(1271-1350هـ/1854-1931م) الحسين بن علي بن محمد بن عبد المعين بن عون بن أبي نمّي،آخر من حكم مكة من سلالة قتادة من أشراف الحجاز، ومن الذين يعود نسبهم إلى الحسن بن علي بن أبي طالب. ولد في اصطنبول، وعاش فيها معظم سنيّ طفولته وشبابه، وكان من أعضاء مجلس شورى الدولة . وبقي في اصطنبول حتى صدور فرمان تعيينه أميراً لمكة وبرتبة وزير، في تشرين الثاني من عام 1326هـ/1908م، من قبل السلطان عبد الحميد الثاني، تزوّج الحسين من ابنة عمّه عبد الله، الشريفة عابدية، ورزق منها ثلاثة أبناء: علي وفيصل وعبد الله. وبعد وفاتها في عام 1887م تزوّج بسيدة تركية من أسرة محترمة هي حفيدة فؤاد باشا. وجمع الحسين مابين علوم العربية والإسلام والقرآن الكريم ومابين العلوم العسكرية، وحرص على هذا الجمع المعرفي التربوي في تنشئة أولاده. وربّاهم على تمثّل مفهومه المتميّز للشرافة مردداً القول: «لا تظنّ أنّك شريف وأنّ هذا يكفي. الشريف يا بنيّ بعلمه وعمله، شريف بأدبه وأخلاقه».
كان الحسين مؤمناً بالأمة العربية وبحضارتها وأثرها العالمي حتى في تمدين أوربا. وكان مسلماً شديد التديّن، مما يفسّر تمسّكه بالرابطة العثمانية - الإسلامية على الرغم من وقوفه على معظم دخائل السياسة لهذه الدولة وخاصة في الوطن العربي، وتهاونها في حماية معظم بلدانه التابعة لها من السيطرة الاستعمارية للقوى الأوربية، إنْ احتلالاً مباشراً، أو نفوذاً سياسياً، أو هيمنة اقتصادية - اجتماعية.
عاصر الحسين وهو في اصطنبول الكثير من المظاهر المتصاعدة للوجود النهضوي العربي، والمتجلّي خاصة في تلك المنشورات السرّية الداعية منذ بداياتها في عام 1858م إلى النهضة العربية والتحرر من حكم الأتراك الغاشم، ثمّ في تتالي تشكيل ونشاط المنظمات والجمعيات، وفي عطاءات رواد النهضة العربية، وعلى رأسهم جمال الدين الحسيني الأفغاني، والذي حاول إقناع السلطان عبد الحميد بقيام الجامعة الإسلامية على أساس تعريب الدولة العثمانية «لأنّ العرب أصحاب حضارة عريقة ولأنّ العربيـة هي لغـة الإسلام». وعاش الشريف حسين رفض السلطان عبد الحميد لرؤية الأفغاني هذه، لا كرهاً لها وإنّما عجزاً أمام الصراع الذي كان يعيشه وأتباعه في السلطة مع التيّار الطوراني المتنفّذ والمتنامي بقياداته الماسونية واليهودية المدعومة من القوى الخارجية الأوربية والصهيونية، والمتمثّل أساساً في الاتحاديين من أعضاء جمعية الاتحاد والترقي.
عاش الحسين أحداث نجاح الاتحاديين في القيام بانقلابهم ضدّ السلطان عبد الحميد وأتباعه في عام 1908م، والذي عده اغتصاباً للسلطة، وأحس بالألم والغضب جرّاء ممارساتهم العنصرية والتعسفية ضدّ الشعب العربي، وخاصة ما تعلق منها بالتتريك، لغةً ومؤسسةً سلطوية وتأريخاً مزوراً وتشويهاً لحقيقة العرب والإسلام، وماتعلق بتواطئهم مع القوى الأوربية والصهيونية لتغيير الهوية العربية النهضوية لبلاد الشام، من خلال سياسة ديموغرافية مدروسة تمثّلت أولاً في تهجير العائلات العربية المعروفة بالغنى والذكاء، المسيحية منها إلى بلدان أوربية، والمسلمة إلى الأناضول، وتمثّلت ثانياً في نقل عناصر تركية لإسكانها في مناطق متفرّقة فيها، وتسهيل هجرة عناصر يهودية إلى فلسطين، تنفيذاً بدئياً لتحقيق المشروع الصهيوني في إقامة الدولة اليهودية، وتمثّلت ثالثاً في التخلّص من العرب ذوي التوجّه العربي النهضوي والإسلامي الصحيح، سجناً، أو تجنيداً عسكريا في خطوط النار، أو إبعاداً، أو إعداماً.
