بمقابل الهوية أو الذات الجماعية لأمة حزب الله، يقف الخطاب ليحدد الآخر كذوات جماعية مختلفة عن أمة الحزب. وقد تعددت دوائر الآخر وفق الخطاب وتنوعت لا بحسب انتمائها الجغرافي وإنما بحسب تبايناتها الثقافية ومنطلقاتها في التعاطي مع العالم الإسلامي.
وتبعاً لهذه التبيانات فلم يدرجها الخطاب على أنها بمجملها ذوات تتخذ موقف العداء لأمة الحزب وإنما جرى تصنيفها وفق محدداتها البادية إلى ذوات غير معادية وأخرى معادية وهذه الذوات هي التالية:
1- المستضعفون: لقد حدد الخطاب المستضعفين انطلاقاً من الدائرة الإنسانية العامة التي تجمع بين صنوف البشر بمعزل عن انتماءاتهم الدينية والثقافية ولكنهم يرزحون تحت نير الظلم والاستضعاف والحرمان والاستغلال. وهؤلاء المستضعفون تجمعهم مع أمة الحزب رابطة أخلاقية عامة تحيل إلى طبيعة بشرية ترفض من حيث المبدأ الظلم والاستضعاف(1)
تشمل الانطواءات العامة للاستضعاف أمة أرضها تحت وطأة الاحتلال والقتال والتشريد اليومي وهيمنة الاستكبار العالمي، ولكنها حين تسري على الآخر فإنها تشمل مكونات وشرائح قد تكون مسلمة ولكنها تحمل مبادئ ومعتقدات علمانية وأخرى لا تدين بالإسلام ولكنها تقع في إطار الاستضعاف.
وعلى هذا النحو فإن الآخر المتضمن في إطار الاستضعاف غير مستبعد عن الدعوة للاصطفاف في المشروع العام، ولا يصنف على أنه خارج من حظيرة الدين بحال كان مسلماً، وكذلك لا يصنف الآخر غير المسلم أنه معاد للإسلام ولأمة الحزب.
وبناء على ذلك، فإن مفهوم الاستضعاف بناء على تحديد حزب الله يختلف عن تقسيم بعض المنظرين الإسلاميين العالم إلى دار إسلام ودار حرب الذي يضع المسلمين في مواجهة غير المسلمين. الاستضعاف بمفهوم حزب الله يكون حيث يسود الظلم سواء وقع على المسلمين أو غيرهم وهو مفهوم مستمد من القرآن الكريم وهو يقابل مفهوم المستكبرين الذين يمارسون الظلم سواء وقع على المسلمين أو غيرهم. وخطاب الاستضعاف والاستكبار لا ينطوي على دلالات تكفيرية، فالمستضعف هو مستضعف بغض النظر عن هويته الدينية، وكذلك الظالم والمستكبر ليس له بمفهوم حزب الله هوية دينية. وبناءً على هذا التحديد تجسد أمريكا وإسرائيل رمزاً للاستكبار، وكذلك فإن حزب الله يتعاطف مع زعماء علمانيين وحتى مع زعماء علمانيين ماركسيين في العالم أمثال نلسون مانديلا وفيديل كاسترو وهوغو تشافيز حيث تخضع دولهم لمحاولات هيمنة الغرب، وكذلك يقف إلى جانب الدول المناهضة لإسرائيل باعتبارها رافضة للظلم والاستكبار.
2- الآخر العدائي: الأعداء هم الآخر المتباين مع الذات الجماعية لأمة الحزب تبايناً مقترناً بالحالة العدائية التي يتخذها الآخر إزاء الأمة الإسلامية. وقد تمت الإشارة الصريحة لهذا الآخر في الرسالة المفتوحة على أنه أمريكا وإسرائيل وحلف شمال الأطلسي. وقد حدد منهجية التعاطي مع الآخر العدائي وفق مستويات مختلفة تتراوح بين الجهاد الجذري والجهاد المرحلي.
فالنوع الأول يدخل أمة حزب الله في صراع وجودي لا ينتهي إلا بتصفية وجودية لإسرائيل وفق مراحل تبدأ بإخراج المحتل الصهيوني من لبنان، وهو ما يقع على عاتق أمة الحزب في لبنان، ثم تنتهي باستنهاض سائر مكونات الأمة في وجودها المترامي الأطراف في معركة المواجهة المصيرية لتحرير القدس الشريف وإزالة الاحتلال عن كامل تراب فلسطين.
