التونسي

خير الدين باشا

Thursday, December 4, 2014
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
خير الدين باشا

(1225ـ1308هـ/1810ـ1890م) خير الدين باشا التونسي وزير، ومؤرخ وأحد رجالات الإصلاح الإسلامي إبَّان العهد العثماني، يعود في أرومته إلى أصول جركسية، قدم تونس صغيراً في عهد الأسرة الحسينية، تلقى العلوم الدينية، وأتقن عدداً من اللغات الأجنبية منها التركية والفارسية، وهذا الأمر كان مألوفاً لدى غالبية علماء ذلك العهد، اتصل بالباي أحمد (1837-1855) ومالبث بعدها أن انخرط في خدمة الأسرة الحسينية، متنقلاً بين العديد من المناصب، حتى تولى منصب الوزارة في تشرين الأول 1873م، خلفاً لمصطفى باشا الخازندار الذي صُرف عن الوزارة، وظلّ فيها مدة تقارب الأربع سنوات، حتى تموز 1877م، عندما أبعد عن الوزارة.

سافر إلى كثير من الدول الأوربية، موفداً وسفيراً من لدن الباي محمد الصادق (1855-1882م)، الذي تولى مقاليد الأمور بعد الباي أحمد، فأتيحت له بذلك فرصة الاطلاع على الحالة التي وصلتها تلك البلاد من الرقي والتقدم، وما تحقق في العديد من الميادين، وأثرت فيه تلك الأوضاع، كما تأثرّ بفكر الثورة الفرنسية، خلافاً لما كان عليه العرب تحت الحكم العثماني، حيث التخلّف والتأخر في مجالات الحياة كافة، إضافة إلى الحكم الاستبدادي. كان ذلك كله حافزاً للتفكير بمستقبل أمته، والطرق التي يمكنها سلوكها وصولاً لمعارج الرقي والتطوّر، أسوة بباقي الأمم والشعوب، وهذا الأمر شجعه على القيام بالكثير من الإصلاحات التي كان يرى أنها بداية الطريق الموصل للفلاح، شملت تلك الإصلاحات الجوانب الإدارية والتعليمية، فأوجد الكلية الصادقية المماثلة للزيتونة، وعمل جاهداً لإعلان الدستور التونسي وتم ذلك سنة 1867، واعترف فيه باستقلالية القضاء، إلا أن هذا الدستور، لم يُقيَّض له أن يجد طريقة للتنفيذ، بسبب العراقيل التي وضعت في طريق تنفيذه، إضافة إلى هذا، كان يتوق للقيام بعدد من الإصلاحات الاجتماعية التي تنسجم والتقاليد المحلية، وقد حاق بتلك المحاولات الإخفاق، لأنها كانت تتطلب تكاليف مالية كبيرة، وهو ما لم يكن متوافراً وقتذاك في الخزينة، لذا كان لابدّ لإنجاز تلك الإصلاحات المختلفة، من استدانة مبالغ كبيرة، ويترتب على ذلك، فرض ضرائب جديدة على المواطنين. أسهمت فرنسة في إحباط المحاولات الإصلاحية، للحيلولة دون تطوُّر وتطوير المجتمع التونسي، وهي تعدّ العدّة لاحتلال تلك البلاد، بعد احتلالها الجزائر، من هنا عجَّلت كل هذه الأمور بصرفه عن الوزارة. غادر تونس إثر خلاف نشب بينه وبين الباي محمد الصادق، فتوجَّه إلى باريس فأقام فيها مدة، حتى استدعاه السلطان عبد الحميد الثاني للأستانة، فأسند إليه رئاسة لجنة الإصلاحات المالية، ثم رئيساً لمجلس الدولة، وأخيراً منصب الصدارة العظمى عام 1878م، وكان توليه لهذا المنصب، إبَّان حقبة عصيبة من حياة الدولة العثمانية، إثر الهزيمة التي منيت بها تركية في حربها مع روسية، إلا أنه لم يبق في منصبه أكثر من عام، فقد حاول بعث مشاريعه الإصلاحية مجدداً في حاضرة الدولة، ومنها سعيه لتعزيز مكانة الصدر الأعظم، بعيداً عن كونه مجرد وسيلة لتنفيذ أوامر السلطان، إلا أنه أخفق مجدداً في مسعاه، فاستقال من منصبه عام 1879م وعيِّن بعد ذلك عضواً في مجلس الأعيان، واستمر فيه حتى وفاته بالأستانة عن عمر يناهز الثمانين عاماً، ودفن هناك.

وضع عدداً من الدراسات، إلا أن أهمها كان كتابه الذي وضعه بعد جولاته في الدول الأوربية وقبل تسلّمه مهام الوزارة في تونس، وأسماه، «أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك»، أنجزه عام 1867م، وقد بيّن الغرض منه، وهو الإشارة إلى الوسائل التي أوصلت الممالك الأوربية إلى ما هي عليه من المنعة والسلطة الدنيوية «وعلينا أن نتخيّر منها ما يكون بحالنا لائقاً، ولنصوص شريعتنا مساعداً وموافقاً»، وكان قصده من تأليف الكتاب أولاً: حض ذوي الغيرة والحزم من رجال السياسة والعلم على التماس ما يمكنهم من الوسائل الموصلة إلى تحسين حال الأمة الإسلامية، وتنمية أسباب تمدنها بتوسيع دوائر العلوم والعرفان، وتمهيد طريق الثروة من الزراعة والتجارة، وترويج سائر الصناعات، ونفي أسباب البطالة. وهدفه الثاني: تحذير ذوي الغفلات من عوام المسلمين عن تماديهم في الإعراض عما يحمد من سيرة الآخرين.

كان خير الدين، علماً من أعلام الإصلاح في القرن التاسع عشر، ومن أبرز رجالات تونس في عهد البايات، أهلاً للثقة، جريئاً، حرّ التفكير، حازماً.
 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.