(1349-1421هـ/1930-2000م)حافظ الأسد Hafez Al- Assad، رئيس الجمهورية العربية السورية، والأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي[ر] منذ عام 1971. مناضلٌ صلب، ورجل دولةٍ بارز، وعسكريٌّ خبير، واستراتيجيٌّ وتكتيكيٌّ بارع. قاد الحركة التصحيحية في الحزب والدولة ليرسي في تاريخ سورية الحديث دعائم عهد من الاستقرار والنهضة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية بعد أن كانت الفوضى والانقلابات العسكرية تعصف بالبلاد منذ استقلالها في عام 1945م.
هو حافظ بن علي بن سليمان بن أحمد بن إبراهيم. كان جدّه الأكبر إبراهيم زعيماً لفخذ من عشيرة الكلبية، وهي من القبائل العربية التي هاجرت قديماً من اليمن إلى بلاد الشام، ثم انتقل بعض أفخاذها إلى جبال اللاذقية المشرفة على الساحل السوري، واستقرّوا في بلدة «القرداحة» حيث ولد حافظ الأسد في السادس من تشرين الأول عام 1930م. ويعود أصل لقب الأسرة «الأسد» إلى جده سليمان الذي عرف بجرأته وقوته البدنية، فأطلق عليه أقرانه لقب «الأسد».
وقد ورث والد الرئيس الأسد، علي سليمان المولود عام 1875م صفات أبيه سليمان في القوة والشجاعة. وكان متعلماً في زمن قلّ فيه من كان يلم بمبادئ القراءة والكتابة.
ووالدة حافظ الأسد هي السيدة «ناعسة بنت عثمان عبّاد» سليلة أسرة ريفية مرموقة اجتماعياً، من قرية «القطلبة» الجبلية، وقد كان لحنانها وقوة شخصيتها أثر كبير في نشأة ابنها حافظ.
في ظل هذا الإطار الأسروي الريفي ولد حافظ الأسد، وفي القرداحة درس المرحلة الابتدائية، ثم تابع تعليمه الإعدادي والثانوي في اللاذقية (ثانوية جول جمال اليوم) حيث شارك في الحركة الطلابية بنشاط ملحوظ، وفي أول مؤتمر طلابي عقد في اللاذقية بتاريخ 30/3/1950 انتخب حافظ الأسد رئيساً لهذا المؤتمر، واستمر في هذه المهمة حتى نال شهادة الدراسة الثانوية.
وكان حافظ الأسد ينوي دراسة الطب والتخصص فيه بعد حصوله على الثانوية العامة، ولكنه عدل عن ذلك وتطوع منتسباً إلى الكلية العسكرية عام 1952، ثم اختار التخصص في الطيران، فالتحق بعد ثلاثة أشهر بالكلية الجوية في حلب ليكون من دورة الطيارين الأولى التي تخرجت في سورية بعد الاستقلال، وأبدى تفوقاً بارزاً في التدريب، وتخرج طياراً مقاتلاً برتبة ملازم في مطلع عام 1955 وكان الأول في دورته.
في العام 1955 نفسه أوفد الأسد في بعثة عسكرية دراسية إلى مصر للتدريب على الطيران النفاث، ورُفِّغ إلى رتبة ملازم أول طيار في مطلع تموز 1956.
في مطلع عام 1958 أوفد الملازم الأول الطيار حافظ الأسد إلى الاتحاد السوفييتي (سابقاً) لاتباع دورة طيران ليلي، وأنهى هذه الدورة بتقدير «امتياز»، ثم رفع إلى رتبة نقيب طيار في الأول من كانون الثاني عام 1959.
وفي عام 1958 تزوج حافظ الأسد السيدة أنيسة بنت أحمد مخلوف، بنت عمته.
في ظل الوحدة بين سورية ومصر «الجمهورية العربية المتحدة» أوفد حافظ الأسد مرة أخرى إلى مصر في آذار 1959 لاتباع دورة قائد سرب، وفي تشرين الأول من العام نفسه ندب مع سرب للطيران الليلي إلى القاهرة. وبعد واقعة انفصال سورية عن مصر في 28 أيلول 1961 فرضت السلطات المصرية عليه الإقامة الجبرية، ثم زجَّ في سجن «أبي زعبل» هناك.
