ولد علی الارجح في الحادي عشر من شهر ذي القعدة الحرام سنة 148 هـ في المدينة المنورة، في ملك المنصور العباسي، بعد وفاة جده الصادق (عليه السلام) بأيام قليلة (1). وكان جده الصادق (عليه السلام) يتمنى رؤية الرضا (عليه السلام)، كما روي عن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) أنه قال: سمعت أبي جعفر بن محمد (عليه السلام) غير مرة، يقول لي: إن عالم آل محمد لفي صلبك، وليتني أدركته، فإنه سمي أمير المؤمنين علي (عليه السلام) (2). وقد توسم الإمام الصادق (عليه السلام) بعلمه الإلهامي مخايل الخير ومكارم الشيم في هذا الوليد المبارك، فقد روى الشيخ الصدوق عن يزيد بن سليط، أنه قال: لقينا أبا عبد الله (عليه السلام) في طريق مكة ونحن جماعة، فقلت له: بأبي أنت وأمي، أنتم الأئمة المطهرون، والموت لا يعرى منه أحد، فأحدث إلي شيئا ألقيه إلى من يخلفني.
فقال لي: نعم، هؤلاء ولدي، وهذا سيدهم - وأشار إلى ابنه موسى (عليه السلام) - وفيه علم الحكم، والفهم، والسخاء، والمعرفة بما يحتاج الناس إليه، فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم، وفيه حسن الخلق، وحسن الجوار، وهو باب من أبواب الله عز وجل، وفيه أخرى هي خير من هذا كله. فقال له أبي: وما هي، بأبي أنت وأمي؟ قال: يخرج الله منه غوث هذه الأمة وغياثها، وعلمها ونورها، وفهمها وحكمها، خير مولود وخير ناشئ، يحقن الله به الدماء، ويصلح به ذات البين، ويلم به الشعث، ويشعب به الصدع، ويكسو به العاري، ويشبع به الجائع، ويؤمن به الخائف، وينزل به القطر، ويأتمر له العباد، خير كهل، وخير ناشئ، يبشر به عشيرته قبل أوان حمله، قوله حكم، وصمته علم، يبين للناس ما يختلفون فيه... (3).
كيفية ولادته (عليه السلام):
1 - روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن علي بن ميثم، عن أبيه، قال: سمعت أمي تقول: سمعت نجمة أم الرضا (عليه السلام) تقول: لما حملت بابني علي، لم أشعر بثقل الحمل، وكنت أسمع في منامي تسبيحا وتهليلا وتمجيدا من بطني، فيفزعني ذلك ويهولني، فإذا انتبهت لم أسمع شيئا. فلما وضعته وقع على الأرض، واضعا يديه على الأرض، رافعا رأسه إلى السماء، يحرك شفتيه كأنه يتكلم. فدخل إلي أبوه موسى بن جعفر (عليهما السلام)، فقال لي: هنيئا لك يا نجمة كرامة ربك. فناولته إياه في خرقة بيضاء، فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى. ودعا بماء الفرات فحنكه به، ثم رده إلي، وقال: خذيه، فإنه بقية الله تعالى في أرضه (4).2 - وروى ابن بابويه بسند معتبر، عن محمد بن زياد، أنه قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) يقول - لما ولد الرضا (عليه السلام) -: إن ابني هذا ولد مختونا، طاهرا مطهرا، وليس من الأئمة أحد يولد إلا مختونا، طاهرا مطهرا، ولكن سنمر الموسى (5) عليه لإصابة السنة، واتباع الحنيفية (6). اسمه ونسبه (عليه السلام): هو الإمام علي الرضا، بن الإمام موسى الكاظم، بن الإمام جعفر الصادق، ابن الإمام محمد الباقر، بن الإمام علي زين العابدين، بن الإمام الحسين، بن الإمام علي بن أبي طالب، وسيدة نساء العالمين، فاطمة الزهراء بنت سيدنا ومولانا محمد رسول الله المصطفى (صلى الله عليه وآله).
أمه (عليه السلام):
أمه (عليه السلام) أم ولد تكنى أم البنين، واسمها نجمة، ويقال لها: أروى النوبية، وسكن، وخيزران المرسية، ولقبها شقراء. اشترتها حميدة المصفاة أم موسى الكاظم (عليه السلام)، وكانت من أفضل النساء في عقلها، وعفتها ودينها، وإعظامها لمولاتها، ووهبتها لابنها موسى. ويقال لها: تكتم، أيضا (7)1 - روى الشيخ المفيد وغيره، بالإسناد عن هشام بن أحمر، قال: قال لي: أبو الحسن الأول (عليه السلام): هل علمت أحدا من أهل المغرب قدم؟ قلت: لا. قال: بلى، قد قدم رجل من أهل المغرب المدينة، فانطلق بنا. فركب وركبت معه حتى انتهينا إلى الرجل، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق، فقلت له: أعرض علينا، فعرض علينا سبع جوار، كل ذلك يقول أبو الحسن (عليه السلام): لا حاجة لي فيها، ثم قال: أعرض علينا، فقال: ما عندي إلا جارية مريضة. فقال له: ما عليك أن تعرضها؟ فأبى عليه، فانصرف. ثم أرسلني من الغد فقال لي: قل له: كم كان غايتك فيها؟ فإذا قال لك: كذا وكذا، فقل: قد أخذتها. فأتيته فقال: ما كنت أريد أن أنقصها من كذا وكذا. فقلت:
قد أخذتها. قال: هي لك، ولكن أخبرني من الرجل الذي كان معك بالأمس؟ قلت: رجل من بني هاشم. قال: من أي بني هاشم؟ فقلت: ما عندي أكثر من هذا. فقال: أخبرك أني اشتريتها من أقصى المغرب، فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت: ما هذه الوصيفة معك؟ قلت: اشتريتها لنفسي. فقالت: ما ينبغي أن تكون هذه عند مثلك، إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبث عنده إلا قليلا حتى تلد غلاما لم يولد بشرق الأرض ولا غربها مثله. قال: فأتيته بها فلم تلبث عنده إلا قليلا حتى ولدت الرضا (عليه السلام) (8). وزاد الطبري في (الدلائل): وكان يقال لها: تكتم (9).
2 - وروى ابن بابويه بسند معتبر، عن علي بن ميثم، أنه قال: اشترت حميدة المصفاة - وهي أم أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) - وكانت من أشراف العجم، جارية مولدة واسمها تكتم، وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها، وإعظامها لمولاتها حميدة المصفاة، حتى إنها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالا لها. فقالت لابنها موسى (عليه السلام): يا بني، إن تكتم جارية ما رأيت جارية قط أفضل منها، ولست أشك أن الله تعالى سيطهر نسلها إن كان لها نسل، وقد وهبتها لك فاستوص بها خيرا.
فلما ولدت له الرضا (عليه السلام) سماها الطاهرة، قال: وكان الرضا (عليه السلام) يرتضع كثيرا، وكان تام الخلق. فقالت: أعينوني بمرضعة، فقيل لها: أنقص الدر؟ فقالت: لا أكذب، والله ما نقص، ولكن علي ورد (10) من صلاتي وتسبيحي، وقد نقص منذ ولدت (11).
3 - وروى أيضا بسند معتبر أنه: لما اشترت حميدة - أم موسى بن جعفر (عليه السلام) - أم الرضا نجمة، ذكرت حميدة أنها رأت في المنام رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لها: يا حميدة، هبي نجمة لابنك موسى، فإنه سيولد به منها خير أهل الأرض، فوهبتها له، فلما ولد له الرضا (عليه السلام) سماها الطاهرة. وكانت لها أسماء، منها: نجمة، وأروى، وسكن، وسمان، وتكتم، وهو آخر أساميها. قال علي بن ميثم: سمعت أبي يقول: سمعت أمي تقول: كانت نجمة بكرا لما اشترتها حميدة (12).
4 - وروى في (الدر النظيم)، عن (إثبات الوصية)، عن الكاظم (عليه السلام)، أنه قال: لما ابتاعها - أي تكتم - جمع قوما من أصحابه، ثم قال: والله ما اشتريت هذه الأمة إلا بأمر الله ووحيه. فسئل عن ذلك، فقال: بينا أنا نائم إذ أتاني جدي وأبي، ومعهما شقة حرير فنشراها، فإذا قميص وفيه صورة هذه الجارية. فقال: يا موسى، ليكونن من هذه الجارية خير أهل الأرض بعدك، ثم أمراني إذا ولدته أن أسميه عليا، وقالا لي: إن الله تعالى يظهر به العدل والرأفة، طوبى لمن صدقه، وويل لمن عاداه وجحده وعانده (13). كنيته وألقابه (عليه السلام): كنيته: أبو الحسن، ويقال له أيضا: أبو الحسن الثاني (14). روى علي بن يقطين، عن موسى بن جعفر (عليه السلام)، قال: هذا أفقه ولدي - وأشار بيده إلى الرضا (عليه السلام) - وقد نحلته كنيتي (15). وروى أيضا عنه (عليه السلام)، قال: يا علي، هذا سيد ولدي - مشيرا إلى الرضا (عليه السلام) - وقد نحلته كنيتي (16). وهذا يدل على أن أباه (عليه السلام) هو الذي كناه بأبي الحسن.
وأشهر ألقابه: الرضا، وقيل أيضا: الصابر، والفاضل، والرضي، والوفي، وقرة أعين المؤمنين، وغيظ الملحدين، والضامن، ونور الهدى، وسراج الله (17).
