احدى الفرق الاسلامیة المنقرضة التی خرجت عن التشیع الحق بعد شهادة الامام الحسین (علیه السلام)بست سنوات، تفردوا بعقائدهم عن الشیعة وقالوا بإمامة محمد بن الحنفیة، اطلق علیهم اسم الکیسانیة نسبة إلى کیسان مولى محمد بن الحنفیة وقیل مولى امیر المؤمنین (علیه السلام)الذی ینسب إلیه تاسیس هذه الفرقة. وقیل ایضاً لأن المختار کان لقبه کیساناً.
عوامل الظهور :
قیل ان المخـتار بن أبـی عبـید الثقفی (66 هـ) دعا الکیسانیة إلى امامة محمد ابن الحنفیـــة. وکان السبب فی نشوء الکیسانیة فیما بعد ان عبید الله بن زیاد لما فرغ من قتل مسلم بن عقیل (رضی الله عنه) وفرغ من قتل الامام الحسین بن علی (علیه السلام)رفع الیه بأن المختار بن أبی عبید کان ممن خرج مع مسلم بن عقیل ثم اختفى، فأمر بإحضاره فلما أدخل علیه رماه بعمود کان فی یده فشتر عینه وحبسه فتشفع الیه فی امره قوم فأخرجه من الحبس وقال له قد اجلتک ثلاثة أیام فان خرجت فیها من الکوفة وإلا ضربت عنقک. فخرج المختار هارباً من الکوفة إلى مکة وبعد موت یزید بن معاویة، عاد المختار إلى الکوفة ووالیها یومئذ عبد الله بن یزید الانصاری فلما دخل الکوفة دعاهم إلى البیعة له ووعدهم انه یخرج طالباً بثأر الامام الحسین (علیه السلام)ودعاهم إلى محمد بن الحنفیة، واجتمع إلى المختار من بایعه فی السر وکانوا زهاء سبعة عشر الف رجل، وخرج المختار على والی الکوفة عبد الله بن مطیع فانهزم جند الزبیریة واستولى المختار على الکوفة ونواحیها وقتل کل من کان بالکوفة من الذین قاتلوا الحسین(علیه السلام)بکربلاء.اجتهاد بعض رجال الفرقة فی مقابل النص وتقدیمهم الدلائل الضعیفة والحجج الواهیة للقول بإمامة محمد بن الحنفیة، باعتبار انه صاحب رایة ابیه یوم البصرة دون اخویه الحسن والحسین (علیه السلام)او للرأی الثانی القائل بأنه اقرب إلى امیر المؤمنین (علیه السلام)بعد الحسن والحسین (علیه السلام)وأولى الناس به.
الدعم الجماهیری الواسع الذی لقیه المختار بن ابی عبید الثقـفی من القواعد الشیعیة التی کانت تنتظر من یقودها لتثأر للدماء الزکیة التی سقطت فی عاشوراء عام 61 هـ واستشهاد سبط رسول الله الامام الحسین بن علی (علیه السلام)فاستطاعت حرکـته ان تنفذ بسرعة فی الکوفة ولم یزل اصحابه یکثرون وامره یقوى.
النشأة والتطور :
قویت الفرقة الکیسانیة وازدادت قوة برفع شعار « یالثارات الحسین » وجذب النادمین الذین خذلوا الامام الحسین (علیه السلام)ولم ینصروه ضد یزید واستقطاب المخالفین للارهاب الاموی المتجـبر.فاستطاع المختار فی فترة وجیزة تألیف جیش جرار والاستیلاء على الکوفة.تشعبت الکیسانیة إلى فرق متعددة رجعت کل فرقة إلى شخص وقالت بامامته ودعت الیه، فمنهم اصحاب کیسان مولى أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب (علیه السلام)وقیل تلمیذ محمد بن الحنفیة.
ومنهم المختاریة : وهم اصحاب المختار بن ابی عبید الثقفی.