أما النوع الآخر فهو صراع مرحلي يبتعد عن دائرة الصراع الوجودي لاقترانه بشروط موضوعية ينتهي في دائرته العنفية حالما تنتهي هذه الشروط وقد تم تحديدها عبر أقرانها بمبدأ الاستعمار والهيمنة وخصوصاً في لبنان.
فمع إقران حالة العداء المستوجب لسلوك جهادي، بالوجود الاستعماري في البلاد يصبح السؤال مطروحاً حول طبيعة السلوك أو تعاطي أمة الحزب مع الذوات الأخرى، فهل تبقى ذاتاً عدائية أو داراً للحرب يجب على أمة الحزب في دائرتها الموسعة خوض الجهاد ضدها حالما تسمح الظروف؟
الجواب الصريح يأتي من إغفال الرسالة لدار الحرب ودار الإسلام فيما تنطوي الإجابة في مكان آخر في منطويات هذه الرسالة، على أن المرحلة التي تعقب حالة الجهاد الدفاعي الهادف إلى تحرير البلاد هي مرحلة الصراع الحضاري الذي ستخوضه أمة الحزب والذي يرتكز على منطلقات إسلامية تدعو إلى التعرف غير الإكراهي على الدين وتعاليمه، والمقترن بعدم فرض قناعات الآخرين وأنظمتهم إلى أمة الحزب مما يعني أن هذه المرحلة هي مرحلة حوارية قوامها الحوار الحضاري الذي يتحرك في دائرة ممكنات الجمع عبر الاستناد إلى ما تزخر به الأمة في عقيدتها وتعاليمها وتراثها وتصورها للمستقبل المنشود وطرحها في سياقات تبتعد عن مناخات العنف وتوسله من أطراف الحوار وإذ يسري الطابع الحواري أو الإقناعي على الذوات الأخرى خارج لبنان، فثمة دعوة للذوات المغايرة في لبنان.
رغم تصنيف هؤلاء في إطار الذات العدائية خارج أمة الحزب فلم تدع الرسالة سوى إلى محاسبتهم على جرائمهم المرتكبة بتشجيع من أمريكا وإسرائيل (علماً أن أمة الحزب في دائرتها الولائية لم تشترك في سياقات الحرب الأهلية التي كانت تدور رحاها في جنبات المجتمع اللبناني).
وهؤلاء هم متضمنون في المرحلة الأخرى التي تنتفي فيها الحالة العدائية إلى الخروج من إسار الذوات الطائفية المتشاركة بنية نظام يعكس الاختلالات العلائقية بين هذه الذوات.
3- الآخر غير العدائي: وهو الآخر الذي لم تشر إليه الرسالة ولم يدرج في إطار أمة الحزب أو الآخر العدائي، بل يمكن استكشافه من منطويات الخطاب على أنه لا تنطبق عليه مواصفات الآخر العدائي، أي أنه مغاير بذاته ولكنه ليس لديه موقف عدائي من أمة الحزب ولا هو مؤيد لأمة الحزب ولو في أدنى مستويات التأييد النظري الذي لا يستوجب الدخول في الذات الولائية أو الانتمائية.
لا يحظى هذا الآخر بمساحات وافية في الخطاب على غرار غيره من الذوات المتمايزة. ولكن عندما يشير الخطاب إلى أن الدعوة غير الإكراهية لمعرفة الإسلام هي دعوة للجميع لمعرفته فيمكن أن تشمل هذه الدعوة كافة المكونات الجمعية التي تستند في تكويناتها إلى أساس الدين أو الثقافة أو الأيديولوجيا أو غير ذلك.
