(…ـ 558هـ/… ـ 1163م) أبو محمد عبد المؤمن بن علي الكومي، أمير المؤمنين وخليفة المهدي ابن تومرت[ر] ومؤسس دولة الموحدين، ويعود إليه الفضل في انقلاب حركة الموحدين التي وضع أُسسها الفكرية والسياسية ابن تومرت إلى دولة خضع لها المغرب كله والأندلس وما تبع ذلك من تنظيمات إدارية ومالية.
ينتمي عبد المؤمن بن علي إلى قبيلة كومية؛ التي تنتمي إلى مجموعة زنانة القبلية، وهي بعيدة عن قبيلة المهدي من حيث النسب، وكانت مواطنها بعيدة عن مواطن مصمودة التي تعمر كل الأطلس؛ لأنها كانت تقيم في المنطقة القريبة من تِلْمِسانَ في المغرب الأوسط.
كان عبد المؤمن من أفراد قلة بقوا من الجماعة المحيطة بالمهدي، بعدما قُتل الباقون في الصراع مع المرابطين[ر] ولاسيما بعد هزيمتهم في معركة البحيرة سنة 524هـ/1130م التي توفى إثرها المهدي في السنة نفسها، وانتخبت الجماعة عبد المؤمن لخلافته، لأن المهدي كان يقربه ويكيل له المديح في مناسبات متعددة، وربما لأنه كان حليفاً للمصامدة، ولا قبيلة قوية له بين صفوفهم مما يجعلهم يفضلونه لأنَفَةِ كلِّ قبيلةٍ منهم للخضوع لزعيم من قبيلة أخرى، ومهما يكن من أمر؛ فإن أعمال عبد المؤمن الحربية وتنظيماته الإدارية والمالية وأعماله العمرانية تثبت أن الاختيار كان موفقاً.
كانت أعمال عبد المؤمن الحربية مجموعة من العمليات الكبيرة الناجحة التي أدّت إلى ضم المغرب الأقصى والأوسط، بعد صراع مع المرابطين والقضاء على دولتهم، ودخول عاصمتهم مُرَّاكش التي سقطت في شوال 541هـ/1146م.
بينما كان سلطان المرابطين في المغرب الأوسط والأقصى يتهاوى تحت ضربات الموحدين، ثارت القوى المحلية في الأندلس ضد هذا السلطان، وبلغت هذه الثورات على المرابطين في الأندلس ذروتها، بينما كان عبد المؤمن يقوم بحملته الكبرى على المغرب، ويلوح في الأفق أنه سيكون عمّا قريب السيد المطاع في المغرب كله، وتقاطرت الوفود من الثائرين الأندلسيين على عبد المؤمن، تدفعها جملةُ عواملَ؛ منها البحث عن سند شرعيٍّ لحكمه، أو الاستعانة بقوة الموحدين ضد ثائرين آخرين، أو ضد بقية قوى المرابطين أو قوى الإسبان، وقد قبل عبد المؤمن اعتراف هؤلاء به أميراً للمؤمنين، ثم لبى طلب أحد كبارهم، وهو ابن قُسيّ، وأرسل معه قوة موحِّدية دخلت الأندلس أواخر سنة 541هـ، وأوائل سنة 542هـ، واستطاعت أن تسيطر على غربي الأندلس كله، بما فيه المدينة الكبرى إشبيلية، ويعود بطء التقدم الموحدي في الأندلس إلى انشغال عبد المؤمن ببسط سلطانه على بقية أنحاء الشمال الإفريقي، فابتدأ بدولة الحمَّاديين الذين تمركز سلطانهم في بجَايَة، فاستسلمت لعبد المؤمن من دون مقاومة سنة 547هـ/1152م، ثم احتل قلعة بني حمّاد وقُسَنْطِيْنَةَ، وأتبع ذلك بعد سنوات عدة بالتوجه نحو تونس، فقضى على بقايا الزيريين وسلالة آل خُراسان المنشقِّة عنهم، وأخيراً حارب النورمانديين براً وبحراً، واستخلص منهم المهْدِيَّة سنة 555هـ/1160م، وما احتلوه من بقاع أخرى في المغرب الأدنى وجزره، وامتد سلطانه بذلك على المغرب من الأطلس غرباً إلى طرابلس شرقاً، ومن وادي آنة في الأندلس إلى الصحراء في الجنوب، وحسب مقاييس القدماء كان طول دولته مسيرة أربعة أشهر في الطول وقرابة شهر في العرض، وهي بذلك أضخم دولة قامت في الجناح الغربي من ديار الإسلام منذ فتحه.