روى ابن بابويه بسند حسن عن البزنطي أنه قال: قلت لأبي جعفر محمد ابن علي بن موسى (عليه السلام): إن قوما من مخالفيكم يزعمون أن أباك (عليه السلام) إنما سماه المأمون الرضا لما رضيه لولاية عهده؟ فقال (عليه السلام): كذبوا والله وفجروا، بل الله تبارك وتعالى سماه الرضا، لأنه كان رضيا لله تعالى في سمائه، ورضيا لرسوله والأئمة من بعده - صلوات الله عليهم - في أرضه. قال: فقلت له: ألم يكن كل واحد من آبائك الماضين (عليهم السلام) رضيا لله تعالى ولرسوله والأئمة (عليهم السلام)؟ فقال: بلى. فقلت: فلم سمي أبوك (عليه السلام) من بينهم الرضا؟ قال: لأنه رضي به المخالفون من أعدائه، كما رضي به الموافقون من أوليائه، ولم يكن ذلك لأحد من آبائه (عليهم السلام)، فلذلك سمي من بينهم الرضا (18). وروى أيضا عن سليمان بن حفص بسند معتبر، أنه قال: كان موسى بن جعفر (عليه السلام) يسمي ولده عليا الرضا، وكان يقول: ادعوا لي ولدي الرضا، وقلت لولدي الرضا، وقال لي ولدي الرضا، وإذا خاطبه قال: يا أبا الحسن (19). وهذا الحديث يدل على أن أباه (عليه السلام) هو الذي لقبه الرضا، كما كناه بكنيته.
نقش خاتمه (عليه السلام):
كان نقش خاتمه: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله ، وعلى رواية: حسبي الله . روى الشيخ الكليني عن موسى بن عبد الرحمن، أنه قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن نقش خاتمه، وخاتم أبيه (عليه السلام)، قال: نقش خاتمي ما شاء الله، لا قوة إلا بالله ، ونقش خاتم أبي حسبي الله وهو الذي كنت أتختم به (20). وهذه الرواية تجمع بين الروايتين المتقدمتين. وفي (دلائل الإمامة): وكان له خاتم نقش فصه: العزة لله (21). بوابه (عليه السلام): محمد بن الفرات (22). وقيل: محمد بن راشد (23).شعراؤه (عليه السلام): دعبل الخزاعي، وأبو نؤاس الحسن بن هانئ، وإبراهيم بن العباس الصولي.
صفته (عليه السلام):
في (الفصول المهمة): معتدل القامة (24).أولاده (عليه السلام):
قيل: أولاده ستة، خمسة ذكور وأنثى، وهم: محمد (عليه السلام) وهو الإمام بعده، والحسن، وجعفر، وإبراهيم، والحسين، وعائشة (25). وهذا هو المنقول عن محمد بن طلحة في (مطالب السؤول)، وعبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في (معالم العترة الطاهرة)، وابن الخشاب في (مواليد أهل البيت)، وأبو نعيم في (الحلية). وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي: أولاده محمد الإمام أبو جعفر الثاني، وجعفر، وأبو محمد الحسن، وإبراهيم، وابنة واحدة (26). وفي (العدد القوية): كان له (عليه السلام) ولدان: أحدهما محمد، والآخر موسى، لم يترك غيرهما (27). ويؤيده ما روي في (قرب الإسناد): أن البزنطي قال للرضا (عليه السلام): جعلت فداك، إني أريد أن أسألك عن شيء، وأنا أجلك، والخطب فيه جليل، وإنما أريد فكاك رقبتي من النار. فرآني وقد دمعت، فقال: لا تدع شيئا تريد أن تسألني عنه إلا سألتني عنه. فقلت له: جعلت فداك، إني سألت أباك عن خليفته من بعده، فدلني عليك. وقد سألتك منذ سنين - وليس لك ولد - عن الإمامة، فيمن تكون من بعدك؟ فقلت: في ولدي. وقد وهب الله لك ابنين، فأيهما عندك بمنزلتك التي كانت عند أبيك؟ الحديث (28). وفي (الشجرة المباركة في أنساب الطالبية): له من الأبناء خمسة، وبنت واحدة، أما البنون: فأبو جعفر محمد التقي (عليه السلام)، والحسن، وعلي قبره بمرو، والحسين، وموسى، والبنت هي فاطمة (29). ويؤيده حديث روي في (البحار) في باب حسن الخلق عن (عيون أخبار الرضاعليه السلام) بالإسناد عن فاطمة بنت الرضا، عن أبيها (عليه السلام). (30). والظاهر أن الصواب ما ذكره الشيخ المفيد في (الإرشاد)، وابن شهرآشوب في (المناقب)، والطبرسي في (إعلام الورى)، والطبري في (الدلائل) وغيرهم، وهو أن الرضا (عليه السلام) مضى ولم يترك ولدا إلا ابنه الإمام بعده أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) (31).ويؤيد هذا ما روي في (كشف الغمة) عن حنان بن سدير، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): أيكون إمام ليس له عقب؟ فقال أبو الحسن: أما إنه لا يولد لي إلا واحد، ولكن الله منشئ منه ذرية كثيرة. قال أبو خداش: سمعت هذا الحديث منذ ثلاثين سنة (32). وما روي في (إثبات الوصية) و(عيون المعجزات) بالإسناد عن كلثم بن عمران، قال: قلت للرضا (عليه السلام): أنت تحب الصبيان، فادع الله أن يرزقك ولدا. فقال: إنما أرزق ولدا واحدا وهو يرثني. فلما ولد أبو جعفر (عليه السلام) كان طول ليلته يناغيه في مهده، فلما طال ذلك على عدة ليال، قلت: جعلت فداك، قد ولد للناس أولاد قبل هذا فكل هذا تعوذه! فقال (عليه السلام): ويحك! ليس هذا عوذة، إنما أغره بالعلم غرا (33).
نساؤه (عليه السلام):
قال السيد تاج الدين بن علي العاملي: كانت له (عليه السلام) امرأة عدا السراري، لم أقف على اسمها (34). ويظهر من سائر الروايات أن من نسائه (عليه السلام): أم حبيبة بنت المأمون، وقيل: أم حبيب (35)، ودرة، وكانت مريسية، ثم سماها الرضا (عليه السلام) خيزران، وهي أم الجواد (عليه السلام)، وكانت من أهل بيت مارية القبطية، أمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأم ولده إبراهيم (عليه السلام)، ويقال: سبيكة النوبية (36). ويبدو من رواية الشيخ الطوسي بالإسناد عن محمد بن عيسى اليقطيني، أنه (عليه السلام) كانت له امرأة اسمها رحم، حيث قال: بعث إلي أبو الحسن الرضا (عليه السلام) رزم ثياب وغلمانا، وحجة لي وحجة لأخي موسى، وحجة ليونس بن عبد الرحمن، وأمرنا أن نحج عنه، وكانت بيننا مائة دينار أثلاثا فيما بيننا. فلما أردت أن أعبئ الثياب، رأيت في أضعاف الثياب طينا، فقلت للرسول: ما هذا؟ فقال: ليس يوجه بمتاع إلا جعل فيه طينا من قبر الحسين (عليه السلام). ثم قال الرسول: قال أبو الحسن (عليه السلام): هو أمان بإذن الله. وأمر بالمال بأمور من صلة أهل بيته وقوم محاويج لا يؤبه لهم، وأمر بدفع ثلاثمائة دينار إلى رحم - امرأة كانت له - وأمرني أن أطلقها عنه، وأمتعها بهذا المال، وأمرني أن أشهد على طلاقها صفوان بن يحيى وآخر نسي محمد بن عيسى اسمه (37). عمره ومدة إمامته (عليه السلام): قبض (عليه السلام) بطوس من خراسان في قرية يقال لها سناباذ في آخر صفر، وقيل: في السابع عشر منه، سنة 203 ه، في ملك المأمون، ودفن ملاصقا لقبر هارون الرشيد. قال أبو الحسن بن عباد: قال لي الرضا (عليه السلام) مرارا: أنا والرشيد كهاتين وضم بين إصبعيه - فلم أدر ما قال، ومنعني هيبته أن أسأله، حتى مضى فقبروه إلى جانب الرشيد (38). وروي عن مسافر نحو هذا الحديث (39). ومضى (عليه السلام) وله يومئذ 55 سنة، 35 منها مع أبيه (عليه السلام)، وكانت مدة إمامته وخلافته بعد أبيه عشرين سنة، وكانت في أيام إمامته بقية ملك الرشيد عشر سنين، ثم مات الرشيد سنة 193 ه، وملك محمد الأمين بعده ثلاث سنين وخمسة وعشرين يوما، وقيل: أربع سنين وسبعة أشهر، ثم خلع الأمين وحبس وأجلس عمه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة أربعة عشر يوما، ثم أخرج محمد ثانية، وبويع له، وبقي بعد ذلك سنة وسبعة أشهر، وقتله طاهر بن الحسين سنة 198 ه، ثم ملك المأمون الخلافة بعده عشرين سنة، فكان جانب من ملكه في إمامة الرضا (عليه السلام)، وكان للرضا (عليه السلام) معه ما كان، واستشهد في أيام ملكه مسموما (40).النصوص الدالة على إمامته عليه السلام
قال الشيخ المفيد (رحمه الله): وكان الإمام القائم بعد أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) ابنه أبا الحسن علي ابن موسى الرضا (عليهما السلام)، لفضله على جماعة إخوته وأهل بيته وظهور علمه وحلمه وورعه واجتماع الخاصة والعامة على ذلك فيه، ومعرفتهم به منه، ولنص أبيه (عليه السلام) على إمامته من بعده. فممن روى النص على الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) بالإمامة من أبيه والإشارة منه بذلك من خاصته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته: داود بن كثير الرقي، ومحمد بن إسحاق بن عمار، وعلي بن يقطين، ونعيم القابوسي، والحسين بن المختار، وزياد بن مروان، والمخزومي، وداود بن سليمان، ونصر بن قابوس، وداود ابن زربي، ويزيد بن سليط، ومحمد بن سنان (41). وفيما يلي جملة من الأحاديث الدالة على النص على إمامة أبي الحسن الرضا (عليه السلام):1 - عن داود الرقي، قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): جعلت فداك، إني قد كبرت سني فخذ بيدي وأنقذني من النار، من صاحبنا بعدك؟ قال: فأشار إلى ابنه أبي الحسن فقال: هذا صاحبكم من بعدي (42).