و منهم الهاشمیة : اتباع ابی هاشم بن محمد بن الحنفیة الذین قالوا بموت محمد بن الحنفیة وانتقال الامامة إلى ابنه ابی هاشم الذی افضى الیه أبوه بالاسرار والعلوم الیه.
والبیانیة : وهم اتباع بیان بن سمعان التمیمی قالوا : بانتقال الامامة من ابی هاشم الیه وهم غلاة قالوا بألوهیة أمیر المؤمنین (علیه السلام)
و الرزامیة : وهم اتباع رزام بن رزم ساقوا الامامة من علی (علیه السلام)إلى ابنه محمد ثم إلى ابنه ابی هاشم ثم منه إلى علی بن عبد الله بن عباس بالوصیة ثم إلى محمد بن علی والذی اوصى بعده إلى ابنه ابراهیم الامام وهو صاحب ابی مسلم الخراسانی. حتى بلغت فرق الکیسانیة احدى عشرة فرقة.
تطورت عقائدهــم وافکارهم حتى عُدُّوا الأصلَ لاکثر الافکار الغالیة وخرجوا عن التشیع وقالوا فی علی قولاً شنیعاً.
انحط مرکز الامامة کثیراً على ید فرق من الکیسانیة، وذلک حین اباحت تلک الفرق لأفراد من الناس لا یمتون للعلویین ولا للهاشمیین بصلة ان تقلدوا الامامة امثال بیان بن سمعان النهدی وحمزة ابن عمارة البربری وعبد الله بن عمرو بن حرب الکندی الشامی وغیرهم.
ساعد میل بعض فرق الکیسانیة إلى العباسیـین على انتشار افکارهم ومساندتهم من قبل الحکام العباسیـین، فقد خالف قسم من رجال الکیسانیة الامامیة فی أصول الامامیة لانهم اخرجوها من بنی علی (علیه السلام)إلى بنی العباس وإلى ابن الکندی وابن الحارث کما خالفوهم بتلک المقالات الخاطئة المنافیة للتشیع الاسلامی النزیه، کالقول بإباحة المحرمات التی قالت بها الحارثیة من الکیسانیة وکالقول بالتناسخ وتحول الارواح من شخص لآخر.
وقد انصف ابن خلدون حیث جعل الکیسانیة، القائمین بدولة بنی العباس من شیعة العباسین لامن شیعة العلوین القائلین بإمامة زین العابدین علی بن الحسین (علیهما السلام)
الافکار والمعتقدات :
ـ قالوا بأن الامامة نص وقد نص أمیر المؤمنین علی (علیه السلام)على تولیة ابنه محمد بن الحنفیة الخلافة من بعده.ـ القول بالتناسخ وحلول الارواح من شخص إلى آخر،و ان الله حلَّ فی اجسام الائمة وانه حل فی محمد بن الحنفیة ثم فی عبد الله ابنه ثم انتقل وتحول فی عبد الله بن معاویة بن جعفر بن ابی طالب.
ـ اباحوا المحرمات وترکوا القضایا الشرعیة وهو اعتقاد الحارثیة من فرق الکیسانیة.
ـ قولهم بأن الدین طاعة رجل وأَوّلوا الارکان الشرعیة (الصلاة والصیام والزکاة والحج) وغیر ذلک على رجال فحمل بعضهم على ترک الامور الشرعیة بعد الوصول إلى طاعة الرجل ، وکل الارکان کنایات عن رجال معینین.
ـ والراوندیة من فرق الکیسانیة زعموا بان النبی (صلی الله علیه وآله وسلم)، نص على العباس بن عبد المطلب ونص عبد الله على امامة ابنه علی بن عبد الله ثم ساقوا الامامة إلى ان انتهوا بها إلى ابی جعفر المنصور.
ـ قالوا بان محمد بن الحنفیة هو المهدی المنتظر (عجل الله فرجه الشریف)
ـ وزعمت فرقة من الکیسانیة ان علیاً فی السحاب وان تأویل قول الله ( هل ینظرون إلا ان یأتیهم الله فی ظلل من الغمام والملائکة ) انما یعنی ذلک علیاً فکانوا على هذا زماناً توافقون الحربیة البیانیة فی ذلک ثم خالفوهم ورجعوا عن قولهم فی ذلک.
