(1876-1967) كونراد أديناور Konrad Adenauer سياسي وأول مستشار لجمهورية ألمانية الاتحادية [ر] وأحد كبار رجالاتها. تسلَّم إِدارة مقدّرات بلاده بعد أن خرجت ألمانية النازية من الحرب العالمية الثانية مدمّرة. فقد استسلمت الدولة الألمانية لدول الحلفاء في 8 أيار 1945, ووقعت ألمانية الممزقة في قبضة الدول الحليفة التي بدأت بتنفيذ خطة للانتقال من وضع الحرب والانتقام إِلى مرحلة جديدة من تنظيم ألمانية لتحويلها من دولة معادية محاربة إِلى بلاد محتلة بمساعدة حكومة حليفة. وكان أديناور هو الرجل الذي وقع عليه الاختيار لإِدارة دفة السياسة الألمانية فيما بعد الحرب, فاستطاع أن ينتقل من الدور التنفيذي الذي كلفه القيام به قادة الحلفاء المنتصرين إِلى دور رجل الدولة الذي استطاع ما بين 1945-1967 أن ينهض ببلاده المحتلة والمقسمة, وأن يعيد لها كثيراً من الاعتبار والاحترام في مختلف الميادين: الاقتصادية والسياسية والعلمية.
بعد أن اختير لمنصب المستشار أي رئيس الحكومة في جمهورية ألمانية الاتحادية تمكّن وسط عواصف سياسية أحياناً من الاحتفاظ بهذا المنصب حتى عام 1963 في حين احتفظ برئاسة الحزب الديمقراطي المسيحي الذي أضحى أكبر تجمع سياسي في ألمانية الاتحادية, حتى 1966, وظل محتفظاً بمقعده في المجلس النيابي الاتحادي في بون حتى وفاته وهو في الحادية والتسعين من عمره.
تمكن أديناور من أن يصبح في مرحلة ما بعد الحرب رمزاً لألمانية الجديدة حليفة الغرب, ومؤسساً للنظام الديمقراطي الليبرالي في جمهورية ألمانية الاتحادية التي تألفت من مناطق الاحتلال الغربية: الأمريكية والبريطانية والفرنسية, في حين أقيمت جمهورية ألمانية الديمقراطية في منطقة الاحتلال الشرقية من الأراضي الألمانية بتأييد الاتحاد السوفييتي.
أديناور عمدة كولونية
ولد كونراد أديناور في مدينة كولونية (كولن) في 5 كانون الثاني 1876, وكان أبوه موظفاً صغيراً لدى الحكومة. وبعد أن عمل موظفاً في أحد المصارف في سن مبكرة, تابع دراسته الجامعية ونال إِجازة في القانون, والتحق بمكتب المحامي كوزن الذي كان رئيساً لكتلة الوسط (حزب الوسط الكاثوليكي) في المجلس البلدي في المدينة. عُيّن مساعداً للعمدة عام 1906, ثم انتخب لمنصب العمدة عام 1917 وظل في منصبه هذا حتى عام 1933 بعد أن خاض معارك انتخابية حادة عام 1929. وكان عمدة المدينة الكبرى المنتخب لمدة اثني عشر عاماً, كان يتمتع بمركز مرموق في الدولة والمجتمع. وقد اكتسب أديناور في موقعه الذي شغله سنوات طويلة خبرة عميقة في الإِدارة, وأحاط به أنصار كثيرون من الموظفين الذين يدينون له بالولاء والاحترام. وكانت شخصية أديناور أكثر تأثراً بمنطقة الراين وتقاليدها الثقافية والاجتماعية. وتكونت لديه قناعة تولدت من التجارب المريرة لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى, بضرورة وضع حد للنزاع والحروب بين ألمانية وجيرانها. ومن هذا المنطلق, كان كونراد أديناور في مقدمة رجال السياسة الأوربيين لما بعد الحرب, إِلى جانب روبير شومان وزير خارجية فرنسة, وأَلسيد دوغاسبيري وزير خارجية إِيطالية, في العمل المشترك من أجل تشييد أسس التعاون الأوربي. ولم تكن لتجمع هؤلاء الرجال الثلاثة فكرة أخرى أقوى من انتمائهم إِلى مناطق حدودية يمكن أن تكون ميداناً للقتال عند اندلاع أول نزاع دولي.
