بايزيد الثاني

Thursday, October 23, 2014
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
بايزيد الثاني

(851 ـ 918هـ/1448 ـ 1512م) بايزيد الثاني السلطان الثامن من سلاطين الدولة العثمانية، حكم بين عامي 886-918هـ/1481-1512م. وهو ابن السلطان محمد الثاني[ر]، فاتح القسطنطينية. وكان في أثناء حكم أبيه، حاكماً في «أماسية»، في آسيا الصغرى. واشترك آنذاك مع والده، في محاربة أوزون حسن[ر] سلطان دولة الآق قوينلو، سنة 878هـ/1473م.

وكان عهده حافلاً بالصراعات الداخلية والخارجية، والإنشاءات الحضارية. وتلخص تلك الصراعات بمايلي:

ابتدأ عهد بايزيد الثاني بصراعه مع أخيه الأصغر «جم» (ويسميه بعض المؤرخين العرب جمجمة)، على وراثة العرش. وكان «جم» والياً على قرمان، ومقره  قونية. إلا أن بايزيد استطاع أن يهزم أخاه في معركة «يني شهر» سنة 886هـ/1481م، وأن ينفرد بالعرش. ولجأ  جم  إلى سلطان المماليك في مصر قايتباي، ثم عاد ثانية إلى آسيا الصغرى، ليحارب أخاه، مؤيداً من سلطان مصر. ولكنه هزم مرة أخرى، فأوى إلى فرسان القديس يوحنا  في جزيرة  رودس  سنة 887هـ/1482م. ونقله هؤلاء إلى فرنسة، وسُلِّم بعد ذلك إلى البابا، ثم استعاده ملك فرنسة. وغدا ورقة رابحة في أيدي أي تحالف أوربي، يبغى النيل من الدولة العثمانية. وكان هذا مثار قلق شديد للسلطان بايزيد، عرقل متابعة غزواته في أوربة بعض الوقت. ثم انتهت حياة «جم» بوفاته سنة 900هـ/1495م، وقيل إنه توفي مسموماً بموس حلاقة، وبتدبير من أخيه  بايزيد الثاني.

أما سياسة بايزيد الثاني الخارجية، فتتمثل بحروبه على الجهتين: الأوربية، والآسيوية:

فعلى الجبهة الأوربية، استمر بايزيد الثاني على نهج سياسة أبيه في محاولة التوسع في أوربة الشرقية وتثبيت أقدام الدولة العثمانية في هذه المنطقة. وتمكن من السيطرة الكاملة على الهرسك سنة 889هـ/1484م، وعلى عدد من الدوقيات النمسوية (897- 900هـ/1492-1495م)، واصطدمت الدولة مع هنغارية، ومع أن القوات العثمانية هزمت قرب فيلاتش Villach، فإنها نجحت في القضاء على القوى الكرواتية سنة 898هـ/1493م، ووقعت هنغارية معها هدنة لثلاث سنوات.

كما قامت الدولة العثمانية بشن حملة على مولدافية (البغدان)، شمال غربي البحر الأسود، وكان السلطان نفسه على رأس تلك الحملة فاستولت على عدد من الحصون قوت قبضة العثمانيين على الطريق البرية المؤدية إلى شبه جزيرة القرم، التي كان خانُها التتري تابعاً للدولة العثمانية. وأثار هذا الأمر بولندة، إذ انتصبت الدولة العثمانية سداً في وجه وصولها إلى البحر الأسود، فدخلت في حرب معها سنة 902هـ/1497م، تبغي منها ضم مولدافية  إليها، إلا أن الدولة العثمانية صدتها، بل استولت على بعض مناطقها سنة 903هـ/1495م، وانتهت الحرب بعقد هدنة بين الطرفين سنة 906هـ/1499م.

ومن جهة ثانية خاضت الدولة العثمانية حروباً مع دولة البندقية كانت هي الأخرى استمراراً لحروب السلطان محمد الفاتح (الثاني). فقد هَدَّدت الدولة العثمانية، بوجودها القوى في بحر إيجة وفي شبه جزيرة البلقان، المراكز التجارية للبندقية، على سواحل شبه جزيرة المورة Morea، وتجارتها في شرقي البحر المتوسط. ولذلك كان الصراع قوياً بين الطرفين، وتزايد، حين فرضت البندقية سيادتها على قبرص سنة 895هـ/1489م. وانضم إلى البندقية في حربها، كل من البابا، وهنغارية سنة 904هـ/1499م. وشجع بايزيد على خوض هذه الحرب باندفاع، وفاة أخيه جم وقوة الأسطول الجديد الذي أنشأه. وانتهت الحرب بانتصار الدولة العثمانية، وتوقيع البندقية معها صلحاً سنة 908هـ/1502م، نزلت لها فيه عن موانئ  ليبانتو Lepanto، وكورون Coron، و نفارين Navarino على سواحل المورة ودورازو Durazzo، في ألبانية على ساحل الأدرياتيك.

أما على الجبهة الآسيوية فتشتمل حروب بايزيد الثاني على حربه مع دولة المماليك، وصراعه مع الدولة الصفوية.