وبعد عودته إلى سورية أُبعد عن القوات المسلحة بقرار من حكومة الانفصال في 2/12/1961 بسبب مواقفه المناهضة له والمدافعة عن الوحدة، ونقل إلى إحدى الوزارات، لكنه لم يلتحق بالعمل فعلياً.
وكان الأسد، إبّان وجوده في مصر عام 1960، قد شارك في تأسيس «اللجنة العسكرية» المؤلفة من الضباط البعثيين الموجودين هناك رداً على قرار قيادة الحزب حلًَّ نفسه آنذاك، وعمل مع أعضاء اللجنة العسكرية المذكورة على إعادة تنظيم الحزب وإعادة الوحدة.
وفي آذار 1962 شارك في حركة الضباط الأحرار التي انطلقوا بها من مدينة حلب لإنهاء حكم الانفصال، وحين أخفقت هذه الحركة توجه الأسد إلى لبنان حيث ألقي القبض عليه وسُلّم إلى السلطات السورية التي زجت به، مع عدد من رفاقه، في سجن «المزة» بدمشق.
وبعد خروجه من السجن تابع مع رفاقه من الضباط في اللجنة العسكرية الإعداد لثورة الثامن من آذار ، وبنجاحها عاد الأسد إلى القوات المسلحة برتبة رائد جوي. وتقديراً لدوره الكبير في الإعداد للثورة وإنجاحها عُيّن عضواً في المجلس الوطني لقيادة الثورة، كما عُيّن قائداً للواء الجوي السابع، فقائداً لقاعدة عمر صفر الجوية (الضمير).
في عام 1964 حصل على شهادة دورة أركان طيران، وانتخب في مؤتمرات الحزب عضواً في القيادة القطرية ثم عضواً في القيادة القومية للحزب. وفي الثاني من كانون الأول عام 1964 رُفِّع إلى رتبة لواء جوي وعُيّن قائداً للقوى الجوية والدفاع الجوي.
كانت ثورة الثامن من آذار 1963 وقيادتها في حاجة إلى خبرة كافية، وممارسة عملية في قيادة الجماهير والدولة، ولذا فإن هذه التجربة أسفرت في البداية عن بعض الخلافات في وجهات النظر داخل الحزب، واتسعت هذه الخلافات تبعاً للتفاوت العقلي والموضوعي بين الحزبيين الذين كان قسم منهم يمثل القيادة المتطرفة واليسار المتسرع أوالمتحمس.
وكان حافظ الأسد يتابع بوادر تلك الأزمة، ويحاول تجنيب البلاد عواقبها بالاحتكام إلى الحوار الموضوعي في المؤسسة الحزبية، إلى أن حَسَمت حركة 23 شباط 1966 تلك الخلافات فوضعت سورية والحزب على الطريق السليم. وفي هذا التاريخ سمِّي الأسد وزيراً للدفاع، ومن موقعه هذا سعى بكل طاقته إلى تعزيز بناء القدرة العسكرية للقوات المسلحة السورية وتحديثها، والتوجه إلى إعادة الوحدة مع مصر، وترسيخ العلاقات مع الدول العربية الأخرى.
وفي الخامس من حزيران 1967 شن الإسرائيليون عدوانهم المباغت على سورية ومصر والأردن واحتلوا أراضي من الدول الثلاث، وكان من آثار هذا العدوان اشتداد الخلافات في القيادة الحزبية مما جعل الأسد موزعاً بين حل الخلافات في الحزب، وبين السعي الحثيث لإزالة العدوان وتحرير ما احتل من الأراضي السورية بالأساليب السياسية في إطار المنظمات الدولية ومؤسساتها القانونية، وبحرب الاستنزاف التي استمرت على الجبهة السورية عدة أشهر.
وفي الأول من تموز عام 1968رفَع اللواء الجوي حافظ الأسد إلى رتبة الفريق الجوي، وبدأ مجدداً العمل على إنجاز كل ما كان خطط له كوزير للدفاع. ولم ينجح الحزب في حل الخلافات التي راحت تعصف به مرة أخرى، ولا استطاع المؤتمر القومي العاشر للحزب الذي عقد في دمشق أوائل تشرين الثاني من عام 1970 أن يصل إلى صيغة مقبولة للتفاهم، وأمام هذا الإخفاق في الخروج بالحزب من تلك الأزمة قاد الفريق الجوي حافظ الأسد، عضو القيادتين القطرية والقومية للحزب، في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1970 الحركة التصحيحية ليضع حداً للخلافات التي وصلت إلى طريق مسدود ووضعت القيادة الحزبية والحزب في مأزق خطير.