2 - عن محمد بن إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي الحسن الأول (عليه السلام): ألا تدلني على من آخذ عنه ديني؟ فقال: هذا ابني علي، إن أبي أخذ بيدي فأدخلني إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال لي: يا بني، إن الله جل وعلا قال: (إني جاعل في الأرض خليفة) (43) وإن الله إذا قال قولا وفى به (44)
3 - عن الحسين بن نعيم الصحاف، قال: كنت أنا وهشام بن الحكم وعلي بن يقطين ببغداد، فقال علي بن يقطين: كنت عند العبد الصالح فقال لي: يا علي بن يقطين، هذا علي سيد ولدي، أما إني قد نحلته كنيتي ، وفي رواية أخرى: كتبي ، فضرب هشام براحته جبهته، ثم قال: ويحك، كيف قلت؟ فقال علي بن يقطين: سمعته والله منه كما قلت، فقال هشام: إن الأمر والله فيه من بعده (45).
4 - عن نعيم القابوسي، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، قال: ابني علي أكبر ولدي، وآثرهم عندي، وأحبهم إلي، وهو ينظر معي في الجفر، ولم ينظر فيه إلا نبي أو وصي نبي (46).
5 - عن الحسين بن المختار، قال: خرجت إلينا ألواح من أبي الحسن موسى (عليه السلام) وهو في الحبس: عهدي إلى أكبر ولدي أن يفعل كذا وأن يفعل كذا، وفلان لا تنله شيئا حتى ألقاك أو يقضي الله علي الموت (47).
6 - عن زياد بن مروان القندي، قال: دخلت على أبي إبراهيم [موسى] وعنده أبو الحسن ابنه (عليهما السلام) فقال لي: يا زياد، هذا ابني فلان، كتابه كتابي، وكلامه كلامي، ورسوله رسولي، وما قال فالقول قولي (48).
7 - عن محمد بن الفضيل، قال: حدثني المخزومي - وكانت أمه من ولد جعفر ابن أبي طالب - قال: بعث إلينا أبو الحسن موسى فجمعنا ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ فقلنا: لا، قال: اشهدوا أن ابني هذا وصيي، والقيم بأمري، وخليفتي من بعدي، من كان له عندي دين فليأخذه من ابني هذا، ومن كانت له عندي عدة فليتنجزها منه، ومن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني إلا بكتابه (49).
8 - عن داود بن سليمان، قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): إني أخاف أن يحدث حدث ولا ألقاك، فأخبرني من الإمام بعدك؟ فقال: ابني علي، يعني أبا الحسن (عليه السلام) (50).
9 - عن نصر بن قابوس، قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): إنني سألت أباك: من الذي يكون من بعدك؟ فأخبرني أنك أنت هو، فلما توفي أبو عبد الله (عليه السلام)، ذهب الناس يمينا وشمالا، وقلت بك أنا وأصحابي، فأخبرني من الذي يكون بعدك من ولدك؟ قال: ابني علي (51).
10 - عن داود بن زربي، قال: جئت إلى أبي إبراهيم (عليه السلام) بمال، فأخذ بعضه وترك بعضه، فقلت: أصلحك الله، لأي شيء تركته عندي؟ فقال: إن صاحب هذا الأمر يطلبه منك ، فلما جاء نعيه بعث إلي أبو الحسن الرضا (عليه السلام) فسألني ذلك المال فدفعته إليه (52).
11 - عن يزيد بن سليط - في حديث طويل - عن أبي إبراهيم (عليه السلام) أنه قال في السنة التي قبض عليه فيها: إني أؤخذ في هذه السنة، والأمر إلى ابني علي سمي علي وعلي، فأما علي الأول فعلي بن أبي طالب، وأما علي الآخر فعلي بن الحسين - صلوات الله عليهم - أعطي فهم الأول وحلمه ونصره وورعه وورده ودينه، ومحنة الآخر وصبره على ما يكره الحديث (53).
12 - عن ابن سنان، قال: دخلت على أبي الحسن موسى (عليه السلام) من قبل أن يقدم العراق بسنة، وعلي ابنه جالس بين يديه، فنظر إلي وقال: يا محمد، إنه سيكون في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك . قال: قلت: وما يكون جعلني الله فداك فقد أقلقتني؟
قال: أصير إلى هذه الطاغية، أما إنه لا ينداني (اي لا يصیبني) منه سوء، ولا من الذي يكون من بعده . قال: قلت: وما يكون، جعلني الله فداك؟ قال: (يضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء) (54). قال: قلت: وما ذاك، جعلني الله فداك؟ قال: من ظلم ابني هذا حقه وجحده إمامته من بعدي، كان كمن ظلم علي ابن أبي طالب (عليه السلام) إمامته وجحده حقه بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) . قال: قلت: والله لئن مد الله لي في العمر لأسلمن له حقه ولأقرن بإمامته. قال: صدقت - يا محمد - يمد الله في عمرك، وتسلم له حقه، وتقر له بإمامته وإمامة من يكون من بعده . قال: قلت: ومن ذاك؟ قال: ابنه محمد . قال: قلت: له الرضى والتسليم (55).
13 - وعن محمد بن إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) وقد اشتكى شكاية شديدة، فقلت له: إن كان ما أسأل الله أن لا يريناه فإلى من؟ قال: إلى ابني علي، فكتابه كتابي وهو وصيي وخليفتي من بعدي (56).
14 - عن المفضل بن عمر، قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) وعلي ابنه (عليه السلام) في حجره وهو يقبله، ويمص لسانه، ويضعه على عاتقه، ويضمه إليه، ويقول: بأبي أنت وأمي، ما أطيب ريحك، وأطهر خلقك، وأبين فضلك. قلت: جعلت فداك، لقد وقع في قلبي لهذا الغلام من المودة ما لم يقع لأحد إلا لك! فقال لي: يا مفضل، هو مني بمنزلتي من أبي (عليه السلام) (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم). قال: قلت: هو صاحب هذا الأمر من بعدك؟ قال: نعم، من أطاعه رشد، ومن عصاه كفر (57).
15 - وعن علي بن يقطين، قال: قال لي أبو الحسن(عليه السلام): يا علي، هذا أفقه ولدي، وقد نحلته كنيتي، وأشار بيده إلى علي ابنه (58).
16 - وعن الحسن بن موسى، قال: كان نشيط وخالد يخدمان أبا الحسن (عليه السلام)، قال: فذكر الحسن عن يحيى بن إبراهيم، عن نشيط، عن خالد الجوان، قال: لما اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قلت لخالد: أما ترى ما قد وقعنا فيه من اختلاف الناس؟ فقال لي خالد: قال لي أبو الحسن (عليه السلام): عهدي إلى ابني علي، أكبر ولدي، وخيرهم، وأفضلهم (59).
17 - وعن علي بن يقطين، قال: كنت عند أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) وعنده علي ابنه (عليه السلام) فقال: يا علي، هذا ابني سيد ولدي، وقد نحلته كنيتي، قال: فضرب هشام - يعني ابن سالم - يده على جبهته، فقال: إنا لله نعى والله إلينا نفسه (60).
18 - عن سليمان المروزي، قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)، وأنا أريد أن أسأله عن الحجة على الناس بعده، فلما نظر إلي ابتدأني، فقال: يا سليمان، إن عليا ابني وصيي، والحجة على الناس بعدي، وهو أفضل ولدي، فإن بقيت بعدي فاشهد لي بذلك عند شيعتي وأهل ولايتي، والمستخبرين عن خليفتي من بعدي (61).
19 - وعن علي بن عبد الله الهاشمي، قال: كنا عند القبر نحو ستين رجلا منا ومن موالينا، إذ أقبل أبو إبراهيم موسى بن جعفر (عليه السلام) ويد علي ابنه (عليه السلام) في يده، فقال: أتدرون من أنا؟ قلنا: أنت سيدنا وكبيرنا. قال: سموني وانسبوني. فقلنا: أنت موسى بن جعفر بن محمد. فقال: من هذا معي؟ قلنا: هو علي بن موسى بن جعفر. قال: فاشهدوا أنه وكيلي في حياتي ووصيي بعد موتي (62).
20 - وعن عبد الله بن مرحوم، قال: خرجت من البصرة أريد المدينة، فلما صرت في بعض الطريق، لقيت أبا إبراهيم [موسى] (عليه السلام) وهو يذهب به إلى البصرة، فأرسل إلي، فدخلت عليه، فدفع إلي كتبا، وأمرني أن أوصلها بالمدينة، فقلت: إلى من أدفعها جعلت فداك؟ قال: إلى ابني علي، فإنه وصيي، والقيم بأمري، وخير بني (63).
21 - وعن محمد بن زيد الهاشمي أنه قال: الآن تتخذ الشيعة علي بن موسى [الرضا] (عليه السلام) إماما، قلت: وكيف ذاك؟ قال: دعاه أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) فأوصى إليه (64).
22 - وعن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: أوصى أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) إلى ابنه علي (عليه السلام) وكتب له كتابا أشهد فيه ستين رجلا من وجوه أهل المدينة (65).