فهذه الذوات، التي يمكن أن تشكل شعوباً أو طوائف أو جماعات حزبية لم تشارك في الظلم أو العداء للمسلمين ولأمة الحزب وهي لا تؤيّده إنما لم تبادر إلى دفعه على غرار غيرها من الذوات الجماعية التي جرى تصنيفها كآخر مدرج بين أصدقاء أمة الحزب، مدعوة بطبيعة الحال إلى الحوار كغيرها من الذوات الأخرى، وقد اتجه الخطاب من حال التعميم إلى التخصيص عبر دعوة "أبناء الشعب اللبناني" إلى اختيار شكل نظام الحكم الذي يريدونه(2)
كذلك فإن الإشارة بالخصوص إلى الشعب اللبناني تعبر عن دعوة مفتوحة لكافة الذوات المتوالفة والمتغايرة من بينها أمة الحزب والأعداء والمستأثرين بالحكم المرتكز على أسس طائفية، لاختيار نظام الحكم البديل وبطبيعة الحال فإن الذات غير المعادية وغير الصديقة متضمنة في منطويات الكلام الخطابي للرسالة.
2- في أبعاد الرؤية السياسية مشروع الجمهورية الإسلامية
تحمل الرؤية السياسية لحزب أو لجماعة ما، هدفاً تغييرياً للواقع السياسي والاجتماعي، وبالتالي فهي ترتبط بغاية منشودة، وهي بمثابة مشروع استراتيجي يحفز على العمل وتوحيد الجهود من أجل الوصول إليه وهي تختلف عن البرنامج لكون البرنامج يتضمن عناوين تفصيلية ومحددة بإطار زمني، تسهيلاً لتنفيذه. وكما يحتاج البرنامج إلى وجود الرؤية منعاً للتخبط، وتوجيهاً لمسارات العمل كذلك تحتاج الرؤية إلى وجود منطلقات ترفد الرؤية بعناصر تكوينها وقد تكون هذه المنطلقات بمثابة مركوزات مفاهيمية تشكل الإطار النظري للرؤية أو تكون ناتجة عن قراءة للواقع بحيثياته التكوينية وما يضجُّ به من مفارقات وتناقضات واتجاهات في التفكير والسلوك والعلاقات التفاعلية بين أجزائه ومكوناته.
وفي محاولة معرفة الرؤية السياسية لحزب الله وقبل التعرض لتحديدها نجد أن تشكل وتكوين هذه الرؤية ناتج من عاملين أساسيين: أولهما العامل النظري والثاني هو الواقع اللبناني.
العامل الأول يرتكز على المنطلقات الإيمانية لحزب الله، ولهويته الخاصة المسنودة إلى الارتباط بالولي الفقيه. وهي النظرية التي تشكل أحد التصورات في الفكر والفقه الشيعي تجاه علاقة المجتمع بالسلطة، وبتكوينها ودورها، وهي ترتكز بشكل أساس على ضرورة إقامة الدولة بالاستناد إلى أحكام الإسلام، وقد سبق لهذه التجربة أن سلكت سبيلها إلى التطبيق مع الإمام الخميني قدس سره في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
إعلان حزب الله عن ارتباطه بالولي الفقيه ليس على نحو العلاقة التي تربط المؤمنين بالولي الفقيه وحسب، وإنما عبر إيمانه بمبدأ الحكومة الإسلامية الناتجة عن المباني الفكرية لهذه النظرية. ومن هنا يبرز التساؤل حول ما إذا كانت الرؤية السياسية لحزب الله متأثرة بهذه النظرية وبهذه التجربة كضرورة حتمية لكون حزب الله عبّر بالأساس عن انتمائه للولي الفقيه؟
وبالتالي يبرز التساؤل حول الأسباب التي تمنع حزب الله من المطالبة دوماً بإقامة الحكومة الإسلامية، في حين يطرح برامج أخرى للتغيير في الواقع السياسي كالعمل على إلغاء الطائفية السياسية أو إقامة الدولة العادلة وغيرهما، وهل هذه البرامج تشكل بعض المسارات من أجل تطبيق الرؤية وهي إقامة الحكومة الإسلامية؟
وللوصول إلى الإجابة لا بد من الركون إلى العامل الأول وهو المنطلقات التي يتبناها حزب الله أي إيمانه بولاية الفقيه ومن ثم الواقع الذي يشكل أحد الأبعاد التي ستتأسس عليها الرؤية السياسية لحزب الله.