وفي الواحد والعشرين من تشرين الثاني عام 1970 تولى حافظ الأسد رئاسة مجلس الوزراء، بعدها انتخب رئيساً للجمهورية العربية السورية في الاستفتاء الشعبي العام الذي جرى في الثاني عشر من آذار 1971، كما انتخب أميناً قطرياً لحزب البعث العربي الاشتراكي في المؤتمر القطري الخامس يوم الرابع عشر من أيار 1971. وفي المؤتمر القومي الحادي عشر المنعقد في الثالث من آب 1971 انتخب أميناً عاماً للحزب، وأعادت المؤتمرات الحزبية، القطرية والقومية بعد ذلك انتخابه لهذين المنصبين، كما أعيد انتخابه رئيساً للجمهورية في الثاني عشر من آذار 1978، وفي الثاني عشر من آذار 1985، ثم في الثاني عشر من آذار 1992، وفي الثاني عشر من آذار 1999.
شخصيته ونهجه السياسي
حافظ الأسد شخصية سياسية نشأت في إطار حزب سياسي قومي ذي تنظيم ومبادئ تقوم على أسس من الوحدة العربية، والحرية والاشتراكية. ومن البَدَهي أن يكون الأسد قد تشبع بما اعتنقه من الأفكار والمبادئ، وتسلح بها للعمل السياسي العام.
ولعل أبرز ما يعتمده الأسد في نهجه السياسي إيمانه بالتنظيم، والاعتماد على الذات. ومن هنا كان التنظيم الحزبي بقيادته أكثر إحكاماً وتماسكاً في التزام المبادئ والمنطلقات النظرية التي قررتها مؤتمرات الحزب.
وإذا كان نهجه في التنظيم ثمرة ما اكتسبه من تجربة طويلة في المؤسسة الحزبية، وفي المؤسسة العسكرية، فإن إيمانه بفكرة الاعتماد على الذات تأسس عنده على ثقة عميقة بقدرات الأمة العربية وطاقات أبنائها على تحقيق الإنجازات الكبرى في ميادين البناء والتنمية.
ولإنجاح مبدأ الاعتماد على الذات حضّ الأسد دائماً على ترسيخ أسس الوعي، وتطوير البحث العلمي، وتحديث المؤسسات وأجهزتها، وتنمية الإحساس بالمسؤولية، وإعداد الطاقات البشرية لاستثمار إمكاناتها. فحشد الطاقات وزجُّها في معركة التنمية من أبرز دعائم النهج السياسي عند الأسد، وإيمانه بالإنسان قضية تحتل المنزلة الأولى في نهجه وتفكيره، ومن هنا ركز دائماً على وحدة الجماهير، ووضع في حسبانه وحدة القوى العربية، أو التضامن العربي، أو أي تسمية تحقق قدراً مقبولاً من التماسك العربي بالمنظور الاستراتيجي.
وحافظ الأسد رجل مبدأ، أو رجل الثوابت المبدئية كما عبرت الصحافة العربية في كثير من المناسبات والتحليلات، وقلما يخلو حديث أو خطاب له من الإشارة إلى مبادئه الكبرى، ولاسيما الوحدة العربية.
ولقد نجح النهج السياسي للأسد في تأكيد قوة سورية وتقدمها، وفي أن يكون لها وزن راجح في السياسة الدولية، وكان من الطبيعي، مع هذه السياسة والحكمة والمصداقية، أن يغدو الأسد شخصية عالمية، وأن يكون موضع اهتمام القادة ورجال الفكر والسياسة والإعلام، وتجلى هذا الاهتمام في سلسلة من الكتب التي تناولت شخصيته وسيرته الذاتية وسياسته بالدراسة والتحليل والتأريخ فبلغت ما يربو على ستين كتابا ًلمؤلفين فرنسيين وإنكليز وبولنديين ويهود وعرب، ناهيك من الشعر والأبحاث والمقابلات والتحقيقات التي كان محورها وعنوانها ومحل تقديرها.
أبرز الإنجازات في عهده
كانت سورية قبل ثورة الثامن من آذار وقبل الحركة التصحيحية مسرحاً للحركات السياسية والإنقلابات والاختلاف الحزبي، وأحياناً الاقتتال، وعندما تولى الأسد مهام السلطة في البلاد سعى جاهداً إلى تغيير هذه الصورة من الاضطراب والقلق بتعزيز الجبهة الداخلية ومدّ جسور الترابط والتماسك بين الحزب مبادئ وأهدافاً وأساليب عمل، وبين الواقع الاجتماعي، وحركة الحياة بما يرضي تطلعات الجماهير أو يحقق لها قدراً مقبولاً من الوفاق والاستقرار.
