التقیة والکفر

الآية الأولى : حول جواز الكفر بالله تقية : ويدل عليه قوله تعالى : ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم )
Thursday, June 26, 2014
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
التقیة والکفر
 التقیة والکفر

 






 

الآية الأولى : حول جواز الكفر بالله تقية : ويدل عليه قوله تعالى : ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ) (1)
نزلت هذه الآية المباركة باتفاق جميع المفسرين في مكة المكرمة وفي البدايات الأولى من عصر صدر الإسلام ، يوم كان المسلمون يعدون بعدد الأصابع ، ومن مراجعة ما ذكروه بشأن هذه الآية يعلم أن التقية قد أبيحت للمسلمين أيضا في بدايات
الإسلام الأولى ، وأنها أبقيت على ما كانت عليه في الأديان السابقة ولم تنسخ في الإسلام ، بل جاء الإسلام ليزيدها توكيدا ورسوخا لكي يتترس بها أصحاب الدين الفتي أمام طغيان أبي سفيان وجبروت أبي جهل كما تترس بها - من قبل - أهل
التوحيد أمام ظلم المشركين فيما اقتص خبره القرآن الكريم ، وصرح به سائر المفسرين . فقد أخرج ابن ماجة بسنده عن ابن مسعود ما يؤكد نزول الآية بشأن عمار بن ياسر وأصحابه الذين أخذهم المشركون في مكة وأذاقوهم ألوان العذاب حتى اضطروا إلى موافقة المشركين على ما أرادوا منهم .
وقد علق الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي على هامش حديث ابن ماجة المذكور ، بقوله ( أي : وافقوا المشركين على ما أرادوا منهم تقية ، والتقية في مثل هذه الحال جائزة ، لقوله تعالى : ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) ( 2 ) . وقال الجصاص الحنفي : ( هذا أصل في جواز إظهار كلمة الكفر في حال الإكراه ، والإكراه المبيح لذلك هو أن يخاف على نفسه أو بعض أعضائه التلف إن لم يفعل ما أمر به ، فأبيح له في هذه الحال أن يظهر كلمة الكفر ) (3)
وفي تفسير الماوردي : ( إن الآية نزلت في عمار بن ياسر وأبويه ياسر وسمية وصهيب وخباب ، أظهروا الكفر بالإكراه وقلوبهم مطمئنة بالإيمان )(4)
وبالجملة ، فإن جميع ما وقفت عليه من كتب التفسير وغيرها متفق على نزول الآية بشأن عمار بن ياسر وأصحابه الذين وافقوا المشركين على ما أرادوا وأعذرهم الله تعالى بكتابه الكريم ، على أن بعضهم لم يكتف ببيان هذا ، بل توسع في حديثه عن التقية ، مبينا مشروعيتها ، مع الكثير من أحكامها بكل صراحة (5)
الآية الثانية : حول موالاة الكافرين تقية : ويدل عليه قوله تعالى : ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير )(6)
هذه الآية المباركة ما أصرحها بالتقية ، وقد مر في تعريف التقية لغة بأنه لا فرق بين علماء اللغة بين ( التقاة ) و ( التقية ) فكلاهما بمعنى واحد ، ومن هنا قرأ ابن عباس ، ومجاهد ، وأبو رجاء ، وقتادة ، والضحاك ، وأبو حياة ، وسهل ، وحميد بن قيس ، والمفضل عن عاصم ، ويعقوب ، والحسن البصري ، وجابر بن يزيد : ( تقية ) (7)
وقد أخرج الطبري في تفسير هذه الآية ، من عدة طرق ، عن ابن عباس ، والحسن البصري ، والسدي ، وعكرمة مولى ابن عباس ، ومجاهد ابن جبر ، والضحاك بن مزاحم جواز التقية في ارتكاب المعصية عند الإكراه عليها كاتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين في حالة كون المتقي في سلطان الكافرين ويخافهم على نفسه ، وكذلك جواز التلفظ بما هو لله معصية بشرط أن يكون القلب مطمئنا بالإيمان ، فهنا لا أثم عليه (8)