23 - وعن الحسين بن بشير، قال: أقام لنا أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) ابنه عليا (عليه السلام) كما أقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) يوم غدير خم، فقال: يا أهل المدينة - أو قال - يا أهل المسجد، هذا وصيي من بعدي (66).
24 - وعن جعفر بن خلف، قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) يقول: سعد امرؤ لم يمت حتى يرى منه خلفا، وقد أراني الله من ابني هذا خلفا، وأشار إليه - يعني إلى الرضا (عليه السلام) - (67).
موقفه (عليه السلام) من الواقفة:
واجه الإمام الرضا (عليه السلام) بعد شهادة أبيه (عليه السلام) في السجن، عدة محن قاسية، منها أنه كان يعاني من مرارة ذلك الانقسام الرهيب الذي أوقع الخلاف بين أصحاب أبيه، ومنها أنه كان يعاني من شدة وطأة المراقبة الدقيقة من قبل عيون الأجهزة الحاكمة التي كانت تحصي عليه أنفاسه إلى الحد الذي لا يستطيع الإذن لأصحابه في الدخول عليه. فعن البزنطي، قال: كنت شاكا في أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فكتبت إليه كتابا أسأله فيه الإذن عليه، وقد أضمرت في نفسي أن أسأله إذا دخلت عليه عن ثلاث آيات، قد عقدت قلبي عليها. قال: فأتاني جواب ما كتبت به إليه: عافانا الله وإياك، أما ما طلبت من الإذن علي، فإن الدخول علي صعب، وهؤلاء قد ضيقوا علي في ذلك، فلست تقدر عليه الآن، وسيكون إن شاء الله. وكتب بجواب ما أردت أن أسأله عنه، عن الآيات الثلاث في الكتاب، ولا والله ما ذكرت له منهن شيئا، ولقد بقيت متعجبا لما ذكرها في الكتاب، ولم أدرأنه جوابي إلا بعد ذلك، فوقفت على معنى ما كتب به (عليه السلام) (68). وفي ظل مراقبة النظام وأجهزته يصعب على الإمام (عليه السلام) أن يشرع بابه لأداء مهامه الرسالية في إرشاد أصحابه، وأن يبرهن لهم على بطلان شبهة الواقفة وتهافت الحجج التي تمسكوا بها، ليدل على طريق الهدى والحق والرشاد، لقد كانت المرارة لا توصف، والمحنة قاسية لا تحتمل.أصل الشبهة:
أول من ابتدع فكرة الوقف وأظهر الاعتقاد بها وروج لها بين الشيعة هم: علي بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي، وهؤلاء من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، ذهبوا إلى الوقوف على الإمام الكاظم (عليه السلام) وادعوا بأنه حي لم يمت، وأنه هو القائم من آل محمد (عليهم السلام)، وأن غيبته كغيبة موسى بن عمران عن قومه، ويلزم على ضوء هذا الادعاء عدم انتقال الإمامة إلى ولده الإمام الرضا (عليه السلام). الدوافع: المتطلع في الروايات والتأريخ وكتب الرجال يلمس أن أبرز الدوافع في نشوء هذه الشبهة والترويج لها هو أن قوام الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) وخزنة أمواله التي تجبى له من شيعته، طمعوا فيما كان بأيديهم من الحقوق الشرعية والأخماس، ولقد اجتمع عند هؤلاء أموال طائلة خلال الشطر الأخير من حياة الإمام الكاظم (عليه السلام) عندما كان يرزح تحت وطأة سجون الظالمين، ولما استشهد الإمام (عليه السلام) في السجن بالسم، طالبهم الإمام الرضا (عليه السلام) بما عندهم من الأموال، فغررت بهم الدنيا، وأنكروا موت أبيه (عليه السلام)، ولقد كان عند علي بن أبي حمزة البطائني ثلاثون ألف دينار، وعند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار، وعند عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون ألف دينار وست جوار، وعند أحمد بن أبي بشر السراج عشرة آلاف دينار، فنازعتهم نفوسهم وأطماعهم في تسليم هذه الأموال للإمام الرضا (عليه السلام)، متحيلين لذلك بإنكار موت الإمام الكاظم (عليه السلام)، مدعين أنه حي يرزق، وأنهم لم يسلموا من هذه الأموال شيئا حتى يرجع فيسلموها له، وذلك لأجل التمويه على العامة، ولتمرير جشعهم وطمعهم عبر طريق صحيح حسب اعتقادهم، والحقيقة أنهم ابتعدوا عن جادة الهدى وهووا في قرار الجحيم. وخلاصة القول: إن نشوء هذه الفكرة وانطلاؤها على أذهان كثير من شيعة الإمام (عليه السلام) يعد من العوامل الهدامة الخطيرة في ذلك الوقت، التي لا بد من التصدي لها بكافة الوسائل المتاحة. والشئ الآخر أن نشوء هذه الفكرة لم يكن عن اعتقاد واقتناع بواقعية وأصالة مبادئها، بل كان لمجرد رغبات مادية وعوامل دنيوية انحرفت بأصحابها عن الطريق المستقيم. حب المال: وجاء في رواية أحمد بن حماد: أن عثمان بن عيسى الرواسي كان في مصر، وعنده للإمام مال كثير وست جوار، فبعث إليه أبو الحسن الرضا (عليه السلام) فيهن وفي المال، فكتب إليه: أن أباك لم يمت. فكتب إليه الإمام (عليه السلام): إن أبي قد مات، وقد قسمنا ميراثه، وقد صحت الأخبار بموته، واحتج عليه فيه. فكتب إليه عثمان الرواسي: إن لم يكن أبوك قد مات، فليس لك من ذلك شيء، وإن كان قد مات على ما تحكي فلم يأمرني بدفع شيء إليك، وقد أعتقت الجواري وتزوجتهن (69). وفي رواية الشيخ الطوسي في (الغيبة): أن أباك لم يمت، وهو حي قائم، ومن ذكر أنه مات فهو مبطل. أما علي بن أبي حمزة البطائني وزياد بن مروان القندي، فقد أنكرا وجود أي مال للإمام عندهما، ولكن حوارهما مع يونس بن عبد الرحمن، ومحاولتهما إغراءه بمبلغ كبير من المال لكي يتبنى موقفهما يؤكد اغتصابهما للمبالغ الضخمة التي كانت بحوزتهما. فقد روي بالإسناد إلى أحمد بن الفضل: أن يونس بن عبد الرحمن قال: مات أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) وليس من قوامه أحد إلا وعنده المال الكثير، وذلك سبب وقوفهم وجحودهم موته، وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار، ومضى يقول: فلما رأيت ذلك، وتبين لي الحق، وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ما علمت، تكلمت في ذلك، ودعوت الناس إليه، فبعثا إلي وقالا: لا تدع إلى هذا الأمر، فإن كنت تريد المال فنحن نغنيك، وضمنا لي عشرة آلاف دينار على أن أكف وأترك هذا الأمر، فقلت لهما: إنا روينا عن الصادقين أنهم قالوا: إذا ظهرت البدع، فعلى العالم أن يظهرعلمه، فإن لم يفعل سلب الله عنه نور الإيمان. وما كنت أدع الجهاد، وأمر الله على كل حال، فناصباني وأظهرا لي العداوة (70). وقد اعترف أحمد بن أبي بشر السراج، أحد أقطاب الواقفة، بأن الذي دعاه لعدم الرجوع إلى أبي الحسن الرضا الأموال التي كانت عنده للإمام الكاظم (عليه السلام)، فقد جاء في (الغيبة) للطوسي: أن الحسين بن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال قال: كنت أرى عند عمي علي بن الحسين بن فضال شيخا من أهل بغداد، وكان يهازل عمي، فقال له يوما: ليس في الدنيا شر منكم يا معشر الشيعة. فقال له عمي: ولم لعنك الله؟ قال: أنا زوج بنت أحمد بن أبي بشر السراج، فقال لي لما حضرته الوفاة: إنه كان عندي عشرة آلاف دينار وديعة لموسى بن جعفر (عليه السلام)، فدفعت ابنه عنها بعد موته، وشهدت أنه لم يمت، فالله الله خلصوني من النار، وسلموها إلى الرضا (عليه السلام)، فوالله ما أخرجنا حبة، ولقد تركناه يصلى في نار جهنم (71). ومما يدل على شدة تمسك هؤلاء بالخلاف على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وحبهم للمال أن جماعة من الشيعة رجعوا بعد أبي الحسن موسى بن جعفر إلى ولده أحمد بن موسى، واختلفوا إليه مدة من الزمن، وكانوا قد أيقنوا بوفاة والده موسى ابن جعفر (عليه السلام)، ومن هؤلاء إبراهيم وإسماعيل ابنا أبي سمال - أو السماك - ولما خرج ابن طباطبا ضد الحكم العباسي، وأرسل الرشيد إليه جيشا بقيادة أبي السرايا، خرج معه أحمد بن الإمام موسى بن جعفر لحرب ابن طباطبا، فقال لهما جماعة: إن هذا الرجل قد خرج مع أبي السرايا، فما تقولان؟ فأنكرا ذلك من فعله، ورجعا عنه، وقالا: أبو الحسن موسى حي، نثبت على الوقف (72). ووقفا عند القول بإمامته، إلى غير ذلك مما يشير إلى أن المنحرفين عن أبي الحسن الرضا كانوا من بين الذين أغرتهم الدنيا، واستبد بهم الطمع، فتظاهروا بإنكار موت أبيه طمعا بما كان بأيديهم من الأموال التي كانت بحوزتهم لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام). ومن هؤلاء ابن السراج، والبطائني، والقندي، وابن عيسى الرواسي وغيرهم من وكلائه والقيمين على أمواله.الذرائع:
لقد اعتذر الواقفة في اعتناق هذه الفكرة بأخبار رووها من الإمام الصادق (عليه السلام)، ولكنهم جهلوا محتواها، وانغلق عليهم فهمها، مفادها أن الإمام الكاظم (عليه السلام) هو القائم بهذا الأمر، ومن أخبر بموته فلا تصدقوه، وأنه يغيب كغيبة يونس (عليه السلام)، أو كغيبة موسى (عليه السلام). واحتجوا قبل ولادة الإمام الجواد (عليه السلام) بحديث الصادق (عليه السلام): أن الإمام لا يكون عقيما، وقالوا للإمام الرضا (عليه السلام): كيف تكون إماما وليس لك ولد؟! ولعل بعض هذه الأخبار التي تمسكوا بها هي من موضوعات الواقفة ومفترياتهم لتبرير فكرتهم، وترسيخ مذهبهم الذي ابتدعوه في أذهان العامة. على أن الإمام الكاظم (عليه السلام) قد بين في حياته المفاد الواقعي لبعض هذه الأخبار، كما أكد بالنص على ولده الرضا (عليه السلام) بأحاديث صحاح لا مجال للشك فيها، وقد جاء بعض هذه النصوص برواية دعاة الوقف وأقطابه الذين أنكروا على الإمام الرضا (عليه السلام) إمامته، حيث كانوا قبل الوقف من ثقات أبيه (عليه السلام)، وهذا مما يزيد في إبلاغ الحجة عليهم. وبين الإمام الرضا (عليه السلام) كذلك خطأ فهمهم لمضامين الأحاديث التي تمسكوا بها، وفسر لهم المضمون الصحيح لها، وأنها على خلاف ما بنى عليه دعاة الوقف، فألزمهم الحجة في كذب ما تأولوه. تفنيد ذرائعهم: - عن الحسن بن الحسن - في حديث - قال: قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام): أسألك؟ فقال: سل إمامك؟ فقلت: من تعني؟ فإني لا أعرف إماما غيرك! قال: هو علي ابني، قد نحلته كنيتي. قلت: سيدي أنقذني من النار، فإن أبا عبد الله (عليه السلام) قال: إنك القائم بهذا - الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام الأمر. قال: أو لم أكن قائما؟ ثم قال: يا حسن، ما من إمام يكون قائما في أمة إلا وهو قائمهم، فإذا مضى عنهم فالذي يليه هو القائم والحجة حتى يغيب عنهم، فكلنا قائم، فاصرف جميع ما كنت تعاملني به إلى ابني علي، والله ما أنا فعلت ذلك به، بل الله فعل ذلك به حبا (73).وعن ابن أبي نجران وصفوان، قالا: حدثنا الحسين بن قياما - وكان من رؤساء الواقفة - فسألنا أن نستأذن له على الرضا (عليه السلام)، ففعلنا، فلما صار بين يديه، قال له: أنت إمام؟ قال (عليه السلام): نعم. قال: إني أشهد الله أنك لست بإمام. قال: فنكت (عليه السلام) طويلا في الأرض منكس الرأس، ثم رفع رأسه إليه، فقال له: ما علمك أني لست بإمام؟ قال: لأنا روينا عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن الإمام لا يكون عقيما، وأنت قد بلغت هذا السن وليس لك ولد. قال: فنكس رأسه أطول من المرة الأولى، ثم رفع رأسه، فقال: إني أشهد الله أنه لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ولدا مني. قال عبد الرحمن بن أبي نجران: فعددنا الشهور من الوقت الذي قال، فوهب الله له أبا جعفر (عليه السلام) في أقل من سنة. قال: وكان الحسين بن قياما هذا واقفا في الطواف، فنظر إليه أبو الحسن الأول (عليه السلام) فقال له: ما لك حيرك الله؟ فوقف عليه بعد الدعوة (74).
وعن الحسين بن بشار، قال: كتب ابن قياما إلى أبي الحسن (عليه السلام) كتابا، يقول فيه: كيف تكون إماما وليس لك ولد؟ فأجابه أبو الحسن الرضا (عليه السلام) شبه المغضب: وما علمك أنه لا يكون لي ولد؟ والله لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ولدا ذكرا، يفرق به بين الحق والباطل (75).
موقف الإمام (عليه السلام):
سبق أن ذكرنا أن نشوء هذه الفكرة وانتشارها بين أوساط الشيعة آنذاك، يعد من عوامل الانقسام الخطيرة التي لا بد من التصدي لها بكافة الوسائل المتاحة، وقد تقدم أيضا أن الإمام (عليه السلام) بادر ومنذ البدء إلى تفنيد مزاعم الواقفة وذرائعهم، وهداية أصحابه إلى طريق الحق والهدى. ولقد كانت جهود الإمام (عليه السلام) في التصدي لتيار الواقفة تدور حول ثلاثة محاور أساسية: 1 - الحوار وإلزام الحجة. 2 - إراءة المعجزة. 3 - رميهم بالشرك والزندقة.الحوار وإلزام الحجة:
لقد فتح الإمام (عليه السلام) بابه لأصحابه ودعا لنفسه رغم قناعته بقسوة الظروف التي تكتنف هذا العمل الخطير، وما يترتب عليه من إجراءات تعسفية من قبل السلطة، وذلك لكي يواجه الخطر الآتي من الداخل، خطر الانقسام والتكتل، وليحفظ وحدة أصحابه، ويضطلع بأداء دوره الرسالي والتربوي، ولأنه (عليه السلام) كان واثقا بأن الرشيد لن يمسه بسوء - رغم الرقابة المفروضة على الإمام (عليه السلام) - وذلك بالخبر الموثوق عن آبائه (عليهم السلام) عن جدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فانبرى (عليه السلام) لمناظرة الواقفة ولأكثر من مرة، ليحد من تفشي فكرة الوقف في أوساط شيعته.1 - عن منصور بن العباس البغدادي، أنه قال: حدثنا إسماعيل بن سهل، قال: حدثني بعض أصحابنا، وسألني أن أكتم اسمه، قال: كنت عند الرضا (عليه السلام)، فدخل عليه علي بن أبي حمزة، وابن السراج، وابن المكاري، فقال له ابن أبي حمزة: ما فعل أبوك؟ قال: مضى موتا. فقال له: إلى من عهد بعده؟ فقال: عهد إلي. فقال له: فأنت إمام مفترض الطاعة من الله؟ قال: نعم. قال ابن السراج وابن المكاري: قد والله أمكنك من نفسه. قال: ويلك وبم أمكنته! أتريد أن آتي بغداد، وأقول لهارون: أنا إمام مفترض الطاعة؟ والله ما ذلك علي، وإنما قلت ذلك لكم عندما بلغني من اختلاف كلمتكم، وتشتت أمركم، لئلا يصير سركم في يد عدوكم. فقال له ابن أبي حمزة: لقد أظهرت شيئا ما كان يظهره أحد من آبائك، ولا يتكلم به، قال: بلى، لقد تكلم خير آبائي رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أمره الله تعالى أن ينذر عشيرته الأقربين، فلقد جمع من أهل بيته أربعين رجلا، وقال لهم: أنا رسول الله إليكم، فكان أشدهم تكذيبا له وتأليبا عليه عمه أبو لهب، فقال لهم النبي (صلى الله عليه وآله):إن خدشني خدش فلست بنبي، فهذا أول ما أبدع لكم من آيات النبوة، وأنا أقول: إن خدشني هارون خدشا فلست بإمام، فهذا ما أبدع لكم من آية الإمامة. ثم قال له علي بن أبي حمزة: إنا روينا عن آبائك أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله. فقال له أبو الحسن الرضا: أخبرني عن الحسين بن علي (عليه السلام) كان إماما أم لا؟ فقال: لقد كان إماما، فقال له الرضا: فمن ولي أمره؟ قال: ولده علي ابن الحسين. قال: لقد كان علي بن الحسين أسيرا في يد عبيد الله بن زياد في الكوفة، فخرج وهم لا يعلمون إلى كربلاء حتى ولي أمر أبيه ورجع. فقال له أبو الحسن الرضا (عليه السلام): إن الذي أمكن علي بن الحسين (عليه السلام) أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه، يمكن صاحب هذا الأمر أن يأتي بغداد ليلي أمر أبيه، وهو ليس في حبس ولا أسر (76). وروى نحوه الشيخ الصدوق في (عيون أخبار الرضا عليه السلام) عن أبي مسروق (77).
2 - وعن صفوان بن يحيى، عن أبي جرير القمي، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك، قد عرفت انقطاعي إلى أبيك ثم إليك، ثم حلفت له: وحق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحق فلان وفلان حتى انتهيت إليه بأنه لا يخرج مني ما تخبرني به إلى أحد من الناس، وسألته عن أبيه، أحي هو أو ميت؟ فقال (عليه السلام): قد والله مات. فقلت: جعلت فداك، إن شيعتك يروون: أن فيه سنة أربعة أنبياء؟ قال (عليه السلام): قد - والله الذي لا إله إلا هو - هلك. قلت: هلاك غيبة، أو هلاك موت؟ قال: هلاك موت. فقلت: لعلك مني في تقية؟ فقال: سبحان الله! قلت: فأوصى إليك؟ قال: نعم. قلت: فأشرك معك فيها أحدا؟ قال (عليه السلام): لا. قلت: فعليك من إخوتك إمام؟ قال: لا. قلت: فأنت الإمام؟ قال: نعم (78). إراءة المعجزة: لقد كانت نتيجة جهود الإمام (عليه السلام) المتواصلة لمواجهة تحدي الواقفة في مجمل مناظراته وحواره المستمر أن ألزمهم بالحجة، وبرهن على سوء عقيدتهم وشذوذها، ومن جانب آخر أرى (عليه السلام) بعض أصحابه وفي مناسبات عديدة بعض المعاجز، ليدل على إمامته، ويبرهن عليها. وكان حاصل ذلك أن عاد بعض رجال الوقف إلى القول بإمامة الرضا (عليه السلام)، بعد أن رفضوا شبهة الوقف، ومنهم: عبد الرحمن بن الحجاج، ورفاعة بن موسى، ويونس بن يعقوب، وجميل بن دراج، وحماد بن عيسى، وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، والحسن بن علي الوشاء وغيرهم.