ـ المختاریة وهی فرقة منهم یزعمون انهم فی التیه لا امام لهم ولا قیم ولا مرشد، لأن علیاً کان قد اوصى إلى الحسن واوصى الحسن إلى الحسین واوصى الحسین إلى محمد بن الحنفیة فکان العلم والمقنع فی دار التقیة ولذنبه عاقبه ولأجله اخرج من داره فکانت تلک عقوبته اذا کان اماماً على سبیل عقوبة الانبیاء وقد نبذ الامر إلى ابنه عبد الله ابی هاشم.
ـ وزعمت الرزّامیة وهی فرقة من فرق الکیسانیة ان ابا مسلم الخراسانی حی لم یمت، ودانوا بترک الفرائض، وقالوا ان الدین معرفة الامام واداء الامانة فقط.
ابرز الشخصیات :
1 ـ المختار بن ابی عبید مسعود الثقفی ابو اسحاق2 ـ کیسان أبو عمرة
3 ـ ابو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفیة
4 ـ محمد بن الحنفیة
الانتشار ومواقع النفوذ :
ـ ثبت المختار مرکزه فی الکوفة ثم نشر نفوذه إلى الاقالیم المجاورة الاخرى بمساعدة ابراهیم بن مالک النخعی.
ـ دانت له الجزیرة وباقی أجزاء العراق وبعض مناطق ایران وامتد نفوذه حتى حدود ارمینیا.
ـ امتد نفوذ المختار إلى مصر والیمن حیث دخلت جیوشة هذین المصرین.
احداث ووقائع :
ورد فی الروایات ان المختار ارسل إلى الامام علی بن الحسین (علیه السلام)بعشرین الف دینار فقبلها وبنى بها دار عقیل بن ابی طالب ودارهم التی هدمت، ثم انه بعث الیه باربعین الف دینار بعد ما ظهر الکلام الذی اظهره فردها الیه ولم یقبلها.ـ کان ابو مسلم الخراسانی صاحب الدولة على مذهب الکیسانیة فی الاول، واقتبس من دعاتهم العلوم التی اختصوا بها، واحس منهم ان هذه العلوم مستودعة فیهم فکان یطلب المستقر فیه، فبعث إلى الامام الصادق جعفر بن محمد (علیه السلام): انی قد اظهرت الکلمة ودعوت الناس عن موالاة بنی امیة إلى موالاة اهل البیت، فان رغبت، فلا مزید علیک. فکتب الیه الامام الصادق (علیه السلام): ما انت من رجالی ولا الزمان زمانی. فحاد ابو مسلم الخراسانی إلى ابی العباس عبد الله بن محمد السفاح وقلّده امر الخلافة.
من ذاکرة التاریخ :
ـ ادعّى بیان (زعیم الفرقة البیانیة) انه قد انتقل الیه الجزء الالهی بنوع من التناسخ ولذلک استحق ان یکون اماماً وخلیفة، وذلک الجزء هو الذی استحق به آدم (علیه السلام)سجود الملائکة، وزعم ان معبوده على صورة انسان عضواً فعضواً، وجزءاً فجزءاً وقال : یهلک کله إلا وجهه لقوله تعالى : ( کل شیء هالک إلا وجهه ) ومع هذا الشذوذ والانحراف العقائدی والخزی الفاحش کتب إلى الامام الباقر (علیه السلام)ودعاه إلى نفسه وفی کتابه : « اسلم تسلم، ویرتقی من سلم، فانک لا تدری حیث یجعل الله النبوة » فأمر الباقر (علیه السلام)ان یأکل الرسول قرطاسه الذی جاء به فأکله فمات فی الحال وکان اسم ذلک الرسول عمر بن أبی عفیف.ـ انفذ المختار بن ابی عبید الثقفی إلى دار عمر بن سعد حتى أخذ رأسه ثم أخذ رأس ابنه جعفر بن عمر وهو ابن اخت المختار وقال ذاک برأس الحسین (علیه السلام)وهذا برأس ابن الحسین الکبیر، ثم بعث بابراهیم بن مالک الاشتر مع ستة الآف رجل إلى حرب عبید الله بن زیاد وهو یومئذ بالموصل فی ثمانین الفاً من جند الشام قد ولاه علیهم عبد الملک بن مروان فلما التقى الجیشان على باب الموصل انهزم جند الشام وقتل منهم سبعون الفاً فی المعرکة وقتل عبید الله بن زیاد والحصین بن نمیر السکونی وانفذ ابراهیم بن الاشتر برؤوسهم إلى المختار وتمت للمختار ولایة الکوفة والجزیرة والعراقین إلى حدود ارمینیة.