وفي حال كان الواقع يشكل أحد مرتكزات الرؤية السياسية، فسوف يطرح التساؤل حول ممكنات تحقيق الحكومة الإسلامية المرتبطة بالولي الفقيه في واقع متنوع كلبنان. هل هذا الواقع يتجاوز إمكانية إسقاط رؤية سياسية هي في حيثياتها النظرية تطبق على واقع دون آخر؟ وبالتالي ومع وجود هذا الواقع كأحد الأبعاد التي تنطلق منها الرؤية السياسية لحزب الله فما هي التبريرات التي تتماشى مع فلسفة هويته وانتمائه في تبرير هذه الرؤية وتسويغها؟
للوصول إلى إجابات شافية في هذا المجال لا بد من الرجوع إلى خطاب حزب الله المقدم بهذا الشأن على امتداد أكثر من عقدين ونيف من الزمن. فبمراجعة هذا الخطاب قد يجد الباحث أن ثمة بعض العلامات التي تشير إلى أن رؤية حزب الله السياسية تشكلت بشكل تدريجي مع الزمن بحيث تنقلت بين طرح الجمهورية الإسلامية في منتصف الثمانينات مع تصديره للرسالة المفتوحة، وبين طرح إلغاء الطائفية السياسية كما في البرامج الانتخابية المتلاحقة، أو مع دولة التوافق والمشاركة، أو الدولة العادلة كما في بعض الخطب الصادرة عن قادة الحزب لا سيما أمينه العام السيد حسن نصر الله.
غير أنه ومن جهة أخرى، ففي محاولة القبض على حقيقة الرؤية السياسية لحزب الله وعما إذا كانت إقامة الجمهورية الإسلامية تعكس هذه الحقيقة، وبالتالي عما يصبح ما هو مطروح دونها برامج سياسية متدرجة للوصول إليها أم أن هذه البرامج تشكل رؤية نهائية ومحددة استناداً إلى حيثيات الواقع؟ يمكن القول، وبعد مراجعة الوثائق السياسية لحزب الله أنه بالفعل كانت الرؤية السياسية في بدايات تكوين الحزب تستند إلى طرح إقامة الحكومة الإسلامية وهي جاءت فيما بعد إزاء بروز طروحات سياسية أخرى للحزب غير أنها لم تذو أو تأفل، بل بقيت حاضرة في إجابات بعض قيادات الحزب ولكن مع ذلك لا يمكن خلال الاستناد إلى الطروحات الأخرى على أنها تكتيكات يعمد إليها الحزب في سبيل الهدف الأساس.
ذلك أن هذه الرؤية من خلال العودة إلى الوثائق نفسها نجدها محكومة بعاملين أساسيين هما بمثابة قيم ثابتة تحكم الرؤية وهذان العاملين أولهما يرتبط إقامة العدالة والثاني يرتبط بقيمة الحرية. وهي سوف تتكرر في الخطاب السياسي لحزب الله حين يحيل النظام المنشود إلى اختيار الشعب اللبناني.
ومن هنا فإن الرؤية السياسية عند ارتكازها إلى هاتين القيمتين الحاكمتين عليها، في موضوع تطبيقها، لا تجعلها تتصف بالغموض أو بالإكراه بل يسمو بها على مراتب أعلى تجعلها تختزن الكثير من الدينامية ومن فاعلية الحضور في حقل التداول المسنود إلى أطر ومبادئ فكرية وثقافية أكثر منها في حقل المماحكات السياسية الساعية نحو إخراج الخصم من حلبة الصراع السياسية على قاعدة انحرافاته الرؤيوية، واغترابه عن المزاج التكويني العام.
فحين يرتبط طرح الحكومة الإسلامية بقيمتي العدالة والحرية تتضح جملة من الأمور منها:
- إن طرح الحكومة الإسلامية لا يمكن فرضه بالإكراه طالما هو متأسس على قيمة الحرية بمعنى أن إقامتها مرهونة بقبول اللبنانيين بها
- كذلك انطلاقاً من ارتكازها على هذه القيمة فيمكن لهذا الطرح أن يتحرك في الهواء الطلق أسوةً بغيره من الطروحات.
- إن طرح الحكومة الإسلامية ما لم يؤد إلى تحقيق العدالة التي هي غاية قصوى، فبالتالي يجعل منها محلّ إعمال رأي وسبيلاً للحوار بين رؤى سياسية مختلفة.