1 - فعن صالح بن أبي حماد، عن الحسن بن علي الوشاء، قال: كنت كتبت معي مسائل كثيرة قبل أن أقطع على أبي الحسن (عليه السلام)، وجمعتها في كتاب مما روي عن آبائه (عليهم السلام) وغير ذلك، وأحببت أن أتثبت في أمره وأختبره، فحملت الكتاب في كمي وصرت إلى منزله وأردت أن آخذ منه خلوة، فأناوله الكتاب، فجلست ناحية وأنا متفكر في طلب الإذن عليه، وبالباب جماعة جلوس يتحدثون، فبينا أنا كذلك في الفكرة والاحتيال في الدخول عليه، إذ أنا بغلام قد خرج من الدار وفي يده كتاب، فنادى: أيكم الحسن بن علي الوشاء ابن بنت إلياس البغدادي؟ فقمت إليه: وقلت: أنا الحسن بن علي الوشاء، فما حاجتك؟ قال: هذا الكتاب أمرت بدفعه إليك فهاك خذه، فأخذته وتنحيت ناحية فقرأته، فإذا والله فيه جواب مسألة مسألة، فعند ذلك قطعت عليه، وتركت الوقف (79).
2 - وعن البزنطي، قال: إني كنت من الواقفة على موسى بن جعفر (عليه السلام)، وأشك في الرضا (عليه السلام)، فكتبت إليه أسأله عن مسائل، ونسيت ما كان أهم المسائل إلي، فجاء الجواب عن جميعها. ثم قال (عليه السلام): وقد نسيت ما كان أهم المسائل عندك، فاستبصرت. الحديث (80).
3 - وعن الحسن بن علي الوشاء، قال: كنا عند رجل بمرو، وكان معنا رجل واقفي، فقلت له: اتق الله، قد كنت مثلك، ثم نور الله قلبي، فصم الأربعاء والخميس والجمعة، واغتسل وصل ركعتين، وسل الله أن يريك في منامك ما تستدل به على هذا الأمر. فرجعت إلى البيت، وقد سبقني كتاب أبي الحسن يأمرني فيه أن أدعو إلى هذا الأمر ذلك الرجل، فانطلقت إليه، وأخبرته، وقلت: احمد الله واستخره مائة مرة. وقلت له: إني وجدت كتاب أبي الحسن قد سبقني إلى الدار، أن أقول لك ما كنا فيه، وإني لأرجو أن ينور الله قلبك، فافعل ما قلت لك من الصوم والدعاء، فأتاني يوم السبت في السحر، فقال لي: أشهد أنه الإمام المفترض الطاعة. قلت: وكيف ذلك؟ فقال: أتاني أبو الحسن (عليه السلام) البارحة في النوم، فقال: يا إبراهيم، والله لترجعن إلى الحق، وزعم أنه لم يطلع عليه إلا الله (81).
4 - وعن جعفر بن محمد بن يونس، قال: جاء قوم إلى باب أبي الحسن الرضا (عليه السلام) برقاع فيها مسائل، وفي القوم رجل واقفي، وأقف على باب أبي الحسن ابن موسى (عليه السلام)، فوصلت الرقاع إليه، فخرجت الأجوبة في جميعها، وخرجت رقعة الواقفي بلا جواب، فسألته: لم خرجت رقعته بلا جواب؟ فقال لي الرجل: ما عرفني الرضا (عليه السلام) ولا رآني فيعلم أني واقفي، ولا في القوم الذي جئت معهم من يعرفني، اللهم إني تائب من الوقف، مقر بإمامة الرضا (عليه السلام). فما استتم كلامه حتى خرج الخادم، فأخذ رقعته من يده ودخل بها، وعاد الجواب فيها إلى الرجل، فقال: الحمد لله، هذان برهانان في وقت واحد (82).
رميهم بالشرك والزندقة:
لقد جهد الإمام (عليه السلام) ليؤكد خطأ فكرة الواقفة وعدم واقعيتها كما تقدم في مناظرتهم، ولقد عانى (عليه السلام) كثيرا في محاربة هؤلاء، ودحض أباطيلهم، وكشف دخائل نفوسهم، وتعريتهم أمام الملأ لئلا تنخدع بهم النفوس الضعيفة، ولقد أثمرت جهود الإمام (عليه السلام) في عودة قسم كبير من أصحابه إلى جادة الحق وترك القول بالوقف. ولم يبق غير أولئك الذين أغرتهم الأموال الطائلة التي كانت بحوزتهم مصرين على القول بالوقف رغم أنهم سمعوا النص على الرضا (عليه السلام) من أبيه (عليه السلام)، ورأوا دلائل إمامة الرضا (عليه السلام) ومعجزاته، وسمعوا تفنيده لآرائهم وإفحامهم بالحجة، كالبطائني والقندي وابن السراج وحمزة بن بزيع وغيرهم، لذلك فقد لعنهم الإمام (عليه السلام) ووصفهم بالشك والإلحاد والزندقة.وفيما يلي نورد الأحاديث التي تدل على مكابرة هؤلاء بالباطل، والأحاديث التي ذمتهم ورماهم فيها الإمام (عليه السلام) بالشرك والزندقة:
1 - عن علي بن الحكم، عن حيدر بن أيوب، قال: كنا بالمدينة في موضع يعرف بالقبا، فيه محمد بن زيد بن علي، فجاء بعد الوقت الذي كان يجيئنا فيه، فقلنا فيه: جعلنا الله فداك، ما حبسك؟ قال: دعانا أبو إبراهيم [موسى] (عليه السلام) اليوم سبعة عشر رجلا من ولد علي وفاطمة صلوات الله عليهما. فأشهدنا لعلي ابنه بالوصية والوكالة في حياته وبعد موته، وأن أمره جائز عليه وله. ثم قال محمد بن زيد: والله يا حيدر، لقد عقد له الإمامة اليوم، وليقولن الشيعة به من بعده. قال حيدر: قلت: بل يبقيه الله، وأي شيء هذا؟ قال: يا حيدر، إذا أوصى إليه فقد عقد له الإمامة.قال علي بن الحكم: مات حيدر وهو شاك (83).
2 - وعن غنام بن القاسم، قال: قال لي منصور بن يونس بن بزرج: دخلت على أبي الحسن - يعني موسى بن جعفر (عليه السلام) - يوما، فقال لي: يا منصور، أما علمت ما أحدثت في يومي هذا؟ قلت: لا. قال: قد صيرت عليا ابني وصيي - وأشار بيده إلى الرضا (عليه السلام) - وقد نحلته كنيتي، والخلف من بعدي، فادخل عليه وهنئه بذلك، وأعلمه أني أمرتك بهذا. قال: فدخلت عليه فهنأته بذلك، وأعلمته أن أباه أمرني بذلك، ثم جحد منصور بعد ذلك، فأخذ الأموال التي كانت في يده وكسرها (84).
3 - وعن اليقطيني، عن زياد بن مروان القندي، قال: دخلت على أبي إبراهيم (عليه السلام) وعنده علي ابنه، فقال لي: يا زياد، هذا كتابه كتابي، وكلامه كلامي، ورسوله رسولي، وما قال فالقول قوله. قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): إن زياد بن مروان روى هذا الحديث، ثم أنكره. بعد مضي موسى (عليه السلام)، وقال بالوقف، وحبس ما كان عنده من مال موسى بن جعفر (عليه السلام) (85).
4 - وعن الحسن بن موسى، عن علي بن خطاب - وكان واقفيا - قال: كنت في الموقف يوم عرفة، فجاء أبو الحسن الرضا (عليه السلام) ومعه بعض بني عمه، فوقف أمامي، وكنت محموما شديد الحمى، وقد أصابني عطش شديد. قال: فقال الرضا (عليه السلام) لغلام له شيئا لم أعرفه، فنزل الغلام، فجاء بماء في مشربة، فناوله فشرب، وصب الفضلة على رأسه من الحر، ثم قال: املأ، فملأ المشربة، ثم قال: اذهب فاسق ذلك الشيخ. قال: فجائني بالماء فقال لي: أنت موعوك؟ قلت: نعم. قال: اشرب، قال: فشربت. قال: فذهبت والله الحمى. فقال لي يزيد بن إسحاق: ويحك يا علي! فما تريد بعد هذا، ما تنتظر؟ قلت: يا أخي دعنا. قال له يزيد: فحدثت بحديث إبراهيم بن شعيب - وكان واقفيا مثله - قال: كنت في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلى جنبي إنسان ضخم آدم (أي شديد السمرة). فقلت له: ممن الرجل؟ فقال لي: مولى لبني هاشم. قلت: فمن أعلم بني هاشم؟ قال: الرضا (عليه السلام). قلت: فما باله لا يجئ عنه كما جاء عن آبائه؟ قال: فقال لي: ما أدري ما تقول، ونهض وتركني، فلم ألبث إلا يسيرا حتى جاءني بكتاب فدفعه إلي، فقرأته فإذا خط ليس بجيد، فإذا فيه: يا إبراهيم، إنك نجل من آبائك، وإن لك من الولد كذا وكذا، ومن الذكور فلان وفلان - حتى عدهم بأسمائهم - ولك من البنات فلانة وفلانة، حتى عد جميع البنات بأسمائهن. قال: وكانت له بنت تلقب بالجعفرية، قال: فخط على اسمها، فلما قرأت الكتاب قال لي: هاته. قلت: دعه. قال: لا، أمرت أن آخذه منك. قال: فدفعته إليه.قال الحسن: فأجدهما ماتا على شكهما. - وعن صفوان، عن إبراهيم بن يحيى بن أبي البلاد، قال: قال الرضا (عليه السلام): ما فعل الشقي حمزة بن بزيع؟ قلت: هو ذا قد قدم. فقال: يزعم أن أبي حي، هم اليوم شكاك، ولا يموتون غدا إلا على الزندقة! قال صفوان: فقلت فيما بيني وبين نفسي: شكاك قد عرفتهم، فكيف يموتون على الزندقة؟! فما لبثنا إلا قليلا حتى بلغنا عن رجل منهم أنه قال عند موته: هو كافر برب أماته! قال صفوان: هذا تصديق الحديث - عن علي بن عبد الله الزبيري، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله عن الواقفة، فكتب: الواقف عاند من الحق، ومقيم على سيئة، إن مات بها كانت جهنم مأواه وبئس المصير - وعن الفضل بن شاذان، رفعه عن الرضا (عليه السلام)، قال: سئل عن الواقفة، فقال: يعيشون حيارى، ويموتون زنادقة - وعن يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): أعطي هؤلاء الذين يزعمون أن أباك حي من الزكاة شيئا؟ قال (عليه السلام): لا تعطهم، فإنهم كفار مشركون زنادقة (86).