كان عبد المؤمن وفياً لمبادئ أستاذه ابن تومرت، واستمر بحفظ مبادئه، وأمر الآخرين بحفظها، حتى إن مجموعة من مجموعات العقائد المتبقية عن المهدي وهي «أعز ما يطلب» جمعها عبد المؤمن من ذاته، ولكن التغيير الواضح الذي أدخله عبد المؤمن، يبدو في تغيير هيكل السلطة إذ كانت هذه عند وفاة ابن تومرت عبارة عن سلطة شيوخ مجموعات القبائل الذين تجمعهم مجالس مختلفة، على اختلافٍ بين هؤلاء الشيوخ، وتلك المجالس في الصلاحيات التي يتمتع بها كل مجلس، أوكل مجموعة من الشيوخ، فقام عبد المؤمن، ونقل هذا الشكل القريب من الديمقراطية في السلطة إلى سلطة قريبة من سلطة الملوك، يتمتع فيها وأفرادَ أسرته بالسلطة كلّها، أو بحصة الأسد منها على الأقل.
نَفَّذ عبد المؤمن هذا التغيير الجذري في السلطة بمجموعة من الإجراءات والعمليات المتتالية، فبدأ بإدخال القبائل العربية التي كانت مواطنها لاتتجاوز الجزائر الحالية إلى المغرب الأقصى، وربما أدخل هؤلاء العرب ليكونوا تحت تصرفه قوة تدين بالولاء لشخصه، ليستخدمهم لمحاربة أعدائه في الداخل، إضافة إلى استخدامهم في الجهاد بالأندلس؛ وبعد أقل من ثلاث سنوات من اعتماده عليهم، خطا عبد المؤمن خطوته التالية نحو حصر الحكم في أسرته، وذلك بمبايعة أحد أبنائه ولياً للعهد، وسار بعد ذلك قدماً في طريق استئثار عائلته بالحكم عن طريق إعطاء حكم المناطق المختلفة لأبنائه، وجعل المساعدين لهم، لا من شيوخ الموحدين، وإنما من أبنائهم، في حين جعل الشيوخ حوله مستشارين، وبذلك تحاشى استقلالهم في المناطق لو أنهم أقاموا فيها، واستقلالهم حكمها لمكانتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهيأ عبد المؤمن لهؤلاء الأبناء تربية تجعلهم أهلاً للقيام بمهامهم في الحكم، وهي مهام إدارية وعسكرية وثقافية عن طريق مؤسسة ابتدعها من خلقه هي منظمة الطلبة.
إلى جانب هذا التنظيم الإداري، يعزى لعبد المؤمن تنظيم مالي شمل هذه الدولة الواسعة، فقد أمر بمسح الشمال الإفريقي من بُرْقَةَ شرقاً إلى السُّوس الأقصى، ثم أسقط من مجموع مساحته الثلث، لاشتماله على الجبال والأنهار والسِّباخ، وما بقي فرضَ عليه الخَراج عيناً ونقداً موزَّعاً على القبائل، ومما يلفت النظر في هذا التنظيم المالي هو فرض الخراج وليس العشر، وكانت نسبة الخراج تتذبذب بين الريف والمدينة، ومرتبطة بموقف السكان من الموحدين، ودرجة المقاومة لهم، ولكن الشواهد تدل على أن ما فُرِضَ من ضرائب مختلفة عن الأحكام العامة التي تنسب لعبد المؤمن كانت أكبر من الربع والخمس كثيراً.