إنّ جميع الممارسات السياسية والاستبدادية للدولة التركية، والبعيدة كلّ البعد عن أي حقيقة للإسلام وعن أي مصلحة للمسلمين إضافة إلى إهمالها المستمر لكلّ محاولات ومطالب الإصلاح للنهضويين العرب، كانت بمنزلة العوامل غير المباشرة التي أقنعت الشريف حسين والنهضويين بكذب إيمانها بالرابطة العثمانية الإسلامية، وباستحالة الإصلاح في إطارها، ودفعتهم نحو التفكير بضرورة الاستقلال العربي الكلي عنها. أما العوامل المباشرة التي أسقطت هذه الرابطة عنده وعندهم لصالح الثورة من أجل هذا الاستقلال فيمكن إيجازها في ثلاثة عوامل:
أولها قيام الدولة التركية في بداية إعلان الحرب العالمية الأولى في عام 1914م بإعلان انضمامها المفاجئ إلى ألمانية والدعوة إلى الجهاد ضدّ الحلفاء في حرب لا مصلحة للمسلمين فيها.
وثانيها اكتشاف الحسين في كانون الثاني1915م، خيانة الحكام الأتراك له، لتغيير نظام الشرافة والقضاء على حكمه فيه.
وثالثها إبعادها في تشرين الثاني 1914 للعربي زكي باشا الحلبي عن منصب القائد العسكري في سورية للجيش الرابع التركي، وتعيين جمال باشا المعروف بمحبته للعنف وبكرهه للعرب. ثم مباركتها لسياسته العدائية التعسفية ضدّهم.
وجاء قرار النهضويين العرب من صفوف جمعية «العربية الفتاة» وجمعية «اللامركزية» وجمعية «العهد»، بضرورة الثورة العربية[ر]، وبانتخاب الشريف حسين زعيما لهم مفوضا بالتحدث باسمهم.وبالفعل فقد أعلن الثورة العربية الكبرى في 10 حزيران 1334هـ/ 1916م. وبمجرّد نجاحه خلال أشهر في التحرّر من الاحتلال التركي، وتنفيذاً لنواياه فقد أسرع في استقبال زعماء القبائل في الحجاز، لتلقّي مبايعتهم له ملكا على العرب، وليشرع مباشرة بتنظيم أمر حكومته التي جعل مقرها مكة.
لم يكن إصرار بريطانيا وفرنسا على الاعتراف به كملك على الحجاز فقط سوى أحد المظاهر الكثيرة لتآمرهما المتوجّه إلى منع قيام أي دولة عربية قوية من شأنها إعاقة تنفيذهما لاتفاقية سايكس-بيكو المعقودة في 16 أيار 1916م المتضمنة تجزئة سورية وتقاسمها والعراق مناطق نفوذ تابعة لهما، باستثناء منطقة داخلية محدودة مخصصة لدولة أو لدويلات عربية، وعملهما على تطبيق وعد بلفور المعلن من قبل بريطانيا في 2 تشرين الثاني 1917م، بإقامة الدولة اليهودية في فلسطين. ومنها مساعيهما بدايةً في عرقلة تشكيل الجيش العربي القوي بتقليص تمويلهما للثورة بالمال والسلاح إلى حدوده الدنيا، واتفاقهما في سان ريمو في نيسان 1920م على انتداب بريطانيا للعراق وفلسطين وانتداب فرنسا لسورية ولبنان، والذي أدّى إلى القضاء على الدولة العربية الفتية النهضوية للملك فيصل بن الحسين في سورية في تموز 1920. واشتعل الغضب العربي ثانية في العراق وسورية، متوجهاً هذه المرة ضدّ فرنسا وبريطانيا بالدرجة الأولى.
وحرصاً من بريطانيا على إسكات الحسين واسترضاءً له وللقوميين العرب ككلّ بهدف استخدامهم قوة ضاغطة لمصلحتها في تنافسها مع فرنسا خاصة، واستقطابهم لصالح الغرب في صراعه مع العدو الشيوعي الجديد عموماً، عملت في عام 1921م على تنصيب الأمير فيصل ملكا على الدولة العربية في العراق، وتنصيب أخيه الأمير عبد الله أميراً على الإمارة التي أنشأتها في شرقي الأردن، آملة بإقناعهما ووالدهما الحسين ملك الحجاز بعقد معاهدات معها تضمن حماية مصالحها في هذه البلدان من جهة، وقبول سياستها الانتدابية لمصلحة إقامة الدولة اليهودية في فلسطين من جهة أخرى. لكن الحسين بقي يردّد :« لا أتنازل عن حقّ واحد من حقوق البلاد. لا أقبل إلاّ أن تكون فلسطين لأهلها العرب ... لا أقبل التجزئة. ولا أقبل بالانتداب. ولا أسكت وفي عروقي دم عربي عن مطالبة الحكومة البريطانية بالوفاء بالعهود التي قطعتها للعرب ». وقد أصرّ على رفضه لأي معاهدة لا تنصّ على «استقلال فلسطين ودخولها في وحدة البلدان العربية». لكن النهاية أتت والوفاء بالعهود لم يتم.