ومن ثم دعا إلى المشاركة الشعبية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إطار من المنظمات والمؤسسات المتنوعة التي ترسخ سلطة الشعب وفق منظومة من العلاقات.
وفي ظل الحركة التصحيحية تمّ تشكيل مجلس الشعب عن طريق الانتخاب المباشر لممثلين عن الحزب والمنظمات الشعبية والمهنية والقوى والعناصر التقدمية وبمشاركة المرأة في الترشيح والعضوية. وبدأ المجلس ممارسة التشريع فأقرّ الدستور الدائم، واستكملت البنى والمؤسسات الدستورية على أساس من التعددية السياسية في صيغة تنتظم القوى الوطنية والتقدمية. وقامت الجبهة الوطنية التقدمية التي تضم ستة أحزاب مع الحزب القائد، حزب البعث العربي الاشتراكي (وقع ممثلو القوى الوطنية التقدمية ميثاق الجبهة في السابع عشر من آذار 1972) فاتسعت بذلك المشاركة الحزبية والجماهيرية في الحكم، وأُشركت «الجبهة الوطنية التقدمية» في اتخاذ القرار وبتّ الشؤون المصيرية في البلد، مثل خوض حرب تشرين عام 1973، ودخول الجيش السوري لبنان لوقف الحرب الأهلية هناك عام 1976، بناء على طلبه، وقرار معارضة الغزو العراقي للكويت عام 1990، وقرار مشاركة سورية في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991.
وتم في ظل قيادة الأسد وتنفيذاً لتوجيهاته تحقيق بنية اقتصادية قوية ترتكز على قاعدة متعددة الأنماط الاقتصادية متمثلة بالقطاع العام، والقطاع الخاص، والقطاع المشترك، والقطاع التعاوني من أجل التنمية الاقتصادية بزيادة الإنتاج وتحسينه، وبذا أُفسح في المجال لإسهام الجميع في بناء اقتصاد وطني يعتمد على الذات ويطمح إلى تنمية شاملة. وفي الوقت نفسه يمتّن الوحدة الوطنية ضمن إطار ديمقراطي يشمل جميع فئات الشعب.
ومع تعزيز الجبهة الداخلية بإرساء دعائم الديمقراطية، عمل الأسد جاهداً على إشاعة الأمن واستتبابه وتقوية أسس الاستقرار الداخلي بالتركيز على «بناء الإنسان» في وعيه وإرادته.
وخصص الأسد قسطاً وافراً من وقته وجهده لتطوير بناء القوات المسلحة ورفع قدراتها القتالية، وإعدادها إعداداً عقائدياً لتحمي الشعب وتقوم بواجبها الوطني ورسالتها القومية التاريخية، مثلما فعلت في حرب تشرين المجيدة، وحرب الجولان الاستنزافية سنة 1973.
وبتوجيهات الأسد ورعايته تحققت نهضة حضارية شاملة تجلت في حصر الموارد الطبيعية وفي تعدد الصناعات وتطوير الزراعية وتنويعها، والتكامل بين الزراعة والصناعة، وإقامة السدود وشبكات الري وزيادة مساحات الأراضي المزروعة اعتماداً على نتائج الأبحاث العلمية المتنامية.
ويمكن القول في اختصار: إن الأسد لم يترك جانباً واحداً من جوانب الحياة العامة إلا أولاه فضل عناية واهتمام بالقدر الذي يتفق وأهميته في تقدم سورية وتطور مجتمعها وضمان حياة مستقرة لمواطنيها.
على الصعيد القومي
أدرك الأسد بتجربته الحزبية الطويلة وتحليله السياسي عوامل القوة والضعف في الوطن العربي،وخلص إلى أن «سبيل العرب إلى قوتهم ترتكز على وحدتهم». ومنذ فجر الحركة التصحيحية بدأ الأسد محاولة وضع شعار الوحدة موضع التنفيذ، سواء في تجارب وحدوية، أو في صيغة التضامن العربي التي «تبدأ بإزالة عوامل التوتر والقطيعة، وتنتهي بشكل عال من أشكال التنسيق». وكانت الخطوة الأولى عملياً في ظل قيادته الشروع بإخراج سورية من عزلتها بتوقيع الاتفاقية العسكرية بين سورية ومصر في 26 تشرين الثاني عام 1970، أي بعد أيام قلائل من قيام الحركة التصحيحية، ثم المشاركة في إقامة اتحاد الجمهوريات العربية مع مصر وليبية.