بدأ أديناور نشاطه على الصعيد القومي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى مباشرة. فقد عُين رئيساً لمجلس الدولة في بروسية واختير عضواً في اللجنة الإِدارية لحزب الوسط. وقد عمل من موقعه الرسمي هذا على مقاومة تقدم الحركة النازية. وعندما وصل أدولف هتلر إِلى السلطة طرده من منصب عمدة كولن.
عاش أديناور بين عامي 1933و1945 بعيداً عن الأضواء, وتعرض للتهديد مرات عدة, واعتقل مرتين عدة أيام, مرة بعد « ليلة المدى الطويلة» التي وقعت في 30 حزيران 1934, ومرة أخرى بعد محاولة اغتيال هتلر في 20 تموز 1944 على الرغم من أنه لم يقم بدور فعال في المؤامرة.
وفي آذار 1945 وكان عندئذ في التاسعة والستين من عمره دعته السلطات العسكرية الأمريكية للعودة إِلى منصبه لمدينة كولن. لكن القائد البريطاني المسؤول عن الإِدارة العسكرية والمدنية عزله في تشرين الأول من العام نفسه لعدم أهليته الإِدارية وطرده من المدينة وحرمه من ممارسة أي نشاط سياسي, لكن الحظر رُفع عنه بعدئذ. ومنذ ذلك الوقت ارتبط تطور السياسة الداخلية والخارجية لألمانية ما بعد الحرب باسم كونراد أديناور. فتولى زعامة أكبر تجمع سياسي في البلاد (الحزب الديمقراطي المسيحي). وانتخب رئيساً للمجلس النيابي التأسيسي لوضع دستور جديد للبلاد. وتسلّم دفة الحكم عندما ترأس أول حكومة لجمهورية ألمانية الاتحادية التي أسست بتأييد الحلفاء الغربيين على أراضي مناطق الاحتلال الأمريكية والبريطانية والفرنسية عام 1949. واحتفظ بمنصب المستشار أربعة عشر عاماً متواصلة حتى1963.
سياسة المستشار أديناور
كان من أهم ما عُرف به أديناور الفطنة التي مكنته من اتخاذ القرارات المهمة يستبق بها الأحداث ويؤثر في توجيهها وفي تكوين الرأي العام حولها. وكان نجاحه الكبير هو في استرداد مكانة خاصة لبلاده المقسمة وهو يدير حكومتها في ظل قوات الاحتلال.
لكن كونراد أديناور يبقى في التاريخ الألماني رجل السياسة الغربية بعد الحرب. فقد تلقى التأييد والثناء من زعماء الغرب لمقاومته الشيوعية في ألمانية. واسترضى زعماء الصهيونية بتوقيع معاهدة مع الإِسرائيليين نصت على دفع تعويضات لهم بلغت مليارات الماركات الألمانية وكانت من العوامل المهمة في توطيد أركان الاغتصاب الصهيوني للأراضي العربية في فلسطين.
استطاع أديناور في أثناء قيادته للحكومة الألمانية الاتحادية وبهيمنته على وزارة الخارجية حتى عام 1955 وما بعده أن يرسي قواعد علاقات وثيقة بينه وبين كبار رجال الدولة في الغرب. وكان أهم إِنجازاته الدبلوماسية إِرساء قواعد المصالحة بين ألمانية وفرنسة باتصالاته مع رئيسي الحكومة الفرنسية بيير منديس فرانس وغي موليه, ولكن هذه السياسة بلغت ذروتها عام 1957 بتوقيع معاهدة رومة مع دول الحلفاء, ثم باللقاء مع الرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديغول في 14 أيلول 1958 وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين الأوربيين اللذين كان تنافسهما ونزاعهما سبباً في اندلاع حربين عالميتين في القرن العشرين, ووضعت خطوط السياسة الجديدة بين البلدين في المعاهدة الفرنسية - الألمانية التي وُقعت عام 1963.