هذا مع اعتراف سائر المسلمين بأن الآية لم تنسخ فهي على حكمها منذ نزولها وإلى يوم القيامة ، ولهذا كان الحسن البصري يقول : ( إن التقية جائزة إلى يوم القيامة ) . حكاه الفقيه السرخسي الحنفي ، وقال معقبا : ( وبه نأخذ ، والتقية أن يقي نفسه من العقوبة بما يظهره وإن كان يضمر خلافه )(9)
واحتج إمام المذهب المالكي ( مالك بن أنس ) بهذه الآية ، على أن طلاق المكره تقية لا يقع ، ونسب هذه الفتيا إلى ابن وهب ورجال من أهل العلم - على حد تعبيره - ثم ذكر أسماء الصحابة الذين قالوا بذلك أيضا ، ونقل عن ابن مسعود قوله : ( ما من كلام يدرأ عني سوطين من سلطان إلا كنت متكلما به )(10)
وقال الزمخشري في تفسير : ( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) : ( إلا أن تخافوا أمرا يجب اتقاؤه تقية . . رخص لهم في موالاتهم إذا خافوهم ، والمراد بتلك الموالاة : مخالفة ومعاشرة ظاهرة ، والقلب بالعداوة والبغضاء وانتظار زوال المانع ) (11)
وأما الفخر الرازي فقد بين في تفسير الآية أحكام التقية ، قائلا : ( اعلم أن للتقية أحكاما كثيرة ، إلى أن قال : الحكم الرابع : ظاهر الآية يدل على أن التقية إنما تحل مع الكفار الغالبين ، إلا أن مذهب الشافعي : إن الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والمشركين حلت التقية محاماة على النفس .
الحكم الخامس : التقية جائزة لصون النفس ، وهل هي جائزة لصون المال ؟ يحتمل أن يحكم فيها بالجواز لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : حرمة مال المسلم كحرمة دمه ، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم : من قتل دون ماله فهو شهيد ، ولأن الحاجة إلى المال شديدة ، والماء إذا بيع بالغبن سقط فرض الوضوء ، وجاز الاقتصار على التيمم رفعا لذلك القدر من نقصان المال ! فكيف لا يجوز هاهنا ؟ ) .
ثم رجح بعد هذا قول الحسن البصري ( التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة ) على قول من قال بأنها كانت في أول الإسلام ، وقال : ( هذا القول أولى ، لأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان ) (12)
هذا وقد نقل أبو حيان الأندلسي المالكي في البحر المحيط ، في تفسير الآية المذكورة قول ابن مسعود : ( خالطوا الناس وزايلوهم وعاملوهم بما يشتهون ، ودينكم فلا تثلموه) .
وقول صعصعة بن صوحان لأسامة بن زيد : ( خالص المؤمن وخالق الكافر ، إن الكافر يرضى منك بالخلق الحسن ) .
وقول الإمام الصادق عليه السلام : إن التقية واجبة ، إني لأسمع الرجل في المسجد يشتمني فاستتر منه بالسارية لئلا يراني . ثم قال بعد ذلك ما هذا نصه : ( وقد تكلم المفسرون هنا في التقية إذ لها تعلق بالآية ، فقالوا : أما الموالاة بالقلب فلا خلاف بين المسلمين في تحريمها ، وكذلك الموالاة بالقول والفعل من غير تقية ، ونصوص القرآن والسنة تدل على ذلك .
والنظر في التقية يكون : فيمن يتقى منه ، وفيما يبيحها ، وبأي شئ تكون من الأقوال والأفعال ؟ فأما من يتقى منه : فكل قادر غالب يكره يجوز منه ، فيدخل في ذلك الكفار ، وجورة الرؤساء ، والسلابة ، وأهل الجاه في الحواضر . وأما ما يبيحها : فالقتل ، والخوف على الجوارح ، والضرب بالسوط ، والوعيد ، وعداوة أهل الجاه الجورة . وأما بأي شئ تكون ؟ من الأقوال : فبالكفر فما دونه ، من بيع ، أو هبة وغير ذلك . وأما من الأفعال : فكل محرم . . وقال مسروق : إن لم يفعل حتى مات دخل النار ، وهذا شاذ ) (13)
ما يدل على جواز التقية بين المسلمين أنفسهم : وجدير بالإشارة هنا ، هو ما صرح به فقهاء الفريقين ومفسروهم من جواز التقية بين المسلمين أنفسهم استنادا إلى طائفة أخرى من الآيات الكريمة من قبيل قوله تعالى : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (14)