قال (عليه السلام): كذبوا، وهم كفار بما أنزل الله عز وجل على محمد (صلى الله عليه وآله)، ولو كان الله يمد في أجل أحد من بني آدم لحاجة الخلق إليه، لمد الله في أجل رسول الله (صلى الله عليه وآله) - وعن محمد بن الفضيل، قال: قلت للرضا (عليه السلام): جعلت فداك، ما حال قوم قد وقفوا على أبيك موسى (عليه السلام)؟ قال (عليه السلام): لعنهم الله، ما أشد كذبهم! أما إنهم يزعمون أني عقيم، وينكرون من يلي هذا الأمر من ولدي - وعن عمر بن فرات، قال: سألت أبا الحسن [الرضا] (عليه السلام) من الواقفة، فقال: يعيشون حيارى، ويموتون زنادقة - وعن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: ذكرت الممطورة وشكهم، فقال: يعيشون ما عاشوا في شك، ثم يموتون زنادقة . وعن إبراهيم بن عقبة، قال: كتبت إليه - يعني أبا الحسن (عليه السلام) -: جعلت فداك، قد عرفت بعض هذه الممطورة، فأقنت عليهم في صلاتي؟ قال: نعم، اقنت عليهم في صلاتك (87). وعن عبد الله بن جندب، قال: كتب إلي أبو الحسن الرضا (عليه السلام): ذكرت رحمك الله هؤلاء القوم الذين وصفت، أنهم كانوا بالأمس لكم إخوانا،
ص 64والذي صاروا إليه من الخلاف لكم، والعداوة لكم، والبراءة منكم، والذين تأفكوا به من حياة أبي صلوات الله عليه ورحمته. وذكر في آخر الكتاب: إن هؤلاء القوم سنح لهم شيطان اغترهم بالشبهة، وليس عليهم أمر دينهم، وذلك لما ظهرت فريتهم، واتفقت كلمتهم، وكذبوا على عالمهم، وأرادوا الهدى من تلقاء أنفسهم، فقالوا: لم ومن وكيف؟ فأتاهم الهلاك من مأمن احتياطهم، وذلك بما كسبت أيديهم، وما ربك بظلام للعبيد، ولم يكن ذلك لهم ولا عليهم، بل كان الفرض عليهم والواجب لهم من ذلك الوقوف عند التحير، ورد ما جهلوه من ذلك إلى عالمه ومستنبطه، لأن الله يقول في محكم كتابه: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (88) يعني آل محمد، وهم الذين يستنبطون من القرآن ويعرفون الحلال والحرام، وهم الحجة لله على خلقه (89).
الإمام (عليه السلام) يكشف عن دوافع الواقفة:
عن البزنطي، قال: كتبت إليه - يعني الرضا (عليه السلام) - جعلت فداك، إنه لم يمنعني من التعزية لك بأبيك إلا أنه كان يعرض في قلبي مما يروي هؤلاء، فأما الآن فقد علمت أن أباك قد مضى، فآجرك الله في أعظم الرزية، وحباك أفضل العطية، فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، ثم وصفت له حتى انتهيت إليه. فكتب: قال أبو جعفر (عليه السلام): لا يستكمل عبد الإيمان حتى يعرف أنه يجري لآخرهم ما يجري لأولهم في الحجة والطاعة، والحلال والحرام، لمحمد (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين فضلهما، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من مات وليس له إمام حي يعرف مات ميتة جاهلية . وقال أبو جعفر (عليه السلام): إن الحجة لا تقوم لله عز وجل على خلقه إلا بإمام حتى يعرفونه. وقال أبو جعفر (عليه السلام): من سره أن لا يكون بينه وبين الله حجاب حتى ينظر إلى الله وينظر الله إليه، فليتول آل محمد (عليهم السلام) ويبرأ من عدوهم، ويأتم بالإمام منهم، فإنه إذا كان كذلك نظر الله إليه ونظر إلى الله. ولولا ما قال أبو جعفر (عليه السلام) حين يقول: لا تعجلوا على شيعتنا، إن تزل لهم قدم ثبتت أخرى، وقال: من لك بأخيك كله، لكان مني من القول في ابن أبي حمزة وابن السراج وأصحاب ابن أبي حمزة. أما ابن السراج فإنما دعاه إلى مخالفتنا والخروج من أمرنا أنه عدا على مال لأبي الحسن (عليه السلام) عظيم فاقتطعه في حياة أبي الحسن، وكابرني، وأبى أن يدفعه، والناس كلهم مسلمون مجتمعون على تسليمهم الأشياء كلها إلي، فلما حدث ما حدث من هلاك أبي الحسن (عليه السلام)، اغتنم فراق علي بن أبي حمزة وأصحابه إياي وتعلل، ولعمري ما به من علة إلا اقتطاعه المال وذهابه به. وأما ابن أبي حمزة فإنه رجل تأول تأويلا لم يحسنه ولم يؤت علمه، فألقاه إلى الناس، فلج فيه، فكره إكذاب نفسه في إبطال قوله بأحاديث تأولها، ولم يؤت علمها، ورأى أنه إذا لم يصدق آبائي بذلك لم يدر لعل ما خبر عنه مثل السفياني وغيره أنه كائن، لا يكون منه شيء، وقال لهم: ليس يسقط قول آبائه بشيء، ولعمري ما يسقط قول آبائي شيء، ولكن قصر علمه عن غايات ذلك وحقائقه، فصار فتنة له وشبهة عليه، وفر من أمر فوقع فيه (90).انقراض الواقفة:
لقد استوعبت هذه الشبهة زمنا طويلا، كانت الخلافات والمنازعات على أشدها بين الفرقة المحقة والقائلين بالوقف، حتى كتب الله لهذه الشبهة ولأصحابها التحلل والانقراض، وذلك لعدم اعتمادها على أسس ثابتة تقوى على المقاومة والاستقرار لفترة طويلة من الزمن، وتتيح لها البقاء والاستمرار، بل كان أساسها ماديا سرعان ما يزول، وزالت هي بزواله. قال الشيخ الطبرسي (رحمه الله): أجمع أصحاب أبيه أبي الحسن موسى (عليه السلام) على أنه نص عليه وأشار بالإمامة إليه، إلا من شذ منهم من الواقفة والمسمين الممطورة، والسبب الظاهر في ذلك، طمعهم فيما كان في أيديهم من الأموال [الواردة] إليهم في مدة حبس أبي الحسن موسى (عليه السلام)، وما كان عندهم من ودائعه، فحملهم ذلك على إنكار وفاته، وادعاء حياته، ودفع الخليفة بعده عن الإمامة، وإنكار النص عليه، ليذهبوا بما في أيديهم مما وجب عليهم أن يسلموه إليه، ومن كان هذا سبيله بطل الاعتراض بمقالة هذا، ووجب أن الإنكار لا يقابل الإقرار، فثبت النص المنقول، وفسد قولهم المخالف للمعقول، على أنهم قد انقرضوا ولله الحمد، فلا يوجد منهم ديار (91). الواقفة: عن كتاب الإمامة والتبصرة للعلامة ابن بابويه القمي (رحمه الله) والد الشيخ الصدوق في الباب السادس عشر - أنقله بالمعنى -: عندما استشهد الإمام أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) بالسم في سجن هارون الرشيد العباسي، تجمعت عنده (عليه السلام) أموال طائلة وكانت موزعة عند بعض أصحابه ووكلائه، ولم يتسنى له توزيعها على مستحقيها وهو في السجن، وقد أنكر بعضهم أمواله وطمعوا بها وكذبوا موته (عليه السلام) زاعمين أنه لم يمت وسيعود كما عاد موسى بن عمران، حتى يتهربوا من تسليم ما في أيديهم وفي ذمتهم إلى الإمام الذي يليه وخليفته بالحق الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وانحرفوا عن خط أهل البيت (عليهم السلام). ومن جملة الخونة المنحرفين، زياد القندي، الذي كانت عنده سبعون ألف دينار ذهب، وعثمان بن عيسى، وكان بمصر وكانت عنده أموال كثيرة وست جواري، فطالبه بها الإمام أبو الحسن الرضا (عليه السلام) برد الأمانة من الأموال والجواري، وكتب إليه كتابا بذلك، فكان جوابه لعنه الله: إن أباك لم يمت، فرد الإمام عليه بكتاب آخر قائلا فيه: إن أبي مات وقد اقتسمنا ميراثه، وقد صحت الأخبار بموته (عليه السلام)، فكتب لعنه الله إلى الإمام (عليه السلام): إن لم يكن أبوك قد مات فليس لك من ذلك شيء، وإن كان قد مات فلم يأمرني بدفع شيء منها إليك، وقد أعتقت الجواري وتزوجتهن، وأصر على عدم الوفاء بذمته، وكذلك الاثنان الآخران. وعلى هذا الأساس من الجحود والكفران والانحراف فقد تأسست النحلة الواقفية، وابتدعوا مذهبا جديدا، ابتداء بالخيانة والغدر والانحراف، فانظر إلى أي مستوى من الحضيض يهبط الإنسان نتيجة الطمع.المصادر :
1- تاج المواليد: 124، إعلام الورى: 313، التتمة في تواريخ الأئمة (عليهم السلام): 119
2- إعلام الورى: 315، العوالم 22: 179 / 1، إثبات الهداة 6: 28 / 63
3- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 23 / 9، بحار الأنوار 48: 12 / 1، العوالم 21: 51 / 5
4- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 20 / 2، بحار الأنوار 49: 9 / 14، العوالم 22: 30 / 1
5- الموسى: آلة الحلاقة
6- كمال الدين 2: 433 / 15، بحار الأنوار 25: 44 / 19، العوالم 22: 31 / 1
7- كشف الغمة 3: 49، إعلام الورى: 313، الإرشاد 2: 247، دلائل الإمامة: 180، الكافي 1: 406، إثبات الوصية: 171