وكانت حرب تشرين بقيادته عام 1973 التحقيق العملي لهذا التضامن العربي، ونقطة تحوّل في مسار تاريخ الصراع العربي الصهيوني، والخطوة المهمة في الانتقال بوعي الجماهير العربية في حال الإحباط والتشتت إلى حال التماسك واستعادة الثقة بالذات العربية.
وعلى الصعيد القومي أيضاً كان اهتمام الأسد بلبنان كبيراً، فقد لبّى نداء الشرعية اللبنانية بعد تفاقم الحرب الأهلية التي نشبت هناك عام 1974، إذ بادر في حزيران 1976 إلى إنهاء اقتتال الأخوة في هذا البلد الشقيق من منطلق الحفاظ على وحدته أرضاً وشعباً، وإشاعة الأمن والاستقرار في ربوعه، والمحافظة على انتمائه القومي، وبعد سنوات من الجهد والبذل تم التوصل إلى اتفاق «الطائف» عام 1989، وتوّجت جهود الأسد بالنجاح في إعادة الشرعية إلى لبنان وفي إحلال الأمن، بالتعاون مع السلطات اللبنانية، في معظم أراضيه ما عدا المناطق التي مازالت تحتلها إسرائيل من جنوبه.
وبعد أن سافر السادات إلى القدس جرياً وراء السلم المنفرد في عام 1977 صمد الأسد وحده في وجه هذه الردة وسعى إلى بلورة موقف قومي عربي في إطار ما سمي «بجبهة الصمود والتصدي» و«ميثاق العمل القومي»، وعمل على تحقيق التوازن الاستراتيجي بمفهومه الحضاري الشامل، على الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية والعلمية، وما يزال يعمل في هذا السبيل مستمراً وكأنه يؤسس لمشروع حضاري قومي عربي تنجزه الأجيال المقبلة ليكون في مواجهة المشروع الصهيوني.
وتصدى الأسد لجميع المحاولات التي كان من شأنها إضعاف العرب أو النيل من استقلالهم، أو من تضامنهم، واتضح هذا خاصة بعد إبرام اتفاقية «كامب ديفيد»، إذ لم يسمح الأسد للموقف العربي أن يوالي التدهور أكثر، بل دعا إلى مواجهة المخططات الأمريكية والصهيونية بكل وسيلة ممكنة، مما ضايق أمريكة فحركت عملاءها المأجورين المتاجرين بالدين تحت اسم «الإخوان المسلمين»، وبهدوء أعصاب واجه الأسد هذه المؤامرات وأوقف سفك دماء الأبرياء بحزم الحريص على الشعب وأمنه واستقراره.
واستنكر الأسد الحرب العراقية الإيرانية وسماها «الحرب المجنونة»، ورأى فيها هدراً لطاقات البلدين واستجراراً للأقطار العربية إلى معركة مع غير العدو. في حين أصدر أوامره إلى القوات المسلحة السورية على الأراضي اللبنانية بمواجهة الغزو الإسرائيلي للبنان في حزيران 1982، ودعم القوات بتشكيلات إضافية دافعت بشرف عن الجنوب وبيروت والبقاع، وتمكنت من إيقاف هذا الغزو بعد أن قدمت تضحيات جسيمة. وقدّم للمقاومة الوطنية هناك جميع أنواع الدعم، وكان بهذا الدّعم يحمي أيضاً القضية الفلسطينية وأداتها الثورية وفصائلها في إحدى جبهاتها الساخنة، كما كان يحول دون التقسيم الطائفي والجغرافي للبنان، ويستنزف طاقات إسرائيل ويضعها أمام مأزق حرج, وتوّج هذا كله بالقضاء على تمرّد العماد «ميشيل عون» (13 تشرين الأول 1990) الذي أراد وضع لبنان تحت سلطته العسكرية بالتعاون مع الإسرائيليين. وبذا آل أمر اتفاق 17 أيار 1983 الذي رعته الولايات المتحدة الأمريكية إلى الإخفاق التام.