فهو : ( يدل على حرمة الإقدام على ما يخاف الإنسان على نفسه أو عرضه أو ماله ) (15)
وقد استدل الفخر الرازي بهذه الآية على وجوب التقية في بعض الحالات ، لقوله بوجوب ارتكاب المحرم بالنسبة لمن أكره عليه بالسيف ، وعد امتناع المكره حراما ، لأنه من إلقاء النفس إلى التهلكة ، مع أن صون النفس عن التلف واجب استنادا إلى هذه الآية ، ولا معنى لوجوب ارتكاب المكره للمحرم غير التقية . ( 16 )
ومن ذلك ، قوله تعالى : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) ( 17 ) ، والحرج هو الضيق لغة ، والتقية عادة ما يكون صاحبها في حرج شديد ، ولا يسعه الخروج من ذلك الحرج بدونها . ومنه أيضا ، قوله تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) (18)
فقد جاء تفسيرها عن الإمام الصادق عليه السلام بالتقية ، فقال عليه السلام : التي هي أحسن : التقية ( 19) . إلى غير ذلك من الآيات الأخرى المستدل بها على جواز التقية بين المسلمين أنفسهم فضلا عن جوازها للمسلمين مع غيرهم ( 20 ) ، زيادة على ما في أدلتها الأخرى كالسنة المطهرة ، والإجماع ، والدليل العقلي القاضي بعدم الفرق في تجنب الضرر سواء كان الضرر من مسلم أو كافر .
المصادر :
1- سورة النحل : 16 / 106
2- سنن ابن ماجة 1 : 53 ، 150 باب 11 في فضل سلمان وأبي ذر والمقداد ، دار إحياء الكتب العربية
3- أحكام القرآن / الجصاص 3 : 192 ، دار الفكر ، بيروت
4- تفسير الماوردي ( النكت والعيون ) 3 : 215 ، دار الكتب العلمية ، بيروت
5- تفسير الواحدي الشافعي 1 : 466 مطبوع بهامش تفسير النووي المسمى ب ( مراح لبيد ) دار إحياء الكتب العربية ، مصر ، والمبسوط للسرخسي 24 : 25 . وأحكام القرآن للكيا الهراسي 3 : 246 ، دار الكتب العلمية ، بيروت / 1405 ه‍ .والكشاف / الزمخشري 2 : 449 - 550 ، دار المعرفة ، بيروت . والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز / ابن عطية الأندلسي 10 : 234 - 235 تحقيق المجلس العلمي بفاس / 1407 ه‍ . وأحكام القرآن / ابن العربي 2 : 1177 - 1182 دار المعرفة ، بيروت ( وفيه كلام طويل عن التقية ) . وزاد المسير في علم التفسير / ابن الجوزي
6- سورة آل عمران : 3 / 28
7- أنظر : حجة القراءات / أبو زرعة : 160 . ومعاني القرآن / الزجاج 1 : 205 . وتفسير الرازي 8 : 12 . والنشر في القراءات العشر 3 : 5 . والجامع لأحكام القرآن 4 : 57 . والبحر المحيط 2 : 424 . وفتح القدير 1 : 303
8- تفسير الطبري ( جامع البيان عن تأويل آي القرآن ) 6 : 313 - 317 ، ط 2 ، دار المعرفة ، بيروت / 1392 ه‍
9- المبسوط / السرخسي 24 : 45 من كتاب الإكراه
10- المدونة الكبرى / مالك بن أنس 3 : 29 ، مطبعة السعادة ، مصر
11- الكشاف / الزمخشري 1 : 422
12- التفسير الكبير / الفخر الرازي 8 : 13
13- تفسير البحر المحيط / أبو حيان 2 : 424
14- سورة البقرة : 2 / 195
15- مواهب الرحمن / السيد السبزواري في تفسير الآية المذكورة
16- التفسير الكبير / الفخر الرازي 20 : 21 في تفسير الآية 106 من سورة النحل
17- سورة الحج : 23 / 78
18- سورة فصلت : 41 / 34
19- أصول الكافي 2 : 218 / 6 باب التقية
20- جامع أحاديث الشيعة 18 : 371 - 372 باب وجوب التقية ، فقد ذكر في أول الباب عشر آيات ، يستفاد من بعضها جواز التقية بين المسلمين أنفسهم



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.