8- الإرشاد 2: 254، الكافي 1: 406 / 1، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 17 / 4، إثبات الوصية: 170
9- دلائل الإمامة: 173
10- الورد: الجزء من التهجد في الليل يكون على الإنسان أن يصليه، أو النصيب من القرآن أو الذكر
11- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 14 / 2، بحار الأنوار 49: 4 / 7، العوالم 22: 19 / 1
12- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 16 / 3، بحار الأنوار 49: 7 / 8، العوالم 22: 22 / 2
13- الدر النظيم 2: 203 - الباب العاشر، إثبات الوصية: 197، دلائل الإمامة: 173
14- تاج المواليد: 124
15- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 22 / 4
16- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 22 / 3
17- أنظر دلائل الإمامة: 180
18- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 13 / 1، علل الشرائع: 236 / 1، معاني الأخبار: 64 / 17
19- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 13 / 2، بحار الأنوار 49: 4، العوالم 22: 14 / 1
20- الكافي 6: 473 / 5
21- دلائل الإمامة: 180
22- دلائل الإمامة: 180، الفصول المهمة: 241، تأريخ الأئمة (عليهم السلام): 33، نور الأبصار: 168
23- المناقب 4: 368
24- الفصول المهمة: 241
25- التتمة في تواريخ الأئمة (عليهم السلام): 123، كشف الغمة 3: 57، الفصول المهمة: 264، نور الأبصار: 177
26- تذكرة الخواص: 358.
27- العدد القوية: 294 / 22، بحار الأنوار 49: 222 / 13
28- قرب الإسناد: 376 / 1321، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
29- الشجرة المباركة: 77. 25
30- بحار الأنوار 71: 388 / 36
31- دلائل الإمامة: 180، الإمامة وأهل البيت (عليهم السلام) 3: 165، إعلام الورى: 344، المناقب 4: 367، الإرشاد 2: 271
32- كشف الغمة 3: 92، بحار الأنوار 49: 221
33- إثبات الوصية: 210، عيون المعجزات: 118، بحار الأنوار 50: 15 / 19
34- التتمة في تواريخ الأئمة (عليهم السلام): 123. 26
35- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 245 / 2، بحار الأنوار 49: 10 / 21، و132 / 8، و221 / 9
36- المناقب 4: 379، مروج الذهب 2: 418، الكافي 1: 411، روضة الواعظين: 243
37- التهذيب 8: 40 / 40، الاستبصار 3: 279 / 7
38- دلائل الإمامة: 180
39- إعلام الورى: 325، كشف الغمة 3: 95. وسيأتي مع تخريجات أخرى في فصل معجزاته (عليه السلام).
40- إعلام الورى: 314، الإرشاد 2: 247، التتمة في تواريخ الأئمة (عليهم السلام): 122
41- الإرشاد 2: 247 - 248
42- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 23 / 7، الإرشاد 2: 248، ، الفصول المهمة 243، إعلام الورى: 315
43- البقرة 2: 30.
44- الكافي 1: 249 / 4، الإرشاد 2: 249، غيبة الطوسي: 34 / 10، إعلام الورى: 315، البحار 49: 24 / 35
45- الكافي 1: 248 / 1، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 21 / 3، الإرشاد 2: 249، غيبة الطوسي: 35 / 11
46- الإرشاد 2: 250، غيبة الطوسي: 36 / 12، مناقب ابن شهرآشوب 4: 367، إعلام الورى: 315، البحار 49: 24 / 36.
47- الكافي 1: 250 / 8، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 30 / 23، الإرشاد 2: 250، غيبة الطوسي: 36 / 13
48- الإرشاد 2: 50، غيبة الطوسي: 37 / 14، الفصول المهمة: 244، إعلام الورى: 316، البحار 49: 19 / 23.
49- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 27 / 14،غيبة 32: الطوسي: 37 / 15، الفصول المهمة: 244، إعلام الورى: 318
50- الكافي 1: 250 / 11، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 23 / 8، غيبة الطوسي: 38 / 16، إعلام الورى: 316،
51- الإرشاد 2: 251، رجال الكشي: 451 / 849، غيبة الطوسي: 38 / 17، إعلام الورى: 316، البحار 49: 25 / 39.
52- الكافي 1: 250 / 13، غيبة الطوسي: 93 / 18، الإرشاد 2: 252، المناقب 4: 368، رجال الكشي: 313 / 565
53- الكافي 1: 252 / 14 ذيل الحديث، الإرشاد 2: 252، غيبة الطوسي: 40 / 19، إعلام 33: الورى: 319
54- إبراهيم 14: 27.
55- الكافي 1: 256 / 16، الإرشاد 2: 253، غيبة الطوسي: 32 / 8، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 32 / 29
56- كشف الغمة 3: 88، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 2 / 1، البحار 49: 13 / 12، العوالم 22: 39 / 8
57- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 31 / 28، البحار 49: 20 / 26، العوالم 22: 33 / 1
58- بصائر الدرجات: 164 / 7، البحار 49: 23 / 31، العوالم 22: 34 / 1
59- رجال الكشي: 452 / 855، البحار 49: 27 / 47، العوالم 22: 36 / 6
60- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 21 / 2، البحار 49: 13 / 3، حلية الأبرار 2: 380، العوالم 22: 39 / 9.
61- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 26 / 11، البحار 49: 15 / 9، حلية الأبرار 2: 382، العوالم 22: 42 / 15.
62- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 26 / 12، البحار 49: 15 / 10، حلية الأبرار 2: 382، العوالم 22: 42 / 16.
63- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 27 / 13، البحار 49: 15 / 11، حلية الأبرار 2: 382، العوالم 22: 43 / 17.
64- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 27 / 15، البحار 49: 16 / 13، العوالم 22: 44 / 19.
65- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 28 / 17، البحار 49: 17 / 15، حلية الأبرار 2: 383، العوالم: 45 / 21.
66- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 28 / 18، البحار 49: 17 / 16، حلية الأبرار 2: 383، العوالم 22: 45 / 22.
67- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 30 / 22، رجال الكشي: 477 / 905، البحار 49: 18 / 20، العوالم 22: 46 / 25
68- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 212 / 18، بحار الأنوار 49: 36 / 17، العوالم 22: 85 / 31.
69- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 113 / 3.
70- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 112 / 2، الغيبة: 43.
71- الغيبة: 44.
72- رجال الكشي: 472 / 898.
73- الغيبة: 27.
74- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 209 / 13، إعلام الورى: 323، بحار الأنوار 49: 34 / 13.
75- الكافي 1: 320 / 4، حلية الأبرار 2: 429، العوالم 22: 120 / 3.
76- رجال الكشي: 463 / 883.
77- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 214 / 20، بحار الأنوار 18: 52 / 4، و49: 114 / 5، العوالم 22: 60 / 2.
78- الكافي 1: 380 / 1، العوالم 22: 62 / 1.
79- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 228 / 1، بحار الأنوار 49: 44 / 37، العوالم 22: 97 / 51.
80- الخرائج والجرائح 2: 662 / 5، بحار الأنوار 49: 48 / 48، العوالم 22: 100 / 58.
81- الخرائج والجرائح 1: 366 / 23، بحار الأنوار 49: 53 / 62، العوالم 22: 104 / 68.
82- الهداية الكبرى: 288، العوالم 22: 120 / 5.
83- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 28 / 16، بحار الأنوار 49: 16 / 14، العوالم 22: 44 / 20.
84- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 22 / 5، رجال الكشي: 468 / 893، العوالم 22: 48 / 12.
85- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 31 / 25، الكافي 1: 312 / 6، الغيبة: 26، العوالم 22: 47 / 28.
86- رجال الكشي: 469 / 895، العوالم 22: 69 / 7. / الغيبة: 45، بحار الأنوار 48: 256 / 1، العوالم 22: 124 / 14
87- رجال الكشي: 458 / 867/ 868 /876/ 878/879
88- النساء: 83
89- تفسير العياشي 1: 26 / 206
90- قرب الإسناد: 350 - 352
91- إعلام الورى: 314
/ج