فقد اصطدمت الدولة العثمانية، لأول مرة منذ نشأتها، مع دولة المماليك على حدودها الجنوبية. ويرجع ذلك إلى رغبة كل من الدولتين في فرض سيادتها على منطقة كيليكية على طول جبال طوروس، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، إلى إيواء المماليك لـ «جم» أخي السلطان بايزيد، ومساعدتهم له في هجومه الثاني على أخيه، كما أشير سابقاً. وقد دامت هذه الحرب ست سنوات (890-896هـ/1485-1490م) وكانت سجالاً، وقد هزم العثمانيون إبّانها في عدة معارك، وأهمها معركة آغا جيري Agha cayri قرب أضنة  سنة 893هـ/1488م. وانتهت بتوقيع صلح بين الطرفين، عادت بمقتضاه الحدود بينهما إلى ماكانت عليه.

ومع تلك العلاقات العدائية بين الدولتين، فإن السلطان بايزيد قدّم للدولة المملوكية مساعدات حربية كبيرة، حينما تصدت للبرتغاليين الذين أخذوا يهاجمون البلاد العربية والإسلامية المطلة على البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي للسيطرة على الطرق التجارية البحرية العربية.

أما اصطدام السلطان بايزيد الثاني بالدولة الصفوية في إيران، فقد اتخذ في الواقع صورة قمع ثورة أهلية شيعية، في سنة 917هـ/1511م، أثار أتباع الشاه إسماعيل الصفوي[ر] في جنوب غربي الأناضول، ثورة شيعية قوية على الحكم العثماني، ونهب الثوار كوتاهية، وتقدموا نحو بروصة إلا أن الدولة العثمانية تصدت لهم وقضت على الثورة، وقتل قائدها شاه قولي كما قتل أيضاً علي باشا قائد القوات العثمانية.

ولابد من الإشارة إلى أن السلطان بايزيد الثاني في حقل علاقاته الخارجية، عاصر سقوط غرناطة بيد الإسبان سنة 897هـ/1492م، وقَسْر المسلمين فيها على التنصر. وكان ملك غرناطة العربي قد استنجد به، كما استغاث به المسلمون المنصّرون. ولكن الدولة العثمانية، لم تتمكن آنذاك على مايبدو من تقديم العون المطلوب، لانشغال السلطان بقضية أخيه «جم». إلا أن السلطان أوعز إلى غزاته في البحر المتوسط، أن ينقلوا عملياتهم الجهادية البحرية إلى غربي البحر المتوسط، واشتهر من هؤلاء «كمال ريس» الذي قام بمهاجمة سواحل إسبانية.

وقد يكون آخر الصراعات التي عاناها السلطان بايزيد الثاني، الصراع الخفي على العرش من بعده بين ابنه أحمد وكان هو مؤيداً له، وابنه  سليم الذي استمال إليه فرسان القرم، وفئة من الانكشارية. واستفحل ذلك الصراع لما ضعفت قوة السلطان، لشيخوخته، وإصابته بمرض النقرس، فتوقفت فتوحاته، وأخذ الجيش الانكشاري يتطلب سلطاناً قوياً. وتحول ذلك الصراع إلى نزاع مسلح بين بايزيد وابنه سليم. إلا أن السلطان استجاب إلى رأي مستشاريه، ونزل عن العرش لابنه  سليم  في 8 صفر 918هـ/25 نيسان 1512م، وقرر أن ينهي حياته في مسقط رأسه «ديموطيقة»، إلا أن المنية عاجلته وهو في طريقه إليها.

ساعد السلطان بايزيد الثاني على خوض معظم حروبه بنجاح، عمله الدائب لتقوية جيشه وأسطوله؛ فقد زوّد جيشه البري بمدفعية أبعد مرمى، وأقدر على الحركة والتنقل؛ وضاعف من إنشاء السفن الحربية في موانئ بحر إيجة، والأدرياتيك، وإليه يعزى الفضل في قوة الأسطول العثماني في البحر المتوسط.

ومع كل ذلك الاتجاه الحربي للسلطان بايزيد الثاني، فقد عرف بميله الشديد إلى التصوف. وكان محباً للعلم والعلماء، وأولياء المتصوفة، والأدباء. وكان مندفعاً نحو العمران، ولاسيما الديني منه، فقد بنى مسجداً بالقسطنطينية دُفِن فيه، وألحق به تكية، ومطبخاً لإطعام الفقراء. وأنشأ مسجداً آخر بأدرنة، ومدرسة، وتكية، وأقام عدة تكايا للدراويش في اصطنبول والأقاليم. وشيد جسوراً على نهري قزيل إيرقاق وسقارية. وكان يكنّ تقديساً للحرمين الشريفين، فأوقف عليهما كثيراً من الأوقاف.

رأت الدولة العثمانية في عهد السلطان بايزيد الثاني، إلى جانب اتساع رقعتها، ونمو قوتها العسكرية، نشاطاً في الحياة الاقتصادية، وخاصة منها التجارية، والصناعية، ولاسيما صناعة الحرير. كما رأت اتساعاً في المدن، واتخذت الأبنية فيها كالمساجد، والخانات، مظهراً حضارياً فخماً تمثل بسعتها، وصفاتها الفنية الفريدة.
 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.