- إن طرح الحكومة الإسلامية بحال لم يجد سبيله إلى التحقيق جراء ديناميته وارتباطه بمبدأ حرية الاختيار، فإن ارتباطه بقيمة أعلى هي العدالة فإن هذه القيمة تتحرك أيضاً من منطلقات وإنسانية عامة، وتشكل قاعدة لاستلهام رؤية سياسية تستبطن هذه القيمة.
وانطلاقاً منها يمكن القول إن حزب الله حين يطرح أمراً ما يغاير إقامة الجمهورية الإسلامية، فإن طرحه إذا اسند إلى تبرير ارتباطه بالعدالة وبالحرية لا يشكل برنامجاً بقدر ما يشكل رؤية سياسية تغييرية.
ولكون قيمتي العدالة والحرية تصنفان بين القيم الإنسانية العامة فإنهما بحاجة إلى تسويغ يكشف عن خصوصية اقتناع حزب الله بهما انطلاقاً من هويته الدينية، هذا التسويغ يجد أساساته بالعودة إلى نظرية ولاية الفقيه في علاقتها الجدلية بالواقع.
واستناداً إلى ما جاء في الرسالة المفتوحة من توصيف هوية حزب الله الإسلامية عموماً وولاية الفقيه خصوصاً ثم ما ورد في هذه الرسالة من دعوة إلى إقامة جمهورية إسلامية، وما تلاها ابتداءً من مرحلة تطبيق دستور الطائف، وما رافقها من رفع شعارات تتصل بالدعوة إلى إلغاء الطائفية السياسية، كما ورد في البرامج الانتخابية للحزب أو الدعوة إلى الالتزام بدولة التوافق والمشاركة والدعوة إلى إقامة الدولة العادلة.
إن كل ذلك دفع الكثير من المنظرين وخاصةً المحليين إلى وسم الحزب بالتراجع عن شعار إقامة الجمهورية الإسلامية تارةً وإلى إرجاء هذه الدعوة واعتماد تكتيكات سياسية مرحَّلة إلى حين الوصول إلى الدولة الإسلامية.
في الشق الأول يجد بعضهم أن حزب الله سحب شعار الجمهورية الإسلامية وسكت عنه وكأنه رفع خطأ أو سهواً، وحين كان في أوج حماسته لشعار الجمهورية الإسلامية كان لا يخفي غضبه من أي لمسة لبنانية أو وطنية، ويعتبر اللبنانية والوطنية مأخذاً وأحياناً دليل انحراف عقائدي وخروج فعلي من المشروع الإسلامي، ثم ليعمد فيما بعد إلى تغييب شعار الجمهورية الإسلامية وسحبه بعدما أخذت اللغة اللبنانية تتسرب من وإلى خطاب الحزب وأدبياته وإعلامه وحواراته، وأخذت حركته تنفتح على التحالف والصداقة وتأليف القلوب بالكلام وغيره، ليعود الحزب فيستكمل هذه الانعطافة في المجلس النيابي على نفس قواعد اللعبة اللبنانية في التحالفات والتواطؤات والبراغماتية، وانتهت أخيراً إلى رفع العلم اللبناني في المناسبات الحزبية والوطنية وإلى الإصرار على حضور ممثلي المؤسسات الرسمية في صدر هذه المناسبات، وبالتالي عزف النشيد الوطني، إلى الأدبيات اللبنانية الجميلة(3)
إن عملية الانتقال هذه قد تثير لدى المنظرين الاعتقاد بأن حزب الله لم يعمد إلى ذلك لولا درجة الحرفة في إدارة عمله السياسي وإلى نضجه السياسي الذي تجاوز فيه أحزاب اليمين واليسار أو أنه كان حذراً منذ البداية في هذا الطرح. ولكن من جهة أخرى يمكن الوصول إلى أسباب بروز الخطاب الملبنن لدى حزب الله انطلاقاً من عوامل ذاتية موضوعية وإلى أطروحة ولاية الفقيه نفسها في معرض تعاملها مع واقع شديد التنوع .
المصادر :
1- الرسالة المفتوحة
2- انظر الرسالة المفتوحة.
3- هاني فحص، الشيعة والدولة في لبنان، دار الأندلس، بيروت، 1996، ص 129-130.