(1849ـ1930) ألفرد فون تيربتز Alfred Von Terpitz (أميرال ألماني)، ولد في كوسترين Kustrin (بروسية)، وتوفي في إبنهاوزنEbenhausen قرب ميونخ، من أشهر القادة الألمان ومؤسس البحرية الألمانية في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى والشخصية المهيمنة في عهد الامبراطور غليوم الثاني.
ينتمي ألفرد فون تيربتز إلى أسرة موظفين، انتسب عام 1865 إلى البحرية البروسية بصفة طالب ضابط بحري Midshipman بالكلية البحرية في كيل Kiel، وتخرج فيها ضابطاً في عام 1869. وتدرج في المناصب إلى أن عُين قائداً للواء زوارق طوربيد، ثم مفتشاً عاماً لأسطول الطوربيدات، وابتكر مبادئ تكتيكية، أثبت نجاحها وطورها بعد أن غدا رئيساً لأركان بحرية القيادة العليا. في عام 1892 صار تيربتز وزيراً للبحرية الامبراطورية، وأُنعم عليه بلقب النبالة. بعد ذلك رُقّي إلى رتبة لواء بحري Rear Admiral في عام 1895، وعُين قائداً لعمارة الطرادات Cruiser Squadron الألمانية التي أُرسلت إلى شرقي آسيا عامي 1896-1897، في عام 1898 قدم تيربتز مشروع قانون لإعادة تنظيم الأسطول البحري الألماني وتطوير الدفاع الساحلي نواةً للبحرية، وتشكيل قوة بحرية من السفن المدرعة Admiral Vessels وسفن الاستطلاع الخفيفة Light Reconnaisance Ships وألوية زوارق الطوربيد لمهام الخفارة والمراقبة، ومع أن الصناعات البحرية لم تُكلّف آنئذ إلا تصنيع سبع بوارج[ر] Battleships وطرادين ثقيلينHeavy Gruisers وسبعة طرادات خفيفة Light Cruisers، فقد مكّن ذلك ألمانية من امتلاك عمارة بحرية من ثماني سفن في بحري البلطيق والشمال، والاحتفاظ بعمارة بحرية ثانية في الاحتياط، وإنشاء عدة محطات لخدمة السفن.
وفي حين اكتفى تيربتز عند صياغته لقانون عام 1898 بتلبية احتياجات ألمانية إلى أسطول قتال يعمل في أعالي البحار، فقد طرح في المشروع الثاني الذي قدمه عام 1900 في برلمان الرايخ Reichstag، يوم صار نائباً فيه برنامجاً طموحاً لتطوير الأسطول وتحديثه بهدف السيطرة على المحيطات. ورُفّع إلى رتبة فريق بحري Admiral في عام 1903، وإلى رتبة مشير بحري Grand Admiral في عام 1911.
تنبهت الدول الكبرى إلى مشروع تيربتز في تطوير البحرية، فسعت إلى الاقتداء به. وعلى الرغم من أن بريطانية الرائدة في مضمار الصناعة البحرية المزدهرة منذ 1905، يوم كانت تتفوق عدداً بسبع سفن رئيسة على منافستها ألمانية، فإن تعداد السفن الرئيسة البريطانية في مطلع الحرب العالمية الأولى لم يتعدَ 49 بارجة (بعد إضافة السفن التي صُنعت على عجل في عام 1914) لقاء 29 سفينة من النوع لدى البحرية الألمانية المتنامية في هذا المضمار.
كلّف مشروع تيربتز الثاني ألمانية صعوبات مالية وسياسية كبيرة مما جعل الدول الكبرى تنظر بعين الريبة إلى هذا المشروع الذي كان هدفه المعلن «ردع العدو المحتل»، ثم تبين لها أن البحرية الألمانية لن تقتصر على الدفاع، بل ستكون قوة ضاربة تعمل في أعالي البحار والمحيطات، فدخلت هذه الدول في سباق تسلح مع ألمانية، وخاصة بريطانية التي ألمحت إلى عدم استعدادها للتساهل بهذا الموضوع. واضطرت ألمانية إلى التخلي عن برنامجها لبناء أربع سفن حربية سنوياً والتراجع عن السباق مع بريطانية، وفقدت سياسة تيربتز أهميتها.
ومع نشوب الحرب العالمية الأولى في تموز 1914، عمد تيربتز إلى إحياء سياسته في السيطرة على أعالي البحار وتوسيع عمليات الأسطول في هذه الحرب، إلا أن تفوق القوى البحرية لدى الحلفاء جعله يشعر بعقم سياسة الردع التي طرحها، وبعدم توافر الشروط لفرض القرار الألماني في البحر، فمال إلى التوسع في حرب الغواصات، لكنها لم تحقق نجاحات كبيرة بسبب عدم اكتمال أعدادها.
اضطر تيربتز إلى الاستقالة في آذار 1916 تحاشياً للمعارضة المتصاعدة، وأصيب بالإحباط بسبب الخسارة المعنوية التي لحقت بالبلاد، فانضم إلى مؤسسي حركة الوحدة الوطنية، وعاد ثانية إلى برلمان الرايخ في المدة بين (1924-1928) نائباً عن حزب الشعب الوطني الألماني. إلا أنه فقد القدرة على الإقناع، فاعتزل في بافاريا العليا، حيث توفي.
كان تيربتز حسب معايير زمانه ضابطاً بحرياً عصرياً، يتمتع بدقة المعرفة والعقل الممحص والاهتمام التقني المنتج. أتقن فن الحرب، وكان بارع التنظيم، دؤوباً في عمله. تمكن من تحويل مبادئه الخاصة إلى مذهب عام، مقدماً الأنظمة والقوانين على المعايير السياسية والتقنية فكانت مؤسسة القوى البحرية الألمانية واتساع دائرة عملها معياراً لقيمتها السياسية ومهامها وليس العكس. وبذلك يُعد تيربتز أبا البحرية الألمانية التي غدت سلاحاً ماضياً، واحتلّت المرتبة الثانية بعد البحرية البريطانية حينذاك.