مكَّنت الواردات الضخمة التي درتها الغنائم على عبد المؤمن، وما كان يُجبى من خَراج، من إقامة مبانٍ متنوعة لتلبية الحاجات الدينية والعسكرية خاصة، فقد أمر عبد المؤمن بتشييد المساجد في مدن عدة في تازا وتينمل وفي مُرَّاكش العاصمة، حيث بنى المسجد المشهور بالكتبية بمئذنته الحمراء المزينَّة الشاهقة، وبنى في هذه المدينة قصراً، لكن الزمان عفا على آثاره، ولعل حصن الرباط من أهم أعماله العمرانية، عند مصب نهر بورقرق على الجانب الآخر من مدينة سلا، ولاترجع الأهمية إلى الحصن ذاته، بل لما قدّر لهذا الموقع في أيام الموحدين التالية وما بعدها من سبل البقاء والتطور حتى نشأت فيه مدينة الرباط إحدى مدن المغرب الأقصى الرئيسة حديثاً وعاصمته الرسمية حالياً، ولقد استقدم عبد المؤمن المهندسين الأندلسيين للإشراف على البناء؛ فكان البناء يساير بذلك الفروع الحضارية الأخرى خاصة الفكرية من حيث خضوعه للتأثير الأندلسي.
كان من نتيجة اتساع الامبراطورية في عهد عبد المؤمن، ونتيجة للتنظيمات الإدارية والمالية التي طبقت، والتي لم تجد قبولاً لدى كثيرين أن كثرت الانتفاضات، وأدّى ذلك بالضرورة إلى ازدياد الحاجة للقوى العسكرية للحفاظ على طاعة أجزاء الامبراطورية المختلفة، ولم تكف قوى المصامدة أو من انضم إليهم من القبائل لتحقيق هذا الهدف، ولاسيما أن سياسة عبد المؤمن في احتكار السلطة له ولأبنائه وجعلها وراثية في عائلته، قد جعلتا الحماس للدولة الموحدية يفتر في صفوف هذه القبائل، ويزيد من تراخيها الذي بدا طبيعياً، ما درّته الفتوحات على الأفراد الموحدين من ثروات، وخلقت هذه الأوضاع الضرورة للاعتماد بصورة متزايدة على العناصر العسكرية غير الموحدية في الدولة بدءاً من العرب، ثم الغز وحتى الروم في عهد خلفائه. وقد هيأ عبد المؤمن جيوشاً ضخمة وأساطيل أراد توزيعها إلى أربعة جيوش يهاجم كل منها دولة من الدول الإسبانية، البرتغال، وليون وقشتالة، وأراغون، ولكنه توفي بعد خروجه من حصن الرباط لمباشرة ذلك في جمادى الثانية.
عبد المؤمن بن علي الكومي
Saturday, April 11, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.
آخر أعلام
الأكثر زيارة في الأسبوع
موارد بیشتر برای شما
الشعر في مشهد، العاصمة الدينية لإيران
الانهيار البطيء للنظام السعودي..بن سلمان وحيدا في القمة!
معركة فاصلة على الرئاسات الثلاث في البرلمان العراقي
امريكا تصعد هجماتها الإعلامية ضد وزيرخارجيتها السابق
كاتب بريطاني: ابن زايد يستغل جهل ابن سلمان
مفاجأة... لماذا قرر عمر البشير حل الحكومة؟
الأنواء تعلن حالة الطقس في العراق للأيام المقبلة
اليابان تجرب مصعدا إلى الفضاء!
استخدام تقنية التعرف على الوجه في مطارات الهند
روسيا تستأنف إنتاج أضخم "سفينة طائرة" في العالم
جماعة علماء العراق: حرق القنصلية الايرانية تصرف همجي!!
البرلمان العراقى يعقد جلسة استثنائية لمناقشة الأوضاع بالبصرة اليوم
قمة طهران تخطف صواب الغرب وتذهل ساسته
معلومات لم تسمعها عن "المختار الثقفي"..من أديا دوري الامام الحسين وأخيه قمر بني هاشم؟!
الأمم المتحدة تطالب الصين بالإفراج عن مليون مسلم من الأويغور