وأولى الأسد القضية الفلسطينية جل اهتمامه وجهده، وبذل مساعيه المتواصلة من أجل تحقيق الحل العادل والشرعي لهذه القضية، وكان حق الفلسطينيين بوطنهم ودولتهم المستقلة محور نضاله القومي، ولهذا رفض الاتفاقات المنفردة مع إسرائيل وانتقد من أقدم عليها. وأوضح مراراً للعرب وللعالم تصوره للسلام المراد.
وكان الأسد حريصاً على العلاقات العربية وتماسكها، مترفعاً عن الخوض في الصغائر، صافحاً عن الإساءات التي صدرت عن بعض الحكام العرب، معلياً شعار التضامن العربي على ما سواه من الأمور العربية العارضة. وانطلاقاً من هذا الحرص على العلاقات العربية رفض احتلال العراق للكويت في 20 آب 1990، ولذلك أسهمت سورية بقوات مسلحة، مثلما فعلت مصر لمواجهة هذا الغزو وإعادة الأوضاع العربية إلى ما كانت عليه.
وكثيراً ما سعى إلى حل الخلافات العربية ـ العربية بالتوفيق بين وجهات النظر المتباعدة والدعوة إلى تجاوز الفتور في العلاقات، كما فعل حين فاجأ العالم بحضوره إلى عمان للمشاركة في تشييع جنازة الملك حسين بن طلال ملك المملكة الأردنية الهاشمية في مطلع عام 1999م، مع ما كان بين القطرين الشقيقين، سورية والأردن، من فتور عارض في العلاقة. ولعل في زيارة الملك عبد الله بن الحسين لسورية في نيسان 1999 ما يدلل على سلامة هذا التوجه العربي.
على الصعيد الدولي
حافظ الأسد يقسم اليمين الدستوري لولاية دستورية خامسة 1999
عمل الأسد على بناء علاقات متينة بعدد من الدول الصديقة وفي مقدمتها الاتحاد السوفييتي (سابقاً)،والدول التي استقلت عنه، وكذلك بعدد من دول شرقي أوربة، ودول أخرى في قارات: أوربة وإفريقية وآسيا وأمريكة. واتسع بأفق العلاقات بالدول النامية في القارات الثلاث الأخيرة ولاسيما الدول الداعمة للحق العربي وللأمة العربية في المحافل والمنظمات الدولية والإقليمية ومنظمة المؤتمر الإسلامي. وأسهم إسهاماً فعالاً في حركة دول عدم الانحياز وتنشيط فاعليتها في العلاقات الدولية. وسعى إلى الإفادة من هذه العلاقات في نصرة القضايا القومية، وفي صدارتها القضية الفلسطينية التي تمثل جوهر الصراع العربي ـ الصهيوني، كما سعى إلى الإسهام في ترسيخ الأمن والاستقرار والسلام في المجتمع الدولي، وبذل كل جهد ممكن لاحتواء الأزمات والصراعات الإقليمية والدولية، ولدعم حركات التحرر، ومن هنا جاءت مبادرته في اليونان عام 1986 لعقد مؤتمر دولي لوضع تعريف للإرهاب الإجرامي وإرهاب الدول، والتفريق بينه وبين النضال الوطني من أجل التحرر من المعتدي، ودعا إلى الحد من سباق التسلح ونزع أسلحة الدمار الشامل، ولبناء نظام اقتصادي دولي يقوم على المنفعة المشتركة والمصالح المتوازية، وينهي مظاهر الهيمنة على الدول والشعوب، وفي الوقت نفسه بين أن «الوضع الدولي الراهن حالة طارئة في الحياة الدولية يجب ألا تتحول إلى نظام دولي جديد، لأن هذه الحالة تفتقد مقومات النظام الدولي».
أما في إطار العلاقات الثنائية على الصعيد الدولي فقد حقق الأسد مكاسب سياسية ومعنوية رسخت مكانته وسمعته فاستقر في وعي العالم كله أنه رجل دولة له ثقله بين قادة العالم كما دللت اللقاءات والمحادثات والتصريحات التي تناقلتها وكالات الأنباء عند لقائه شخصيات عالمية مرموقة كرؤساء كثير من الدول المهمة.
وحين أطاحت الثورة الإسلامية في إيران حكم الشاه في شباط 1979 أيد الأسد بقوة هذه الثورة وأقام معها علاقات سياسية لأنها نادت، منذ نجاحها، بتحرير بيت المقدس، وبدعم المقاومة الفلسطينية خاصة والقضايا العربية عامة.
