الإمام موسى الكاظم عليه السلام وهارون

لابدّ لنا من الحديث عن الأسباب التي دعت هارون الرشيد لسجن الإمام موسى (عليه السلام) وأظن أن القراء يهمهم الاطلاع على هذه الأسباب، والتعرّف على دور محنته الكبرى أيام اضطهاده في سجن الطاغية هارون.
Thursday, October 16, 2014
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
الإمام موسى الكاظم عليه السلام وهارون
الإمام موسى الكاظم عليه السلام وهارون

 






 

لابدّ لنا من الحديث عن الأسباب التي دعت هارون الرشيد لسجن الإمام موسى (عليه السلام) وأظن أن القراء يهمهم الاطلاع على هذه الأسباب، والتعرّف على دور محنته الكبرى أيام اضطهاده في سجن الطاغية هارون.

1ـ حقد هارون الموروث

كان الحقد من الصفات الرئيسية التي تميّز بها هارون، فهو لم يرق له أن يسمع الناس أن يتحدثوا عن أي شخصية تتمتع بمكانة عليا في مجتمعه، محاولاً تزهيد الناس واحتكار الذكر الحسن لنفسه، وهذا يدل على منتهى الأنانية الحاقدة، ومنتهى الضعف في الشخصية القلقة.
حسد الرشيد البرامكة وحقد عليهم لما ذاع صيتهم، وتحدّث الناس عن مكارمهم حتى أنزل بهم أشد العقاب وأزال وجودهم.
وحقد على الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) لما يتحلى به من شخصية فذّة لامعة بعد أن ذاع صيته العطر بين الناس، وتناقلوا فضائله، وتحدّثوا عن علمه الغزير، ومواهبه العالية. وذهب جمهور غفير من المسلمين إلى الاعتقاد بإمامته وأنه أحق بالخلافة من أي شخص آخر في عصره. وكان يذهب إلى فكرة الإمامة كبار المسؤولين في دولة هارون مثل: علي بن يقطين، وابن الأشعث، وهند بن الحجاج وأبو يوسف محمد بن الحسن وغيرهم من قادة الفكر الإسلامي. والرشيد نفسه يؤمن بأن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) هو أولى منه بهذا المنصب الهام في الأمة الإسلامية كما أدلى بذلك لابنه المأمون.
لم يرقَ لهارون أن يرى في المجتمع من هو أفضل منه، وأن الجماهير وسائر الأوساط الشعبية والخاصة تؤمن أيضا هو أولى بالخلافة منه، وإن الإمام يفوقه علماً وفضلاً وحكمة وثقة، وإن المسلمين قد أجمعوا على تعظيمه، فتناقلوا فضائله وعلومه، وتدفقوا على بابه من أجل الاستفتاء في الأمور الدينية. لذلك كله حقد على الإمام وارتكب تلك الجريمة المروعة حيث أودعه في ظلمات السجون، وغيّبه عن جماهيره وشيعته، وحرم الأمة الإسلامية من الاستفادة من غزير علومه، ونبل نصائحه، وجميل توجيهاته.

2ـ حرص هارون على المُلك

كان هارون يضحي في سبيل ملكه جميع القيم والمقدسات، وقد عبر عن مدى حرصه على سلطته بكلمته المعروفة التي تناقلتها الأجيال وهي: (لو نازعني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لأخذت الذي فيه عيناه).
أجل! فكيف يخلي عن سراح الإمام، وكيف تطيب نفسه وقد رأى الناس أجمعوا على حب الإمام وتقديره واحترامه؟
كان هارون يخرج متنكراً إلى العامة ليقف على اتجاهاتهم ورغباتهم فلا يسمع إلا الذكر العاطر والثناء الجميل على الإمام، وحب الناس له، ورغبتهم في أن يتولّى شؤونهم، ممّا دفع به على ارتكاب جريمته وقتله.

3ـ الوشاية بالإمام (عليه السلام)