إِلا أن موقع أديناور أخذ يهتز في عام 1959 بمواجهة بعض الأحداث وأمام بعض المواقف, منها إِخفاقه في الوصول إِلى رئاسة جمهورية ألمانية الاتحادية خلفاً لأول رئيس لها, تيودور هويس. ومع أنه استطاع كسب تأييد الرئيس الأمريكي د. أيزينهاور ووزير خارجيته جون فوستر دلاس فإِن علاقاته مع الرئيس الأمريكي الديمقراطي جون كنيدي لم تكن حسنة.
وتمسك أديناور بالسلطة على الرغم من تقدمه في السن ولم يفسح في المجال لنائبه وخلفه لودفيغ أيرهارد أن يتسلّم منصبه إِلا بعد أزمة سياسية داخلية. ولكن انتقال السلطة في ألمانية الاتحادية في حياة أديناور بالطرق الدستورية وفي إِطار التنافس السياسي أدى إِلى تعزيز الديمقراطية في ألمانية وأرسى فيها قواعد الاستقرار بعد الحرب.
لقد نجحت سياسة المستشار كونراد أديناور في إِعادة تأسيس الدولة الألمانية على جزء كبير من الأراضي الألمانية على قواعد مختلفة عما كانت عليه من قبل. وعمل بمساعدة وزير الاقتصاد إِيرهارد على إِعادة بناء اقتصاد الدولة وصناعتها. وتصدت حكومة أديناور ضمن الحلف الغربي وفي إِطار الحرب الباردة, للدولة الألمانية الديمقراطية ولكتلة الدول الشرقية بزعامة الاتحاد السوفييتي آنذاك. ولكنه على الرغم من القيود التي فرضت على السياسة الخارجية الألمانية بعد الحرب فإِن أديناور تمكن من أن يجعل لألمانية الاتحادية موقعاً مميزاً في بناء الأسرة الأوربية وفي الحلف الغربي. ونجح في اتخاذ مبادرات غيرت بوضوح وجه السياسة الأوربية عندما قام بزيارة للاتحاد السوفييتي عام 1955, وبتعاونه الوثيق مع الجنرال ديغول لبناء السوق الأوربية المشتركة والوحدة الأوربية.
كونراد أديناور
Sunday, September 21, 2014
الوقت المقدر للدراسة:
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.
آخر أعلام
الأكثر زيارة في الأسبوع
موارد بیشتر برای شما
الشعر في مشهد، العاصمة الدينية لإيران
الانهيار البطيء للنظام السعودي..بن سلمان وحيدا في القمة!
معركة فاصلة على الرئاسات الثلاث في البرلمان العراقي
امريكا تصعد هجماتها الإعلامية ضد وزيرخارجيتها السابق
كاتب بريطاني: ابن زايد يستغل جهل ابن سلمان
مفاجأة... لماذا قرر عمر البشير حل الحكومة؟
الأنواء تعلن حالة الطقس في العراق للأيام المقبلة
اليابان تجرب مصعدا إلى الفضاء!
استخدام تقنية التعرف على الوجه في مطارات الهند
روسيا تستأنف إنتاج أضخم "سفينة طائرة" في العالم
جماعة علماء العراق: حرق القنصلية الايرانية تصرف همجي!!
البرلمان العراقى يعقد جلسة استثنائية لمناقشة الأوضاع بالبصرة اليوم
قمة طهران تخطف صواب الغرب وتذهل ساسته
معلومات لم تسمعها عن "المختار الثقفي"..من أديا دوري الامام الحسين وأخيه قمر بني هاشم؟!
الأمم المتحدة تطالب الصين بالإفراج عن مليون مسلم من الأويغور