ويسعى الأسد إلى تحقيق السلام الشامل والعادل في المنطقة على مبدأ الأرض مقابل السلام، وعلى أساس استعادة الحقوق العربية كاملة وفق قرارات الشرعية الدولية، وأخذاً بهذا الموقف شاركت سورية في مؤتمر دولي للسلام عقد في العاصمة الإسبانية مدريد في تشرين الأول عام 1991، وسعت إلى تحقيق وحدة الموقف العربي إزاء عملية السلام للحيلولة دون فرض اتفاقات منفردة في إطار هذه العملية.
وقد أدرك المجتمع الدولي أن الأسد حريص على السلام العالمي، راغب في أن يسود المنطقة من غير تفريط بشبر من الأرض، أو بحق من الحقوق العربية العادلة، كما أدرك الجميع أن هذا السلام رهن بموافقة الأسد على كل خطوة لتحقيقه، ومن دون هذه الموافقة يصبح عسيراً أو مستحيلاً.
وبمجيئ حكومة الليكود الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو بدأت عملية السلام عام 1996 تنحرف عن مسارها الذي كان قد رسم لها دولياً، وتتعرض لمخاطر حقيقية بسبب تنصل الإسرائيليين من التزاماتهم التي أقرّت في مؤتمر مدريد. وإزاء ذلك قامت سورية بقيادة الأسد بنشاط سياسي عربي مكثّف أدى إلى مزيد من التضامن العربي كما يستخلص مما جاء في قرارات القمة العربية التي عقدت في حزيران من عام 1996 بالقاهرة. وبمناسبة إعادة انتخابه لفترة رئاسية خامسة دعا الرئيس الأسد في الكلمة التي وجهها إلى مجلس الشعب القادة العرب إلى وقفة تأمل شجاعة ومسؤولة «تضمن الانتقال من هذا الوضع إلى وضع نستطيع من خلاله النهوض جميعاً وتعود الأمة لتكافح من أجل البناء والتقدم»، ولتقف في مواجهة الأخطار التي يتعرض لها العرب والتي تحدق بالمنطقة ومستقبلها.
إن هذه المواقف والإنجازات التي تحققت في عهد الأسد، سياسياً واقتصادياً وعلمياً واجتماعياً، على الصعيد القطري، والقومي، والدولي، أعلت من مكانة سورية في المجتمع الدولي، وأثّرت في صوغ القرارات الخاصة بالمنطقة والوطن العربي، وجعلت من الرئيس الأسد فعلاً باني سورية الحديثة، وواحداً من أبرز المنارات المضيئة في تاريخ العرب المعاصر.
توفي، في دمشق في العاشر من حزيران، وشُيِّع جثمانه في موكب احتشد حوله الشعبُ السُّوري، وحضره لفيفٌ غفيرٌ من زعماء العالم، ودُفن في القرداحة مَسْقَطِ رأسه.
الأسد
حافظ
Thursday, October 2, 2014
الوقت المقدر للدراسة:
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.
آخر أعلام
الأكثر زيارة في الأسبوع
موارد بیشتر برای شما
الشعر في مشهد، العاصمة الدينية لإيران
الانهيار البطيء للنظام السعودي..بن سلمان وحيدا في القمة!
معركة فاصلة على الرئاسات الثلاث في البرلمان العراقي
امريكا تصعد هجماتها الإعلامية ضد وزيرخارجيتها السابق
كاتب بريطاني: ابن زايد يستغل جهل ابن سلمان
مفاجأة... لماذا قرر عمر البشير حل الحكومة؟
الأنواء تعلن حالة الطقس في العراق للأيام المقبلة
اليابان تجرب مصعدا إلى الفضاء!
استخدام تقنية التعرف على الوجه في مطارات الهند
روسيا تستأنف إنتاج أضخم "سفينة طائرة" في العالم
جماعة علماء العراق: حرق القنصلية الايرانية تصرف همجي!!
البرلمان العراقى يعقد جلسة استثنائية لمناقشة الأوضاع بالبصرة اليوم
قمة طهران تخطف صواب الغرب وتذهل ساسته
معلومات لم تسمعها عن "المختار الثقفي"..من أديا دوري الامام الحسين وأخيه قمر بني هاشم؟!
الأمم المتحدة تطالب الصين بالإفراج عن مليون مسلم من الأويغور