من الذين بلي بهم الإسلام جماعة من الأوغاد والمتزلفين، باعوا ضمائرهم فعمدوا إلى السعي بالإمام (عليه السلام) والوشاية به عند الطاغية هارون ليتزلّفوا إليه بذلك. وقد بقي منهم نماذج في جميع مراحل التاريخ.
ـ من هؤلاء من أبلغ هارون بأن الإمام تجبى له الأموال الطائلة من شتّى الأقطار الإسلامية، واشترى ضيعة تسمى (اليسرية) بثلاثين ألف دينار، فأثار ذلك كوامن الحقد عند هارون.
وسياسته كانت تجاه العلويين تقضي بفقرهم، ووضع الحصار الاقتصادي عليهم. وهذه الوشاية كانت من جملة الأسباب التي دعت إلى سجن الإمام (عليه السلام)(1).
ـ وفريق آخر من هؤلاء الأشرار سعوا بالإمام إلى هارون فقالوا له: إن الإمام يطالب بالخلافة، ويكتب إلى سائر الأقطار الإسلامية يدعوهم إلى نفسه، ويحفّزهم ضد الدولة العباسية وكان في طليعة هؤلاء الوشاة يحيى البرمكي. هؤلاء أثاروا كوامن الحقد على الإمام.
ـ ومن الأسباب التي زادت في حقد هارون على الإمام وسببت في اعتقاله احتجاجه (عليه السلام) عليه بأنه أولى بالنبي العظيم (صلّى الله عليه وآله) من جميع المسلمين، فهو أحد أسباطه ووريثه، وإنه أحق بالخلافة من غيره وقد جرى احتجاجه (عليه السلام) معه في مرقد النبي (صلّى الله عليه وآله).
أقبل هارون بوجهه على الضريح المقدّس وسلّم على النبي قائلاً: (السلام عليك يا ابن العم) وقد اعتز بك على من سواه، وافتخر على غيره برحمه الماسّة من النبي (صلّى الله عليه وآله)، وإنما نال الخلافة لقربه من الرسول (صلّى الله عليه وآله). وكان الإمام عند ذلك حاضراً فسلّم على النبي (صلّى الله عليه وآله) قائلاً:
(السلام عليك يا أبتِ). ففقد الرشيد صوابه، واستولت عليه موجات من الاستياء، فاندفع هارون قائلاً بنبرات تقطر غضباً: (لما قلت إنك أقرب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله منّا؟؟).
فأجابه (عليه السلام) بجواب سديد لم يتمكن الرشيد من الرد عليه. سأله الإمام: (لو بعث الرسول صلّى الله عليه وآله حياً وخطب منك كريمتك هل كنت تجيبه إلى ذلك؟.
فقال هارون: سبحان الله!! وكنت أفتخر بذلك على العرب والعجم.
فقال الإمام (عليه السلام) مبيناً له الوجه في قربه من النبي (صلّى الله عليه وآله) قائلاً: (لكنه لا يخطب مني ولا أزوجه لأنه ولدنا ولم يلدكم فلذلك نحن أقرب إليه منكم) ثم زاد قائلاً (عليه السلام):
(هل يجوز للرسول صلّى الله عليه وآله أن يدخل على حرمك وهنّ مكشفات؟؟).
فقال هارون: لا.
قال الإمام (عليه السلام) لكن له أن يدخل على حرمي ويجوز له ذلك ولذلك نحن أقرب إليه منكم)(2).
وعندها ظهر عجز هارون فقال له: (لله درّك إن العلم شجرة نبتت في صدوركم فكان لكم ثمرها، ولغيركم الأوراق).
واندفع هارون بعدما أعياه الدليل إلى المنطق وأمر باعتقال الإمام (عليه السلام) وزجّه في السجن(3).

4 ـ صلابة موقف الإمام (عليه السلام)

كان موقف الإمام (عليه السلام) من الطاغية هارون موقفاً واضحاً كل الوضوح، تمثلت فيه صلابة العدل، وقوة الحق، والدفع عن المظلومين، والوقوف إلى جانبهم في كل شؤونهم وشجونهم، فقد أعلن لشيعته أن التعاون مع السلطة الحاكمة حرام ولا يجوز بأي وجه من الوجوه. وشاعت في الأوساط الإسلامية فتوى الإمام بحرمة الولاية من قبل هارون، وحرمة التعاون مع الحكام الظالمين فأوغر ذلك قلب هارون وحقد على الإمام حقداً بعيد الحدود.
والإمام (عليه السلام) كما يعلم الجميع لا يعرف المصانعة والتسامح مع الحق، ولا يداري فيما يعود الإساءة إلى مصالح الأمة الإسلامية. فموقفه واضحاً صريحاً. لا لبس فيه.
يروى أنه دخل على هارون في بعض قصوره الأنيقة الفخمة التي لم يرَ مثلها في بغداد، فسأله هارون بعد أن أسكرته نشوة الحكم قائلاً: ما هذه الدار؟
فأجابه الإمام (عليه السلام) غير مهتم بسلطانه وجبروته:
هذه الدار دار الفاسقين. قال تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَـــرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَ يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الــــرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخـــِذُوهُ سَبِـــيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُــوا عَنْهَا غَافِلِــينَ)(4).
لما سمع هارون هذا الكلام الثقيل على روحه أصابته رعدة عارمة واستولت عليه موجة من الاستياء. فقال للإمام:
ـ دار مَن هي؟
ـ هي لشيعتنا فترة، ولغيرهم فتنة.
ـ ما بال صاحب الدار لا يأخذها؟
ـ أخذت منه عامرة ولا يأخذها إلا معمورة.
ـ أين شيعتك؟
ـ فتلا عليه الإمام (عليه السلام) قولـــه تعالى: (لَمْ يَكُـــنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَــــهُمُ الْبَــيِّنَةُ)(5).
فطفح إناء الغضب عند هارون وصاح غاضباً:
ـ أنحن كفار؟!! فقال الإمام: لا، ولكن كما قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ)(6).
فغضب هارون وأغلظ في كلامه على الإمام(7).
هكذا كان موقف الإمام (عليه السلام) مع هارون كموقف أبيه وجده (عليهم السلام) لا لين فيه ولا هوادة أمام الحق. فالغاصب لمنصب الخلافة هو مختلس للسلطة والحكم، ويجب أن يحاسب ويطالب بحقوق الأمة الإسلامية وكما قال سيد الشهداء: (ما خرجت أشراً ولا بطراً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي).
المصادر :
1- الفصول المهمة، ص252.
2- أخبار الدول، ص113 ووفيات الأعيان، ج1، ص394 والاتحاف بحب الأشراف، ص55.
3- تذكرة الخواص، 359
4- سورة الأعراف: الآية 146.
5- سورة البينة: الآية 1.
6- سورة إبراهيم: الآية 28.
7- البحار، ج11، ص279.



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.