تجاوزت كل القوى في الجزيرة العربية، ومنها قوة الإدريسي في عسير وقوة آل سعود في نجد والإحساء، صراعات الأمس لترحب بنجاح الثورة العربية وبزعامة الحسين لها. وكان الأمير عبد العزيز آل سعود يردد، وهو العربي الفخور بأمته وحضارتها والوهابي الرافض منذ زمن لزيف إسلام الدولة العثمانية: «على كل عربي أن يقف مع الثورة العربية». وكان جوابه لوالي الحجاز التركي في محاولته لتحريضه ضدّ الحسين: «أنا والحسين يد واحدة». لكن النزاع الحدودي بينهما من أجل «تربة» التي استرجعتها قوات عبد العزيز بعد أن احتلتها قوات الحسين، وقيام الحسين بمحالفة أعدائه من آل الرشيد في حائل وغيرهم، قد أفسد علاقتهما الودية.
كانت مبايعة عبد العزيز سلطاناً على نجد ثم نجاحاته في ضمّ حائل ومنطقتي الجوف ووادي سرحان التابعتين لابن الحسين عبد الله في الأردن، قد أثارت غضب الحسين ومخاوفه، فإن وجود ابنيه فيصل في العراق وعبد الله في الأردن، كجناحين هاشميين قويين له، قد أثارت مخاوف عبد العزيز فرغب في مصافاته ليصطدم «باستهانة الحسين وبشطط مطالبه» في إعادة الوضع إلى ما كان عليه ». وزاد غضب عبد العزيز برفض الحسين السماح للنجديين الوهابيين بالحج في 1342هـ/1923م، وتصاعدت مخاوفه بعد مبايعة زعماء الحجاز وسورية وفلسطين والأردن للحسين خليفة للمسلمين وأميرا للمؤمنين في 11 آذار 1343هـ/1924م وذلك في أثناء زيارته لابنه عبد الله في شرقي الأردن التي شهدت موافقته على ضمّ العقبة ومعان إلى إمارة ابنه.
وبدأت الحرب في العام نفسه لمصلحة القوات السعودية بالاستيلاء على الطائف مقابل خسارة القوات الهاشمية كل ما لديها من مال وعتاد وأسلحة. لكن عبد العزيز لم يتقدم إلى مكة احتراماً لرغبة ذوي الرأي من أهلها وأهل جدة، من الذين قرروا في اجتماعهم معاً نصح الحسين بالنزول عن العرش لعليّ، كبير أولاده، حقناً للدماء وحفظاً لكرامتهم وكرامته. وبعد هذا النزول رحل الحسين إلى جدة ومنها إلى العقبة التابعة لابنه عبد الله في الأردن، ليتلقى فيها نبأ نجاح السعوديين في عام 1344هـ/1925م باحتلال مكة وجدة.
بعد عدة شهور، وبناءً على تحذير بريطاني باستخدامهم إقامته هذه حجة لاستعادة العقبة، رحل عنها غاضباً ونقلته مدرعة بريطانية إلى جزيرة قبرص، حيث تلقى في عام 1345هـ/1926م نبأ مبايعة الحجازيين لعبد العزيز ملكاً على الحجاز.
بعد إقامة ست سنين في قبرص مرض الحسين، فقدم إليه ابناه فيصل وعبد الله ليصحباه إلى عمّان. وبعد مرضه لأكثر من ستة شهور توفي ودفن بناءً على توصيته في المسجد الأقصى في القدس. كتب وقيل عنه الكثير، قلّة مغرضة أو جاهلة أدانته وأدانت ثورته، لكن الغالبية العظمى مجّدته ومجّدت ثورته أثراً فاعلاً في مسيرة الحركة القومية العربية النهضوية، مسيرة القضية العربية التي احتضنها فكراً وقولاً وفعلاً، مردداً: «اعلموا أنها حركة عليها نحيا وعليها نموت».
الحسين بن علي
Saturday, December 20, 2014
الوقت المقدر للدراسة:
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.
آخر أعلام
الأكثر زيارة في الأسبوع
موارد بیشتر برای شما
الشعر في مشهد، العاصمة الدينية لإيران
الانهيار البطيء للنظام السعودي..بن سلمان وحيدا في القمة!
معركة فاصلة على الرئاسات الثلاث في البرلمان العراقي
امريكا تصعد هجماتها الإعلامية ضد وزيرخارجيتها السابق
كاتب بريطاني: ابن زايد يستغل جهل ابن سلمان
مفاجأة... لماذا قرر عمر البشير حل الحكومة؟
الأنواء تعلن حالة الطقس في العراق للأيام المقبلة
اليابان تجرب مصعدا إلى الفضاء!
استخدام تقنية التعرف على الوجه في مطارات الهند
روسيا تستأنف إنتاج أضخم "سفينة طائرة" في العالم
جماعة علماء العراق: حرق القنصلية الايرانية تصرف همجي!!
البرلمان العراقى يعقد جلسة استثنائية لمناقشة الأوضاع بالبصرة اليوم
قمة طهران تخطف صواب الغرب وتذهل ساسته
معلومات لم تسمعها عن "المختار الثقفي"..من أديا دوري الامام الحسين وأخيه قمر بني هاشم؟!
الأمم المتحدة تطالب الصين بالإفراج عن مليون مسلم من الأويغور