْهَا لَا نَسْأَلُکَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُکَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾(11)،ویقول:﴿تِلْکَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِینَ لَا یُرِیدُونَ عُلُوًّا فِی الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ﴾(12).
نستفید من هاتین الآیتین أنّ العاقبة الحسنة هی نتاج التقوى, والتقوى تعنی أن یتّقی الإنسان کلّ ما یُفضی إلى الإثم ویوقعه فیه؛ ولذلک ورد عن الإمام علیّ علیه السلام: "التقوى اجتناب"(13)، وبمعنى آخر التقوى تعنی المراقبة، أی أن یعیش الإنسان حالةً یراقب فیها نفسه وأقواله وأعماله فیردعها عن ارتکاب الذنوب وفعل المعاصی ویشجّعها على فِعل الطّاعات والواجبات.
عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فی وصیّته لأبی ذر: "علیک بتقوى الله فإنّها رأس الأمر کلّه"(14). فالتقوى هی الأساس والأصل للأمور الثلاثة الّتی تقدّم ذکرها، ومن حصل علیها فقد تمسّک برأس الأمر کلّه.
وعن الإمام علیّ علیه السلام: "أیسرُّکَ أن تکون من حزب الله الغالبین؟ اتّق الله سبحانه وأحسن فی کلّ أمورک، فـ ﴿إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِینَ اتَّقَواْ وَّالَّذِینَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾(15) والحدیث الأخیر فی مسألة التقوى هو ما ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام: "التقوى حصنٌ حصین..."(16). فالمتّقی محصَّن، فلا شیاطین الجنّ والإنس ولا الفضائیّات ولا الإنترنت ولا زخارف الدنیا وبهارجها ولا کلّ ما یراه ویسمعه یمکن أن ینالوا من عزمه وإرادته والتزامه واندفاعه وتقواه.

التزکیة ضمانة التقوى

وأمّا التزکیة الّتی من خلالها یصل الإنسان إلى مرحلة یسیطر فیها على قواه النفسیّة والجسدیّة فتصبح نفسه مطیعةً ومنسجمةً ومقتنعةً وتابعةً لما یریده الله سبحانه، فلا یحتاج بعدها المرء لمعرکة مع نفسه الأمّارة حتّى یتخلّى عن الذنب ویترکه، بل یرى أنّه من السهل اجتناب المعاصی والذنوب. هذه التزکیة بحاجة إلى تربیة وجهد وعناء وصبر وعزیمة وإصرار وتوکّل وإرادة، وبالتالی یصبح عندنا ضمانة للتقوى ولحسن العاقبة ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَکَّاهَا﴾(17)، ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَکَّى﴾(18).
وفی الختام نذکر أنّ هناک أعمالاً خاصّة تساعد على حسن العاقبة، منها قضاء حوائج الإخوان والإحسان إلیهم، فعن الإمام الکاظم علیه السلام: "إنّ خواتیم أعمالکم قضاءُ حوائج إخوانکم والإحسان إلیهم ما قدرتم، وإلّا لم یقبل منکم عمل، حنّوا على إخوانکم وارحموهم تلحقوا بنا"(19).
نسأل الله سبحانه وتعالى حُسن العاقبة، وأن یختم لنا بخیر، وأن یُعیننا على أنفسنا، وعلى ابتلاءاتنا، وعلى اختباراتنا، وعلى امتحاناتنا؛ لنکون إن شاء الله من أهله ومن أهل جنّته ورضوانه ومن أهل جواره، وهذا ما یحتاج إلى الدعاء والنیّة والعزم والإرادة والجهد.
المصادر :
1- الکافی، ج 8، ص 248.
2- البحار، ج 14، ص 441.
3- سورة القصص، الآیة: 83.
4- بحار الأنوار، العلامة المجلسی، ج 100، ص 200.
5- نهج البلاغة (خطب الإمام علی علیه السلام )، الشریف الرضی، ج 4، ص 7.
6- بحار الأنوار، ج 6، ص 176.
7- سورة الزمر، الآیة: 53.
8- سورة التوبة، الآیة: 67.
9- سورة الأعراف، الآیة: 201/الخصال، الشیخ الصدوق، ص 131.
10- بحار الأنوار، ج 75، ص 164.
11- سورة طه، الآیة: 132.
12- سورة القصص، الآیة: 83.
13- عیون الحکم والمواعظ، اللیثی الواسطی، ص 60.
14- بحار الأنوار، ج 63، ص 289.
15- سورة النحل، الآیة: 128/میزان الحکمة، الریشهری، ج 1، ص 600.
16- بحار الأنوار، ج 75، ص 62.
17- سورة الشمس، الآیة: 9.
18- سورة الأعلى، الآیة: 14.
19- بحار الأنوار، ج 72، ص 379.



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.