خلاصة البحث :
ـ تعد الکیسانیة من فرق الشیعة المنقرضة التی خرجت عن التشیع الحق وقالت بإمامة محمد بن الحنفیة.ـ اول من یُقال أنَّ دعوة إلى الکیسانیة وامامة محمد بن الحنفیة هو المختار بن ابی عبید الثقفی، الذی رفع شعار « یالثارات الحسین (علیه السلام)» وجذب الیه الانصار والاتباع والنادمین الذی خذلوا الحسین (علیه السلام)فی الطف ولم ینصروه.
ـ ساعد على نشوء هذه الفرقة عوامل عدیدة، منها : غیاب الوجود الفاعل للقیادة الاسلامیة بسبب حالة البطش والتنکیل المتبعة من النظام الاموی الغاصب، ومیول بعض رجالات الکیسانیة إلى العباسیین ودعم العباسیین لهم.
ـ قویت الفرقة الکیسانیة باستقطابها أعداداً کبیرة من المجتمع الاسلامی ورفعها شعارات لجذب الموالی والناقمین على السلطة الجائرة آنذاک.
ـ تشعبت الکیسانیة إلى فرق متعددة کل فرقة لها قیادتها وافکارها الخاصة بها کالبیانیة والهاشمیة والرزامیة حتى بلغت احدى عشرة فرقة.
ـ تدهور مرکز الامامة بسبب التصورات الکیسانیة حول نظریة الامامة وتصدی افراد لا یمتون إلى العلویین او الهاشمیین بصلة رکزوا من خلال مراکزهم على مصالحهم وطموحاتهم الشخصیة امثال : بیان وحمزة وعبد الله الکندی وغیرهم.
ـ طرحت الفرقة الکیسانیة افکاراً استقلت بها عن التشیع وخرجت عن اطره ومعالمه الرئیسیة، حیث ادعت النص على محمد بن الحنفیة والقول بامامته والقول بالتناسخ وحلول الارواح واعتبرت ابن الحنفیة هوالمهدی المنتظر الذی یملأ الارض قسطاً وعدلاً وفسرت الدین على انه (طاعة رجل) مما شجع على ترک القضایا الشرعیة بعد الوصول إلى طاعة الرجل.
ـ اصبحت الکوفة مرکزاً للفرقة الکیسانیة ومنها انطلقت إلى الجزیرة والیمن ومصر حتى وصلت إلى حدود ارمینیا.
ـ ابرز شخصیات الفرقة الکیسانیة محمد بن الحنفیة والمختار بن ابی عبید الثقفی وکیسان وعبد الله بن محمد بن الحنفیة وغیرهم.
ـ استطاع الامام اثبات حقه الشرعی بالامامة بابراز المعجزة ومحاججة محمد بن الحنفیة وجذبه نحو الجادة الصحیحة واقراره بالامامة للامام السجاد (علیه السلام)
ـ قیام المختار بن ابی عبید الثقفی بدور کبیر فی تقویض النظام الاموی واخذه الثأر من قتلة الامام الحسین بن علی (علیه السلام)ومطاردتهم عند کل حجر ومدر وقتلهم عن اخرهم وبذلک شفى غلیل قلوب الائمة (علیه السلام)وشیعتهم واتباعهم.
المصدر : تحقیق راسخون 2014
/ج